2449
0
رجال غادروا في صمت : المدرب محي الدين خالف : وهب حياته لمجد الكرة الجزائرية
بقلم مسعود قادري
فقدت الكرة الجزائرية في أقل من شهر رجلين كبيرين من رجالاتها الذين ساهموا في رفع مجدها وراية البلاد من خلال ماقدموه من معارف رياضية وجهد وخبرة للأجيال توجت بانتصارات وألقاب أعطت للكرة الجزائرية مكانة محترمة في القارة والعالم عامة ..
بعد المجاهد رشيد مخلوفي نجم الكرة الجزائرية وأحد أبطال فريق جبهة التحرير الوطني الذي غادرنا في شهر نوفمبر ، هاهو الرجل الثاني الذي كان له باع طويل في رفع قيمة الجزائر كرويا بتحقيق نتائج باهرة مع المنتخب الوطني لم يبلغها قبل استلام الرجلين له .. فبعد أن فتح سي مخلوفي سجل التتويج العالمي بلقبي العاب المتوسط 1975 والألعاب الإفريقية 1978 بالجزائر وأهل التشكيلة للدور الثاني من تصفيات ألعاب موسكو الأولمبية ، تسلم الأمانة المرحوم خالف محي الدين الذي كان قامة بارزة من قامات التدريب الكروي على الساحة الوطنية بما حققه من إنجازات والقاب مع شبيبة القبائل رفقة المدرب الروماني "زيفوتكو"قبل أن يبدأ مهمته الوطنية سنة 1979 إثر انسحاب مخلوفي ويشرع في مسار تدريبي جديد بمشاركة المدرب اليوغسلافي " رايكوف" ..
الخليفة المقدام يواصل الدرب
محي الدين خالف الرجل المثقف ( ليسانس في العلوم السياسية إن لم تخني الذاكرة ) المتمكن من ثلاث لغات على الأقل ـ كما أعرفه، ربما أكثر.؟ ـ فما تأكدت منه من خلال مرافقتي له في عدة مناسبات عالمية أنه يتقن جيدا ، العربية ،الفرنسية والأسبانية .... مستواه العلمي جعل منه مدربا يجيد التعامل مع اللاعبين بمختلف شخصياتهم، ويتمكن بفضل أسلوبه المميز في التعامل ، في ظرف وجيز من تحقيق نتائج باهرة سنة 1979 .
بدأها بالعاب سبليت المتوسطية التي أعد لها منتخبا كان قمة في الأداء والعطاء والفن الكروي ، استكمل استعداداته بالمكسيك وجاء إلى سبليت اليوغسلافية ( الكرواتية حاليا ) ليقدم عروضا جعلته من أكبر المفضلين للحفاظ على لقبه المحصل في الجزائر قبل أربع سنوات.
لكن تدخل عوامل غير الرياضية حولت مباراة نصف النهائي ضد البلد المنظم إلى حلبة مصارعة ، كان للحكم السويسري فيها الدور البارز والواضح بإخرجها عن إطارها الرياضي بتدخلاته المنحازة للمنظمين وعرقلته لكل الهجومات الجزائرية ، فكان ضحيته المنتخب الوطني الذي اكتفى بالمركز الثالث ليواصل مساره دون تأثر بما حدث في مدينة "شيبنيك" اليوغسلافية ( كنت واحدا من الصحفيين الذين رافقوا الوفد في هذه الألعاب ) وحضروا المهزلة التي وقعت فوق الميدان حولت حينها إلى قضية سياسية طالب فيها البعض بمعاقبة اللاعبين والمرافقين، مع أن الطبخة كانت محبوكة وتصرف بعض لاعبينا ومسيرينا كان رد فعل للدفاع عن حق مسلوب .
المهم بعد شهرين من ألعاب سبليت وبالتحديد في شهر ديسمبر من نفس السنة حقق المنتخب الجزائري انتصارا غير مسبوق على أسود الأطلس المغاربة في عقر دارهم بالنتيجة والأداء (4\1) ضمن تصفيات الدور الأخير لالعاب موسكو الأولمبية 1980 وأكمل الانتصار الأول بفوز آخر في الجزائر (3\0) .. خالف كان مدعما باليوغسلافي رايكوف الذي يعد في نظري من بين أحسن المدربين الأجانب الذين عملوا في الجزائر مع خالف وفي صمت ودون تهريج ، حتى أنه حين أسيء إليه من قبل الصحافة حمل أمتعته وغادر ليلا دون أن يقول كلمة أو يبرر سبب مغادرته ...
إنجاز آخر كبير جدا لكننا لانعتبره كثيرا لأنه لم يتوج بلقب ، مع أن الهدف المحدد للمشاركة في كأس الأمم الإفريقية1980 بنيجيريا هو التأهل إلى الدور نصف النهائي ليكون بين أحسن أربعة منتخبات ( النهائيات حينها كانت بين 08 منتخبات فقط )، لكن جدية المدرب ولاعبيه اجتازوا الهدف ووصلوا النهائي و..
تنقل خالف ورايكوف بالمتتخب قبل الموعد إلى كوتونو البينينية ـ القريبة من مقر المنافسة القارية بنيجيريا وبالتحديد في مدينتي لاغوس ( العاصمة وقتها ) وعبادان التي احتصنت مباريات المجموعة الثانية وهي تبعد عن لاغوس " بحوالي 120 كلم، في الفندق الوحيد المؤهل في المدينة " الفندق الكبير " تم إيواء منتخبات المجموعة الثانية ( الجزائر، المغرب ، غينيا وغانا ) مع مرافقيهم .
رجال خالف في تلك الدورة كانوا غرباء عن المنافسة باعتبارهم غابوا عنها مدة 12سنة ، أي منذ دورة أثيوبيا 1968 لكنهم دخلوا بعزيمة وإرادة فولاذيتين وخطط محكمة حققوا بها التعادل السلبي مع غانا(0\0) في المباراة الأولى وأضافوا لها انتصاران أمام المغرب (1\0) ثم غينيا( 3\2) في الدور الأول وفوز على المنتخب المصري في الدور نصف النهائي بالترجيحيات (4\2|) بعد التعادل في الوقتين القانوني والإضافي (2\2) .
وبعد مباراة تاريخية في ملعب سيريلوري بلاغوس بحضور الرئيس المحلي وجمهور لم يكن ليسمح للمنافس بالتفكير في أكثر من الخروج سالما ..انتزعت الجزائر المرتبة الثانية وهي مرتبة لم تكن بالقليلة لمنتخب عاد إلى المنافسة من بعيد وترك بصمته في الدورة بنجومه الشابة ومدربه الكفىء .
واصل سي محي الدين ورفيقه اليوغسلافي مهمته ليحقق نتائج أخري جيدة في نفس السنة 1980 في العاب موسكو وتحقيق اانتصار وتعادلين أمام كل من المانيا الديمقراطية ، أسبانيا وسوريا، رتبت الجزائر في المركز الثاني للمجموعة "ب" .
وكان السيد خالف قد سبق العاب موسكو بالدخول مع المنتخب الوطني في تصفيات كأس العالم 1982 بإسبانيا افتتحها بتعادل في "فريتاون" عاصمة سيرايون (2\2) وانتصار بـالجزائر ( 3\1).
انسحب خالف لأسباب ، لامجال لذكرها وواصل رايكوف المهمة بانتصار على السودان في الجزائر (2\0) وتعادل في الخرطوم (1و1) ثم انتصار ساحق على النيجر في الدور الموالي (4\0) ليختفي عن الأنظار هو الآخر دون أن يظهر أي سبب وريما لأنه رغم النتائج الميدانية المحققة تعرض لانتقاد خفي، فلم يتحمل وانسحب بشرف ملتحقا بزميله ليكمل المرحوم عبد القادر بهمان مهمته مع النيجر في لقاء العودة بهزيمة ضعيفة (0\1) .
بعد التغيير الذي حصل على رأس وزارة الشباب والرياضة عقب تأهل المنتخب الوطني إلى كأس العالم بإسبانيا يوم 30 اكتوبر1981 وتعيين المرحوم عبر النور بكة على رأس الوزارة خلفا للمرحوم جمال حوحو ـ استدعي مخلوفي و خالف لقيادة المنتخب إلى الدورة النهائية بإسبانيا|سنة 1982.. كانت منافسة الكأس القارية بليبيا في طريقه لينتزع المركز الرابع ويستمر في تحضير المنافسة العالمية ببرنامج كبير من المباريات التحضيرية مع منتخبات وأندية أوروبية كبيرة ( الجزائر ـ بنفيكا (1\0) الجزائر ـ ليل الفرنسي (1\1)، الجزائر ـ البيرو (1\1)، الجزائر ـ إرلنداالجنوبية (2\0)، الجزائر ـ ريال مدريد (2\1)، الجزائر ـ باستيا ( 4\3 بجنيف )، الجزائر أ. ليون (2\1 بليون ) .
كل هذه النتائج ،كانت ثمار جهد وتخطيط وحسن اختيار للعناصر التي حملت الراية إلى مغامرة شبه الجزيرة الأيبيرية وأبهرت العالم بأدائها ونتائجها وخروجها المشرف جدا من المنافسة التي تأثرت سلوكيا بفعل ماوقع من إجحاف أوروبي في حق الجزائر وهو ماأجبر الاتحاد الدولي حينها إلى تغييرنظام المنافسة خاصة المباريات الأخيرة من المجموعات في كل الدورات العالمية والقارية تفاديا لتكرار السيناريو الذين مثله الألمان والنمساويين لحرمان غزلان الجزائر من مواصلة المشوار ..
من هذه المنافسة خرج المدرب محي الدين خالف برأس مرفوعة ونتائج عير مسبوقة ، رغم عدم ارتياح الأنصار الذين اعتقدوا أن المنتخب كان بإمكانه الذهاب بعيدا في المنافسة .. طموح مشروع لكن تحقيقة لم يكن ممكنا بسبب ماوقع وماكان في علم الغيب ؟..
غاب خالف عن المنتخب الوطني لفترة قصيرة ، تكفل به المرحوم عبد الحميد زوبا الذي أهله إلى نهائي كأس الأمم الإفريقية 84 بكوت ديفوارليقوده خالف من جديد ويحقق معه نتائج جيدة رتبته في المركز الثالث بعد كل من الكامرون ونيجيريا وقبل منتخب مصر الذي كان من بين المرشحين لنيل اللقب....
رحم الله المدرب القدير محي الدين خالف وجزاه الله خيرا عن الجزائر والكرة الجزائرية
ملاحظة : ما كتبته عن الرجل رحمه الله ، هو ما عرفته عنه من خلال المعايشة المتواصلة واللقاء به في الخارج والداخل وما نقله زملائي في جريدتى الشعب والمنتخب ...