24
0
وُصف بالمخرج المتمكن والخبير الفذ في عوالم السينما
الجزائر تودع المخرج محمد لخضر حمينة

غادر عالمنا أمس الجمعة أحد أعمدة الفن السابع ، المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة، عن عمر ناهز 91 سنة، مخلفًا وراءه تاريخًا سينمائيًا حافلًا برؤية فنية فريدة خلدت اسمه في سجل السينما العربية والعالمية.
نسرين بوزيان
وقد توفي حمينة عشية احتفال مهرجان "كان السينمائي " بالذكرى الخمسين لظفره بالسعفة الذهبية عام 1975 عن فيلمه "وقائع سنوات الجمر"، الذي يوثق معاناة الشعب الجزائري خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
نشأته وتعليمه
محمد لخضر حمينة هو أحد أبرز رواد السينما الجزائرية والعربية، وُلد في 26 فيفري 1934 بولاية المسيلة، حيث تلقى تعليمه الأساسي في تلك المنطقة، ثم انتقل إلى مدينة دلس في ولاية بومرداس، حيث درس مبادئ الصناعة، وبعدها توجه إلى ولاية قالمة حيث التحق بالمعهد الزراعي وأكمل دراسته هناك.
لاحقًا، انتقل إلى فرنسا واستقر في مدينة “إكس أون بروفنس” لدراسة العلوم القانونية، وبدأ حياته العسكرية بالالتحاق بالجيش الفرنسي، لكنه تمكن من الفرار والالتحاق بمسؤولي الإعلام في الحكومة الجزائرية المؤقتة بتونس عام 1959، وهو ما شكّل نقطة انطلاقه الحقيقية في عالم السينما.
بدأ حمينة رحلته مع عالم الفن السابع من خلال تكوين سريع في قسم الأخبار بالتلفزة التونسية، حيث كان محيط بالعديد من الرواد السينمائيين، من بينهم المخرج الفرنسي الكبير رونيه فوتيه، الذي أسس أول مدرسة لتعليم تقنيات التصوير السينمائي ومبادئه وسط الغابات الجزائرية، بالإضافة إلى جمال الدين شندرلي الذي يُعتبر الأب الروحي للصورة الثورية الجزائرية، وغيرهم من أعضاء خلية السينما على الحدود التونسية الجزائرية.
ثم أُرسل حمينة إلى تشيكوسلوفاكيا لدراسة فنون السينما في العاصمة براغ، لكنه لم يكمل دراسته هناك، وقرر العودة إلى تونس للعمل الميداني، حيث بدأ بتصوير أفلام وثائقية عن ثورة التحرير الجزائرية، منها "صوت الشعب"و"بنادق الحرية"(1962) التي أخرجها برفقة جمال الدين شندرلي، وهو عمل قدم شهادات مهمة عن الكفاح الجزائري.
أعماله السينمائية
بعد استقلال الجزائر، ترأس حمينة الديوان الجزائري للأخبار الذي تأسس عام 1963، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1974، حيث تم دمج الديوان بالديوان القومي للتجارة السينماتوغرافية، ليتفرغ بعدها للعمل السينمائي بشكل كامل.
قدم حمينة عدداً من الأفلام الوثائقية القصيرة التي كانت تخدم الثورة الجزائرية وتعزز صورتها في العالم، من أهم هذه الأفلام "النور للجميع"،وعود جويلية"و"البحث عن اللوم"(1963)، و"يوم من نوفمبر"(1964).
كان أول فيلم روائي طويل له بعنوان "ريح الأوراس"عام 1966، والذي تناول قصة أم جزائرية تبحث عن ابنها المعتقل في معسكرات الاعتقال الاستعمارية، نال هذا الفيلم جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان، وجائزة أفضل سيناريو في مهرجان موسكو، بالإضافة إلى جائزة الغزال الذهبي في مهرجان طنجة بالمغرب عام 1968.
في عام 1968، قدم فيلم "حسان الطيرو"،ثم فيلم "ديسمبر"في 1973.
لكن أبرز أعماله هو فيلم "وقائع سنوات الجمر"الذي أنتجه وأخرجه وشارك في تمثيله، ونال عنه جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1974.
يعرض الفيلم تفاصيل حرب استقلال الجزائر من وجهة نظر الفلاحين، ويرصد حياة الفلاح أحمد الذي ينضم إلى الحركات الوطنية، الفيلم يتناول ستة فصول زمنية هي: سنوات الرماد 1939، سنوات الجمر 1942، سنوات النار 1945، سنوات الثورة 1948، سنوات المقاومة 1952، سنوات الأمل 1954.
وقد لعب الفيلم دورًا تاريخيًا كبيرًا في التعريف بالثورة الجزائرية في العالم، إذ اعتبره الناقد إبراهيم العريس واحدًا من أهم الأفلام التاريخية الكبرى، ونجح في التعبير عن معاناة الشعوب في العالم الثالث، مما جعله علامة بارزة في تاريخ السينما.
بعد ذلك، أنتج حمينة فيلمي "رياح رملية"سنة 1982، و"الصورة الأخيرة"عام 1986.
عودته للسينما بعد غياب طويل
بعد غياب استمر لنحو ثلاثين عامًا، عاد محمد لخضر حمينة إلى إنتاج الأفلام من خلال عرضه الأول لفيلمه الجديد "غروب الظلال"في 16 نوفمبر 2014 بقاعة "الموغار" في وسط العاصمة الجزائر.
ورغم رفضه ترشيح الفيلم في مهرجانات "كان"و"البندقية"فقد تم ترشيحه لجوائز الأوسكار لعام 2016، مما يدل على بقاء مكانته وتأثيره في الساحة السينمائية الدولية.
الجوائز والتكريمات
فاز فيلم "ريح الأوراس"عام 1966 بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان، وأفضل سيناريو في مهرجان موسكو، وجائزة الغزال الذهبي في مهرجان طنجة عام 1968.
وجائزة السعفة الذهبية التي حصل عليها عن فيلمه "وقائع سنوات الجمر"عام 1974 تبقى أهم إنجاز في مسيرته، حيث كان هذا الفيلم أول فيلم عربي وأفريقي يفوز بهذه الجائزة المرموقة.
في سنة 2024، أشرفت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي على افتتاح السنة الجامعية الخاصة بمدارس الفنون ومعاهدها، وعلى رأسها المعهد الوطني العالي للسينما الذي يحمل اسم محمد لخضر حمينة، وهو دليل على التقدير الرسمي الكبير الذي يحظى به، والدعم للمواهب السينمائية الشابة في الجزائر.
وفاة عملاق السينما العالمية
قدم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تعازيه الحارة إلى أسرة المجاهد والمخرج الكبير محمد لخضر حمينة، معبراً عن حزنه لفقدان عملاق السينما العالمية.
في نص التعزية، قال رئيس الجمهورية أن الفقيد قبل أن يكون مخرجًا عالميًا مبدعًا ترك بصمة خالدة في تاريخ السينما، كان مجاهدًا شهمًا ساهم في تحرير بلاده من خلال ما قدمه من صور ومشاهد عرّفت العالم ببطولات الثورة التحريرية المجيدة.
نموذجًا حقيقيًا للمخرج العالمي
ويقول عنه الناقد أحمد بغداد: "يتبدى لنا جليًا أن حمينة يمثل نموذجًا حقيقيًا للمخرج العالمي، ويمكن تصنيفه مع لويس بونيل الإسباني، فرانسوا تريفو الفرنسي، وكذلك جون لوك غودار".
ولاحظ بغداد أن معظم أفلامه، ما عدا فيلم “حسان الطيرو”، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بذكريات المخرج وعالمه النفسي، وقد استطاع بمهارة تحويل تلك الذكريات إلى أعمال سينمائية رفيعة المستوى، بل إن معظم أعماله لاقت استحسانًا في المحافل الدولية.
وبذلك، تودع الجزائر أحد أبرز أعمدة السينما الوطنية، الذي ترك بصمته وفاز بجوائز دولية في مرحلة مبكرة من عمر الجزائر المستقلة.