550
0
ثلاثة آلاف شجرة في دقائق..عاصفة تبيد حلم فلاح في تيمقاد وتُغرق تعب ثلاث سنوات

لم يكن يتوقع الفلاح "س" أن الغيم الذي بدا مبشّرًا بموسم خصب سيتحوّل في لحظات إلى كابوس حقيقي، في دقائق معدودة باغتت عاصفة رعدية عنيفة مشتى "تارقات" التابعة لبلدية تيمقاد بولاية باتنة، ترافقت مع تساقط كثيف ومركّز لحبّات البرد لتأتي على مستثمرة فلاحية بأكملها وتدمّر أكثر من 3000 شجرة تفاح مكثف كانت تقف على أعتاب أول موسم إنتاج حقيقي.
استطلاع:ضياء الدين سعداوي
المزرعة التي تقع عند السفوح الشرقية لجبال الأوراس ليست مجرد مساحة من الأشجار المثمرة بل هي مشروع فلاحي حيوي شيّده صاحبه على مدى ثلاث سنوات من العمل المتواصل، التسميد، السقي و التقليم، في ظروف مناخية وجغرافية صعبة و بإستثمارات مالية كبيرة.
خسارة في ذروة العطاء.. وثمرة ثلاث سنوات ضاعت
وفي هذا العام بلغت أشجار التفاح المكثف عامها الثالث ما يعني بلوغها سن الإنتاج المثالي. كان الفلاح يترقّب جني ما 1200 و 1800 قنطار من ثمار التفاح موزعة على أصناف محسّنة مطلوبة في السوق الوطني وحتى التصدير، غير أن العاصفة الأخيرة حوّلت الأمل إلى رماد.
يقول السعيد فلاح من المنطقة :"كان (س ) يحظر للبدء في عمليات الجني بعد أقل من شهر... لكن كل شيء سقط أمام عيني خلال ربع ساعة فقط"، يقول الفلاح بعينين مغرورقتين بالحسرة.
عاصفة غير مسبوقة.. وتساقط البرد بالحجم الكبير
بحسب شهادات محلية وسكان الجوار فإن العاصفة التي ضربت المنطقة مساء الخميس كانت من الأعنف منذ أيام ورافقها تساقط حجارة بردية كبيرة الحجم تسببت في تكسير الأغصان وهدم الهياكل الخشبية والحديدية الداعمة للأشجار، خاصة وأن نمط الزراعة المتبع في المستثمرة يعتمد على ما يُعرف بـ"التفاح المكثف"، أي الأشجار المزروعة بكثافة على دعائم قابلة للتأثر سريعًا بالعوامل المناخية.
الأضرار لم تتوقف عند سقوط الأشجار فحسب بل امتدت إلى الأرضيات نظم السقي بالتنقيط ما يجعل الخسارة شبه شاملة، ليس فقط للموسم الحالي وإنما ربما لموسمين قادمين أيضًا إذا ما احتسبنا كلفة إعادة تأهيل الحقل.
غياب الوقاية.. ومطلب بدمج وسائل الحماية في الدعم الفلاحي
ما حدث في تارقات يعيد فتح النقاش حول ضرورة إدماج وسائل الوقاية من الأخطار الجوية ضمن برامج الدعم الفلاحي خاصة في مناطق الهضاب العليا وسفوح الجبال حيث تكررت خلال السنوات الأخيرة موجات البرد والصقيع والأمطار الطوفانية.
ويؤكد عدد من الفلاحين المحليين، في حديث لـ"بركة نيوز"، أن شبكات الحماية من البَرَد (filets anti-grêle) التي تُستخدم في دول متقدمة لحماية الأشجار يمكن أن تكون الحلّ لإنقاذ آلاف الهكتارات من الكوارث المناخية شريطة أن تتحمل الدولة جزءًا من تكلفتها المرتفعة.
التعويض؟ سؤال مفتوح أمام عجز التأمين
ورغم أن الفلاحين يُنصحون دائمًا بتأمين مستثمراتهم ضد الأخطار الطبيعية إلا أن غالبيتهم يشتكون من إجراءات معقّدة وشروط صارمة وتعويضات غير كافية ما يجعل الكثير منهم يفضّل المجازفة على الإنخراط في هذه الصيغ. وهو ما يجعل الفلاح المتضرر اليوم يطرح السؤال الأهم:
"من يعوّضني؟ هل أبدأ من الصفر من جديد؟ وهل أملك القدرة النفسية والمالية لذلك؟"
الأزمة في سياقها الأوسع.. موجة تقلبات تضرب شرق البلاد
الخسارة التي طالت مستثمرة التفاح في تيمقاد ليست حالة معزولة بل تأتي ضمن سلسلة من الإضطرابات الجوية العنيفة التي مست ولايات خنشلة، باتنة و تبسة خلال الأيام الماضية مخلفة فيضانات، تذبذبات كهربائية وأضرار في المحاصيل الزراعية.
وكانت الأرصاد الجوية قد نبّهت إلى استمرار تأثير موجات العواصف الرعدية في الشرق و باقي مناطق الوطن داعية المواطنين والفلاحين لأخذ أقصى درجات الحيطة.
نداء عاجل إلى السلطات
في ختام هذه المأساة الفلاحية، يطلق الفلاحون المتضررون نداءهم للسلطات المحلية والجهات الوصية على القطاع الفلاحي لمعاينة الخسائر ميدانيًا وإدراج حالتهم ضمن قائمة المستفيدين من التعويض أو إعادة التأهيل.
"الوقت لا ينتظر ،فالأرض تنهار معنويًا قبل أن تنهار إنتاجيًا"، يقول أحد الفلاحين الذي بات حلمه معلّقًا بين سطور ملفات الإغاثة والإجراءات الإدارية.
في الجزائر التي تطمح لتحقيق الأمن الغذائي وتنويع الإقتصاد بعيدًا عن المحروقات ينبغي أن تُعامل الأراضي الفلاحية كمصدر سيادي للأمن القومي، وأن تُحصّن ضد أي خطر طبيعي، فحبة برد قد تطيح بمواسم من الأمل.