436
0
سبارتاكوس الفلسطيني

بقلم ; عيسى قراقع
الكاتب الأسير خليل أبو عرام في كتابه القديس والخطيئة يتحرر من خلف مؤبداته القاسيات، يخرج من المعبد، يحمل صليبه وفأسه ويهدم الأصنام، يحاسبنا واحداً واحداً في المسافة المتبقية بين الجنة والجحيم، فالضحايا تصارع الضحايا، يمتصهم الواقع القمعي ويحولهم إلى مختلفين وحيارى، وفي كتابه النقدي الجريء يتحدث عن مفهوم أعمق وأوسع للسجن ويكشف أن الجدران والأسلاك والأبواب الموصدة والقمع والطمس والعزل والإرهاب الصهيوني ليست هي العائق أمام إرادة الحرية، وإنما ما زرعه الاحتلال في إسمنت السجن وهوائه ونظامه اليومي ما هو أقسى من السجن وأشد: نظاماً مبرمجاً يطوق الروح ويحاصر العقل ويجعل من كل أسير مجرد شيء أو آلة.
يتحدث خليل في كتابه كيف أطلق السجان في فضاء السجن كل قواه غير المرئية والناعمة بأساليب شتى كنشر الفساد والشللية والنوازع المصلحية والاستزلام، وبنى بذلك سجناً آخر في داخل السجن، مملكة تسيطر عليها مفاهيم الفردية والشخصانية والمنفعية والنرجسية، صار السجن الضيق يضيق أكثر على ساكنيه، وصار السجن الضيق حبل مقصلة لمفاهيم الثورة وقيمها تعدم الذات الداخلية للمعتقلين وكل تلك المعاني التي تسطرها التضحية وأبجدية الهوية. الأسير خليل أبو عرام ضحية الاحتلال الصهيوني يرفض أن يتحول إلى ضحية أخرى على يد أصحاب الخطايا الآثمين وهؤلاء الشياطين الذين دنسوا مفهوم الحرية ورمزية الأسير بتعاونهم مع ضباط استخبارات السجون، هؤلاء الآثمين تحولوا إلى رجال كابو لتدنيس مشروع التحرر الوطني الذي يمثله الأسرى والمعتقلون من خلال أدوارهم التي يقومون بها نيابة عن السجان.
الكاتب يسلط الضوء على السياسة الإسرائيلية التي حولت الشعب الفلسطيني إلى سجين في كانتونات ومعازل وتجمعات ضيقة وأسست نظام الفصل العنصري ونظام فرق تسد، هذا الفصل الأفقي والعمودي انتقل إلى داخل السجون حيث التجزئة والانقسام والتشظي والفوضى، يرافقه نظام تحوير مفاهيم الأسرى وأولوياتهم وانهيار نظمهم الداخلية، ونقل مجتمع الاعتقال من مجتمع مقاوم وسلطة ثورية متماسكة إلى واقع يسوده الترهل وغياب الوحدة والحياة المشتركة والتضامن الجماعي، تحويل ساحات السجون إلى ممالك وامبراطوريات ومخترات وأسواق وتجارة وخصخصة النضال وتدمير التقاليد الاعتقالية ونظمها وإعادة تشكيل وعي الأسرى ثقافياً واجتماعياً بما يخدم نظام السيطرة في السجون.
الكاتب يوثق المتغيرات التي جرت على الحركة الأسيرة بعد عام 2004 ويحاول أن يبحث بشكل مدروس من موقع المسؤولية عن أسباب هذا التردي الذي جرى على حياة الأسرى وفقدانها لقدسيتها وسحرها، وهو محاولة لاستعادة دور الحركة الوطنية الأسيرة كجزء من المشروع الوطني والتحرري لمقاومة الاحتلال ومحاربة كل أدوات الفساد داخل السجون والتي قادت إلى الخطيئة والخطايا وأصبحت شريكة للسجان بتقنياته الجديدة بتحويل الأسرى إلى مجرد أرقام مقيدين بسلاسل أقوى من سلاسل الحديد وهي المصلحة والمال واضمحلال المطامح وتحويل الأسرى إلى مجرد مستهلكين مكتفين بما يحصلوا عليه من طعام وما يودع من حساباتهم من أموال، إنه يعلن تمرداً في نصوص هذا الكاتب على سياسة التدجين والمساومة وعلى الطابور الخامس داخل السجون.
هذا الكتاب هو صرخة وعي في عدة اتجاهات من أجل حماية الروح النضالية للأسير الفلسطيني من محاولات إفنائها، وهو نقد موجه إلى كل الفصائل والقيادات والمسؤولين الذين لم يقوموا بدورهم ومسؤوليتهم في وضع الضوابط لكل أشكال التسيب التي أصابت جسم الحركة الأسيرة المقدس والسماح لأصحاب الخطايا أن يسودوا ويتحكموا بمصير المعتقلين في السجون. الكتاب برغم ما في مضمونه من ألم ووجع إلا أنه يحمل رسالة ثورية وتفاؤلاً بالمستقبل، الغالبية من المعتقلين أدركت المخاطر التي تهدد حياتهم لهذا أعلنوا إضراب الحرية والكرامة في نيسان 2017 بقيادة الأسير مروان البرغوثي بهدف إعادة الهيبة والمكانة للحركة الأسيرة ودورها الطليعي في مقاومة الاحتلال وإسقاط نظام الكابو داخل السجون. كتاب القديس والخطيئة يستكمل معركة الحرية والكرامة ويتحول إلى إنجيل لتلك الملحمة التي دفع الأسرى ثمناً قاسياً خلالها داخلياً وخارجياً، الكتاب يقرع الجرس مرة أخرى ويكسر الصمت ويخلع الوتد. هذا الكتاب هو هزة إنسانية ومحاكمة للجميع، فمجرد أن يكتب خليل هذا الكتاب وبهذه الجرأة وبهذا الوضوح فهو يعلن ثورة على كل الهياكل البائسة والفاسدة وعلى نظام السيطرة الجديد، يخرج من المعبد يحمل الشعلة، يفتح أبواب المعبد ويخرج النور من الظلام والحشر، هذا الكتاب ثورة في ثورة أبعد من السجن وأقرب إلى غضب الشعب.
الأسير خليل أبو عرام في كتابه يطرح مشروعاً سياسياً واجتماعياً وثورياً نهضوياً للخروج من الهاوية وترميم كل الانكسارات والتراجعات التي أصابت القضية الفلسطينية والحركة الأسيرة، مشروع يقوده القديسون الأطهار ضد الشياطين الكثر والذين يتقنعون في أشكال ومسميات عديدة. الكاتب خليل أبو عرام يخرج من المعبد يروي فصول الخطيئة، يتمرد على خوفه المتربص، يعري عبارات الطهر التي يتشدق بها البعض، إنه سبارتاكوس الفلسطيني يقود ثورة المقهورين والمعذبين للحصول على حريتهم ضد أصحاب الممالك والاقطاعيات والمصالح التي أسستها إدارة سجون الاحتلال. قال الشاعر العربي الكبير أمل دنقل في قصيدته كلمات سبارتاكوس الأخيرة:
معلقٌ أنا على مشانق الصباح
وجبهتي بالموت محنية
لأنني لم أحنها حية
يا إخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
لا تخجلوا، ولترفعوا عيونكم إليّ
لانكم معلقون جانبي
على مشانق قيصر
فالترفعوا عيونكم إليّ
لربما إذا التقت عيونكم في الموت في عينيّ
يبتسم الفناء داخلي، لانكم رفعتم رأسكم مرة
الهيبة والعودة ... وليد يستيقظ
بقلم الأسير : يزن سمارو : سجن عسقلان
صوت ٱلة التنفس ، رنين متقطع لٱلة فحص النبض ،قرقرة بعض السوائل الموصولة بالأنابيب ، .. وجوهٌ غريبة في كل مكان ،، وجود الحراس المسلحين ،أيقظ ذاكرته قليلاً ،بعد غيبوبةٍ قد تعاركت بها الاحلام ، استعاد الشعور بثقة لكمامة التنفس التي نَمٓلت محيط أنفه ، اراد أن يحرك يده اليمنى فوجدها مكبلة،،، فطلب اليسرى وقد كُبلت هي الاخرى، ولم يقوى على فعل شيءٍ سوى الانين .. وبقي كذلك حتى انتهى الحراس من حديثهم ، وما ان التفت احدهم متفقداً تلك القيود حتى استطاع وليد أن يقبض ويبسط كف يده لاستدعائهِ مرات عدة ، عندها قام الحارس بالنظر اليه دون ان تبدو على وجهه اي علامة دهشة ، بل وبعينين قد بدتا ناعستين يرافقها تحركات بطيئة ، وكأن الحسرة انعقدت مع سوء حظ ذلك الحارس اللئيم ، فقد لا تعني له يقظتهُ سوى مزيداً من فترات المناوبة على حراستهِ المضنية ..
وصل الطبيب المناوب يرافقه بعض المهتمين ، يقف الطبيب ممسكاً بقلم الأضاءة متفحصاً عيني وليد .. الطبيب : وليد..اذا كنت تسمعني..كيف حالك ؟ وليد : /أنين متقطع/ وكأنها كلماتٌ بقيت عالقة بين أحبال الصوت.. الطبيب : ايها الشرطي ..انزع قيد يديه.
الشرطي : يدٌ واحدة تكفي .. واختار اليد اليمنى.. الطبيب ممسكاً يده بكلتا يديه وناظراً الى كل مؤشراته الحيوية : ها أنت قد عدت ، حسناً فعلت . وليد : يده تمسك بيد الطبيب تعبيراً عن شكرهِ واستجابته . يذهب الطبيب ومن معهُ .. وقرون استشعار الحارس اللئيم المقيت ،تُعلنُ حالة التأهبِ القصوى ، يُحركُ وليد يده الثقيلة ببطءٍ نحو وجههِ محاولاً إزالة كمامة التنفس المزعجة ، يهرعّ الشرطي محاولاً اعادة يده التي اقتربت من فمه وهو يردد بعض تمتمات اللعنة التي بدورها ساعدت وليد على استفزاز عضلات فكه ، وما ان اقتربت يد الشرطي الحاقد من فمه ، حتى قام وليد على الفور بمحاولة عض يدهِ التي انسحبت بسرعة ، تلاها رجوعه خطوتين الى الخلف مذهولاً صعقا . نعم ..وبذلك أُعلنُ لكم استيقاظ وليد ،،،، وليد يعود من جديد..
كريم يونس ...أرشيف صبرنا وعتادنا الثوري
بقلم الفدائي الأسير: ناصر الشاويش
بعد عشرون عاماً من مشاركتي لكريم يونس عذابات الاعتقال والتنقلات التعسفية من سجنٍ لأخر ،وعملي المشترك معه وإلى جانبه في إطار الهيئات التنظيمية في ساحات السجون ،وخوضنا معاً لأكثر من معركة مع السجان في إطار تمثيلنا ألاعتقالي للأسرى.وبعد أن كانت فكرة التحرر من السجن بالنسبة له ولي مجرد حلم بعيدُ المنال كنا نحلمه على مدار ليالي الاعتقال المؤلمة. فها هو اليوم أراه حراً كريماً شامخاً بكوفية الثورة السمراء ،ومرفوعاً على أكتاف الجماهير في مشهدٍ أبكانا فرحاً وملأ قلوبنا عزةً وفخاراً بهذا القائد الفذ الذي لا يمكن لأحدٍ أن ينجو من سطوة سحره ومحبته واحترامه،حتى بعض سجانيه الذين لم ينجو بعضهم من سحره الطاغي الذي يجبركَ قسراً على احترامه حتى لو كنت عدواًله أو معارضاً لبعض قراراته الجريئة التي كانت تتعارض كثيراً مع التوجه العام للأسرى .
ولطالما كنا نحن الأغلبية مخطئون في توجهاتنا العامة أو نخطئ بقرائتنا للواقع ألاعتقالي العام ولطالما كان هو المحق في طرحه ونظرته للأمور في تحليله المواقف والقراءات السياسة الاعتقالية . لن أتحدث اليوم كثيراً عن شخص عملت معه والى جانبه لسنوات طويلة في العديد من المواقع التنظيمية والقيادية لانني مهما تحدثت عن مواقف كريم وسلوكه الثوري الذي لم يَحدْ يوماً عن فدائيته العنيدة .فلن أستطيع أن أغطي مساحة العشرون عاماً من مشاركتي له لمئات المواقف المختلطة ما بين الفرح والحزن .
ما بين الأمل وواقع فاقد للأمل .وما بين الضعف والقوة .لكنني وقد لفت انتباهي ما قاله كريم لوسائل الاعلام لحظة تحرره عندما سُئلَ عن إمكانية سحب إسرائيل لجنسيته (الإسرائيلية) قال: هذه جنسيه فرضت علينا ولا تشرف حاملها كثيراً... تذكرت على الفور ما قاله كريم قبل حوالي ثمانية عشر عاماً لمدير مصلحة السجون المتطرف "يعقوب غانوت"عندما كنت بصحبة كريم في جلسة حوار كع إدارة ومصلحة السجون حول العديد من القضايا المتعلقة بالحركة الأسيرة وكانت جلسة حوار حادة وساخنه تتعلق بقرار استراتيجي اتخذناه بخوض الحركة الأسيرة للإضراب المفتوح عن الطعام في العام 2004 وكان كريم في تلك الجلسة في أكثر حالاته عصبية وانزعاج من ردود مدير مصلحة السجون على مطالبنا ،قال يعقوب غانون لكريم بعد انتهاء الجلسة "أنت شخص حكيم ومتزن فمالك ولهولاء الفلسطينيون فأنت مواطن إسرائيلي وإذا أردت سآمر الآن على الفور بفتح قسم خاص لأصحاب الجنسيات الإسرائيلية ونكون أنت ممثلاً عن الأسرى الاسرائيلين العرب .
فرد عليه كريم بنبرةٍ عالية أنا فلسطيني وأعتز بهويتي الفلسطينية وجنسيتكم الإسرائيلية هذه لأتشرف حاملها لانها تمثل الاحتلال ومحو الهوية وقد أجبرت على حملها إجباراً لكي لا أطرد من وطني ومن المؤسف أن أكون أنا وأنت نحمل ذات الجنسية لذلك أعدك عندما أخرج من السجن أنني سأعمل على التخلص من هذه الجنسية أنا وكافة أبناء شعبي "لم يفهم"يعقوب غانون.. ما قصده كريم يومها بقوله التخلص من هذه الجنسية ولم يدرك أن كريم قال له بطريقة أخرى على كامل ترابنا الفلسطيني ،وعندها فلن تكون هناك أصلاُ دولة تدعى (إسرائيل) .
هذا ما قاله كريم يونس لمدير مصلحة السجون في العام 2004 ليعود ويؤكد عليه اليوم عبر وسائل الإعلام المختلفة عندما سُئل عن رأيه في تهديدات الفاشية الصهيونية سحب الجنسية الإسرائيلية منه بعد تحرره من الأسر أجاب قائلاً :هذه جنسية تبجّلُ حاملها ولا يشرفني حملها ،وهي جنسية فرضت علينا بفعل القوة والعدوان...." هذا هو كريم يونس الذي لم تؤثر على عنفوانه وصلابته ومبادئه وثوريته سنوات أسره الأربعون . هذا هو القائد المثقف السياسي البارع والوطني الملتزم .وهذا هو الفدائي والثوري والوحدوي الذي علمنا أن السجان لا يمكن أن يكون صديقاً لنا حتى وإن تبسم في وجوهنا طالما يرتدي زي السجان ،وأن المحتل لا يمكن أن يكون صديقاً لنا حتى لو فتح لنا أبواب الجنة والفردوس الأعلى طالما بقي احتلالنا وسرقة مستقبلنا ومستقبل أجيالنا وشعبنا ومحاولاته لطمس هويتنا . نعم : هذا هو كريم الذي طالما حلمنا نحن الأسرى أن نراه خارج أسوار الأسر ليحمل عبئ رسالتنا إلى شعبنا وقيادتنا لما يمثله من أرشيف ثوريّ ووطني مقدس .فهو أرشيف حركتنا الأسيرة وأرشيف صبرنا وعنادنا وتمسكنا بنهج الثورة حتى الحرية الكاملة والاستقلال الناجز .
وهو القائد الذي ستبقى تفوح منه رائحة الأسرى حتى ولو خُلعَ عنه جلده كما قال .... فشكراً لشعبنا الوفي الذي استقبله بما يليق بهذا القائد الأسطوريّ العائد من رحلة القيامة مكللاً بتاج النصر وأغاريد الفلسطينيات الباسلات وشكراً لكريم يونس الذي جعلَ من عشقنا لفلسطين مرشداً أعلى لنبضات قلوبنا الثائرة.فهو عميدنا وهو سفيرنا إلى حريتنا المشتهاة .
إنشاء قبور وهمية طريقة جديدة للاحتلال للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية
بقلم المحامي : علي أبوهلال
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.
لم يكتف الاحتلال الاسرائيلي بالطرق القديمة التي استخدمها منذ عشرات العقود الماضية لتسهيل وشرعنة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والاستيطان فيها، بل لجأ مؤخرا إلى انشاء قبور وهمية لليهود لا توجد فيها موتى لتحقيق هذه الغاية السياسية الكولونيالية الاستعمارية التي تتعارض مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. فقد تم الكشف مؤخرا عن قبور وهمية يزرعها الاحتلال في مساحات مختلفة من أراضي بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى في مدينة القدس، وذلك بتوزيع حجارة ضخمة، ويضعها بشكل متلاصق ومتوازي لتظهر وكأنها "مقابر
". وذلك لتسهيل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. وذكرت مؤسسات حقوقية وناشطون مقدسيون أن أراضي بلدة سلوان تزرع فيها القبور منذ سبعينات القرن الماضي، وتزداد وتتوسع رقعتها مع مرور الوقت، وتتوزع هذه الأيام في عدة مناطق أبرزها حي وادي الربابة، وادي حلوة، هضبة سلوان، الحارة الوسطى، الصلودحا. وأضافت هذه المصادر أن سلطات الاحتلال شرعت خلال الأشهر الأخيرة بتحويل قطعة أرض كانت تستخدم كموقف للمركبات إلى مقبرة بوضع "القبور الوهمية"، وقامت خلال هذه الفترة بزراعة القبور الوهمية وتوسيع مقبرة ما تسمى "مقبرة السامبوسكي اليهودية في قطعة أرض تقع بين حي وادي حلوة ووادي الربابة، وبدأت أعمال تسوية الأرض ووضع الأتربة الحمراء ووضع الحجارة الضخمة في المكان، إضافة الى تعليق يافطة باللغتين العربية والعبرية تحمل اسم المقبرة، وتهدد بفرض غرامات مالية في حال القاء النفايات في الموقع. ويذكر أن زراعة القبور كانت قد بدأت في منطقة "الصلودحا" والحارة الوسطى في سلوان، ببناء قبور فيها بشكل متفرق وموزع على مساحة الأرض، أما مع بداية الألفية شرعت بزراعة القبور في منطقة وادي الربابة، ثم امتدت زراعة القبور في مناطق أخرى وصولا الى حي وادي حلوة "حيث يتم العمل الآن".وأوضح نشطاء مقدسيون أن زراعة القبور الوهمية في الأراضي، هي وسيلة تتبعها المؤسسة الإسرائيلية والجمعيات الاستيطانية لمصادرة ووضع اليد على الأراضي الفارغة والمسطحات في القدس، وتحديدا في بلدة سلوان، وبالتالي منع السكان من الانتفاع بالأراضي واستثمارها والبناء فيها، وعرقلة تطوير الأحياء المقدسية.
وذكروا أن زراعة الأراضي بالقبور الوهمية، هي وسيلة لمصادرة الأرض، وبالتالي لا يمكن الاعتراض على ذلك قانونيا". وتحاول سلطات الاحتلال من خلال زراعة القبور الوهمية ادعاء وجود حضارة لها في الموقع وتجمع سكاني في قديم الزمن، وبالتالي ترويج للراوية وتغيير التاريخ، وخنق المعالم العربية في القدس، خاصة محيط البلدة القديمة. وفي الوقت الذي تمدد وتوسع رقعة القبور الوهمية تقوم بتضييق الخناق على مقابر المسلمين، وتزيل شواهد هذه المقابر وتحويل بعضها لحدائق.ولا بد من الإشارة إلى أنه بعد العام 1967 واحتلال القدس، استولت سلطات الاحتلال على عشرات الدونمات الإضافية من الأراضي، وحولتها إلى مقابر ومدافن يهودية حديثة، وأخرى مستحدثة لم تكن من قبل، ولم تكن تحوي شواهد أو بقايا عظام موتى، وذلك لخدمة الاستيطان والتهويد. وعلى مدار سنوات ماضية، نفذ الاحتلال عمليات تزييف كبيرة للتاريخ والآثار والجغرافيا والمسمّيات العربية الإسلامية بالقدس، في سبيل شرعنة القبور اليهودية الوهمية واصطناع منطقة يهودية مقدسة. ويُشرف على تخطيط وتنفيذ زرع القبور الوهمية كل من بلدية الاحتلال، وما يسمى بـ" سلطة تطوير القدس"، ووزارة البناء والإسكان، وو"سلطة الآثار"، و"جمعية إلعاد" الاستيطانية، و"سلطة الطبيعة والحدائق القومية"، و"جمعيات وشركات الدفن اليهودية".
كما أن الأراضي التي تزرع فيها القبور الوهمية تم مصادرتها بعد احتلال القدس واعتبرت ضمن أملاك الغائبين. وعلى مدار السنوات الماضية حُولت ملكيتها لجمعيات استيطانية ولسلطات حكومية ومحلية، ومنطقة القبور الجديدة في سلوان عبارة عن موقف لمركبات السكان منعوا من استخدامها لتبدأ تلك المؤسسات زراعة القبور فيها. ومع بناء الحجر الأول اعترض السكان مطالبين بإظهار ترخيص البناء، فتم وقف العمل لفترة مؤقتة ثم استكملت جمعيات الاحتلال أعمالها وانتقلت للأرض الملاصقة وتم تسويتها وزراعة القبور فيها دون الحصول على التصاريح بدعوى أنها كانت مقابر لليهود ويتم الآن إعادة تأهيلها.
وتعتبر المقابر الوهمية بعد ذلك مكانا مقدسا لا مجال للنقاش فيه ولا حاجة للتراخيص ولا دخول جدال الملكية، وفي المقابل السلطات ذاتها التي تبني قبورا وهمية تهدم قبورا حقيقية لمسلمين بعد نبشها وبناء حدائق فوق رفاتهم. إنها طريقة قديمة جديدة تستهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وخاصة في مدينة القدس لتغيير طابعها وهويتها العربية والإسلامية، ولاستكمال عملية تهويدها وزرعها بالمستوطنات وبالمستوطنين، بما يخالف القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي الإنساني، ويشكل جريمة حرب تستوجب المسؤولية الجنائية الدولية، وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.