69478

1

مذكرات شاهد على سنوات الجمر الحلقة 136

بقلم اسماعين تماووست 
كان من المثالي أن أتمكن من استخدام كل طاقتي للوصول إلى نتائج جيدة، على الرغم من انني خاطرت حيث تصرفت بطريقة غير متوافقة مع قواعد الأمان، لكن ذلك لم يكن إلا من أجل تعقب المجرمين بشكل فعال.

عندما كنت أواجه إرهابيًا كانت هناك مشاهد تتكرر في ذهني ، وتمنحني إحساسًا كأنني مجاهدا  يقف فجأة أمام أحد أعدائنا، الجنود الفرنسيين خلال فترة حرب التحرير، في مثل تلك المشاهد الحربية، كان الأكثر جرأة والأسرع هو من يتقدم.

ولتحويل الموقف لصالحه، في تلك اللحظات المثيرة والحرجة، لأن أي تأجيل أو تردد لا يعدو كونه لحظة قصيرة، وهي لحظة التفكير  قد تقلل من رد الفعل أو تؤدي إلى هفوات خطيرة، وهي هفوات قد تكلف خسائر جسيمة.
الدفاع عن الوطن، هو أمر يتطلب رجالًا أصحاب قيم ووطنية، مستعدون للتضحية بأنفسهم من أجله.

ولم يكن ذلك سوى واجبًا مقدسًا، هو عهد بين المرء وربه، حيث قدم العديد من الشرفاء أرواحهم في سبيل الله والوطن، لكن هناك، للأسف، أشخاص ضعفاء، يمكن التعرف عليهم بسهولة،  فقد باعوا الوطن  من اجل تحقيق مصالحهم الشخصية.

إن مواقف عايشناها ، مليئة بالتوتر والصراع، تتطلب أكثر من مجرد شجاعة، و إيمانًا عميقًا بالهدف، وصبرا عظيمًا لتحمل مختلف الضغوطات.

فبينما كان الأعداء يحاولون التأثير على إرادتنا، كنا نحن في قلب المعركة نبني أملًا جديدًا في مقاومة الظلم .

لم يكن أحد يتوقع منا أن نظل صامدين في مواجهة الرياح العاتية، لكنني كنت دائمًا أقول: إن كانت الثقة بالنفس هي الوقود الذي يحركنا، فالإيمان و الشجاعة هما الأساس الذي يبقينا على قيد الحياة.

كنت أعلم أن كل خطوة أقوم بها، وكل قرار أتخذه، كان يشكل جزءًا من معركة أكبر بكثير من مجرد مواجهة فردية، كانت المعركة معركة قيم و فكر، وكرامة.
أنا اليوم أترحم على المسؤولين الذين كانوا رؤسائي في مديرية الأمن الوطني، هؤلاء الرجال الذين لم يكن لديهم أدنى شك في مهاراتي وشجاعتي، وكانت ثقتهم بي كبيرة للغاية،  فقد أسندوا إلي مهامًا خطيرة وعظيمة، وكانوا يعرفون جيدًا أنه لا سبيل لتحقيق هذه المهام إلا بالاصرار والثبات.
على الرغم من التحديات العديدة التي واجهناها، كنت دائمًا أراهم الموجهين الذين كانوا يحثونني على تقديم الأفضل، مدركين أنه من خلال الثقة والتوجيه الصحيح، يمكننا أن نحقق المستحيل.

تستوقفني اليوم الذكرى  مع شعور عميق بالامتنان لهم على دورهم الكبير في نجاح مسيرتي العملية، ولقد كانت خسارتهم خسارة ليس فقط لي ولكن لوطن بأسره.

في الواقع، أولئك الذين أدوا واجبهم من أجل مصلحة بلادهم، يشعرون  في قرارة أنفسهم بأنهم جسّدوا أسمى معاني البطولة.

إن إيمانهم الراسخ بعدالة قضيتهم وشرف دورهم في حماية وطنهم يمدهم بالقوة والتماسك، ويعزز لديهم القيم التي تميز الأبطال الحقيقيين، أما الذين خانوا هذا الواجب الوطني، سواء كانوا الحركى الذين فضلوا الانحياز للجيش الفرنسي، أو أولئك الذين لاحقًا انضموا إلى التمرد الدموي، فقد أظهروا خيانتهم علنًا، وأصبحوا أداة طيعة في يد قوى الاستعمار والاستدمار.

إن خيانتهم لم تكن مجرد سلوك عابر، بل كانت انحدارًا تدريجيًا نحو هاوية الطغيان، لقد أصبحوا أسرى لضعفهم وخوفهم، ما جعلهم يتحولون إلى أدوات بتجسيد العنف الاعمى.

لكن يجب ألا نغفل أن هذا الانحراف نابع من جهل بعض البشر وقلة وعيهم، وهو ما استغلته قوى الشر لخداعهم ودفعهم للانخراط في أبشع الجرائم.

هؤلاء المجرمون لم يقتصروا على قتل الأبرياء فقط، بل تجرؤوا على ارتكاب جرائم قتل عائلاتهم، وأقرب الناس اليوم ، وهذا ما جعلهم يعيشون حياة الوحوش، فاقدين لكل معنى إنساني.

لكنني، رغم كل هذا الألم، لم أكن أسمح لتلك المشاهد القاسية أن تضعف عزيمتي، لذلك كنت أعتبر أن عملي في خدمة وطني هو رسالة مقدسة، وأن التضحية جزء لا يتجزأ من هذا الواجب.

عندما أواجه هؤلاء المجرمين، كنت أرى في أعينهم الألم والخوف، ولكني كنت أرى أيضًا انهم مغرر بهم  نتيجة جهلهم وانقيادهم خلف أفكار مدمرة.

كنت أدرك أن كل خطوة أتخذها لم تكن مجرد مهمة شرطية، بل هي جزء من معركة طويلة لاستعادة الأمن والكرامة لوطننا الجريح.

أثناء استرجاعي للأحداث، أستشعر أن صمودي لم يكن قائمًا على قوة  شخصية فقط، بل كان مسارا متجذرًا في إرث طويل من التضحيات التي قدمها شهداؤنا الأبطال.

هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم ليبقى الوطن حرًا، كانوا دائمًا مصدر إلهامي وقوتي،  كنت أرى في كل وجه أب أو أم استعادوا أبناءهم فرحة تزرع الأمل في وطن أنهكته الآلام، وكأنني أشارك في كتابة فصل جديد يحمل وعدًا بمستقبل أفضل.

هؤلاء المنحرفون الإرهابيون اختلقوا أكاذيب لارتكاب ما هو محرم، سواء في ديننا أو قوانيننا.
 أنا، المفتش الذي عايشت تلك الأحداث بكل تفاصيلها، أرى أن مواجهة الإرهاب لا تقتصر فقط على كشف الحقائق بل على التمسك بالمبادئ والقيم الإنسانية التي حاولوا طمسها. وكما قال أفلاطون: العدل هو السمة الأولى للمجتمع المتحضر، والحقيقة هي أساس كل عدالة.
لقد شهدت بنفسي كيف حاول هؤلاء المنحرفون أن يفرضوا الظلام على مجتمعنا، مستخدمين أدوات الترهيب والعنف لفرض أيديولوجياتهم الباطلة، لكن ما لم يدركوه هو أن قوة الإيمان بالحق والعدالة لا يمكن أن تُكسر.

لقد كان صمود الناس وتكاتفهم في وجه هذه الأهوال درسًا عظيمًا في التضحية والوحدة. وكما يقول أحد الحكماء: القوة التي تُبنى على الظلم سرعان ما تنهار أمام إرادة الحق.
ومع ذلك، عندما تأتي ساعة الحقيقة، سيظل شعبنا مطالبًا بأن يسترجع تاريخه، لأن التاريخ يحتوي على لحظات خالدة، اذا لا بد من أن نحافظ على إحياء أحداث الماضي، التي تتواصل مع الحاضر، لضمان أن تظل حية في الذاكرة الجماعية، ولإيصال هذا الإرث التاريخي الثري والمهم إلى أجيالنا القادمة.

هذا التواصل بين الماضي والحاضر هو مسؤوليتنا جميعًا، لأن تجاهل الماضي يعني الوقوع في نفس الاخطاء... 

يتبع...

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services