7
0
مدير المدرسة الوطنية العليا للرياضة، يؤكد : "محافظة المدرسة على اسمها لقرابة خمسون سنة راجع للتكوين الرياضي النوعي"
رشيد بوزيان في حوار خاص لبركة نيوز
أولت الجزائر اهتماما كبيرا بمجال الرياضة و تكنولوجياتها، خاصة بعد النتائج التي تحققت في مختلف الفعاليات الدولية والتي اعادت الاعتبار للعديد من التخصصات الرياضية.
وللإطلاع عن قرب على واقع الرياضة في الجزائر والوقوف على أهم التحديات والإنجازات كان لنا لقاء مع مدير المدرسة الوطنية العليا للرياضة و تكنولوجياتها رشيد بن زيان.
حاورته شيماء منصور بوناب
بداية وقبل الحديث عن المدرسة الوطنية العليا للرياضة وتكنولوجياتها ، نود الاطلاع على مسيرتكم التعليمية و الأكاديمية التي أهلتكم لتولي منصبكم الحالي؟
في البداية اود ان اشكر جريدة بركة نيوز، على هذه المبادرة الطيبة من خلال تواصلكم مع المدرسة لإعطاء صورة واضحة متكاملة فيما يخص التكوين و التعليم الأكاديمي على مستوى المدرسة ، و هذا ان دل على شيء فإنما يدل على الاهتمام الإعلامي بمثل هذه القضايا التعليمية في سياقها الرياضي .
مسيرتي الاكاديمية بدأت من توجهي نحو شعبة الرياضيات اين وجدت غايتي و رغبتي العلمية، التي اهلتني بعد نجاحي في شهادة البكالوريا للانضمام للمدرسة العليا في معهد علوم الرياضة .
تحصلت بعدها على شهادة الدراسات العليا في منهجية التدريب الرياضي اختصاص جيدو، بعد ذلك التحقت بجامعة الجزائر أين زاولت دراسة الماجستير إلى غاية تحصلي على شهادة الماجستير في منهجية التربية البدنية والرياضية لسنة2000.
استمرت المرحلة الاكاديمية بعد أن التحقت بطور الدكتوراه الذي ناقشت على ضوئه رسالة تخرجي سنة2016 ، خلال هذه المرحلة كان تكويني موجه نحو علم البيوميكانيك الذي أنجزت من خلاله عدة بحوث و دراسات نوعية عززت مساري الأكاديمي و التكويني.
وبالعودة للمدرسة الوطنية العليا للرياضة وتكنولوجياتها، التي عرفت منذ تأسيسها منذ 1975 عدة محطات، هل يمكنكم اطلاعنا على اللمحة التاريخية للمدرسة ؟
وبالعودة لمجال التكوين الرياضي، يتضح أن التفكير في تطوير هذا المجال يعكس البعد الاستراتيجي للدولة، التي ثمنت الاسهامات المقدمة في ذلك في شكل إنجازات كبيرة لعل أهمها الصرح الذي نتواجد به الأن "المدرسة الوطنية العليا للرياضة و تكنولوجياتها".
1970 تم فتح المركب الرياضي الذي توجد به المدرسة، ثم بعد 1975قسم لعدة وحدات باتت فيه المدرسة تتمتع بالاستقلالية التامة، خاصة بعد تحسين جودة هياكلها في مستوى متطور بمعايير عالمية سمحت للجزائر في فترة السبعينات من التفوق على عدة دول غربية بفضل الجهود التي قدمها الرئيس الراحل هواري بومدين والذي اشرف شخصيا على مشروع الهيكل الرياضي.
وفيما يخص التكوين، بشهادة التاريخ كانت المدرسة في تلك الفترة تضم احسن خبراء في العالم، من بينهم خبراء من الاتحاد السوفياتي من الأسماء الثقيلة المعروفة في الساحة العلمية و التي مكنتها من الاشراف على التكوين و التأطير ، في سنوات 1979 إلى أواخر التسعينات بالضبط عند بداية العشرية السوداء اين تسلم فيها الخبراء المشعل التكويني لمواصلة عمل الخبراء الأجانب.
واليوم أصبحت المدرسة تحتوي على 14 أستاذ برتبة بروفيسور مع 14 أستاذ محاضر" أ" و ستة أساتذة محاضرين فئة "ب" يتوزعون حسب برنامج التكوين النظري و التطبيقي.
في المجال النظري ، يتم التركيز على العلوم البيولوجية، الفيزيولوجية البيوميكانيك و علم التشريح وكذامنهجية التدريب الرياضي على غرار العلوم الإنسانية كعلم التاريخ الرياضي والبيداغوجيا و السوسيولوجيا .
وعلى الصعيد الشخصي أؤكد أن التكوين بالمدرسة يشرف عليه اساتذة من الطراز العالي ، وهوما عملت عليه أثناء تنصيبي على رأس هذه المدرسة، إذ ركزت على انفتاح المدرسة على عدة مجالات بهدف تطوير عملية التكوين وعملية البحث العلمي لتعود المدرسة لما كانت عليه في وقت سالف .
تتولى المدرسة الوطنية مهمة التكوين العالي و البحث العلمي و التطوير التكنولوجي في ميادين التربية البدنية و الرياضية وفق عدة آليات حديثة ومتطورة، بناء على ذلك ماهي التخصصات التي نجدها بالمدرسة، وماهي قدرة استيعاب للطلبة؟
الحديث عن المدرسة الوطنية العليا للرياضة وتكنولوجياتها، يعي الإشارة لمسارها التكويني الذي عرف 25 تخصص رياضي في مختلف التخصصات، سواء من الرياضات الجماعية أو الرياضات القتالية و الرياضات الفردية و كذا الرياضات المائية دون استثناء رياضات ذوي الهمم العالية.
وفي ذلك اعتقد ان المدرسة من خلال تخصصاتها حاولت الإلمام بكل الرياضات التي تهم الشأن الشبابي و المجتمعي، من خلال تكوين المؤطرين بتقنيات و مهارات خاصة مكنتها من المحافظة على تواجدها لقرابة خمسين سنة من العطاء و التكوين المثالي.
الباع الذي تملكه المدرسة في اطار التكوين، مكنها من تحقيق طفرة في مجال الرياضة، لأن رصيدها التكويني عالي جدا، خاصة البرامج البيداغوجية التي تخضع لاستراتيجية فريدة وسياسة ممنهجة تضمن مناصب عمل بعد التخرج .
ماهي اخر احصائيات تسجيل الطلبة بمدرستكم ، مقارنة بالسنوات الماضية ، وهل نلتمس وجود اقبال من شباب اليوم على هذا التكوين الأكاديمي الرياضي ؟
أنوه بأن المدرسة تقوم بمسابقة الالتحاق بمقاعد المسار التكويني الرياضي، الذي سجلنا فيه السنة الفارطة حوالي ألف مترشح، تم انتقاؤهم و اختيار ستين طالب فقط، و هذا راجع لاهتمام المدرسة بالتكوين النوعي على حساب التكوين الكمي.
وأؤكد أن الانتقاء النوعي راجع لتعليمات الوزارة المعنية في الحفاظ على نوعية التكوين لأنه معيار التقييم المثالي، الذي يحفظ خصوصية التنصيب المهني بعد التخرج، في إطار تكوين أعلى رتبة الوصاية وهي مستشار في الرياضة، فرع التدريب أو فرع تسيير رياضي.
كما أن النتائج المحصلة على المستوى الأولمبي تعتبر هبة ايجابية ساهمت في زيادة الطلب على مقاعد التكوين الأكاديمي الرياضي، يعني أن الناجحين الجدد في الباكالوريا ينتظرون تنظيم المسابقة من أجل الانضمام للمجال الرياضي.
في هذا الصدد، أشير أن الرياضة اليوم اصبحت ورقة رابحة استطاعت ان تجمع ما فرقته السياسة، كونها وسيلة تنمية وتطوير تساهم في تغير المجتمع عبر التسويق للنموذج المثالي الرياضي.
وفي هذه النقطة أعرج إلى النموذج الرياضي الخاص بالملاكمة " ايمان خليف" التي دخلت اليوم لكل بيت جزائري وعربي وفي العالم، بعد مرحلة الألعاب الأولمبية التي حققت معطياتها تأثير كبير في الرأي العام بصفة ايجابية .
فهذا النموذج سمح بتغيير الذهنيات المجتمعية تجاه رياضة الملاكمة، وهو الحال في التخصصات الأخرى على غرار الجمباز و الرياضات النسوية المتماثلة و التي زاد الطلب عيها مؤخرا.
وأذكر أيضا الرياضية سكينة بوطمين، التي حققت قبل أربعين سنة من الأن تقريبا ميداليات فريدة سمحت بتغيير مسار الرياضة في الجزائر، إلى غاية العشرية السوداء التي عرقلت المسار الرياضي خاصة بالنسبة للنساء رغم ذلك فالرياضة النسوية حاضرة في مستويات عالية.
مواصلة لذلك، أفيد بأن المرأة الجزائرية اليوم حاضرة في كل التخصصات الرياضية الفردية و الجماعية وحتى القتالية، نتيجة تنامي الوعي على مستوى الرياضة سواء من جانبها الصحي أو الترفيهي الرياضي و كذا النفسي.
كما اعتقد ان سياسة الدولة الرامية لتنمية الثقافة الرياضية، تظهر جليا في تسخيرها لكل الإمكانيات الكبيرة في هذا المجال بما فيها فتح قاعات رياضية جديدة وتطوير بنيتها من حيث المستلزمات و الأدوات بجانب النوادي و المراكز الخاصة بالتدريب الرياضي.
و منه أصبحنا نشاهد اقبال كبيرعلى القاعات الرياضية القتالية النسوية بعد سنوات عديدة من العزوف و الانغلاق عليها، وهوما يظهر مدى تأثير الرياضة و نماذجها المثالية في تحقيق الطفرة النوعية بالمجتمع.
في محور التشبيك واقامة علاقات التعاون، نجد ان المدرسة الوطنية قامت بعدة اتفاقيات من شانها تطوير البنية الاكاديمية و التكونية الخاصة بمجال الرياضة والتربية البدنية ،ولعل آخرها كان مع المجلس الأعلى للغة العربية؟ ما تعليقكم لذلك وكيف ساهمت هذه الشراكات في تحسين جودة التعليم؟
أن نجعل المدرسة رائدة في الحركة الرياضية تعد أهم الأولويات التي نسعى لتحقيقها، وأعتقد ان فكرة خلق شراكات على أعلى مستوى مثل اتفاقية مع المؤسسة العسكرية للتكوين الرياضي للمساهمة في ترقية التكوين ، خاصة من ناحية التقييم و إدارة الخبرة الرياضية المكتسبة.
كما أن التركيز على عقد اللقاءات والندوات العلمية والملتقيات هو أحد اسرار نجاح العملية التكوينية التي ركزت فيها مؤخرا على إقامة اتفاقية شراكة مع المجلس الأعلى للغة العربية، لإنشاء أول معجم رياضي خاص بالمصطلحات الرياضية وقوانينها .
من خلال ذلك اعتقد ان هذا المشروع هو الوحيد على المستوى الوطني وحتى على المستوى العربي. لأن الفكرة انطلقت من خلال العمل على مشروع عام يعنى انشاء قاموس او معجم عام، لكن الفكرة بعد ذلك تطورت الى ثلاث مشاريع جدية ونوعية.
و بخصوص خطة العمل المشتركة، سيكون هناك إن شاء الله عدة ندوات علمية بين الطرفين في اطار تعميم استعمال اللغة العربية بين الأوساط الرياضية المعروف فيها كثرة المصطلحات الفرنسية بحكم الاستعمار و تأثيره.
وأنوه بأن كل تخصص رياضي في الحقيقة يتجاوزعدد مصطلحاته مئة الف مصطلح باعتبار أن كل رياضة تتحكم فيها قوانين و ضوابط مختلفة ، وعلى ذلك سيكون المشروع ضخم جدا، في البداية سيكون على شكل معجم عام فيه جميع المصطلحات الرياضية.
إضافة لهذه الاتفاقية، كان لنا لقاء أولي مع مسؤولي أحد القنوات الخاصة لتعزيز الانفتاح الإعلامي للمدرسة ، باعتباره منارة الحركة الرياضية التي تصحح المفاهيم الخاطئة والمتداولة في المجتمع.
من بين مهام المدرسة هي الاستجابة للرهانات والتحديات التي يطرحها المجتمع بما فيها الرقمنة، إلى أي مدى وصلتم في ذلك؟
طبعا، نحن نحاول مواكبة التغيرات الحالية الحديثة واقصد بها الذكاء الاصطناعي وتقنياته التي استفدنا منه بالمدرسة، عبر تغيير الصبورة العادية بالسبورة الذكية وهذا ربما من الانجازات التي عززت المسار التكويني بتقنيات جديدة متطورة .
اما فيما يخص الرقمنة الشاملة، فعملت منذ تنصيبي على تأسيس مشروع عملي رقمي بامتياز يخص كل المعاملات الإدارية المرتبطة بملفات الطلبة والموظفين بجانب إعادة هيكلة المكتبة بشكل جديد يستجيب للتطلعات الراهنة تحت عنوان "مكتبة رقمية حديثة".
فحاليا تحتوي مكتبتنا على أكثر من 3000 عنوان باللغة الفرنسية واكثر من 1200عنوان باللغة العربية ضف على ذلك اكثر من 200 مذكرة ماجستير واكثر من 100 مذكرة دكتوراه كل هذه الكم الهائل من المعطيات العلمية حاولنا احصائها رقميا بصفة تسهل عملية البحث على الطالب والباحث.
الفكرة الثانية التي نسعى لترسيخها بالاستعانة بالوزارة هي اقتراح مشروع ضخم يعي بجعل اللوحة الرقمية هي محل التكوين و التدريب بالمدرسة تكون مزودة بكل المعطيات التي تخلق بنك من المعلومات التي ترتبط بالمنهاج التكويني.
المقاولاتية مفهوم جديد استرعى اهتمام الشباب من ناحية خلق الفرص الابتكارية و الإبداعية التي تنمي قدراتهم بما يحقق التنمية المحلية ويدعم الاقتصاد الوطني بمشاريع نوعية، ماهي الآليات التي سخرتها مدرستكم في سبيل تحقيق ذلك؟ وماهي رؤيتكم لآفاق الجامعة الجزائرية ؟
من جانب المقاولاتية الرياضية السياحية قدمنا مشروع على مستوى المدرسة يعتبر باب لخلق فرص عمل من حيث استثمار هذه الطاقات والمواهب الموجودة على مستوى القطاع الرياضي. فالفكرة تقوم على اتفاقية بين وزارة الشباب والرياضة ووزارة السياحة والصناعة التقليدية .
تسمح الاتفاقية بدمج الخبرة و التجربة الرياضية للمدرسة في مختلف التخصصات برصيدها الضخم وتجربتها الكبيرة بالميدان السياحي عبر جعل الرياضة واجهة جديدة للاستقطاب السياح و تفعيل الحركة السياحية.
من خلال مثلا تطوير الرياضات المائية و الدراجات وغيرها من رياضات في شكل مشاريع مصغرة تستقطب الاهتمام وتساهم في انفتاح الجزائر رياضيا و سياحيا امام العالم.
برمجة مادة التربية البدنية في المدارس الإبتدائية طرح عدة تحديات في الجزائر، على غرار عدم توفر مساحات خاصة لممارسة الرياضة؟ ما رأيكم في ذلك؟
حقيقة هناك إشكالا كبيرا فرض مؤخرا توقيع اتفاقية بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الشباب والرياضة على هذا المستوى من أجل دراسة حيثيات هذه الإشكالية.
واعتقد أن الحلول متواجدة لكن فقط تحتاج لتفكير في تسطيراستراتيجية وطنية ترتقي بهذا المجال خاصة وأننا اصبحنا مؤخرا نشاهد أساتذة التربية البدنية في المدارس الابتدائية يقصدون المرافق والهياكل الرياضية في فترة حصصهم بسبب عدم توفر مساحات رياضية لممارسة نشاطهم داخل حرم المدرسة.
وعلى ذلك اضن ان الحل يكمن في تطوير الرياضة المدرسية بالتنسيق بين الوزارتين ، في اطار برمجة المشروع البيداغوجي المتكامل دون اهمال أي مستوى تكويني رياضي تربوي تعليمي، خاصة وأن الامكانيات موجودة الان يبقى فقط الإعتماد على رؤية مستقبلية واضحة فيما يخص انشاء الهياكل .
سخرت الجزائر مؤخرا امكانيات هائلة لخدمة الملاعب رغبة في تطوير مجال الرياضة، لكن رغم ذلك لا تزال ظاهرة العنف في تنامي متزايد، في رايكم كخبراء واكديمين ماهي اسباب هذه الظاهرة وما الحلول المناسبة لها؟
العنف في الملاعب ظاهرة لطالما سلطنا عليها الضوء، في المدرسة وخارجها بحكم انها سلوك عدواني جسدي او لفظي يتعرض اليه الشخص او الممتلكات العامة او الخاصة في الملاعب التي أصبحنا نشاهد فيها سلوكيات منافية للمبادئ الإسلامية و الاجتماعية.
وذلك ليس محصورا في الجزائر فقط بل حتى في الدول الغربية المتطورة، التي ترتفع فيها شدة العنف في بعض التخصصات الرياضية ككرة القدم، رغم أن تغذية هذا العنف في الملاعب يختلف من منطقة الى منطقة اخرى في البلدان المتقدمة .
ولعل أهم سبب في هذا العنف يعود للإفراط في الكحول الذي يخلق هذه الصدمات عند المناصرين الذين يدخلون في مناوشات حادة لا يحمد عقباها ،من جهة ثانية عامل اخر جد مهم هو الجانب التمييز و سوء التنظيم رغم كل الإمكانيات المسخرة.
وفي ذلك نركز على تكوين الشخص أو المواطن بطريقة حضارية تساعد في الحد من هذا الظاهرة، دون إغفال جانب التوعية عبر الاعلام لتسريع وتيرة التأثير و تحقيق نتائج ملموسة في أقرب الآجال.