658
0
"أحكيلي قصبة 3D "... تجربة فريدة تجوب التاريخ و تصون الذاكرة و التراث
أول متحف في الجزائر يروج للسياحة عن طريق العالم الإفتراضي
متحف القصبة الافتراضي،مشروع سياحي بأيادي شبانيه جزائرية ، تجربة فريدة تجمع بين الواقع والعالم الإفتراضي، من خلال تقنيات ثلاثية الأبعاد ، تحت لواء مؤسسة اسراء للإعلام التي جسدت الفكرة و أعطت للمشروع نفس في أرض الواقع، لتحتضنه بذلك مؤسسة ميترو الجزائر في محطة ساحة الشهداء بالشراكة مع الديوان الوطني لتسيير الممتلكات.
شيماء منصور بوناب
وفي لقاء جمعنا مع مسؤول معرض "أحكيلي قصبة 3D ""دحومان محمد خليل، الذي تحدث عن أسباب و دوافع إرساء المشروع على مستوى محطة ميترو ساحة الشهداء ،التي تعد نقطة التقاء للمسافرين وبداية أو خاتمة رحلة تجمع الراغبين في اكتشاف معالم المحروسة البيضاء و ما جاورها من أحياء و أزقة ،تعود لقرون مضت.
مشروع جزائري يحقق الازدواجية بين الحضارة و التكنولوجيا
فاستراتيجية المشروع القائم على عرض لمحة تاريخية عن مراحل بناء القصبة و ثقافة سكانها بمختلف عاداتهم وتقاليهم ،جاءت بعد دراسات معمقة للتاريخ الحقيقي لمدينة القصبة كما كان يطلق عليه، مع الاخذ بعين الاعتبار ما قدمه الديوان الوطني لتسيير الممتلكات من وثائق و أرشيف دقيق لمعالم القصبة و كل ما يتعلق بتاريخ عمرانها.
وفي حديثنا مع نصر الدين العايب مسؤول مؤسسة إسراء للإعلام الذي عرفنا بمشروع متحف القصبة ،يقول" المتحف الافتراضي هو نتاج ثمرة غرست جذورها سنة 2016 كمسودة نظرية تأطر الاستراتيجيات لبناء و انجاز مشروع رقمي بتقنية ثلاثية الابعاد تجمع ما بين السياحة و التراث و التكنولوجيا تحت مسمى "احكيلي قصبة ".
وعن بداية الفكرة يعود بنا مسؤول معرض "أحكيلي قصبة" للخلفية التي انطلق منها المشروع الذي كان في الأساس محور عنوان مشروع شارك به طاقم اسراء الشباني في مسابقة ايكروم في الشارقة و التي أهلتهم كفريق جزائري من نيل المراتب الأولى فيها بفكرة جديدة تمزج بين السياحة و التراث و التاريخ .
ليتم بعدها توجيه المشروع لتيبازة كمنطقة تاريخية تحوز على مجموعة أثرية منوعة تعود لحضارات جد قديمة ، جعلتها قطب سياحي بامتياز، ونظرا لبعض الأسباب و العراقيل تغيرت وجهة إرساء المشروع إلى الجزائر العاصمة .
وفي هذا الصدد ينوه نصر الدين العايب إلى كون الجزائر أرض خصبة مناسبة لاحتضان مثل هذه المشاريع التي تساعد على ‘براز مكانتها ثقافيا و تاريخيا وتكنولوجيا ، بما يعزز قدراتها الشبابية المؤهلة لتطويرها و الارتقاء بها.
أحكيلي قصبة ....شعار يستنطق التاريخ و يحاكي الواقع
وعن ماهية شعار المتحف الافتراضي "أحكيلي القصبة" يوضح لنا المسؤول عليه، أنه يأخذ طابع الحكاواتي لسرد قصة تاريخية تعود جذورها لسنة 1200 و ما بعدها من تمركز عثماني و استعمار فرنسي ، فالغرض منه هو محاولة تقريب الرؤية التاريخية في عين الزائر من خلال الصوت القصصي و الصورة الواضحة .
فالمتحف يقوم على جانبين أولهما السردي للتعرف عن القصة الحقيقية لبناء القصبة و أهم مراحلها التاريخية التي ساعدت على تكوينها ثم الاعتماد عل تقنية الواقع الافتراضي الذي ينقل الجزائر لعالم آخر يعيش فيه تجربة زيارة قصور القصبة وأزقتها تجسيدا لمحاكاة تجمع بين الحقيقية و العالم الافتراضي.
متحف القصبة.... حاضنة تاريخية ثقافية تصون المرجعية و الهوية
وفي سياق الاهتمام بالذاكرة التاريخية و التراث الجزائري يوضح العايب أن الجزائر تشهد حركية حقيقية في جانب الاهتمام بالتراث و التاريخ من قبل الشباب ، حيث تدل المؤشرات و الاحصائيات على أن هذا الاهتمام ولد نوع من الفضول لدى جيل اليوم لمعرفة تاريخهم و أمجادهم ، مع الأخذ بعين الاعتبار الأسلوب الجديد الذي يفرض تقنية التأثير المرئي لشد الانتباه، وعلى ذلك اتخذ مشروع القصبة الصيغة الجديدة للغة الشباب التي تجمع بين السمعي و البصري لمحاكات التاريخ و الواقع.
وتابع مضيفا لكون المشروع حاضنة "ثقافية و حضارية " تناولت في تفاصيلها أهم ما يميز القصبة من حيث عمرانها و زليجها وأزقتها التي تضم في كنفها مجموعة واسعة من الحرف القديمة و الصناعات التقليدية التي امتهننها سكانها فكانت رزقهم و مكسب عيشهم ،يضاف اليها اللباس التقليدي الذي يعرف بهوية أبناء المحروسة البيضاء من حيث تقاليدها و رمزيتها المجسدة في خلفية علمية دقيقة.
من جهته أيضا أكد دحومان على أن معرض "أحكيلي القصبة " بشهادة زائريه قد لامس كل التفاصيل المعلقة بجوهر المحروسة ،بحيث اتخذ من اللغة الدارجة و لهجة العاصمة قوة لجذب الانتباه و الاهتمام للحفاظ على الذاكرة و الترويج للثقافة الجزائرية التي تتعرض في كل مرة لسرقة ونهب أو تخريب.
ومن فكرة "الشخص الذي لا يعرف ماضيه لن يتخيل مستقبله " يشير محدثنا إلى أن التعريف بالقصبة تاريخيا، له الفضل في رفع اللبس على بعض المحطات التي غيرت في عمران و بناء القصبة، لعل أهمها تهديم فرنسا للواجهة الأساسية بجانب هدمها لجهة باب عزون قصد طمس الهوية الجزائرية و إضفاء لمستها الأوروبية على كل البنايات و العمران الذي يحيط بالقصبة العريقة.
العراقيل.... محور الانطلاق الحقيقي
وعن أهم الصعوبات و العراقيل التي صادفت سير المشروع، يفيد مسؤول المعرض أن تجسيد تقنية ثلاثية الأبعاد في مجال التراث أمر صعب من حيث دقة التفاصيل خاصة و أن المشروع لم يعرف سابقة له في الجزائر وهو ما جعل إحتمال نجاحه غير مؤكد.
إضافة إلى الوقت الذي يستغرقه بناء المشروع فهو قد أخذ تقريبا شبه وقت البناء العمراني الحقيقي، بالنظر لكل الأجزاء المعمول بها خاصة تلك المتعلقة بالزليج الذي يحتوى على الألوان و تفاصيل عديدة تجعل من نقطة تركيبه جزءا بجزء أمرا بالغ التعقيد و الصعوبة.
أما بالنسبة للهدف من المشروع، هناك صعوبات كذلك ترتبط بتخوف من الرسالة التي يسعى اليها، وما يواجهه من عقلية الشعب الجزائري الذي يجرب لأول مرة الغوص في العالم الافتراضي في جانبه السياحي و التاريخي .
مساعي وطموحات تأطر الافاق المستقبلية
في سياق آخر تطرق مسؤول المعرض لجانب الاقبال على المتحف الافتراضي منذ افتتاحه يوم 25جويلية 2023 من قبل مدير مؤسسة ميترو الجزائر و إطارات الديوان الوطني لتسيير الممتلكات ، حيث عرف في الفترة الأولى توافد نسبي فقط من قبل المواطنين بحثا عن الاستفسار و اكتشاف ما يحمله المعرض .
غير أن النسبة تضاعفت و تزايدت في شهر اوت نظرا لتوافد السياح و كثرة الزوار المتزامن مع العطلة الصيفية التي سمحت باكتشاف المتحف من قبل التلاميذ و حتى الطلبة و كل زائري القصبة و ساحة الشهداء وكل ذلك بسعر رمزي لا يتعدى 200دينار جزائري مع تخفيض خاص بالأطفال يصل إلى 100دينار جزائري.
وعن ثمار هذه التجربة يعرب محدثنا أنها تجربة جديدة ونوعية في الجزائر لم يشهد لها مثيل من قبل ، وهو ما دفع بمؤسسة إسراء للإعلام لتوسيع آفاق طموحاتها انطلاقا من إعداد حلقات أخرى عن القصبة بالنسبة للجزائر العاصمة ثم توسيع نطاق الفكرة ليشمل مختلف الولايات على أن تكون تيبازة هي الوجهة الثانية بعد الجزائر العاصمة.