1489
0
واقع الصحافة الجزائرية ... بين مواكبة التطورات التكنولوجية و ضمان الإستمرارية والبقاء
اليوم الوطني للصحافة عرفانٌ بالتضحيات وتخليدا لحرية التعبير
اليوم الوطني للصحافة احتفالية أقرتها الحكومة الجزائرية سنة 2013، في رمزية لتعزيز حرية التعبير و تخليدا لتاريخ صدور أول عدد من جريدة "المقاومة الجزائرية" سنة 1955، الناطقة باسم جبهة وجيش التحرير الوطني.
بثينة ناصري
وجاء هذا اليوم كاعتراف بتضحيات أجيال من الصحفيين الجزائريين منذ الثورة إلى مرحلة ما بعد الاستقلال والبناء والتشييد مرورا بالعشرية السوداء ،فالتعددية السياسية كلها مراحل عكست تضحيات الأسرة الإعلامية .
لم يكن المشهد الإعلامي اليوم وليد الصدفة أو الارتِجال، بل هو نتيجة لسِلسلة من التّراكمات وَجَب إلقاء نظرة عليها في فترة بين المدّ والجزر، مرت خلالها مراحل من طور التكوين فالولادة ثم طور التّصحيح، لتأتي مرحلة التحوّل ثم التّغيير.
تحديات خلفتها التكنولوجيا على واقع الصحافة
وفي خرجة ميدانية قادت جريدة بركة نيوز لكلية علوم الاعلام والاتصال للتطلع عن كثب لمختلف آراء الأساتذة عن واقع الاعلام الجزائري، حيث أكد الدكتور بكلية علوم الاعلام والاتصال تمار يوسف أن واقع الإعلام الجزائري أصبح من أهم المواضيع الجد حساسة سواء في المعارف الاعلامية والاتصالية، أو في الواقع المعاش لدى الصحفيين الممارسين لمهنة الصحافة.
وأبرز أن الممارسة الصحفية أضحت تعاني من مشاكل كثيرة جدا، خاصة بعد ظهور التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال والتي زادت من صعوبات هذه المهنة، مشيرا إلى عدة متغيرات أخرى دخلت كذلك على شكل اشكاليات في واقع هذه المهنة سواء في بلادنا أو في البلدان الأخرى، مما أدى إلى ظهور الكثير من القنوات والجرائد ومواقع الصحافة، وبهذا الخصوص قال أحد المختصين "أن كل مواطن أصبح صحفي".
وفي ذات السياق لفت تمار إلى مقولة أحد المفكرين مفادها أنه "يمكن أن نصل إلى تاريخ أين ستزول مهنة الصحافة كمهنة، أو كما نعرفها نحن وفق الأصول التي تورثناها منذ عشرينيات القرن الماضي"، حيث تأسس ما يسمى علم الاعلام والاتصال مرفوقا بمعارف علمية حول الصحافة.
وقال الدكتور "حاليا لم يعد الصحفي وحده يمتهن هذه المهنة، بل أصبحت مهنة الجميع وباستطاعة أي مواطن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وما انتجته والتكنولوجيا الحديثة أن يكون صحفي، لذلك فاعتقد ان هذه المهنه سوف تزول ويزول طابعها الذي عهدناه منذ زمن طويل".
كلية علوم الاعلام والاتصال ليست مخصصة في تكوين الصحفيين
وبالحديث عن قضية المعارف العلمية وما تنتجه كلية الاعلام والاتصال، أوضح لنا الدكتور تمار أن هنالك مغالطة كبيرة لدى الرأي العام، أين يعتقد الكثيرون أن كليه الاعلام والاتصال تخرج صحفيين وهذا خطأ، حيث أنه من ضمن كل البرامج المبرمجة من السنة الأولى إلى الماستر لا يوجد فيها إلا عدد قليل من المواد ذات طابع صحفي، وهذا بمعنى أن الكلية ليست وظيفتها اخراج صحفيين ممتهنين.
وتابع حديثه "إذا كان القول أن كلية علوم الاعلام والاتصال تخرج الصحفيين، فإن الكلية وضعت عدد كبير من التخصصات تفيد هذا العلم منها الاشهار ودراسة الجمهور والسيميولوجيا، قياس الرأي العام، والحملات الاعلامية، مضيفا أنها لا تدخل ضمن تكوين الصحفي ولذلك فالجزء البسيط من المعارف التي تقدم في الإعلام والاتصال خاصة بمهنة الصحافة.
وفي سياق متصل صرح الدكتور أن هناك دول عريقة فتحت بما يسمى بمراكز تكوين الصحفيين، وليس بالضرورة المرور على الجامعة لتكوين صحفي، فهي فرصة لمن يريد ن يمتهن هذه المهنة للتكوين في الاذاعة والتلفزيون والتركيب وغيرها، فكلية علوم الاعلام والاتصال هي إشعاع علمي وليست مركز تكوين.
وأشار في حديثه الى التهم التي نصبت للكلية في الكثير من المرات، منها عدم استيعاب الصحفيين المتخرجين من الكلية أسس التحرير الصحفي وتطبيقاته وقال ،ردنا على هذه التهم "الأساتذة الذين يُدرسون في الكلية ليسوا صحفيين، بل متخصصون في الاعلام والاتصال وإذا تم القول ان الكلية تقوم بتخرج الصحفيين فأين الاتصال من كل ذلك".
وذكر ذات المتحدث أنه منذ بداية العمل الصحفي في الجزائر لم نشهد تسمية المدرسة العليا للصحافة، ولكن مع التطورات التي شهدها العالم أصبح هذا العلم قائما بذاته وله فروعه واهدافه البيداغوجية، فقمت بإحصاء 192 مادة مبرمجة في كلية علوم الاعلام، وجاء فيها عدد المواد ذات الطابع الصحفي لا تزيد عن 23 مادة والبقية كلها في الاعلام والاتصال كعلم.
وأوضح أن التكوين على مستوى الكلية لم يكن في يوم ما خاص بتخرج الصحفيين، فشهادة تؤهل الطالب لمعارف الاعلام والاتصال والتي تعد الصحافة جزء منها فقط، وآن الأوان أن نضع كل الأشياء في نصابها وتنبيه الرأي العام حول مفهوم علم الاعلام والاتصال، فهناك بعض التجارب التي يفترض أن نأخذ بها، ونفتح بذلك مجال الصحافة الذي يعد فن لمن يريد أن يمتهن هذه المهنة في مراكز تكوين أو عبر المؤسسات، وترك الطابع العلمي لكلية علوم الاعلام الاتصال.
مصاعب وتحديات تؤرق مهنة الصحافة
وبالحديث عن التحديات التي تواجه مهنة الصحافة شرح تمار يوسف أنها تعاني من مشاكل عديدة منذ ظهورها أي عند ظهور الطباعة مع "غوتنبرغ" وبقية في طابعها الجماهير تتحدى عدة متغيرات إجتماعية ونفسية واقتصادية ومالية وغيرها، وصولا إلى النقطة التي زادت متاعبها من نوع آخر، والمتمثلة في تكنولوجيا الاعلام والاتصال، مبرزا إلى الواقع الذي جعلنا نصطدم في الأيام الأخيرة بالجرائد الآيلة للزوال بعد عمل متواصل وداؤوب، وهذا لعدة أسباب مالية وغيرها، فإن لم يتكيف أصحاب هذه الجرائد والصحفيين مع هذه التكنولوجيات الجديدة فمصيرهم الزوال الحتمي، حيث يقول أحد المنظرين في هذا العلم أنه "لا يجب أن ننظر إلى التطورات التكنولوجية على أنها عبىء وتحدي على الصحافة، بل العكس لأنها سهلت الأمور للصحفي"، وفي ظل هذه الأمور هناك من يريد الاحتفاظ بالطابع الكلاسيكي لهذه المهنة، والبعض الآخر حاول أن يتكيف مع التكنولوجيات الجديدة وفتحوا بذلك مواقع الكترونية لمسايرة التكنولوجيا.
وشدد تمار على ضرورة تأقلم الصحفيين أكثر من غيرهم لما انتجته التكنولوجيات الحديثة واستغلالها للحفاظ على هذه المهنة النبيلة، لأن نقل المعلومة وايصالها تندرج ضمن أسس ومبادئ المصداقية، وهنا يكمن السؤال في كيفية المحافظة على نبالتها؟
أهمية الاعلام في تكوين دول قوية ومؤثرة
وفي ظل التطور التكنولوجي أصبح لزاما على الصحفي اكتساب مهارات جديدة في التعامل مع كاميرات الفيديو والتصوير ومعرفة أساسيات الصحافة بأنواعها، وهي أمور من المفترض أن يقوم بها فريق كامل، وهذا ربما يميز الصحفي عن باقي الناس في نقل المعلومة.
ومن جهته أكد مروك لزهر أستاذ بكلية علوم الاعلام والاتصال أن الدولة القوية والمؤثرة تحتاج اليوم إلى إعلام قوي، حيث يعتبر هذا الأخير بمثابة سلاح لتكريس صورة الدولة وقوتها، وهذا ما نلاحظه اليوم على مستوى قنوات العالم في صراع عالمي على استقطاب الرأي العام، والتسويق لرسائل ومحتوى معين من شأنه التأثيرعلى كافة السياسات، فلا يمكن تخيل دولة قوية بإعلام ضعيف،موضح بذلك أنه كلما كان الإعلام ضعيف كانت الدولة هشة، في وقت أصبح فيه الإعلام الدولي يؤثر على الرأي العام وحتى في تشكيله تصوره.
ونوه إلى أن الإعلام الجزائري اليوم يحتاج إلى مواكبة كافه تطورات التكنولوجيا المتسارعة، وفي مسايرة دائمة لمستوى هذا التطور، مشيدا إلى ضرورة التركيز على مسار التكوين فالصحفي اليوم يحتاج إلى تكوين دائم ومستمر بالنظر إلى التطورات المتسارعة، ليكون في مستوى التحدي.
تحسين محتوى الصحافة ... نقطة فعالة للنهوض بالمهنة
وأضاف مروك أن الإعلام يحتاج إلى محتوى جيد مهني واحترافي والذي من شأنه تشكيل رأي عام قوي يدافع على قيم المجتمع والمصالح العليا للبلاد، فبالتالي الجزائر تحتاج إلى إعلام لديه مصداقية والتي تعد من أهم الأشياء، مشددا إلى ضرورة مواجهة كافة التحديات للمواكبه وتحسين الرسائل الاعلامية وكذا المحتوى، فبعض الدول لا تملك امكانيات كبيرة ولكن استطاعت من خلال الاستثمار في الإعلام بقنوات لها التأثير على المستوى الدولي.
وأشار في حديثه أن الجزائر تحتاج الآن إلى إعلام قوي ومؤثر فهنالك كليات إعلامية منتشرة في جميع أنحاء الوطن وتخرج الآلاف من الشباب الصحفيين، لذا لابد من إعطائهم كل الامكانيات ومساعدتهم على إنشاء قنوات ومواقع الكترونية، لتحقيق طموحاتهم، فكل ما وجدنا سوق جزائرية كبيرة من القنوات والمواقع الإلكترونية الاخبارية يكون في صالح الدولة الجزائرية.
فتح باب الفرص لاستكشاف طاقات شبانية إعلامية
وبخصوص الطلبة المتخرجين قال الأستاذ "من الغريب أن نجد العشرات من المتخرجين في الإعلام يعانون من البطالة والبعض منهم يفكر في الهجرة إلى الخارج، وتستفيد من قدراتهم القنوات الاجنبية، فأصبح من الواجب اعطاء وتسخير كل الإمكانيات المادية والبشرية الانجاح وتطوير المشهد الاعلامي، من خلال خلق العشرات من القنوات والمواقع، وهكذا يكون الإعلام الجزائري قوي ومؤثر ليس فقط على المستوى الداخلي بل المستوى الخارجي ايضا، باعتبار الجزائر لديها طموح أن تكون قوة قارية وقائدة للقارة الإفريقية، والاعلام من بين أدوات القيادة لقنع الشعوب الأفارقة بدور الجزائر وأهميتها في تحقيق المصالح.
ولفت في ذات الصدد إلى رداءة المحتوى في بعض القنوات والمواقع والصحف، والتي أصبحت ظاهرة غريبة جدا، وقال بهذا الشأن "نحن نريد ان لا نبقى في هذه الوضعية، فعلى المشهد الاعلامي الخروج للتطور وأن تكرس رسائل الإعلام مكانة الجزائر الدولية، باعتبار أن لديها كل الامكانيات لتكون لها وسائل إعلام قوية جدا ومؤثرة، تكون بجانب المصالح العليا للدولة الجزائرية.
دور الصحافة والإعلام في تبيان قضايا الأمة
وبغية التوجه لنقل انشغالات طلاب كلية علوم الاعلام والاتصال الذين يأملون في بعث مهنة الصحافة إلى التقدم والرقي ضمن دعائم التكنولوجيا الحديثة وبهذا الخصوص كان لجريدة بركة نيوز لقاء مع هشام شيتور طالب دكتوراه في كلية علوم الاعلام والاتصال تخصص الاتصال الجماهيري، والذي أوضح لنا أن اليوم الوطني للصحافة يذكر بحرية التعبير وتثمين دور الصحافة والإعلام عموما في تبيان قضايا الأمة والمجتمع، ومعالجتها معالجة موضوعية ومنطقية من دون أي دعاية وحسابات قبلية.
وأشار ذات المتحدث إلى ضرورة استذكار مآثر الصحفيين الذين كانوا قبل ينشطون في الجزائر على مستوى كليه العلوم الاتصال في مختلف المؤسسات الوطنية سواء العمومية أو الخاصة، كالراحل "زهير احدان" الذي كان من كبار باحثي علوم الاعلام في الجزائر، وواحد من الأساتذة الذين نظروا لمهنة الإعلام.
أما بالنسبة لتحديات التي يواجهها أي طالب مقبل على الميدان في مهنة الصحافة والممارسة الاعلامية، أفاد شيتور أن الإعلام السمعي والمرئي وكذا الصحافة الالكترونية عرفت تغيرات كبيرة، أين شهدت مختلف أنواع الإعلام تحول نحو الصحافة الالكترونية، مما يقع على عاتق الصحفي دائما ضرورة التأكد من مصادر الخبر.
مصداقية المصدر أهم ما يميز الصحفي عن غيرهم في نشر المعلومة
وتحدث الطالب عن تنوع المصادر في وقت يقتبس العديد من الصحفيين مجموعة من المعلومات والأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي مجهولة المصدر، وهذا من خلال نشر معلومات للجمهور خالية من الصحة ومغلوطة وليس لها مصادر، وهذا ما يؤثر بشكل كبير على الرسالة الاعلامية.
ودعا شيتور إلى ضرورة التوجه نحو المصادر والجهات الرسمية لنقل المعلومة للحفاظ على أسس المصداقية، مشيرا التحدي الذي يواجه طالب كلية علوم الإعلام والاتصال من حيث التوظيف، موجها رسالة بذلك لجميع المؤسسات الاعلامية لفتح الأبواب والفرص لتكوين الصحفيين لممارسة المهنة في الميدان.
وفي النهاية ستظل الصحافة مهنة باقية تتطور مع تنامي وسائل الاتصال، ولن يستغني الناس عن الصحفي، كما لن يستغنوا عن المهن الأخرى، فما زال الصحفي يحتفظ بأدواته الخاصة في البحث والتحليل والكتابة بشرط أن يتعمق ويحلل على ما ينتجه من مادة صحفية، لكي يترك بصمة تميزه عن غيره، دون التخلي على أخلاقيات المهنة .