116
0
الدكتور محمد بلغيث لبركة نيوز: “ضبط مرجعية العمل الجمعوي حتمية وهذه السبل لكتابة تاريخية ناضجة”

الدكتور محمد بلغيث لبركة نيوز: “ضبط مرجعية العمل الجمعوي حتمية وهذه السبل لكتابة تاريخية ناضجة”
الدكتور محمد بلغيث من رجالات الدعوة والإصلاح وصاحب تجارب رائدة في عالم العمل الجمعوي ومسار طويل داخل وخارج الوطن في خدمة قضايا الفكر والتربية وإعداد الأجيال وفق منظور وسطي وشامل ،يحمل هم الأمة ويسعى في غرس قيم الهوية التي تقوم عليها تطور المجتمعات ونهضتها، ولإستعراض تجربته وبعض محطاته العلمية والتربوية وغيرها من القضايا جمعنا به هذا الحوار.
أجرى الحوار عبد النور بصحراوي
في البداية سيدي هل لك أن تعرفنا بشخصكم الكريم وأهم محطاتكم العلمية؟
اسمي الكامل محمد بن بوجمعة بلغيث من مواليد ولاية تيزي وزو، زاولت دراستي في الأطوار الثلاثة بالجزائر العاصمة لاأتحق بعدها بالجامعة المركزية في تخصص اللغة، إلتحقت بعدها بطور الماجيستر في المعهد الوطني العالي لأصول الدين سنة 1993 غير اني لم امكث طويلا هناك لأغادر سنة 1995 إلى ماليزيا وأتحصل على شهادة الماجيستر سنة 1999 في الدراسات العربية والحضارة الإسلامية لأنال بعدها ب 9 سنوات وبالضبط سنة 2008 شهادة الدكتوراه عن الأطروحة الموسومة بضمانات الدعوة الإسلامية لمستقبل الحضارة.
زاولت التدريس بالجامعة الوطنية بماليزيا وإلتحقت بعدها بالجامعة العالمية، امتزجت نشاطاتي بين التدريس والنشاط الدعوي ووضع البرامج وتوجيه الدراسات خاصة مع الجو الملائم للإفادة والاستفادة والإحتكاك بكبار العلماء من عديد التخصصات ومن مختلف الأقطار.
كانت عودتي للجزائر سنة 2011، وانا أستاذ منذ سنة 2015 بقسم التاريخ جامعة الجزائر 02 ولي مشاركات بالمعهد الوطني العالي لأصول الدين مع حضور اعلامي متواصل في القنوات العمومية والخاصة بالإضافة الى تنشيط عدة ندوات وملتقيات.
كنتم من الأوائل الذين هبوا للعمل الجمعوي في الجزائر كيف تقيمون ماضي وحاضر هده التجربة؟
كنت من مؤسسي جمعية حراء رفقة اخي عبد الرحيم بلعروسي، كما كانت لي مساهمات في جمعية الإرشاد والإصلاح في رسالة جمع بين كل جهود المخلصين من أبناء الجزائر خدمة لهويتها وقيمها في نظرة تكاملية يميزها التعاون والتكاثف على الخير.
اما عن تقييمي لمسار العمل الجمعوي في الجزائر فأرى ان بدايته كانت قوية لكنه ما لبث ان تراجع بفعل وفاة بعض القادة المصلحين وكذا ظروف العشرية السوداء التي خيمت على المشهد العام بالإضافة إلى تعرض العمل الجمعوي لحملات مشوهة ومغرضة، لكني أراه الأن في حالة انتعاش وانبعاث نأمل من خلالها تحقيق الأهداف السامية وهي خدمة القيم في رسالة متكاملة والتي ينتابها شيء من التردد والغموض في ضبط مرجعية العمل الجمعوي وما يراد به وله، حيث ان ضبط المرجعية كفيل بأن لا تستغل جهود الفاعلين الحقيقيين و تستنزف من لصوص الجهود والأفكار، كما أدعو من جديد إلى توحيد الجهود والسعي اإى التكامل بعيدا عن الصراعات التي تقوض الطاقات.
بالعودة الى ماليزيا التي قضيتم بها 16 سنة كيف تقيمون تجربة العمل الجمعوي هناك؟
في الحقيقة إن الإخوة في ماليزيا قد انتبهوا مبكرا للعمل الإصلاحي فبادروا إلى تأسيس المدارس وتكوين الجمعيات مركزين في ذلك على التربية والتكوين واستغلال الطاقات التي تزخر بها الجامعات العمومية والخاصة، كما أن عامل الهوية لدى الفرد الماليزي واعتزازه بانتمائه الإسلامي شكل حصانة قوية ضد الغزو الفكري والثقافي الخارجي ما جعلهم مضرب المثل في خدمة قضايا المسلمين عبر العالم من خلال القوافل الخيرية والإغاثية بالإضافة الى تميز العمل الجمعوي هناك بالتسيير الإداري المنظم القائم في جميع تفاصيله على الرقمنة.
باعتباركم مهتما بقضايا الفكر والتربية، ما هي في رأيكم أهم القضايا التي تعيشها مجتمعاتنا وكيفية الحفاظ على القيم في ظل هذه المتغيرات؟
أعتبر أن أهم عنصر في مواجهة الظواهر والأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا يكمن في إيجاد البدائل في عملنا التربوي والتعليمي فبدلا من تسليط الضوء على النماذج الفاشلة والمنحرفة وجب إيجاد بدائل ميدانية في مسعى جماعي على أرض الواقع ضمن رؤية واضحة تستغل الطاقات والموارد البشرية الموجودة مع خطة ومنهجية تجيب بصراحة عن ماهية الجيل الذي نريد بناءه وصناعته في إطار زمني قصير، متوسط او بعيد المدى، مع الإستفادة من تجارب الأخرين الناجحة وعدم إقصاء أي منها مادامت تخدم الهدف المسطر ولا تخرج عن الرؤية التي تجمع بين التراث والمعاصرة وتخدم الحضارة والقيم والهوية.
ماذا عن دور النخبة في هذا المسار الإصلاحي للمجتمعات وأنتم أحد المتجندين في هذا المسعى؟
في الواقع أن النخبة هي صفوة وزبدة المجتمع لكنها تنقسم الى قسمين نخبة وظيفية حصلت الشهادات واهملت دورها المنوط بها وراحت تلهث وراء الحاجيات ما أفقدها الوجود والتأثير، بالمقابل هناك نخبة رسالية تعي دورها وقيمتها وتأثيرها وهي تسعى أينما حلت لتضع بصمتها في خدمة الصالح العام.
وفي ذات السياق أرى أن التغيير والإصلاح لا مفر من أن تكون انطلاقته على أيدي النخب الجامعية من الأساتذة والطلبة بشرط أن يحملوا بصدق هم مجتمعاتهم ويسعوا في إيجاد الحلول والبدائل بالإختلاط والإقتراب من جميع فئات المجتمع بعيدا عن منطق التنظير الذي لم يعد يجدي نفعا مع إعطاء أولوية قصوى لإستقلالية الشخصية والتفكير.
يحتل الخطاب الديني حيزا هاما في مسار الإصلاح كيف تقيمون مستواه وما هي سبل تجديده؟
أعتقد ان واقع الخطاب الديني لا يرقى إلى المستوى المطلوب والمرجو بإعتباره أحد روافد التغيير والإصلاح ولذا وجب إيلاء مزيد من الحرص في هذا الإطار للخروج بخطاب ديني يساير آفاق وتطلعات الأفراد والمجتمعات في شتى المجالات، وهذا بالعودة إلى تكوين المتصدرين لهذا الجانب تكوينا يمازج بين التراث والمعاصرة متخذا من الطرح العلمي المقنع سبيلا للوصول إلى عقول وقلوب الجماهير المتلقية مع مزيد تركيز على الجمع في هذه العملية بين المواد التراثية والعلوم الكونية التي أضحت ضرورة في وقتنا الحالي، وهذا لمواكبة التغيرات الحاصلة في انشغالات عامة الناس والتي تاهت للأسف مع الطفرة الحاصلة في وسائل الإعلام في أناس بضاعتهم التأجيج والتهريج.
بحكم تخصصكم في التاريخ والحضارة، كيف ترى عملية كتابة تاريخ الجزائر وخاصة ونحن على أعتاب ستنية الاستقلال؟
أرى أن ملف الذاكرة ملف في غاية الأهمية لارتباطه الوثيق والمباشر بتاريخ الأسلاف الذين ضحوا بأغلى ما يملكون في سبيل إسترداد الاستقلال والحرية على مدى الأجيال المتتابعة منذ ان وطئت أقدام الإستعمار أرض هذا الوطن لذا وجب الإهتمام أكثر بهذا الملف للمحافظة على ذلك الإمتداد بين الأجيال وتعميق الشعور بهذا التاريخ والإعتزاز به مع الحرص على الإستفادة من تجارب من سبقنا للمحافظة على مقدرات هذا الوطن.
أما فيما يخص الكتابة التاريخية فأراها ضمن تصور كامل يراعي الجوانب المرحلية للأحداث التاريخية ولا يفصل بينها مع إعادة الإعتبار للدراسات التاريخية التي تنطلق من أسوار الجامعة باعتبارها ذات بعد حضاري وهذا ما سيؤدي حتما إلى كتابة تاريخية ناضجة وموضوعية.