1656
0
جاليتنا في الغرب تائهة بين أفراح وأقراح ؟؟
مع حلول السنة الميلادية الجديدة 2025 !!

مصطفى محمد حابس : جينيف / سويسرا
و الوضع يدعو للحيرة و القلق، في عالمنا الإسلامي عموما خاصة - هذه السنة - في لبنان و اليمن و سوريا عموما ، و خاصة لدى أهلنا في غزة بفلسطين الذين هم في أمس الحاجة الى دعم مالي و مناصرة و تقديم هدايا و زكوات و غيرها، سألنا الأخ العزيز هاني محمدي فرنسي من أصول تونسية مقيم في سويسرا، حول إقبال بعض المسلمين هذه الأيام في أوروبا وحتى في السعودية وبعض بلداننا الاسلامية، عن جهل أو مواكبة للعصر، على التفنن في شراء ألوان وأشكال من الحلويات و الطقوس من " شجرة عيد الميلاد" بأسعار غالية لترمى هذه الاشجار بعد أيام مع قمامات مشتريات الاعياد، و اعتبر ذلك تبذيرا و هدرا للمال وهو الذي ولد وترعرع في الغرب!!
كما اتصلت سيدة مسلمة، اختلفت مع زوجها، تستفسر عن حكم التهنئة بمناسبة عيد الميلاد وحول اقتناء "شجرة الميلاد" أو ما يسمى بالإنجليزية أو الفرنسية:
"Sapin de Noël " - " Christmas tree"
وهدايا أخرى وحلويات خاصة بالمناسبة، قصد "إدخال الفرحة على العائلة" مثل جيرانهم النصارى، وحتى غير المتدينين الذين يزينون شرفات بيوتهم بهذه الشجرة، راجية منا توجيه دعوة للأئمة لتخصيص خطبة الجمعة في الموضوع، لأن المسألة في حاجة الى توضيح، خاصة لمعتنقي الإسلام الجدد، من المترددين على مساجدنا!!
من جهة أخرى، لاحظ باستغراب بعض متابعي القنوات التلفزيونية السعودية التي كان علماؤها يحرمون تحريما جازما كل ما له علاقة بعيد الميلاد بما فيها المولد النبوي الشريف!! كما لاحظوا أنه منذ عام 2021 باتت قنواتها التلفزية تبث في مثل هذه الأيام صورا لمحلات تجارية سعودية و إماراتية و خليجية عموما تروج لبيع أشجار عيد الميلاد مرصعة بصلبان و ألبسة و لحى ومنتجات من شموع وأنوار وورود و...!!
الجميع يعلم أن السلطات السعودية ، سمحت منذ ثلاث سنوات، لأول مرة في تاريخ المملكة بمظاهر احتفالات عيد الميلاد (المسيحي)، حيث عرضت عدة متاجر في العاصمة السعودية الرياض أشجار أعياد الميلاد الاصطناعية، ويمكن للمتسوقين لأول مرة العثور عليها جنبا إلى جنب مع قبعات بابا نويل وزينة الأعياد.
وأضحت المطاعم السعودية - منذ ذلك التاريخ - تقدم كعكات عيد الميلاد، واحتوت متاجر الأثاث على عروض لأكاليل الزهور والشموع الحمراء، فيما صممت بعض الفنادق ديكورات بباحاتها الداخلية تتناسب مع الاحتفالات بأعياد الميلاد، وتضمن جزء كبير منها شجرة الكريسماس.
وكانت السعودية تمنع قبل ذلك ممارسة شعائر ديانة أخرى غير الإسلام في الأماكن العامة، لكن مستشار الحكومة السعودية “علي الشهابي”، أعلن منتصف عام 2021 أنه سيتم تشييد كنيسة في السعودية، فيما لم يصدر نفي أو تأكيد رسمي من السلطات السعودية.
ردا على هذه الاستفسارات الشرعية المتجددة !!
وردا على هذه الاستفسارات المتوالية وعملا بقوله تعالى ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، وقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ .. ﴾، يطيب لنا بمناسبة قدوم العام الجديد 2025م، أن نتوقف عند أمر ذي بال، حيث أنه في مثل هذه الأيام من نهاية السنة الميلادية من كل عام، يحتفل "النصارى" و أهل الغرب عموما بأعيادهم كأعياد الكريسماس والقيامة (قيامة المسيح بعد موته كما يزعمون)، وغيرها .. ويشاركهم في بعض هذه الاحتفالات بعض المسلمين من جاليتنا في الغرب، خاصة عائلات معتنقي الإسلام الجدد، كل حسب فهمه وقناعاته أو قل جهله بأحكام الشرع، فمنهم من يساير مواطنيه في البلد الواحد معتقدا أن هذا لا يمس في ثوابت دينه وعقيدته، ومنهم من يعمل بكل تفاصيل هذه الاحتفالات، حلوها ومرها، حلالها وحرامها، جهلا بمدلول هذه المشاركة الحرفية وخطورتها في بعض تفاصيلها على دينه الإسلامي وأثرها عليهم جميعا!
ومن ثم تطفوا على سطح الأحداث، كل سنة في مثل هذه الأيام أمام عائلاتنا المسلمة خاصة هذه الاختلافات الفقهية لتعكر علينا صفو العطلة والفرح و المرح، وهي مسألة حكم الشرع الإسلامي في مثل هذه المشاركات من عدمها أو حتى عن حكم وجوب التهنئة من باب رد التحية، ولو اعتقد صاحبها أنها من باب المجاملة أو الحياء أو الحرج.. وتبقى جاليتنا وأئمتها في صراع أفكار وفتاوى أخذ و رد من قبيل هذا حرام و ذك حلال، وهذا جائز أو غير جائز؟ و الحبل على الجرار ، علما أن للمسلم أولويات أخرى، وأن هذه المسألة لا تعدو أن تكون عادة، والعرف أو العادة ما اعتاد عليها الناس واستحسنوها، دون ضرر ولا ضرار !!..
فتوى اليتيمة من نفس الأشخاص ومن نفس المصدر
و الغريب في الأمر، "أن النار من مستصغر الشرر"، كما يقال، فبدأ الامر بكلمة عابرة - أي تهنئة - لتصير قضية، إذ كثيرا ما تنقل الينا كل سنة نفس الفتوى اليتيمة من نفس الأشخاص ومن نفس المصدر و الجهة و بنفس المبررات، وهو نص الفتوى التي كانت قد أرسلت إلى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، منذ عقود في السعودية، بخصوص " التهنئة"، و قد رد فيها بنوع من الشطط والتعميم، دون مراعاة لكثير من المتغيرات ولم يقدر لها قدرها، فالعلماء أجمعوا على أن " الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال"!! لذلك يجب الاستفادة من هذه المتغيرات، وقد رد فيها عن تساؤلات معروفة ومكرورة، من قبيل، استفسار السائلين، بقولهم للشيخ:
ما حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس؟ وكيف نرد عليهم إذا هنئونا بها ؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهـذه المناسبة؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئاً مما ذكر بغير قصد؟ و إن فعله مجامـلة أو حياء أو إحراجًا أو غير ذلك من الأسباب، فهل يجوز التشبه بهم في ذلك؟
وكان رده ببساطة، دون مراعاة للواقع ولا للبيئة، ما ملخصه:
" تهنئة الكفار بعيد (الكريسماس) أو غيره من أعياد الغرب الدينية حــرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم - رحمه الله - في كتابه " أحكام أهـل الذمـة "، حيث قال: ( وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: "عيد مبارك عليك"، أو: "تهنأ بهذا العيد" ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنـزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمـاً عند الله، وأشد مقتـاً من التهنئة بشرب الخمر وقتـل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه). انتهى كلامه - رحمه الله.
مضيفا بقوله:
" وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم، لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعـائر الكفر، ورضىً به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحـرم على المسلم ان يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال الله تعالى: ﴿ إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ ( الزمر: 7 ) وقال تعـالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾. ( المائدة: 3 ) و تهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا" !!.
بل ذهب بعض الناقلين عنه قولهم بتعجرف، أيضا ، قولهم :
"و إذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك، لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنهـا إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة، لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث به محمدًا صلى الله عليه وسلم، إلى جميع الخلق، وقال فيه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ ( آل عمران:85 ) ، و حسب فهمهم فإن: "إجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها.. و كذلك يحـرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهـذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي (ص): "من تشبه بقوم فهو منهم". قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": "مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء ". انتهى كلامه - رحمه الله.
مقرين جازمين بقولهم :
" ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم، سواء فعله مجاملة أو توددًا أو حياء أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم. وصلى الله على نبينا محمد (ص)".
متناسين المدرسة الفقهية السنية مدرسة متعددة متنوعة، فيها الرأي و الرأي الأخر!!
هذه المسألة يكثر عنها السؤال في هذه الأيام. وأيضا قد يكون فيها خلاف وتكون محل تنازع بين من يرى الجواز وبين من يرى التحريم. وهذه العادة من عادات القوم في الغرب أن يهنئ بعضهم بعضا، وأن يهنئ الزميل زميله في العمل والمعلم طلابه في المدرسة، ناهيك عن الأصدقاء فيما بينهم. بل ناهيك عن التهنئة العامة التي تكون في الشارع. ويسأل البعض منا هل يجوز لي أن أهنئ صديقي أو زميل أو قريبي غير المسلم؟ أو، أو .. أم أن المسألة محسومة بقول واحد أنه لا يجوز ذلك قطعا. و أنه حرام!!
الجواب في هذا الباب أن العلماء يجمعون أنه كثير من الفتاوى التي انتشرت بين المسلمين أحادية المصدر. ويعني بذلك أنه قول واحد، رغم أن المدرسة الفقهية السنية مدرسة متعددة ومتنوعة، وتجد فيها الرأي والرأي الأخر، ولم تعرف هذه الحدية ولا هذه الاستماتة في تبني رأي واحد لا يجوز مخالفته. وهنا نذكر موقف الإمام مالك رحمه الله، المعروف بلقب إمام الأئمة وإمام دار الهجرة، وهو أحد أعلام الفقه الإسلامي. حصل على هذا اللقب لدوره البارز في نشر العلم حيث أخذ عنه العديد من الأئمة مثل الشافعي وأحمد بن حنبل ( رحمهم الله جميعا). ظل الامام مالك مرجع أهل المدينة لفترة طويلة، مما جعله رمزًا للعلم في دار الهجرة، إذ عندما كتب كتابه الموطأ وأراد الخليفة العباسي في زمانه أن يلزم الناس به. فقال الإمام مالك رحمه الله، يومها قولته المشهورة، " يا أمير المؤمنين دعهم فإن أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد انتشروا في البلاد، ومع كل منهم فقه"، وهذا يعني أن المسألة طبيعية جدا، لذلك أن تلزم الناس على ترك ما عندهم، وتجعل الرأي الذي عندك هو الرأي الحق الصواب ومخالفه يترجح حكمه عندك بين الابتداع والكفر، هذا حال كثير من الفتاوى اليوم، هذا منطق لا يعرفه الإسلام ولا يعترف به، منطق لا أريكم إلا ما أرى.
من مصائب الفقه أن تحمل المسألة الفقهية وتنزلها في باب الاعتقاد !!
و هذه من دواهي الفقه، حسب العلماء، و يقصدون بذلك " أنه من مصائب الفقه أن تحمل المسألة الفقهية وتنزلها في باب الاعتقاد"، يعني من مسألة فقهية أو حكم فقهي يجوز فيه الخلاف ترفعها أنت وتضعها في باب العقيدة !! لأن العقائد غير قابلة للاجتهاد كما هو معلوم، والعقائد لا تقبل إلا بالدليل القطعي من حيث الثبوت، ومن حيث الدلالة، عكس الرأي الفقهي الذي يؤخذ بالظن، لأنه كثير من الأحكام الفقهية قامت على الظن لكنه ظن راجح. وهذا القول قول ابن القيم رحمه الله. وتجد الآن في مواقع الإنترنت. قال ابن القيم رحمه الله: "تهنئتهم بذلك كفر "!!.
وقول ابن القيم، في أحكام أهل الذمة، خطير جدا - حسب جل علمائنا المعاصرين -، منها قوله: " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد أو نحوه. فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا". يعني رأي في غاية التشدد و في غاية الشطط!!.بل و يثير الاستغراب حقيقة، حيث ذهب المحققون من أهل العلم إلى أراء أخرى، إذن ماذا قال العلماء في هذه المسألة، وهو ما نريد أن نصل إليه في ختام هذا القول.
المحققون في مذهب الإمام أحمد رحمه الله انقسموا إلى ثلاثة أقوال متضاربة :
جاء المحققون فقالوا في مذهب الأمام أحمد رحمه الله ثلاثة أقوال، بالحرمة. والكراهة، والجواز. طبعا كما نعلم ابن القيم تلميذ ابن تيمية و هما من أتباع مذهب الإمام أحمد، يعني هم حنابلة. فاختار ابن القيم هذا الرأي من هذه الآراء الثلاثة وجعلها هي الحكم في هذه المسألة. وعندما نظر أهل التحقيق في هذه المسألة قالوا " ليس الحكم كذلك بل يجوز تهنئتهم لأن القول بالحرمة لا يوجد عليه دليل". مطالبين بالدليل!!
قولك "أن تهنئتهم بمثابة تهنئتهم على السجود للصليب" !! أو شيء من هذا القبيل، يحتاج الى دليل، يريدون حكما، أي آية أو حديث تقول تحديدا للمسلم "لا تهنئهم"، أو تقول "إن تهنئتهم، فأنت مقر لهم في شركهم!!". وهنا تتضح المسالة، بل هذا القول أو الفتوى يصادم القطعي من النصوص، يصادم قول الله عز وجل ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ (الممتحنة 8). و ما هو البر؟ البر هو أعلى درجات الإحسان!!
هذا قول الله عز وجل في كتابه المحكم في آية بينة ومعناها واضح، هل هذا القول بالحرمة ام بالجواز !؟
ونحن نعيش معهم وعندهم في الغرب، "هل قاتلونا في الدين. أو هل أخرجونا من ديارنا"!؟ أبدا لقد استقبلونا في ديارهم، ولم يخرجونا من ديارنا، بل أوونا عندما اخرجنا بنو جلدتنا من ديارنا. ولم يقتلوننا بسبب ديننا. بل قالوا لنا " تعبدوا كما يأمركم دينكم الاسلامي، ما لنا دخل فيكم، أنتم أحرار"!! تذهب للمسجد تصلي، تقوم الليل. تصوم أنت حر في ذلك، الأمر لا يعنيهم البتة!!
الفتوى شاذة تصادم ما ورد في كتاب الله عز وجل
إذا هذه الفتوى تصادم ما ورد في كتاب الله عز وجل، كذلك. عندما نظر أهل العلم في هذه الفتوى وجدوها أيضا تصادم قول الله سبحانه وتعالى، وهذا يسمونه عموم الدليل، يعني هنالك نص عام ينطبق على هذه المسألة وغيرها، وتنتظم تحته كثير من الأحكام وهو مطلق، نحو قول الله تعالى في محكم تنزيله" وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا"( البقرة:83)، و لم يقل، قولوا للمؤمنين. قال، قولوا للناس كل الناس مؤمنهم وكافرهم. قولوا لهم حسنا أي قولا حسنا. وبالتالي أيضا هذا يعارض ما ورد في تلك الفتوى، كذلك أيضا جاء ما هو أكبر من التهنئة، حاجة أكبر، موجودة كعادة أهل هذه البلاد الغربية في عيد الميلاد يقدمون الهدايا لبعضهم، العامل في الشركة أو المؤسسة تُعطى له هدية بالمناسبة. أو ينظمون عشاء خيريا بينهم، أيضا جارك أو صديقك قد يعطيك هدية. فهل يجوز قبول الهدية منهم أم لا يجوز؟ طبعا يجوز ما لم تكن محرمة كقنينة خمر ولحم خنزير، فهذا لا يجوز قبولها أصلا!!.
الرسول قَبِلَ هدايا غير المسلمين من الملوك و الحكام !!
الدليل على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال " أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه، وأهدى له قيصر، فقبل وأهدت له الملوك فقبل منها" !!
إذا قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدية غير المسلم!! كِسْرَى عظيم الفرس، وقيْصَر عظيم الروم ماذا كانوا يعبدون؟ كِسْرَى و من معه يعبدون النار، ومع ذلك مع أنهم عباد النار قبل النبي صلى الله عليه وسلم هديتهم فما بالك بأهل الكتاب ( اليهود والنصارى )!؟
فإذا كانت الهدية يجوز قبولها من المخالفين لنا في الدين، فكيف بكلمة تقولها أنت مهنئا؟ تصلنا منهم التهاني بأعيادنا، وبمناسبة رمضان كل سنة، كجالية مسلمة، و مسيري مراكز إسلامية. فهل معنى ذلك عندما يرسلون لنا بطاقات التهاني فقد قَبِلوا ديننا. أو أنهم يقروننا على ما في عقائدنا الإسلامية، طبعا لا!! كذلك نفس الشيء عندما تقول لهم " عيدكم مبارك"، ليس معنى ذلك أنك مؤمن بما يؤمنون به ، ولا يعني أنك تقرهم على دينهم ليس كل هذا، وبالتالي هذه الفتاوى المتشددة أقوال مرجوحة، لا يجب تعميها ولا العمل بها!!
لا يوجد في التهنئة أي إقرار لأهل الغرب على دينهم أو كفرهم !!
لو ذهبنا نستقصي بعض أقوال أهل العلم، هذا أحد أبرز علماء العالم الإسلامي في علم الحديث كما يوصف، الدكتور شرف محمود القضاة، يسأل هذا السؤال فيجيب عنه بقوله:" كل ما سمعته أو قرأته لمن يحرمون هذه التهنئة، أن في التهنئة إقرار لهم على دينهم الذي اعتقدوا أنه محرف. لكن الصحيح أنه لا يوجد في التهنئة أي إقرار، لأننا لا نعدو تهنئتهم لنا بأعيادنا إقرارا منهم بأن الإسلام هو الصحيح، فالمسلم لا يقصد بالتهنئة إقرارا لهم على دينهم ولا هم يفهمون ذلك منا. وقد أمرنا سبحانه وتعالى بالإحسان إليهم كما ذكرت الآية ﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ﴾ [ الممتحنة: 8].
زيارة الرسول (ص) لأهل الكتاب في بيوتهم أكبر من مجرد تهنئة بكلمة عابرة:
كذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة قد سن لنا سُنة التعامل مع أهل الكتاب، فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم يهوديا في بيته. ذهب يزوره، علم أنه مريض فذهب ليعوده في بيته، والزيارة أكثر من التهنئة. كذلك استقبل النبي صلى الله عليه وسلم وفودا من أهل الكتاب، كوفد نجران، معروفة هذه القصة ومكثوا في مسجده أقل شيء شهرا كاملا، كانوا يلبسون الصلبان أي الزي الرسمي للكهنة، بل جلسوا وناموا و أكلوا و شربوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يجادلونه في دينه. استقبلهم. فتح لهم المسجد تحاور معهم أكرم ضيافتهم. هذا هو هدي نبيكم. دعونا من ما يقول فلان وعلان، الرسول (ص) هو الذي يقتدى به، لا غير. وهو الذي أمرنا باتباع سنته صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.
كذلك من قصور هذه الفتوى أنه لا يوجد دليل قطعي في دلالته وثبوته على أنه ورد النهي بذلك، ملخص المسألة عند علماء العصر كالأزهر والمجلس الأوروبي للإفتاء و المعهد العالمي للفكر الإسلامي و غيرهم كثير، أنه يجوز لنا أن نهنئهم، وأن نقبل تهانيهم وهداياهم أيضا في هذا الأيام. وعلى هذا الأساس نكون نحن قد بينا سماحة ديننا، ولم نخالف في نفس الوقت نصا ثابتا، بل بالعكس اقتدينا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي سنة قبول الهدية حتى من غير المسلم.
حاجتنا للدروس النبوية الكريمة لربط جاليتنا بالإسلام و الواقع
وكم نحن في حاجة ماسة في بلاد الغرب خاصة لمثل هذه الدروس النبوية الكريمة لربط المسلمين بالإسلام و الواقع وربطهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذوا منه الأسوة والقدوة في مثل هذه المناسبات التربوية الحكيمة.
وفي الأخير أدعو الله تعالى أن يوفقنا جميعا لأحسن المناهج وأنفعها، في فهم القرآن والسنة والسيرة النبوية الشريفة، وتجديد علاقتنا بها، والانتفاع بذلك في إدارة حياتنا في كل اتجاهاتها ومستوياتها المختلفة، إدارة فعالة متوازنة، تعيننا على رفع مستوى فعالية مدافعتنا الثقافية والاجتماعية والحضارية، وتحقيق نهضتنا ومداولتنا الحضارية المرجوة التي طال أمدها، والتي بدونها ستزداد محننا وآلامنا و امتهاناتنا لا قدر الله.. ” و صلي اللهم وسلم على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين و بالله التوفيق..