292

0

نشيد الفرح في غزة واحزان بساحة العائدين .

بقلم: كمال برحايل 

في لحظة الشعور باليأس يتوجب ، اللجوء إلى الرصيد التاريخي ،لنستلهم النموذج وأستحضر هنا ،تلك الروح هي القاسم المشترك ، بين صلاح الدين الأيوبي وعزالدين القسام ، احدهم أوقف المد الصليبي ، وآخر أسس لاستمرارية الصراع بين الشرق والغرب .
هناك مقولة تنسب لعالم الفيزياء ألبرت أنشتاين، بقوله " ان علم السياسة أشد تعقيدا من علم الفيزياء " وبالتالي فالتعقد يكمن في ثنائية ، الطبيعة البشرية والعملية السياسية وبمخرجاتها المتباينة.
في لحظة الاستبصار بتغليب الجانب السياسي ،على الجانب العقائدي ، شكل الموقف التاريخي والحكيم المنعطف الحاسم لحماس ، بقبول مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ،  وبالتوافق مع الفصائل الفلسطينية الممثلة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة الجهاد الإسلامي، بعد عامين من المواجهة لانهاء حرب الإبادة،  على الشعب الفلسطيني الأعزل، والحصول على ضمانات دولية لتطبيق الاتفاق ، وهذا التوجه ينم عن قدرة الحركة على التحول النوعي،  والتكيف التدريجي مع المتغيرات الطارئة ، في ظل الثوابت وتتكامل بوحدة القرار المستقل ، بدلالة التجانس بين الجناح السياسي ، وكتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية في غزة،  وكنتيجة أولى للمبادرة الأمريكية هي بشرى عودة النازحين،  إلى غزة منهيةً على اثره خيار التهجير المقترح وإسقاطه .
لقد مكن هجوم السابع اكتوبر ، تحقيق عدداً من المكاسب المادية والمعنوية،  خاصة المتمثلة باعادة ادراج القضية الفلسطينية ، في صلب اهتمام المجتمع الدولي بعدما طويت كقضية مؤجلة ، في غياهيب النسيان اثر فشل مسار التسوية السلمية ، منذ التوقيع على إعلان المبادئ في واشنطن ، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل بواشنطن، وتم استبعاد السلطة الوطنية الفلسطينية حاليا من أي دور في ثنايا الحل .
وفي أعقاب الحرب على غزة شهد ، العالم انطلاق موجات مختلفة للاحتجاج والتظاهر ، حتى بلغ ارقى الجامعات الأمريكية ، نتيجة للسلوك الإسرائيلي المبالغ في استخدام القوة المفرطة ، والهمجية المتعمدة لقصف المدنيين العزل واستهداف البنى التحتية ، ومنع دخول المساعدات وهذا ما سيشكل العبء الأخلاقي المتراكم مسقطا لأقنعة الإنسانية والتسامح ، وسببا في العزلة الدولية لإسرائيل ، ونسجل أيضاً استعار شوارع العواصم العالمية بدخول اطياف المجتمع المدني ، الساحة المنددة والرافضة للحرب على غزة ، كإمتداد ثانوي مساير لطابع المقاومة السلمية،  ليكون عامل ضغط إضافي على صناع القرار في مختلف البلدان .
 وبالموازاة مع استمرار المواجهة الميدانية ، بين كتائب القسام وجيش الاحتلال تتوالى سلسلة الاعتراف بالدولة الفلسطينية،  وتحديدا هنا نشير للموقف الاستثنائي ، وهو موقف بريطانيا العظمى المتصالحة مع التاريخ،  و لتتسع القائمة ليلتحق بالركب الدولي هولندا ،أستراليا بلجيكا ،إسبانيا، النرويج ،كندا ، والسويد ، وتعتبر خطوة رمزية ذات ثقل معنوي وسياسي للقضية الفلسطينية .
وان موقف حماس بالتجاوب الصريح مع المبادرة الأمريكية ، يذكر بالرئيس البوسني عزّت بيغوفيتش الذي اضطرّ للقبول ، باتفاق دايتون المجحف وأنهى الإبادة غداة الحرب الاهلية في يوغسلافيا .
ولعله مخطئ من يعتقد بان حروب التحرير الوطنية ، تتطلب مبدئيا توازن القوى والوسائل بدليل الهجوم المفاجئ ، في السابع من اكتوبر جعله محصوراً فقط في الجرأة وبدون الالتفات إلى حساب المستتبعات ، قياسا باندلاع  الثورة التحريرية الجزائرية والثورة الفيتنامية ، وأصبحتا النموذج المقتدى به ومصدر الهام للثورات المتلاحقة في العالم ، وندرج أيضاً تصريح الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول، بقوله عقب الإحتلال الألماني لمدينة باريس " فرنسا خسرت المعركة ، ولم تخسر الحرب وسوف نناضل حتى نحرر بلدنا " ، ونستذكر في هذا المقام حصار ألمانيا الهتلرية لمدينة ستالينغراد،  وكان بمثابة الحافز المعجل لهزيمة النازية.
بالتالي فان مقاييس النصر ،تستند إلى التقييم الموضوعي مقترنة غالباً الغالب بالعدد ، أو بما تحقق من الأهداف المتوخاة من الحرب بين الأطراف المتحاربة ، اذ نجد اسرائيل قد سطرت هدفين ،هما اولاً التفكيك والقضاء على الحركة وثانيا نزع سلاح المقاومة ، وبعد مرور عامين لم تحقق أي هدف بالقوة، بينما تمكنت حماس في المقابل وعلى المسار السياسي من ادخال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، كطرف مباشر في التفاوض وعلى الصعيد الميداني ، فقد استطاعت تحطيم نظرية الأمن الاسرائيلي ، والجيش الذي لا يقهر ونقل الحرب إلى الداخل الاسرائيلي ، بعدما كانت دائما تدور في الأراضي المعادية ، وأضحت المدن والمستوطنات الاسرائيلية ، في مدى صواريخ المقاومة بإنذار أو بدون سابق إنذار ، وأفشلت الرد على الرد بل أرغمت إسرائيل بعدم القدرة على الرد ، كما شهد من اهلهم الصحفي الاسرائيلي بجريدة معاريف ران اديليست ، وكتب " أنا أثق في حماس ، ولا أثق في نتنياهو او ترامب ، هي من يدير الحوار ، لا تنخدع بخطاب ترامب او تصريحاته الحماسية " .
لقد ادمنت إسرائيل على الفشل، في كل مواجهة مفتوحة مع محور المقاومة ، وبل هناك توجه عن سبق اصرار متعمد لقلب المعادلة، وتحويل الهزيمة المتجددة،  إلى نصر وهمي يحتفى به في ساحة العائدين وبقلب تل أبيب ، حيث يتبدد قوّل مؤسّس الكيان الصهيونى ، دافيد بن غوريون " الكبار سيموتون والصغار ينسون " وبنفس الزمان والمكان وتتلاشى اكذوبة أبدية ، للقس الأنجليزي كيث الكسندر " كانت ارض بلا شعب وأصبحت أرض لشعب "
وعليه سنشهد خلال أولى مراحل تطبيق، الإتفاق المشهد الأسطوري في موعد متجدد بين الشرق والغرب ، على مسالة جدلية تجمع طرف أراد حماية الحق بالقوة ، وطرف له القوة ويريد صناعة الحق ، وهذه سنن كونية لأن الغرب أسير اللحظة ، فقط ولا يجيد قراءة التاريخ . 
كما تشير مقًولة للكاتب البريطاني ريديار كبلنغ ، في إحدى قصائده: الشرق شرق والغرب غرب / ولن يلتقيا الاثنان أبداً "، وهل كان على حق أم العلة تبدو بديمومة الصراع الحضاري ، منذ الحروب الصليبية لغاية حرب الخليج الأولى ، حينما يتجددالصراع ،بكلمة قيلت عقب معركة ميسلون ،واستبسال القوات السورية المتطوعة بقيادة يوسف العظمة ، والقوات الفرنسية بقيادة الجنرال غورو ، الذي توجه إلى قبر صلاح الدين ، ثم تتكرر الكلمة بعبارة سياقية خلال حرب الخليج الثانية ، بقيادة الجنرال نومان شوارزكوف قائد عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت ، ورفع الشعار الأول " قد عدنا يا صلاح الدين " والشعار الثاني " المجد للعذراء " .
ومن المسلمات التاريخية كان احتلال فلسطين ، شؤما على الغزاة باستثناء دخول عمر بن الخطاب بيت المقدس وكتابة العهدة العمرية ، ودخول صلاح الدين الذي استعاد القدس ، وأنه لقاء تاريخي بين الشرق والغرب.

آخر الكلام: من أقوال الفيلسوف سقراط 
" ليس من الضروري ان يكون كلامي مقبولا بل ان يكون صادقاً "

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services