632
0
تعاطي المخدرات… بين الإنتشار الخطير ونقص مراكز العلاج من الإدمان
المخدرات… آفة مست المجتمع بمختلف أطيافه وسبب في موت الشباب البطيء،وتجاوزت ذلك لتشوه براءة الأطفال، فانتشرت في المدارس واختلفت اشكالها بعد أن كان الحصول عليها شبه صعب،صارت اليوم حلوى مسمومة تباع لأطفالنا دون الإنتباه لها، وصار المدمن لا يعي بإدمانه ولا العائلة تدرك ما يحدث لفلذة أكبادها.
تنوعت الأسماء بين مهلوسات وحقن ومواد أخرى لكن النتيجة واحدة والخطورة تزداد يوما بعد يوم، حاولت بركة نيوز ملامسة الظاهرة والإقتراب من بعض الشباب ممن وقع بين مخالب هذا الوحش الضاري، فكانت الوجهة المركز الوطني لمعالجة الإدمان الكائن ببوشاوي الجزائر العاصمة.
نزيهة سعودي
عبد الكريم عبيدات ” المركز يعالج طبيعيا ويستقطب المدمنين من كل ربوع الوطن”
وفي هذا الصدد صرح لنا عبد الكريم عبيدات مستشار دولي في الوقاية ومحاربة تعاطي المخدرات ورئيس المنظمة الوطنية لرعاية الشباب، بأن المركز الكائن ببوشاوي نموذج على المستوى الوطني والإفريقي بحيث يعالج هذه الآفة بصفة طبيعية يستقطب المركز منذ تأسيسه الى حد الان 5575 شاب وشابة التحقوا بالمركز أعمارهم تتراوح ما بين 13 الى 35 سنة، كما يسطر المركز برنامج بداية ب3 مراحل وهي تعد شروط يجب أن يلتزم بها المدمن ليندمج مع المركز وهي الإرادة ،القرار، الرجولة، بعدها يبدأ بالتحضير النفسي ويتيح المركز قاعة شبه رياضية تحمل آلات حديثة تعمل على إعادة استرجاع قوة ومناعة الجسم إضافة إلى جناح آخر للتدليك بالضغط المائي والإسترخاء الجسدي.
كما تنظم جلسات للتحاور مع الأخصائيين النفسانيين، فالمركز ليس بمستشفى وإنما هو مكان خاص بالمجتمع المدني الفعال يعالج المدمن من الطبيعية كشاي الأعشاب المستخلص من 13 عشبة الذي يقدمه للمدمنين للتخلص من جميع الإضطرابات النفسية من قلق وإرهاق وعنف وقلة النوم التي يعاني منها المدمن .
الدعوة لندوة وطنية للتفكيير في استراتيجيات الوقاية الجوارية من المخدرات
يركز رئيس المركز على الجانب الروحي وهنا يقول ” نقول للمدمن الذي قدم إلينا، أن هذه الخطوة ليست رهن إرادته بل هي إشارة من عند الله وارادته ليرجعه الى الطريق الصواب” ، مؤكدا بأن أسباب انتشار الآفات الاجتماعية هو مشكل الفراغ وقلة فرص الشغل و واصل حديثه بالقول ” فكرنا بإنشاء تعاونية شبانية لإدماج الشباب في المحيط الإجتماعي وفرنا محل كبير واشترينا قناة لصنع مواد التنظيف، يعمل فيها من تحسنت حالته من خطر المخدرات”.
ودعا عبيدات إلى ضرورة تعميم هذه الفكرة لخروج الشباب المدمنين من حالة الإنحراف وتشغيلههم بما ينفع المجتمع، خاصة وأن الجزائر تعد منطقة عبور واستهلاك مس كل الفئات حتى النخبة الرياضية، وأضاف السيد عبيدات ” حان الوقت للتحضير لندوة وطنية للتفكير في استراتيجيات الوقاية الجوارية لذا قمنا بإحضار حافلة متنقلة مزودة بأطباء نفسانيين للإصغاء إلى التلاميذ الذين يجتازون امتحانات البكالوريا”.
وعن إرادة الشباب بالتعافي والوقاية من هذه الآفة عبر مدير المركز عن ارتياحه للعدد الهائل الذي يتقدم الى المركز من كل ربوع الوطن، رفقة عائلاتهم بغية التشافي وتجنب المخدرات، متمنيا أن تعمم فكرة انشاء مثل هذه المراكز على مستوى الوطن مشيرا إلى أنه سيتم تدشين أول مركز بغرداية لمعالجة الإدمان. داعيا إلى ضرورة العمل الإحترافي من طرف الجمعيات وفرض نفسها في الساحة لتتحصل على الإمكانيات.
ديال ” المخدرات قنبلة موقوتة والمجتمع المدني غائب في مكافحتها”
ومن جهة أخرى اعتبر “عزيز ديال” المكلف بالإعلام والاتصال بالودادية الجزائرية لمكافحة الآفات الاجتماعية بأن المخدرات قنبلة موقوتة تفشت حتى في المدارس،حيث قال محدثنا “ندق ناقوس الخطر لأننا وصلنا إلى الخطر، والمجتمع المدني غائب عن الساحة في مكافحته للآفات الاجتماعية”.
كما أكد ديال قائلا ” أن الودادية تضم 1000 عضو متخصص في مكافحة الآفات الاجتماعية ولديها لجنة علمية منهم من يتدخل في الإطار الأمني، والإطار الوقائي، كما نهدف كجمعية إلى ضم كل فرد من أفراد العائلة الجزائرية لمكافحة هذه الآفة الإجتماعية،لأن اليوم أصبحت المؤسسة التعليمية والعائلة الجزائرية في خطر”.
تعكف الودادية على تنظيم ندوات بالتنسيق مع الديوان الوطني لمكافحة المخدرات للتحسيس و التوعية لعلاج المدمنين و لكن المشكل القائم حسب ذات المتحدث هو نقص مراكز العلاج المختصة بالنظر إلى العدد الهائل للمدمنين.
وعن أسباب تفشي المخدرات يقول ديال أن الخارطة الاجتماعية للجزائر والعالم تغيرت خاصة بعد تفشي الجائحة، رغم الميكانيزمات التي تقوم بها الدولة هنا وجب على المجتمع المدني أن يكون الفاعل الأساسي في عملية مكافحة المخدرات.
كما أن المشاكل الإجتماعية كالطلاق والبطالة والمشاكل العائلية ورفقاء السوء و غياب الوازع الديني ومواقع التواصل الإجتماعي، كلها عوامل تساهم في انتشار الآفات الاجتماعية وفي هذا السياق يدعو ديال إلى ضرورة رقابة ومرافقة الأولياء لأبنائهم ، مع تفعيل آليات المكافحة على مدار السنة والعمل يوميا عن طريق ندوات ومؤتمرات ولقاءات للتحسيس والتوعية بتظافر جهود قطاعات أخرى لاسيما قطاع الصحة و التضامن والتربية و التكوين و حتى الصحافة.
إعادة النظر في قانون “حماية المبلغ”
في المقابل وجه المكلف بالإعلام على مستوى الودادية نداء إلى المراكز البحثية لتقديم دراسات علمية لمحاربة الإدمان، مشيرا إلى أهمية دور الشباب والجمعيات في المرافقة والتوجيه، مع إعادة النظر في قانون “حماية المبلغ” وتفعيله باعتبار التبليغ ثقافة، و المبلغ مواطن صالح ومحمي في الدول الأخرى، على عكس في الجزائر نقص حمايته أدى الى انسحابه وعدم التبليغ عن بائعي ومتعاطي المخدرات لتجنب تعرضه للمشاكل والأخطار، كما دعا إلى ضرورة التوعية من خلال الشباب الذين واجهوا الامر واستطاعوا التصدي له كنموذج يقتدى به.
الاخصائية النفسية هبة متاتيج “علاج الإدمان يحتاج الى رعاية نفسية وجسدية”
تعود أسباب انتشار الآفات الأجتماعية في السنوات الأخيرة حسب الأخصائية النفسية هبة متاتيج إلى ضعف الوازع الديني وغياب الضمير الأخلاقي والقانوني نتيجة عدة عوامل منها أساليب معاملة الوالدين الخاطئة وإهمال التربية والتفكك الأسري وانشغال الوالدين عن أبنائهم دون توجيههم وغياب الحوار إضافة الى الفقر والجهل والفراغ، وتابعت بالقول “يعتبر العلاج الطبيعي خيار من الخيارات التي ساعدت في التغلب على إدمان المخدرات والإبتعاد عنها فهو خطوة من خطوات العلاج يتم فيه تخلص الجسم من السموم و ازالتها تدريجيا بعلاج طبيعي، لكن رغم أهميته إلا انه لايعد علاج متكاملا كما يظن البعض لأن مشكل الإدمان يحتاج إلى رعاية نفسية وجسمية وإلى تقييم شامل من طرف الطبيب النفسي وأخصائي في مجال الإدمان والمخدرات لمتابعة رحلة العلاج والتعافي.
كما قدمت الأخصائية النفسية مجموعة نصائح للمدمنين منها تعليم المدمن طرق لفهم مشاكله و مواجهة ضغوطات الحياة و فهم كيفية حلها دون اللجوء للمخدر من خلال عملية الإسترخاء وممارسة التنفس العميق والتعزيز الإيجابي، مع حثه على ملأ الفراغ من خلال بعض الأنشطة الإيجابية والهوايات المفيدة والشعور بالسعادة لمقاومة أفكار التعاطي ، وبتحديد أهدافه والسعي لتحقيقها وممارسة الرياضة والصبر على مقاومة رغبته في التعاطي ، وفي السياق ذاته قالت “الحمد لله اليوم هناك تجاوب و إرادة بنسبة لابأس بها في ظل الإنتشار الكبير لهذه الآفة” متمنية من السلطات المعنية النظر إلى هذه الفئة ومساعدتهم قدر المستطاع.
الإرادة والقرار هو الحل للخروج من عالم المخدرات
حدثنا والد شاب من باب الزوار مدمن التحق حديثا بمركز معالجة الإدمان ببوشاوي حول وضع إبنه الذي جاء ليقلع عن تعاطيه للمخدرات، وهذا نتيجة التحسن الذي لاحظه في جاره فقرر الشاب العلاج والرجوع إلى حياته العادية بعدما تدهورت و ساءت حالته مع مرور الوقت و أثرت على استقراره ،فجرّته لآفة السرقة والإضطراب النفسي وحتى العنف اللفظي ومصاحبة رفاق السوء، و واصل الوالد حديثه “الآفات الإجتماعية منتشرة بقوة و شبابنا في الهاوية فقد أصبحت تجارة المخدرات علنا و على مرأى الأعين في الشوارع فصارت حتى الفتيات تتاجرن فيها ، فوجب تظافر الجهود لأن الجميع معني بالأمر ودق ناقوس الخطر لمجابهة هذه الآفة الفتاكة”، مشددا على ضرورة حراسة الأولاد وتعميم هذه المبادرة عن طريق انشاء مراكز العلاج لمتعاطي المخدرات للقضاء على الإدمان و الحد من انتشارها بين الشباب.
إبني انسان خلوق محيطه من جرّه الى تعاطي المخدرات
وتروي لنا السيدة فتيحة هي الأخرى كيف دخل إبنها عالم المخدرات و كيف استطاع الخروج منه بعد علاجه الذي دام طويلا وبصفة دائمة نتيجة اصرار وعزيمة ابنها على التشافي بحيث قالت” ابني تعاطى المخدرات مدة 10 سنوات رغم أنه إنسان خلوق و ذو سمعة طيبة إلا أن محيطه جرّه إلى تعاطي كل أنواع السموم المخدرة وأدخله في دوامة الآفات الاجتماعية إلى أن أصبح غير قادر على الإستغناء عنها، واليوم في نعمة والحمد لله أرى الفرق الذي كان عليه إبني و الصفة التي هو عليها اليوم بعد اخضاعه للعلاج في مركز بوشاوي فقد تغيرت نفسيته أصبح يصلي فور سماعه الآذان و يتبع حلقات و يتواصل مع العائلة بوعي وكل هذا بإرادة الله و قدرته و بتوفيق كل من يعمل جاهدا لإسترجاع هؤلاء الشباب الضائعين، حيث يلتقون يحفزون بعضهم على الإستمرار و اليقين بأن الحل الأمثل للخروج من هذا النفق المظلم هو التسلح بالإرادة ومتابعة العلاج.
شاب آخر في ال25 من عمره غادر مقاعد الدراسة في السنة الثانية متوسط يعمل في دكان يقول “أخبرني والديا عن هذا المركز في البداية رفضت و لم أقتنع بذلك ثم وافقت بعد زيارتي الآولى للمركز وعرفت أنه يقدم علاج طبيعي، لأنني و بكل صراحة تعبت من هذا العالم المليء بالأوهام و تضييع للوقت وخسارة للصحة و إهدار للنقود، بعدها قررت العلاج و حقيقة الأيام الأولى مرت بصعوبة كبيرة و لكن بفضل الله تعالى تحسنت نفسيا و جسديا الامر الأهم في ذلك هو الإرادة والقرار”.
المستشارة القانونية بوقزوحة سارة “على السلطات تفعيل النصوص القانونية للعلاج”
حدثتنا “بوقزوحة سارة” المستشارة القانونية لدى الودادية الجزائرية لمكافحة الآفات الاجتماعية بأن معظم القضايا المطروحة تخص المخدرات والمؤثرات العقلية بأنواعها على غرار الأنواع الدخيلة عن مجتمعنا الجزائري، والعدالة في صراع يومي مع هذه القضايا، وفي الأصل أن القاضي يعتبر متعاطي المخدرات مدمن وجب علاجه لإزالة السموم فإذا رفض العلاج يطبق القاضي عليه العقوبة المقررة.
وفيما يخص قانون العلاج يسعى القضاة إلى تجنب سجن المدمنين بل تفعيل النصوص القانونية الخاصة بالعلاج و توجيههم للعلاج ولكن هذا ليس مفعل في الجزائر نتيجة نقص المراكز ،و المشكل الذي يعاني منه المحامين أنه لم يتم تعديل الجداول السابقة فعند المرافعة اذا كان الدواء مصنف يجب تطبيق القانون 04/18 على المدمن واذا كان غيرمصنف يتم تطبيق المادة التابعة لقانون الصحة “حيازة من أجل البيع بدون مبرر شرعي” عقوبتها منخفضة، ومع تطور الانتشار الواسع للمخدرات واصلت محدثتنا بالقول “قمنا كودادية بجلسة عمل بوزارة العدل بحضور وكلاء جمهورية والديوان الوطني لمكافحة المخدرات، وممثلي عن الدرك الوطني والحماية المدنبة وأطباء طرحنا مشروع الودادية في إطار مكافحة المخدرات وإدمانها، كما طرحنا مشكل نقص المراكز و المواد الجديدة ، و تم ايفادنا بمعلومة بأن المواد في إطار التعديل ، ولحد الان لم تدخل حيز التطبيق”.
وعن مشروع الودادية أشارت المستشارة القانونية “نهدف إلى تنظيم حملات تحسيسية وتوعوية داخل المؤسسات العقابية من أجل توعية الشباب و القضاء على الآفة تدريجيا بتظافر جهود جميع القطاعات و الهيئات ، و أبوابنا مفتوحة لمساندة هذه الفئة فعليهم التسلح بالإرادة بدل تضييع الوقت و نحن نضمن المرافقة و التوجيه نحو حلول بديلة”.
المسؤولية مشتركة، وغياب الوازع الديني من أسباب انتشار المخدرات
وفي هذا الصدد تأسف الأستاذ “عبد النور سيد علي” إمام وأستاذ في جامعة العلوم الإسلامية بالخروبة لما تعرفه الآفات الاجتماعية من انتشار وذكر عدة أسباب من بينها الفراغ النفسي الذي يعيشه الشباب و التأثر بما يشاهدون في مواقع التواصل الاجتماعي قصد التقليد هنا أشار بالقول “قديما قالوا الصاحب ساحب” و غياب الوازع الديني والفساد الأخلاقي”، وعن الحلول في نظر الإمام فإن المسؤولية مشتركة وجماعية بين المدرسة و المسجد، لذا يجب على كل مؤسسة القيام بدورها كما ينبغي، كما على الأولياء أن يقوموا بدورهم ليس فقط من جانب الرعاية الماديةبل من جانب التحاور والتواصل و العاطفة،كما على السلطات المعنية أن تقوم بمهامها وتفتح مراكز لعلاج من يريد الخروج من الإدمان.
و وجه رسالة لشباب اليوم قائلا ” إن المخدرات هلاك لك تضرك في حياتك ومستقبلك وأسرتك وآخرتك إذا لم تتب إلى الله تعالى، و الإسلام يقول “لا ضرر ولا ضرار” كل ما يضرك او يضر من حولك فهو منهي عنها “لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” الدين جاء بمقاصد وأهداف كبرى ليحافظ عليها ويحققها فأهم شيء حفظ الدين والنفس والعقل والمال، و المخدرات تذهب كل هذا”، متمنيا أن يصلح الله شباب الجزائر ويحفظهم ويحفظ المسلمين جميعا لأنها ليست بالأمر الهين داعيا إلى ضرورة مراقبة الأبناء و مصاحبتهم ، و مد يد العون لمساعدة المدمنين في تخطي هذه الآفة .