439
0
عادات و طقوس حفلات الختان بقرى منطقة القبائل
إطلالة على الموروث الثقافي المحلي
تتميز مناسبة ختان الأطفال في مختلف قرى و مداشر منطقة القبائل، باحتفال خاص يدوم يومين كاملين، ولا يختلف كثيرا في تحضيراته عن مراسم حفل الزواج التقليدي.
رشيد محمودي
حيث لا تزال العائلات القبائلية متمسكة بعاداتها وتقاليدها العريقة فيما يخص هذه المناسبة الاجتماعية التي يكون الطفل فيها كالملك الصغير حيث يحاط باهتمام بعناية فائقتين من طرف كل أفراد العائلة وما يضفي بهجة على هذه المناسبة حرص كل الأقارب والجيران على تلبية دعوة حضور المناسبة والمشاركة في الفرح.
عادات و طقوس متجذرة
و تنطلق التحضيرات الخاصة بحفل الختان في قرى ومداشر القبائل قبل أسابيع عن الموعد المحدد ليوم الفرح حيث يقوم أفراد العائلة بتنظيف البيوت وواجهاتها وطلائها لتضفي جوا مميزا على ذات المناسبة، وهي الفترة التي تنهمك الفتيات فيها في إعداد أنواع مختلفة من الحلويات التقليدية منها والعصرية، فيما تقوم والدة الطفل بفتل الكسكسي بمساعدة النسوة في اليوم الموعود.
وأوّل ما تقوم به العائلة عشية حفل الختان هو إحياء ليلة الحناء التي كانت ولا تزال من أهم المراسم التي فرضت نفسها على التقاليد المحلية في مثل هذه المناسبة، حيث ترسخ في ثقافة المجتمع المحلي أن بدون إقامة هذا الطقس المتميز لا يكتمل العرس.
وجرت العادة على أن يقوم كبير العائلة سواء الجد أو العم أو والد الطفل أو غيره بمزج الحنّة مع بياض البيض مع الحرص على وضع قطعة من الفضة الخالصة في الإناء الذي يشترط إن يكون من الفخار الذي تشتهر به المنطقة، وهي من الطقوس القديمة التي لا تزال قائمة لحد اليوم في المنطقة، باعتبارها "فأل خير" على الطّفل ووسيلة لإبعاد عين الحسد عنه وحتى تكون أيامه كلها بيضاء وصافية مثل الفضة.
وفي تلك الأثناء يرتدي الطفل أجمل الملابس التي يكون قد اقتناها له والده خصيصا لهذه المناسبة حتى يبدو في أحسن حلّة وينفرد بها عن باقي الأطفال، حيث يرتدي ثوبه الأبيض قبل أن يتوشح ببرنوس تقليدي، مطرّز بالرّموز البربرية مثل تلك التي تزين الأواني الفخارية هذا إلى جانب الحذاء الذي يكون من نفس لون الثوب كما يضع الطربوش الأحمر فوق رأسه.
بعد الانتهاء من إعداد الخليط ، يتم تخضيب الطفل المجهز للختان بالحناء، بالموازاة مع ذلك يردّد من حوله من النساء أهازيج وقصائد من التراث الأمازيغي وتعلو الزغاريد لتدوي كل إرجاء المنزل إيدانا بانطلاق مناسبة الاحتفال بختان الطفل, ويهدى له مبالغ مالية من طرف المدعوين كل حسب امكانياته توضع في طبق خاص .
وعلى صعيد آخر يلتف جميع المدعوّين حول طاولة العشاء التي يتربع عليها طبق "سكسو تسيلت"، ويرافق هذا الطبق الذي لا يُستغنى عنه في ليلة الحناء البيض المسلوق والحمص وقطع من لحم الدجاج مع دهنه بزيت الزيتون وهي عادة مشتركة بين سكان مداشر البويرة وغيرها من جهات منطقة القبائل سواء بتيزي وزو أو بجاية.
في صبيحة اليوم الموالي تستعد العائلة والمدعوين لمرافقة العريس الصغير إلى العيادة لإجراء عملية الختان وتزيّن فوطة قبائلية السيارة التي يركب على متنها الطفل بملابسه المتميزة والمتمثلة في "القندورة" البيضاء المطرزة بخيوط ذهبية أو فضية والمصنوعة من قماش الساتان الخالص فضلا عن وضعه للطربوش على رأسه لينطلق الجميع في موكب بهيج تتقدّمهم فرقة "إضبالن" أو "الزرنة" التي لا يمكن التخلي عنها في مثل هذه المناسبات رغم تكلفتها الغالية و لا تزال عدد من العائلات تشدّد عليها في حفلاتها سواء المتعلقة بالزواج أو الختان.
فرح خاص للأم
بعد الانتهاء من عملية الختان يعود الجميع إلى المنزل وتكون والدة الطّفل المختتن في استقبال ابنها وهي ترتدي أجمل وأزهى جبةّ قبائلية ترافقها طقم من الحلي الفضية المعبّرة عن أصالتها وتراثها و للمحافظة على عاداتها للاستمرار فيها، والى جانب ذلك تطلق النّسوة العنان لحناجرهن لتتعالى الزغاريد لاستقبال الطفل الملك الابيض قبل ان يتم دعوة الذين حضروا الحفل الى تناول طبق الكسكسي باللحم والمرق والخضروات وهي عادات وطقوس تقليدية متنوعة لا تزال تميز احتفالات قرى ومداشر البويرة بمناسبة ختان أطفالهم، بحيث تحافظ عليها العائلات القبائلية بمختلف مستوياتها الاجتماعية والاستغناء عن إحدى هذه العادات يشكل نقائص هامّة في الحفل.