74
0
تقطير ماء الورد والزهر بالبليدة... إرث يصونه الزمن وتحييه الأيادي النسائية

تعد حرفة تقطير ماء الورد وماء الزهر، من أقدم وأعرق الحرف التقليدية، التي تشتهر بها ولاية البليدة الجزائرية، المدينة التي اكتسبت عن جدارة لقب "مدينة الورود". 
شروق طالب
وهذا الإرث النباتي والعطري الذي تشتهر به المدينة، لم يكن يوما مجرد هواية أو نشاط موسمي، بل رمز للهوية الثقافية والأنثوية الجزائرية، لم يكتفي فقط بنقل عبق الزهور، بل حمل كذلك في طياته قصص الجدات، وذاكرة البيوت، ودفء التقاليد التي تربط الإنسان بأرضه وتراثه.
بصري كريمة... 30 سنة من العطاء في عالم الزهر
ومن بين اللواتي برعن في هذا المجال، تبرز السيدة بصري كريمة، الحرفية المتخصصة في صناعة ماء الورد وماء الزهر، بخبرة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود في هذا المجال.
تنحدر بصري من عائلة عريقة في البليدة، حيث نشأت في بيت تحيطه حديقة، تنوعت فيها الازهار بين الورد والياسمين وورد المسك، وهي نباتات لطالما ارتبطت بالثقافة المحلية، سواء في الاستخدام التجميلي أو الطقوسي أو حتى في المأكولات والمشروبات.
كما ارتبطت هذه الزهور حسب بصري بالمرأة البليدية التي تلقب "بـبنت الزهرة والسيسة والياسمين والقرنفل" كونها ترعرعت بين هذه الزهور التي أصبحت جزء من شخصية  وهوية المراة البليدية.
من التجميل الطبيعي إلى مشروع تجاري
بداية بصري في تقطير ماء الورد لم تكن بدافع تجاري، بل بدأت بتجريبه على بشرتها، إذ ترى أن المرأة الجزائرية عموما تميل إلى استخدام المنتجات الطبيعية بدل من استعمال مستحضرات التجميل الكيميائية.
وتؤكد أن ماء الورد ساعدها في الحفاظ على نضارة وصحة بشرتها لأكثر من 60 سنة، وهو ما دفعها لاحقا للتفكير في تحويل هذه المهارة إلى مشروع صغير يدمج بين الحرفة التقليدية والعناية الجمالية.
تشرح بصري مراحل تقطير ماء الورد، وتقول إن العملية تبدأ بقطف وردة "القذيفة"، وهي من أجود أنواع الورود العطرية في البليدة، من ثم يتم وضع الورد في وعاء تقليدي يسمى "السيبة"، ثم يعرض لأشعة الشمس، لتحفيز رطوبة الورد، تمهيدا لعملية التقطير.
تستخدم بصري أنابيب تقليدية لنقل بخار الورد المتصاعد، ثم يتم تكثيفه واستخراج خلاصة ماء الورد النقي.
استعمالات وفوائد متعددة
لا تقتصر فوائد ماء الورد وماء الزهر على التجميل فقط، بل يستخدمان أيضا في الطقوس والمناسبات الاجتماعية.
ففي الأعراس الجزائرية، ذكرت محدثتنا انه يقدم ماء الزهر للعروس عند دخولها بيت الزوجية، كرمز للفرح والصفاء، كما يستخدم في تحضير القهوة والحلويات التقليدية، وأيضا في وضعه على حنة العريس.
أما "ماء ورد المسكة"، فله خصائص صحية، منها تهدئة الأعصاب وتحسين المزاج، ويشرب مخلوطا بالماء أو يستخدم كمنقوع عشبي في بعض المناطق.
وفيما يخص الولايات الرائدة في تقطير الزهور، اوضحت بصري بأنه على الرغم من ان البليدة تعد من أبرز الولايات في هذه الحرفة، إلا أن تقطير ماء الورد ينتشر أيضا في ولايات أخرى مثل قسنطينة، تلمسان، ومدينة القليعة، حيث تتميز كل منطقة بخصوصية في نوعية الزهور المستخدمة وتقنيات التقطير.
عودة قوية للمنتجات الطبيعية
تلاحظ بصري في السنوات الأخيرة عودة ملحوظة للاهتمام بالمنتجات الطبيعية، خاصة في ظل الوعي المتزايد بمخاطر المواد الكيميائية الصناعية.
وفي هذا سياق، قالت "شاركت في معارض داخل الجزائر وخارجها، خاصة في فرنسا وإسبانيا، ووجدت أن هناك طلب متزايد على منتجاتنا التقليدية لأنها تعكس أصالة وتاريخ المرأة الجزائرية، فضلا عن فوائدها الصحية والتجميلية."
















