39

0

مشاريع حرفية لذوي الهمم.. إرادة تولد من رماد التحديات

 نظمت الجمعية الولائية "التفاؤل بمستقبل واعد" معرضا مميزا تحت عنوان "فن من تراث"، بمركز الفنون و الثقافة في قصر روساء البحر حصن 23    بالعاصمة ، سلط الضوء على قدرات الحرفيين من ذوي الهمم، الذين أثبتوا أن الإرادة القوية قادرة على صنع المعجزات وتحقيق النجاح

نسرين بوزيان

ما إن تطأ قدماك المعرض حتى يغمرك شعور بالفخر العميق تجاه أبناء الوطن الذين كسروا القيود وتحدّوا الصعاب، راسمين قصص نجاح ملهمة، لم يكن السلاح فيها سوى الإصرار والعزيمة.

ويزداد هذا الشعور عمقا عندما تدرك أن الدولة الجزائرية تولي اهتماما بالغا بهذه الفئة، من خلال ترسانة قانونية متكاملة، وبرامج وطنية متعددة، تهدف إلى حمايتهم، ترقيتهم، وضمان إدماجهم الاجتماعي والمهني، فضلا عن دعم مواهبهم، وتشجيعهم على أن يكونوا مساهمين فاعلين في التنمية الوطنية.

    

      

 

تميّز المعرض بتنوع ثري في الحرف المعروضة، حيث تداخلت الأصالة مع الحداثة في مشهد بصري ساحر. فقد ضم المعرض أجنحة للحلي التقليدي والمعاصر، وأعمال زخرفة على الخشب، ومنتجات كروشيه يدوية، ولوحات تشكيلية، ودمى تقليدية مستوحاة من الزي الجزائري، فضلًا عن أزياء تراثية وإطارات تذكارية مزينة بالرسم على الزجاج. 

وكل زاوية تدفع الزائر إلى التأمل، وتوقظ فيه الرغبة في تعلّم هذه الحرف الجميلة، والاقتداء بصانعيها الذين واجهوا الحياة بابتسامة لا تعرف الانكسار.

شابة من ذوي الهمم تفرض اسمها في الحرف

    

                         


في قلب هذا المعرض، تتألق الشابة عبير خليفي، واحدة من ذوي الهمم، كفنانة تشكيلية متميزة في فن الرسم على الزجاج والخشب، التي تلقت الدعم والتشجيع من والدتها صادقي دليلة، التي رأت فيها منذ الصغر ملامح فنانة، فساعدتها على الالتحاق بجمعية "زهرة بلادي" لتعلم الحرفة وصقل موهبتها. 
استلهمت عبير مواضيع أعمالها من الطبيعة والزهور والمناظر الجزائرية، وبدأت بالرسم على أوراق بسيطة، قبل أن تتوسع في استخدام الزجاج والخشب والفخار، حيث تقوم بتزيينه وتحويله إلى قطع فنية راقية. 

           

    

 

وخلال أربع سنوات من الممارسة،أصبحت عبير تعرض أعمالها في المعارض، ونجحت في فرض اسمها كحرفية لها أسلوبها الخاص وحسها الفني المرهف.

شغف طفولي يتجدد بالإبداع

                    

أما الحرفية جميلة، المختصة في فن الكروشيه، فتروي بدورها حكاية شغف بدأ منذ الطفولة، كانت تحلم بأن تحيك بيديها قطعًا جميلة، وقد تحقق حلمها حين بدأت إنتاج حقائب يد تحمل لمسة تقليدية ممزوجة بأناقة عصرية، لاقت إقبالًا كبيرًا من النساء. 
تؤكد جميلة أن تميّزها يكمن في قدرتها على تحديث التصاميم دون أن تفقد طابعها التراثي، غير أن ارتفاع أسعار المواد الأولية يشكل تحديا كبيرا بالنسبة لها، ما يجعلها تضطر إلى تقليل هامش الربح من أجل الحفاظ على استمرار مشروعها.

حين يتحول صدف البحر إلى تحف فنية

                             

وفي ركن آخر من المعرض، نجد الحرفية جويدة بلعباس، التي استلهمت فكرتها من بيئتها البحرية، بحكم إقامتها في مدينة ساحلية. 

             

 

 

حيث تستخدم جويدة  صدف البحر في تصميم ديكورات وتحف فنية صغيرة مثل المرايا المؤطرة والإطارات المخصصة للهدايا. تقول إنها ورثت هذه الحرفة عن والدها، لكنها أضافت إليها لمسات عصرية تواكب التطور الجمالي والتقني، مشيرة إلى أن الأطفال يقبلون بشكل خاص على هذه القطع لما تحمله من بساطة وخصوصية. كما تطمح جويدة بأن تنقل هذه الحرفة إلى الأجيال الجديدة، وتحظى بالاهتمام الذي تستحقه.

مشروع بالعسل النادر

           

في المعرض ذاته، تقدم الحرفية سمية نموذجا آخر من الإبداع، إذ قررت أن تجعل من المنتجات الطبيعية الجزائرية، وبخاصة العسل ومشتقاته، اساساً لمشروع اقتصادي وثقافي ناجح. 
تقول سمية إن مشروعها يعتمد على استخراج أنواع نادرة من العسل، مثل عسل الجبل وعسل الجرجير، إضافة إلى زيت الذرو وحبوب الطلع، وتحويلها إلى منتجات غذائية وعلاجية وتجميلية. 
ولا تكتفي  سمية بالبيع بل تقدم نصائح للزبائن حول كيفية الاستفادة الصحية من هذه المنتجات، وتعرض وصفات تقليدية لعلاج الإرهاق، تعزيز الخصوبة، تقوية المناعة، وتحسين نضارة البشرة. 
وقد لاقت منتجاتها رواجا كبيرا، خاصة مستحضرات التجميل الطبيعية مثل كريمات معالجة الفطريات، كريمات مقاومة التجاعيد، ومنتجات العناية بالقدمين.

       مشروع الدمى بالزي التقليدي 

         

تتحدث الحرفية ورئيسة الجمعية الولائية " التفاؤل بمستقبل واعد"، سويداني وهيبة، عن مشروع "الدمى بالزي التقليدي"، الذي تقول إنه ولد من شغف الطفولة، ثم تطورت الموهبة مع مرور الوقت، لتمنحها لاحقا لفئة ذوي الهمم.
 و توضح سويداني أنها تصنع نموذجا من الدمى، فيما يشارك ذوو الهمم في تصميم نماذج أخرى بلمساتهم الخاصة.
وعن نشأة الفكرة، تقول إنها تعود إلى ذكريات الطفولة، حيث اعتادت رؤية جدتها ترتدي الأزياء التقليدية، خصوصا " الحايك  العاصمي"، كونها تنحدر من العاصمة ، لتجسد هذا التراث لاحقا في هيئة دمى تحمل الطابع التقليدي الجزائري.
كما تؤكد سويداني أن الجمعية تواصل دعم جميع المشاريع الحرفية لفئة ذوي الهمم، وتعمل على مرافقتهم في مسارات التكوين والتسويق، من أجل تحقيق الإدماج الاجتماعي والمهني .

من هواية إلى مشروع شموع يضيء بالإبداع

           

وتبرز تجربة هيام شايب كإحدى الزوايا الأكثر جاذبية في المعرض،  التي بدأت مشروعها من هواية صغيرة في صناعة الشموع العطرية. 
تطورت هذه الهواية لتصبح مشروعا متكاملا يشمل شموعا مزخرفة ومنحوتة بأشكال فنية جذابة، منها ما هو مزين بالأزهار المجففة، ومنها ما يحمل عبق عطور طبيعية. 
والدتها التي تساندها بكل فخر، تؤكد أن المشروع لم يتوقف عند حدود الشموع، بل توسّع ليشمل مستحضرات تجميلية مثل معطرات الجسم ومراهم الحروق، كلها بمكونات طبيعية. 

من فيديوهات الإنترنت إلى حرفية ناجحة 

                   

    أما إيناس آيت محمد، فقد خاضت تجربة تعلّم الكروشيه بأسلوب مختلف، حيث لم تلتحق بأي ورشة تدريبية تقليدية، بل تعلّمت الحرفة من خلال فيديوهات تعليمية على الإنترنت، بإصرار كبير وتكرار مستمر، تمكنت من إتقان هذا الفن، وكان تشجيع والدتها الدافع الأكبر لها للدخول إلى عالم الحرف اليدوية. وبفضل دعم جمعية "التفاؤل بمستقبل واعد"، شاركت إيناس في معارض حرفية، وتمكنت من تسويق منتجاتها وتوسيع دائرة زبائنها. 

            

 

 

إبداعات القفف التي تحدّت الألم 

         

وفي مشهد إنساني عميق، تقف الحرفية أمينة لتحيد كرمز للصمود، فقد اضطرت للتخلي عن عملها السابق في صناعة الحلويات بعد إصابتها بمرض السرطان. لكنها لم تستسلم، بل قررت أن تبدأ من جديد، فاختارت مجال صناعة القفف والسلال الغذائية اليدوية باستخدام مواد طبيعية،  وأصبحت منتجاتها تلقى رواجًا كبيرًا لما تتميز به من جودة وجمالية.

تعكس هذه المشاريع الحرفية روح الإرادة والتحدي لدى ذوي الهمم، الذين استطاعوا بجهودهم الصلبة وعزيمتهم الفولاذية تحويل الصعوبات إلى إنجازات ملموسة ، تفتح أمامهم افاقا واسعة للمشاركة الفعالة في المجتمع، وتعزيز  دورهم في التنمية الوطنية.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services