64

0

طريق الشلعلع يعود للحياة..الطبيعة تستعيد صوتها في جبال باتنة

 

في لحظة رمزية عشية عيد الإستقلال، استعاد جبل الشلعلع صوته المقطوع منذ عقود، فعلى امتداد 27 كيلومترًا من الطريق الجبلي الرابط بين مدينة باتنة وبلدية وادي الماء ، عاد هدير المركبات يعلو فوق صوت الريح العابرة لغابات الأرز، بعد أن تم إعادة فتح هذا المحور السياحي والإستراتيجي عقب عملية إصلاح شاملة أنهت سنوات من الإهمال والعزلة.

استطلاع:ضياء الدين سعداوي

الطريق الذي كان يومًا ما شريانًا حيويًا وأحد أهم الطرق الوطنية(الطريق الوطني ارقم 86 سابقا) يستعيد اليوم نبضه القديم، بين منعرجات حادة ومشاهد طبيعية تأسر الألباب.

طريق بطول الذاكرة وأثقلها


يقول "عمي أحمد" من سكان وادي الماء وهو يقف على إحدى شرفات الطريق المطلة على سفوح الأطلس: "كنا نقطع هذا الطريق في الثمانينات للوصول إلى العاصمة، كان هذا هو المعبر الرئيسي، وكل حافلات النقل تمر من هنا ، لكن في بداية التسعينيات أغلق الطريق بسبب الظروف أمنية وتحوّلت الحياة إلى صمت طويل."

ذلك الصمت الذي امتد لقرابة أربعين سنة كان أقسى من برد الجبل، إذ سرق من المنطقة جزءًا من روحها، ومع مرور الزمن ساهمت عوامل الطبيعة من سيول وانجرافات في تدهور بنيته التحتية وغاب عن خرائط الإستخدام، ولم يعد يذكر إلا  في ذاكرة الكهول وبعض السائقين المخضرمين.

بين الحنين والخطر،


الطريق اليوم أعيد بعثه من جديد لكن مخاوف السلامة ما تزال قائمة، فبحسب فاروق من سكان وادي الماء: "الطريق جميل، لكن خطير جداً. المنعرجات قاتلة، والثلوج شتاءً تجعل من الإنزلاقات احتمالًا دائمًا، لا مجال للخطأ هنا، ولا مفرّ إن وقع حادث ،الإنقاذ صعب والوصول إلى الضحايا أصعب."

في الواقع، هذه الملاحظة ليست جديدة، إذ أن طبيعة التضاريس القاسية لطريق الشلعلع كانت دومًا عاملاً مزدوجًا ،فهي  تمنح الرحلة سحرًا بصريًا نادرًا لكنها تفرض في المقابل تحديات تقنية وأمنية، المنحدرات القاسية والانعطافات الحادة والضباب الكثيف في بعض المواسم، كلها عناصر تجعل من هذا الطريق مغامرة لا تقبل الإستهانة.

غابة الأرز.. ذاكرة المكان ووجعه


غير أن ما يواسي القلب ويمنح الرحلة معنى أبعد من مجرد التنقل هو ذلك المشهد الطبيعي الذي يرافق الزائر على طول الطريق، فغابة الشلعلع، بأشجار أرزها الأطلسي العتيقة تشكّل لوحةً خضراء ممتدة فوق الهضاب فيها من الجلال ما يحبس الأنفاس.

يصفها أحد السائقين القدامى: "أشجار شامخة كأنها جنود قدامى لم يرحلوا رغم الحروب والعواصف."

هنا الطبيعة ليست مجرد خلفية، بل هي جزء من الذاكرة الجماعية ، في كل منعرج حكاية؛ في كل جرف، قصة نجاة أو فقدان؛ وفي كل شجرة أرز، شاهد على ما مضى.

مشروع إعادة الإعتبار٠٠٠ خطوة في اتجاه المصالحة مع الجبل


عملية إعادة فتح طريق الشلعلع لم تكن مهمة بسيطة ، فقد تطلّبت وقتا طويلا لإعادة الإعتبار بعد إلحاح كبير من المواطنين القاطنين بوادي الماء و المناطق المحادية للطريق، شملت إعادة تعبيد المقطع المهترئ، وتدعيم المنحدرات، وإنشاء حواجز وقائية، رغم بقاء كثير من النقاط السوداء على حالها، المسؤولون المحليون وصفوا المشروع بأنه "مرحلة أولى"، مؤكدين أن المزيد من أعمال الصيانة والتوسعة ستتم لاحقاً.

لكن الأهم، هو أن هذا الطريق يعيد الربط بين مناطق كانت معزولة عن بعضها البعض، ويمنح لسكان بلدية وادي الماء نافذة جديدة  أو قديمة/جديدة  للتنقل والتجارة والسياحة.

السياحة الإيكولوجية.. حلم مؤجل؟


فتح طريق الشلعلع يفتح بابًا للنقاش حول إمكانات الإستثمار في السياحة الجبلية بولاية باتنة ،فغابات الأرز والمرتفعات الطبيعية والمشاهد الساحرة، كلها عناصر جذب سياحي قلّ نظيرها في الجزائر.

غير أن البنية التحتية تظل دون المستوى، لا توجد محطات استراحة ولا مرافق سياحية ولا حتى تغطية هاتفية مستقرة على كامل المسار، وهو ما يجعل من أي رحلة مغامرة مكتملة الأركان، لكنها قد تكون محفوفة بالمخاطر.

العودة إلى الجذور.. ولكن بحذر


بين من يراها بداية جديدة، ومن يخشى تكرار الأخطاء القديمة، تظل عودة طريق الشلعلع حدثًا استثنائيًا في ذاكرة باتنة الجبلية ، هو أكثر من مجرد طريق معبّد؛ هو جسر يربط بين الماضي والحاضر بين الجغرافيا والتاريخ، بين الجرح والأمل.

وفي بلد يبحث عن توازنه بعد عقود من التحولات، تشكّل هذه الخطوات الصغيرة نحو إعادة الإعتبار للمناطق الجبلية إشارات على أن المصالحة مع الأرض لا تبدأ فقط من القوانين بل من تعبيد طريق كان يومًا قلبًا نابضًا، وصار جسدًا منسيًا ثم عاد ينبض من جديد.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services