480
0
أفكار ضد الرصاص ، في التّنوير والتّحرير للشعب و الوطن
محمد مصطفى حابس : جينيف / سويسرا
استعرت هذا العنوان " أفكار ضد الرصاص " من عنوان كتاب أفكار ضد الرصاص للكاتب الكبير محمود عوض (28 ديسمبر 1942 - 28 أغسطس 2009)، وقد قرأته عدة مرات منذ أزيد من 30 سنة، يتناول محمود عوض في كتابه هذا أربع قضايا فكرية دارت رحاها في نهايات القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين وشغلت الرأي العام والوسط الثقافي لفترات غير قليلة بل إن منها ما أثر بشكل مباشر على الوضع السياسي في ذلك الوقت، القضايا الأربعة دارت حول كتب تحرير المرأة لقاسم أمين وطبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبد الرحمن الكواكبي والإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق و أخيراً كتاب في الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين، عموما قد يختلف الإنسان مع هذا الكتاب أو ذاك، لكن الذي أبدعه محمود عوض هو استخلاص حكم و درر من فصول هذه الكتب، وأنا وجدت أن ما ذهب اليه المؤلف جميل أن يحذو المرء حذوه، وقد سبقه لذلك العلامة محمود بوزوزو مع الفارق في الخلفية لكل واحد منهما، محمود عوض يصارع بلسانه و قلمه بأريحية في وقت السبعينات يومها كانت فيه مصر حرة و بوزوزو كان يصارع و الجزائر مستعمرة في خمسينات القرن الماضي، طبعا للعلامة بوزوزو فضل السبق رغم حصار قلمه من طرف الاستعمار الفرنسي.
محمود عوض ضد التيار بقلم ثائر و متمرد:
حتى المتتبع لمؤلفات محمود عوض، يجد ثورة عارمة و متمردة في قلمه من خلال عناوين كتبه، وقد ألف عوض العديد من الكتب من بينها التالي:
أفكار ضد الرصاص، دار المعارف، القاهرة، 1972.
ممنوع من التداول، دار الشروق، القاهرة، 1972.
ممنوع من التداول 2 أفكار إسرائيلية، الإذاعة والتليفزيون، القاهرة، 1973.
سري جدا، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1974.
متمردون لوجه الله، دار الشروق، القاهرة، 1986.
وعليكم السلام، دار المستقبل العربى، القاهرة، 198.
أم كلثوم التي لا يعرفها أحد، جريدة أخبار اليوم، القاهرة، 1987.
محمد عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد، دار المعارف، القاهرة،1991.
بالعربي الجريح، دار المعارف، القاهرة، 2006.
من وجع القلب، دار المعارف، القاهرة، 2007.
شخصيات، دار المعارف، القاهرة، 2009.
اليوم السابع: الحرب المستحيلة... حرب الاستنزاف، دار المعارف، القاهرة، 2010
قبسات من ضياء كتاب " أفكار ضد الرصاص"
وهذه بعض قطوف وحكم اقتبسها أحد الافاضل و زودني بها مشكورا تخفيفا علي من إعادة الرقن، نقلا عن ذات الكتاب أي" أفكار ضد الرصاص " ، ومنها:
“إنني أستطيع أن أعطيك قلبي .. فأصبح عاشق .. أعطيك طعامي فأصبح جائع .. أعطيك ثروتي فأصبح فقيرًا .. أعطيك عمري فأصبح ذكري ... ولكنني لا أستطيع أن أعطيك حريتي. إن حريتي هي دمائي، هي عقلي، هي خبز حياتي. إنني لو أعطيتك إياها فإنني أصبح قطيعًا، شيئًا له ماضي .. ولكن ليس أمامه مستقبل".
“الاسماك الميتة فقط هي التي تسبح مع التيار”
“الخروج عن القطيع هو في الواقع أمر يتطلب شجاعة بالغة”
“إن حريتي هي دمي...هي عقلي ..هي خبز حياتي ..إنني لو أعطيتك إياها فإنني أصبح شيئاً له ماض ...ولكن ليس أمامه مستقبل"
“لكي يستمر الاستبداد لا يكفي أن يوجد حاكم مستبد أو حكومة مستبدة. لابد أيضا من شعب يقبل هذا الاستبداد (..) لابد من إنسان يريد أن يسلب حرية غيره، وإنسان آخر يقبل النزول عن حريته لغيره".
لا يوجد إنسان فاضل أو غير فاضل قبل أن يملك حق الاختيار، قبل أن يكون حرًا
هل نريد مواطنا يصفق .. أم مواطنا يفكر ؟
أنريد عقلا يوافق .. أم عقلا يشك ؟
أنريد تاريخا نقدسه ... أم نريد حقائق نفحصها ؟
أنبحث عن ماضِ يُحيرنا أمره .. أم عن مستقبل يٌحيره أمرنا ؟
“السلطة في المجتمع العربي كانت لها دائمًا مقاييسها الخاصة التي تخفيها دائمًا و تعلنها أحيانـًا.
إنها تعتبر: أن الخوف صبر .. والجمود عقل .. والتطور جنون .. .. والتفكير جريمة. الضعف نعمة .. والجبن قيمة .. والشجاعة رذيلة .. والصمت حكمة .. والجهل فضيلة .. والتمرد زندقة .. والاختلاف خيانة. الظلام نور .. والظلم عدل .. والطغيان قوة .. والإرهاب قانون .. والحاكم إله .. .. والشعب عبيد. التاريخ أسطورة .. والماضي مقدس .. والحاضر مقبول .. والمستقبل ملعون.”
“إن أى هزيمة إما أن تصيب الانسان بالشلل أو تدفعه الى الحركة. الهزيمة تدفع فيك اليأس أو تثير فيك التحدي. هذا يتوقف على الانسان نفسه".
“كلما أقنع الشعب نفسه بان المستبد إنسان قوى عظيم ومدهش .. أحس أنه أقل خجلا من طاعته .. لهذا نجد ان المستبد نفسه يغذى هذا الشعور .. إنه يغذيه لأنه يحتاج إلى شعب مؤمن به ومؤمن باستبداده..
فلكي يستمر الاستبداد لا يكفى ان يوجد حاكم مستبد أو حكومة مستبدة .. لابد أيضا من شعب يقبل هذا الاستبداد..
“السلطة عند المستبد تخدم نزوة، وعند الحاكم تخدم هدفاً”
"إن المستبد يريد من الناس أن تحصل على الطعام وتترك له السياسة .. فالناس عنده ليس لهم حق في شيء اكثر من العلف الذى يعطيهم إياه..
اما الناس عند الحاكم فيحصلون على السياسة .. ويتركون له الطعام .. يحصلون على السلطة .. ويتركون له المسئولية..
“إن راحة البال و التطور هما غالبا عدوان أكثر مما هما صديقان .. وما دام التطور فى المدى البعيد - أكثر أهمية من راحة البال بالنسبة لمجتمع .. فإن على المجتمع أن يضحى براحة البال كلما تعارضت مع ضرورات التطور..."
“كل عبد يستحق السيد الذي يستعبده”
"ان المستبد بربد من حوله بطانة تغذى فيه نقاط الضعف .. على حين يريد الحاكم مساعدين يؤكدون فيه نقاط القوة .. لهذا فعندما ينتهي كل شيء نجد ان المستبد قد ترك خلفه كلابا تتقاتل على السلطة .. بينما الحاكم يترك خلفه تقاليد تحكم السلطة"
"الطفولة ليست عمرًا تُحدده شهادة الميلاد.. إنها حالة عقلية.. الطفولة معناها أن شخصًا آخر يحمل عنك الهموم ويسحب منك المسئولية ويفرض عليك الوصاية. إن أفعالك لا تُصبح صحيحة قبل أن يُوافق هو.. وهي ليست خاطئة إلا إذا اعترض هو".
"الخوف كان يُسيطر على كل العلاقات داخل المجتمع. لهذا فمن الطبيعي أن يرتعد المجتمع كله من أي فكرة جديدة، أي عادة حديثة. إن المجتمع كان ينظر إلى كل شيء جديد بعين الشك والريبة."
“إن البخار الذي يظل محبوسًا مكبوتًا فترة طويلة يندفع بعنف من أضعف نقطة على السطح".
“المجتمع لم يكن يعرف وسيلة أخرى للتعامل مع النقد الذي يُوجه إليه. لا يعرف وسيلة غير الإسراع إلى التشكيك في إخلاص الناقد و وطنيته ودينه. هو أسهل الأشياء، وأكثر ألمًا في الوقت نفسه. إن إلقاء الغبار على ناقدك هو أسهل طريقة لإعفائك من الدخول في مناقشة موضوعية لأفكاره."
“إن الإنسان الحر، المسئول، الناضج، يلوم نفسه فقط على أفعاله وظروفه، إنه مسئول عن أفعاله. مسئول عن مقاومة ظروفه."
العلامة محمود بوزوزو طود شامخ من أطـواد النضال الفكريّ السياسي الوطني التحرري
يعـتـبـر العلامة محمود بوزوزو(1918-2007) طــودا مـــن أطــواد النضــال الفكريّ السيــاســي الــوطني التحرري في الجـزائـر - على حد تعبير أستاذنا أرزقي فراد في مقدمة كتابه بعنوان : "أفكار محمود بوزوزو في التّحرّر الوطني"-، خاصة خلال عقدي الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، فبالإضافة إلى نشاطه في حقل الإصلاح الاجـتـمـاعـي مـن أجــل صيانة الهــوية الجــزائرية الإســـلامية المهددة بالمسـخ الاستعماري، ومحاربة الجهل والأمية عن طريق إسـهامه في بناء المسـاجد والمدارس العربية الحرة ضمن نشــاط جمعية العلماء المســلمين الجزائريين في جهات شتى من ربوع الجزائر، فقد شـارك بـقــوة في نـشـــر الـفـكـر التحرري بلســانه وقــلمه بعيـــدا عـن التحزب، خـاصة بعـد تأسيسه لجريدة المنار سنة 1951م. واشتهر بنضاله وجهاده الفكري من أجل تكريس وحدة الصـف وجمع الشـمل وتوحيد جهود الجزائريين بمختلف أطيافهم الســياسية، حول المشروع التحرري. أما بعد اسـترجاع الاسـتقلال الوطني، فقد أوقف جهوده الفكرية في المهجر لخدمة المشروع الإسلامي كبديل حضاري يحقق السلم والرقي للإنسانية قاطبة، دون أن يقطع الصلة الروحــية بوطنه المفدى. وقـد أوصى بدفن جثمانه في أرضه الطاهرة ، وهو ما تم بالفعل عقب وفاته يوم 27 سبتمبر 2007م، حيث دفن بمسقط رأسه بجاية.
ثلاث سمات بارزة ميّزت مسار العلامة بوزوزو النضالي التحرّري:
ولعل ما ميّز مساره النضالي التحرّري ثلاث سمات بارزة. أولاها كونه استفاد من مدرستين؛ مدرسة تقليدية مكّنته من تعلّم اللغة العربية وحفظ القرآن في طفولته ومن الاحتكاك بالمخطوطات والكتب الخاصة بالحضارة العربية الإسلامية في محيط عائلته البجاوية، ومدرسة فرنسية مكّنته من الاطلاع على الفكر الغربي العقلاني والفكر الإنساني عامة، فخذ على سبيل المثال مقولته الواردة في مقاله "نظام التربية في الجزائر" المنشور بجريدة المنار مؤداها :« بما أنّ البشر يتفاوتون في التفكير والإدراك، تعدّدت المذاهب وتنوّعت المشارب» تقاطعت هذه المقولة مع مقولة المفكر الألماني هيجل: « العقل يجمع الناس، والفهم يفرّقهم»!. ومن قناعاته العقلانية، اعتقاده أن تنوّع الفلسفات وتعدّد الأفكار بين الناس أمرٌ طبيعيّ، لكن المشكلة تكمن في « التعصّب» للرأي، وهو ما ينجب الفتنة.
والسمة الثانية أنه تمسّك بـ«سلطة الفكر والعلم»، فتجاوز النزعة الحزبية الضيقة، و تخلّص من سياج «المذهبية» وعفّ عن العصبية، محتفظا باستقلاليته الفكرية والسياسية بأن نأى بنفسه عن التحزّب أو الهيكلة في جمعية ما، مفضّلا التعاون مع الجميع. كما أنه تجاوز الصراعَ - الذي كان يطفو على السطح أحيانا- بين دعاة الحركة الإصلاحية الفكرية وبين مناضلي الحركة الوطنية التحررية.
والسمة الثالثة هي قناعته بحتمية توحيد جهود الجزائريين بكل أطيافهم الإيديولوجية في أطار وحدة العمل، كشرط ضروريّ لتحقيق النصر.
لقد مكّنه تحصيله التعليمي المزدوج من التشبّع بالثقافة الجزائرية والحضارة الإسلامية من جهة، ومن الإلمام بالفكر الإنساني والحضارة الغربية ومن الاطلاع على جهود النّضال التّحرّري في العالم من جهة أخرى.
هذا وقد نوّه المصلح علي مرحوم سنة 1937م عبر جريدة البصائر، بمحمود بوزوزو وهو شاب يافع ينهل المعارف في المدرسة الرسمية دون التنكر لأصالته:<<...ولا سيما إذا كان الشاب المثقف أيضا، عاملا مخلصا مصلحا مثل ما نعرف من بعض الشبان الذين يزاولون التعليم في المدرسة الرسمية بقسنطينة، وعلى رأسهم حضرة الشاب المهذّب والمصلح الأنجب السيد محمود بوزوزو البجائي، فهو بحقّ من الشباب المخلص في خدمة الإصلاح ونصرة المصلحين، ويمتاز بهذا عن غيره من بقية "الرسميّين" بالرغم من المراقبة التي يراقبه بها بعض ... ، وبُغْضهم له على ذلك
أفكار ضد الرصاص في التّنوير والتّحرير للشعب و الوطن:
وهذه بعض أفكار وحكم ، عبارة عن قبسات من درر العلامة الشيخ محمود بوزوزو، التي يمكن للقارئ أن يطلع عليها مفصلة في مقالاته و افتتاحيات مجلة المنار خصوصا، المجلة الرائدة التي أسسها عام 1951 و بقية تصدر حتى قبيل الثورة من عام 1953 ، من ذلك قوله:
إن العقل أشرف شيء في الإنسان، فإذا كان مقيّدا بأوهام فاسدة، خاضعا لاعتقادات باطلة، كان ما يصدر عن الإنسان فاسدا باطلا، ذلك يؤدي لا محالة إلى الشقاء.
والأمة إذا ضل عقلها وفسد تفكيرها بسبب خضوعها لاعتقادات ضالة، فإنها تكون عضوا أشلّ في الجامعة الإنسانية، ولا يمكنها أن تستفيد أو تفيد في المدنية.
والحقيقة أنه لا يسوّغ لنا أن نسمّي أنسانا كلّ كائن بشريّ له عينان وأذنان، بل نسمّي إنسانا ذلك الذي يعلم حين يرى ويسمع.
ويحَ العاقلِ الذي لا دين له، و ويحَ المتديّنِ الذي لا عقل له .
والدين إذا لم يكن له أثر حسن في الحياة العملية، فلا معنى له.
قوّة المال أعظم من قوّة الضمير.... الضمائر الصغار تذِلّ لرنين الدينار.
ليس كلّ القديم باليا فاسدا، وليس كلّ الحديث رائقا صالحا.
علِمنا أن الكشافة النسوية على ما يبدو غير مُرضٍ عنها في المشرق، ولا نحبّ أن نسمع مثل هذه الانتقادات عندنا.
جميل لو يجتهد بعض أساتذتنا لطرح هذه المقارنات بين الرجلين في رسالة شافية كافية، أو أطروحة ماجستير أو دكتوراه، لاستخلاص العبر من رجال جبال كان ولازال همهم الأكبر إسعاد شعوبهم و تحرير أوطانهم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.