2436
0
ذكرى مجازر 8 ماي ...عار فرنسا ومجد الجزائر
في مجزرة دموية رهيبة تخطت كل حدود الإنسانية، نسجت أركان الجريمة من طرف مستعمرلا يعترف بحقوق الإنسان،كانت النتيجة ثقيلة، أكثر من 45 ألف شهيد من أبناء هذا الوطن المفدى، في قالمة وسطيف وخراطة.
لا يزال التاريخ ينحني لهؤلاء الشهداء العزل الأبرياء الذين صاروا في ظل الجزائر المستقلة رمزا تم تخليده بيوم وطني للذاكرة و ترسيمه من طرف الرئيس عبد المجيد تبون،لتبقى هذه المجازر وصمة عار في تاريخ فرنسا ورمزا للبطولة صنعت أمجاء الجزائر.
نزيهة سعودي
أمام رغبة وإلحاح الشعب الجزائري في الانفصال عن فرنسا ظهرت النوايا الحقيقية للمحتل الغاصب إذ توج الوعد الزائف بخيبة أمل ومجازر رهيبة تفنن فيها المستعمر في التنكيل بالجزائريين وشن حملة إبادة راح ضحيتها ألاف الشهداء.
ولم تكتف الإدارة الاستعمارية بنتائج تلك المجزرة الوحشية، فقامت بحل الحركات والأحزاب السياسية الجزائرية وإعلان الأحكام العرفية في كافة البلاد وإلقاء القبض على آلاف المواطنين وإيداعهم السجون بحجة أنهم ينتمون لمنظمات محضورة، وأنهم خارجون عن القانون.
المجاهد محمد غفير " 8 ماي1945 أعطى المشعل لإندلاع ثورة أول نوفمبر"
وفي هذا السياق ،التقت بركة نيوز مع المجاهد غفير محمد المدعو "موح "كليشي أدلى شهادته كمجاهد من ناحية سطيف تحديدا بقرية "ڨنزات" كان منخرط في الكشافة الإسلامية الجزائرية و في عمره 11 سنة، أما عن أحداث مجازر 8 ماي 1945 يقول المجاهد غفير "لما كان بوزيد سعال عضو في الكشافة الإسلامية مضى مع فرحات عباس و مناضلي الأحزاب عند سماعهم ما قاله ديغول في البرازافيل أثناء الحرب العالمية الثانية خلال تصريحه أنه إذا انهزمت ألمانيا أمام فرنسا فكل الشعوب المستعمرة من طرف فرنسا يصبحون أحرار".
لما انسحبت ألمانيا في 8 ماي 1945 فرح الجزائريون وخرجوا في مسيرة سلمية في الشارع الكبير في سطيف ورفع العلم الوطني لأول مرة من طرف الطفل الكشاف بوزيد سعال، في هذه اللحظة تقدم الشرطي الفرنسي قتله و كان أول شهيد في مجازر سطيف و قالمة و خراطة..
ديغول وعد الجزائريين ولم يوفي بوعده وهذا يعتبر خداع، بعد ذلك قام الجنرال دوفال من كان مسؤول في منطقة سطيف و مكلف بهذه الناحية العسكرية بتقرير أرسله إلى الحكومة الفرنسية يقول فيها " إذا فرنسا لم تفعل شيء مدة 10 سنوات في الجزائر فسوف تتكرر مثل هذه الأحداث و بشكل أسوأ،
وهذه الأحداث كاتنت بمثابتة الشرارة التي أدت لإندلاع ثورة أول نوفمبر واستقلت الجزائر بعد 9 سنوات .
مجازر 8 ماي كشفت الحقد الدفين الذي اخفته فرنسا
وفي ذات السياق أكد مولود قرين أستاذ تاريخ حديث و معاصر بجامعة مدية أن مجازر الثامن ماي 1945 تعتبر حلقة من حلقات الجرائم الفرنسية ضد الشعب الجزائري كشفت عن الحقد الدفين الذي أخفته فرنسا منذ وقت طويل، كما تفند مزاعم الاستعمار القائل بأنه رسول حضارة وتمدن في شمال إفريقيا، إذ قابل الإرهاب الاستعماري جموع الجزائريين المتظاهرين سلميا بأبشع مجزرة في التاريخ المعاصر، قال عنها الشيخ البشير الإبراهيمي: "... لو أن تاريخ فرنسا كتب بأقلام من نور، ثم كتب في آخره هذا الفصل المخزي بعنوان مذابح سطيف وقالمة وخراطة لطمس هذا الفصل ذلك التاريخ كله. ...
وأوضح الأستاذ قرين ان نية الجريمة مع سبق الإصرار والترصد كانت من طرف الإدارة الاستعمارية منذ الفاتح من ماي 1945 فجريمة 8 ماي بدأت فصولها يوم 1 ماي لما قررت بعض الأحزاب السياسية تنظيم مسيرة سلمية احتفالية باليوم العالمي للتشغيل، انطلقت المسيرة من ساحة الشهداء باتجاه البريد المركزي وقد شارك فيها ما يفوق 20 ألف مشارك، كانوا يهتفون بحياة الجزائر ويطالبون بإطلاق صراح المعتقلين السياسيين، فقابلت الشرطة الفرنسية المتظاهرين بإطلاق النار وقمع وحشي، ومن نتائج ذلك العمل الوحشي استشهاد أربع مناضلين من حزب الشعب الجزائري كما جرح سبعة آخرون فخبر الحادثة مكن من توسيع المظاهرات إلى بعض المدن الأخرى.
وفي سياق متصل أشار قرين أن 8 ماي صادف الثلاثاء وهو يوم سوق أسبوعي وقد جعل منه المنظمون يوم مسيرة سلمية مرخصة ومعبرة عن فوز الحلفاء على المحور وهزيمة النازية الألمانية والفاشية الإيطالية انطلقت المسيرة من أمام المسجد العتيق وكان يتقدم المسيرة فوج الكشافة الإسلامية وهي تحمل العلم الوطني ومجموعة من اللافتات كتب عليها: "الديمقراطية للجميع أطلقوا سراح قادتنا المسجونين" "يسقط "الاستعمار" وغيرها من الشعارات التي تحمل دلالات وطنية. كما كانت الأناشيد الوطنية ترددها الجموع الغفيرة منها قصيدة من جبالنا - يا شباب حيوا الشمال الإفريقي. وقد قدرت بعض الدراسات من شاركوا في المسيرة ما يقارب 15 ألف مشارك.
الذاكرة رصيد يستمد منها جيل اليوم عزه ومجده
و بخصوص خلفيات المجازر ذكر الأستاذ قرين التعامل اللامسؤول والقمع الوحشي من طرف الاحتلال الذي تعرضت له المظاهرات السلمية نتيجة لمجموعة من العوامل من بينها إعادة هيبة الجيش الفرنسي، الذي لم يستطع الصمود أمام الجيش الألماني في "جوان 1940، واعادة الاعتبار لأسطورة الجيش الفرنسي و نضج الحركة الوطنية الجزائري بالتطور الإيجابي اتجاه الوحدة الذي تجسد في بيان فيفري وجبهة أحباب البيان والحرية 1944م برئاسة فرحات عباس والتي ضمت بين صفوفها كل من المنتخبين والعلماء، وما يدل فعلا عن نضج الحركة الوطنية تلك البرودة التي استقبلت بها إصلاحات ديغول المعروفة بأمرية ديغول، ونمو الوعي السياسي للجزائريين بعد مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية.
أما بالنسبة لأهمية يوم الذاكرة أوضح محدثنا أن الأهمية تكمن في أنها تمثل لجيل اليوم عزه ومجده، ومن مظاهر اهتمام الجزائربمجازر 8 ماي 1945م،ترسيم يوم الذاكرة الوطنية تخليدا لرمزية هذا اليوم، حتى لا ينسى جيل اليوم خاصة الشباب منهم بشاعة الاستعمار وجرائمه، وكذا بطولات وتضحيات أجداه، ومن جهة أخرى يعتبر هذا الحدث المنعرج الحاسم في تاريخ الجزائر المعاصر، لأنه أحدث قطيعة الحلول السياسية وبدأت النخبة الثورية في الجزائر تفكر بجد في الانتقال إلى العمل العسكري كخيار استراتيجي للتذكير بالتاريخ الوطني.
فالتذكير بالأحداث مهم لتعزز ثقة الشباب في أنفسهم وتجعلهم يستلهمون القيم التي آمن بها أسلافهم خاصة قيمة الإخلاص للوطن والتضحية وغيرها من القيم التي ساهمت في تحقيق النصر وجعلت الثورة الجزائرية نموذجا لكل ثورات العالم.
جرائم وليست أحداث
وفي سياق آخر يقول دحمان تواتي أستاذ محاضر في التاريخ الحديث والمعاصر بالمركز الجامعي بتيبازة ان المسؤول عن مجازر، الجنرال دوغول رئيس اللجنة الفرنسية، مشيرا أنه يجب تصحيح مصطلح حوادث وبدل ذلك الحديث عن جريمة كاملة العناصر فيها سبق الاصرار والترصد لماذا ارتكب النظام الكولونيالي هذه الجريمة.
وفي حديثه عن هذه المحطة الهامة أوضح الأستاذ تواتي أن نمو الوعي الوطني و تبلوره حول فكرة الاستقلال بسبب تطورات الحرب العالمية الثانية و انهيار صورة فرنسا القوية اثر انهيار جيشها خلال أسابيع و إعلان استسلامها، مع صدور النداء الأطلسي الذي وعد فيه الإنجليز و الأمريكيون الشعوب المستعمرة إن أيدت الدول الديمقراطية ضد الدول الفاشية و النازية بالنظر في أمر تقرير مصيرها بعد الحرب، وكذا نزول الحلفاء في الجزائر في 8 نوفمبر 1942 و انهيار موقف الجماعات الكولونيالية في الجزائر.
ومن دلائل التطور السياسي وتبلوره حول فكرة الحرية تجمع الجزائريين حول بيان فيفري 1943 ورفضهم أوامر دوغول التي صدرت في 7 مارس 1944 وتشكيلهم حركة أحباب البيان والحرية في 14 مارس 1945 واتساع قاعدتها الشعبية بحيث أصبحت تخيف النظام الكولونيالي.
ومن بين أهداف فرنسا لإرتكاب المجازر هي ضرب الحركة الوطنية وإرهاب الشعب الجزائري مع إلغاء فكرة الحرية من أذهان الجزائريين، هنا يقول الأستاذ تواتي "هل حقق النظام الكولونيالي اهدافه؟ فعلى المدى الفوري نعم ولكن أدى ذلك الجنون إلى ظهور جيل من المواطنين تشكل وعيهم في خضم هذه المجازر وهم الذين سيدفعون بالحركة الوطنية إلى فكرة العمل المسلح المنظم فكان انشاء المنظمة الخاصة سنة 1947.
الذاكرة... القوة الناعمة التي تعطي سياج منيع للأمة
كما اعتبر الدكتور بيتور علال أستاذ تاريخ الجزائر المعاصر بجامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله أن مجازر 8 ماي في الحقيقة هي مجازر شهر ماي و يوم 8ماي ما هو إلا بداية المجزرة التي استمرت إلى نهاية الشهر باستعمال كل الأجهزة المتاحة من طرف المستعمر و البحث عن الجزائريين في الأرياف وقتلهم..
مضيفا أن المجازر جريمة دولة ارتكبها المستعمر نبقى نتذكرها في كل سنة، فقد أصبح يوم وطني للذاكرة لأن هذه الجريمة تجاوزت كل الأعراف و التوقعات بحيث أن المتظاهرين السلميين يخرجون للشارع للاحتفال بالنصر ككل العالم فيواجهون بالرصاص و القتل.
أما عن العبر التي يمكن استخلاصها من هذه الجريمة يؤكد محدثنا أن الإحتلال لا خير فيه مهما كان ولا يمكن أن يكون له وعد من الوعود لأنه يريد إهانة الشعوب و أخذ حقوقهم، كما ينبغي أن نبني على هذه الجرائم تاريخيا حتى نفهم حاضرنا و نتعامل مع هذه الدول التي ارتكبت الجرائم ووبالتالي نستشرف مستقبلنا..
كما شدد على ضرورة إطلاع الأجيال القادمة على هذه الأحداث و وعيهم بها لأنها وعي تاريخي، و الذاكرة أمر أصبح من القضايا المحسومة و يدخل في إطار القوة الناعمة التي تعطي سياج منيع للأمة ، وهذه الجريمة بالذات تعطي الأجيال مناعة لأن الإستعمار لا يمكن أن يوثق فيه.
ضرورة نقل تاريخ الثورة المجيدة بأمانة للأجيال
تعد الذاكرة الوطنية حسب رئيسة جمعية حسيبة بن بوعلي أمينة فار من أهم الخصائص التي تتميز بها المجتمعات البشرية عن بعضها البعض بتحديد خصوصيتها التاريخية والثقافية ضمن محيطها الجغرافي و إطارها الحضاري ودورها ومكانتها في مسيرة الإنسانية، وهي أيضا من أهم مصادر المعرفة التاريخية لارتباطاها الوثيق بوجدان الأفراد وعواطفهم وعلاقتهم اليومية فيما بينهم داخل المجتمع الواحد..
كما أبرزت محدثتنا أهمية ترسيخ الذاكرة الوطنية واحياؤها باعتباره واجبا على كل القطاعات والهياكل الفعالة في المجتمع لا سيما في الظروف التي يعيشها هذا الأخير من شتات وتنكر وتفكيك للتاريخ والعزوف العلني او الضمني لكل ماله علاقة بالتاريخ والذاكرة الوطنية لا سيما فئتي لأطفال والشباب و إسهامها بالقدر الوفير لإنجاح برنامج الذاكرة وحفظ مقوماتها وثوابتها وترسيخ الإنتماء للوطن لدى الناشئة..
أما في حديثها عن دور المجتمع المدني في الحفاظ على الذاكرة و إيصالها للأجيال قالت محدثتنا وجب تذكير الشباب بتضحيات الأسلاف وإرساء الروابط بين الأجيال للحفاظ على الهوية وتسليم المشعل إلى شباب الوطن عن طريق الإحتكاك بالأسرة الثورية الذين عايشوا الحدث وزيارة بعض الأماكن والمواقع والمعالم بمرافقة النوادي التاريخية مع القيام بورشات عبر مؤسسات الشباب والتربية و إعداد روبورتاجات حول شخصيات محلية ووطنية من أجل نقل تاريخ الثورة المجيدة بأمانة للأجيال التي لابد ان تعرف بطولات من ضحوا بالنفس والنفيس فداءا للوطن..