تجسدت في بلادنا الغالية، بعد سنوات العنف والإرهاب، صورة من الألم والمعاناة و لا تزال آثارها باقية في نفوس أبنائها، العشرية السوداء التي عاشتها البلاد لم تكن مجرد صراع على السلطة، بل كانت محنة حقيقية تركت بصماتها في كل زاوية من زوايا الوطن.
في تلك الفترة، تعرض الشعب الجزائري لمآسي عميقة حيث كانت الجراح مفتوحة والذكريات مُؤلمة، تتجلى مخلفات الإرهاب في الجزائر بعدة أشكال، أبرزها الخسائر البشرية التي لا يمكن تعويضها، كنت أرى الأطفال شاهدون على مآسي لم يكن من المفترض أن يختبروها، مما أثر سلبًا على نموهم النفسي والاجتماعي.
أُجبرت العائلات على التعايش مع غياب الآباء والأمهات، وأصبحت مشاعر الحزن واليأس رفيقة حياتهم، بالإضافة إلى ذلك، عانت الجزائر من تدمير البنية التحتية، حيث استهدفت العمليات الإرهابية العديد من المؤسسات والمرافق الحيوية. كان هناك انقطاع في التعليم، وتدمير للمراكز الصحية، مما زاد من معاناة الشعب.
فكل هجوم كان يحمل في طياته تداعيات سلبية على الاقتصاد، مما أدى إلى ارتفاع مستويات الفقر والبطالة، وزيادة نسبة الهجرة، إذ حينها أصبح البحث عن حياة أفضل في الخارج حلمًا للكثيرين، حيث هاجر الشباب بحثًا عن فرص عمل تاركين وطنهم غارقا في الدماء.
ولم تكن هجرة الشباب فقط، بل كان هناك هجرة الأدمغة والمتعلمين الذين تخرجوا من الجامعات، مما زاد من نقص الكفاءات في البلاد، هذه العقول اللامعة، التي يمكنها أن تساهم في بناء وطنهم، أصبحت تبحث عن بيئة أفضل في الخارج، حيث تتاح لهم الفرص الحقيقية للتطور والإبداع.
عانت العديد من الأسر من غياب أبنائها الذين فضلوا الهجرة إلى دول أخرى، مما زاد من تفكك الروابط الأسرية وعمق معاناة الأمهات والآباء الذين عاشوا ألم الفراق، ومع مرور الوقت، بدأت الآثار النفسية للإرهاب تتضح بشكل أكبر.
فقد عانى العديد من المواطنين من اضطرابات ما بعد الصدمة، وعاشت الأسر في حالة من الخوف والترقب الدائم، أصبح الخوف جزءًا من حياتهم اليومية، مما عطل قدرتهم على العودة إلى طبيعتهم السابقة.
لكنني، رغم ذلك كنت كمفتش أؤمن بأن هذه الظروف القاسية لا يمكن أن تستمر، سعيت جاهدًا لتوحيد صفوف المواطنين، لأكون عونًا للأمن، وللعمل معًا من أجل استعادة الأمل، كان من الضروري تعزيز الثقة بين المجتمع وأجهزة الأمن، لإيجاد سبل جديدة لمواجهة التحديات.
رأيت أن المبادرات المجتمعية كانت الأمل الوحيد لإنهاء هذه المعاناة، واستعادة السلم والأمان، مع كل هذه المخلفات، أظهر الشعب الجزائري قوة لا تُقهر، بدأوا يتحدون قسوة الظروف، ويتجهون نحو إعادة بناء الوطن.
،
أدرك الجزائريون أن الطريق إلى التعافي طويل، لكنه ليس مستحيلاً، ومن هنا، انطلقت الجهود نحو توحيد الصفوف وبناء مستقبل أفضل، يتم فيه استذكار التضحيات من أجل تحصين الأجيال القادمة من تكرار تلك المآسي.
في النهاية، تبقى الجزائر مثالًا حيًا على صمود الشعوب، وعلى قدرة الإنسان على التعافي من جراح الماضي، مستلهمًا الأمل في مستقبل يعمه السلام والأمان.