118
0
عشبة القطف... كنز من التراث الغذائي والفوائد الطبية

في ظل السعي نحو بدائل طبيعية للغذاء والدواء، تبرز عشبة القطف، المعروفة أيضًا باسم الرغل، كواحدة من الأعشاب البرية التي لطالما استخدمها الإنسان في الطب الشعبي، والتي بدأت الأبحاث العلمية مؤخرًا في كشف مزاياها البيولوجية الفريدة.
إعداد شروق طالب
تنتمي عشبة القطف إلى عائلة نبات الرغل (artiplex) وهي ذات العائلة التي تنتمي إليها نبتة السبانخ لكنّها تحتمل البرد أكثر من السبانخ، اسمه العلمي Atriplex halimus أما الإسم العلمي لعائلته النباتية وهي القطيفية هو (Amaranthaceae).
يعرف القطف بانه نبات شجيري معمر يتحمل الملوحة والجفاف، وينمو غالبًا في المناطق الصحراوية وشبه الجافة، مثل مناطق شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وتتميز تركيبته الكيميائي حسب ما أظهرت التحاليل المخبرية أن القطف غني بـمضادات الأكسدة مثل الفلافونويدات والبوليفينولات، أحماض أمينية ضرورية، فضلا عن أملاح معدنية مثل البوتاسيوم، الكالسيوم، المغنيسيوم، بجانب فيتامينات (خصوصًا A و C)، ومركبات مضادة للالتهاب.
فؤائد القطف الصحية
يساعد القطف في الوقاية من فقر الدم، وذلك لاحتوائه على نسبة عالية من الحديد الذي من شأنه أن يقي الإنسان من الإصابة بفقر الدم الناجم عن نقص الحديد.
وينصح في الغالب، النساء الحوامل استهلاك عشبة القطف في نظامهن الغذائي، حيث أنّهن أكثر عرضة للاصابة بفقر الدم الناجم عن نقص الحديد لأنّ دورتهن الدموية تصبح أطول للوصول إلى الجنين.
كما يستحسن إستعماله للمحافظة على صحة العيون وذلك بفضل الكاروتينات، وهي مادة ذات لون برتقالي هامة من أجل عملية التخليق الضوئي، بالإضافة إلى مادة الأنثوسيانين التي تحسّن الرؤية لدى الإنسان، منع التنكس البقعي وأمراض الشيخوخة، من ضمن ما يستطيع القطف المساهمة في علاجه، إذ يعتبر التنكس البقعي من بين الأمراض التي تتعلّق بالتقدم في العمر، وهي عبارة عن فقدان النظر تدريجيا، بالإضافة إلى التنكس هناك العديد من الأمراض التي تتعلّق في الشيخوخة.
والتي تحدث نتيجة لتراكم الجذور الحرة بالإضافة إلى نقص مواد حيوية في الجسم، من هنا تكمن أهمية نبتة القطف في مواجهة هذه الأمراض، بفضل احتواءه على نسبة عالية من البيتاكاروتين، زانثينيس ولوتين، وهي عبارة عن مواد مضادة للأكسدة تعمل على محاربة الجذور الحرة، هذا بالإضافة إلى فيتامين سي وفيتامين د، والأوركارد الذي يحفّز الجسم على إنتاج الكولاجين وبالتالي يعزز مرونة الجلد.
تقوية العظام وكل من الجهاز الهضمي والمناعة...من فوائد القطف
وبفضل احتواء نبتة القطف على كميات لا بأس بها من الفيتامينات، وتحديدا فيتامين سي، بكمية تضاعف الكمية الموجودة في الكيوي والليمون، والذي يعتبر فيتامين هام جدّا وأساسي في تعزيز جهاز المناعة بالإضافة إلى تجديد الخلايا والتئام الجروح.
كما يعمل القطف على تحسين عمل الجهاز الهضمي، حيث تتكوّن عشبة القطف على نسبة كبيرة من الألياف المهمة من أجل تحسين عمل الجهاز الهضمي، باعتبار الألياف من العناصر الهامة التي تخفف من احتمالات الإصابة بالعسر الهضمي الذي قد ينبع من استهلاك الدهون المشبعة والكربوهيدرات.
وفي الطب البديل تستخدم عشبة القطف لعلاج مشاكل القولون، مثل الانتفاخ والغازات، بسبب احتوائها على ألياف طبيعية ومركبات مضادة للالتهاب.
يساهم القطف في صحة العظام وقوتها، وذلك أنه غني بالعناصر الغذائية المعدنية المختلفة كالبوتاسيوم والمغنيسيوم والفوسفور، هذا بالإضافة للكالسيوم، وهي كلها مواد حيويّة ومفيدة تحافظ على صحة وكثافة عظام جيدة.
وهو ما يجعلها غذاءا مثاليا للنساء اللاتي يعانين من هشاشة العظام بعد سن اليأس حيث أنّها تحسّن من أمتصاص الكالسيوم في الجسم، وبالتالي تساعد على رعاية صحة العظام.
وتشير بعض الدراسات إلى أن مستخلص عشبة القطف يمكن أن يساعد في خفض مستويات الجلوكوز في الدم، ما يجعلها مفيدة لمرضى السكري من النوع الثاني.
أما في الطب الشعبي تستخدم ذات العشبة لتخفيف التهابات الكلى والمثانة البولية، وقد أظهرت بعض الدراسات أنها تساعد على تقليل ترسب الأملاح، لكن هذا بالحذر عند استخدامها المفرط، خاصة لمن يعانون من مشاكل في الكلى أو لديهم ارتفاع في أملاح الجسم، نظرًا لاحتوائها على أكسالات وصوديوم طبيعي.
القطف أكلة تقليدية... تبرز علاقة الإنسان بالبيئة
تُستخدم أوراق عشبة القطف (الرغل) في المطبخ التقليدي للعديد من المناطق المغاربية، وتحديدًا في الولايات الداخلية للجزائر، حيث تُطهى بطريقة مشابهة لأوراق السبانخ، إذ يتم غسلها جيدًا ثم تُطهى إما منفردة أو مع مكونات أخرى، لتُقدّم كطبق جانبي غني بالعناصر الغذائية.
وفي بعض المناطق، تُضاف أوراق القطف إلى الحساء أو المرقات التقليدية، مستفيدة من نكهتها المميزة وقيمتها الغذائية العالية، ويُعد طبق "المرقة الخضراء" من أبرز الوصفات التي تستعمل فيها هذه العشبة، وهو طبق تقليدي تشتهر به العائلات في الجزائر وتونس، ويُحضّر عادةً بمزيج من القطف والحمص والتوابل وزيت الزيتون، ويُقدَّم غالبًا في المناسبات العائلية أو خلال فصل الشتاء لخصائصه المغذية والدافئة.
كما أن الاعتماد على القطف في المطبخ الشعبي لا يقتصر على الطعم فقط، بل يرتبط أيضًا بموروث ثقافي عريق، إذ اعتادت الأجيال السابقة على جمعها من البراري وطهيها بطريقة تعكس علاقة الإنسان ببيئة المحلية.
عشبة القطف (Atriplex halimus) من النباتات ذات الإمكانيات العلاجية والغذائية الكبيرة، خصوصًا في البيئات القاحلة، وبينما لا تزال الأبحاث مستمرة حول فعاليتها وآلية عملها، فإن إدخالها في الأنظمة الغذائية بشكل معتدل قد يوفر دعمًا طبيعيًا للصحة العامة.