2408

3

محمد الصالح الصديق في حوار خاص لبركة نيوز ..مسيرة حافلة بين العلم  والجهاد…لعالم مخضرم ألف 157 كتاب

الجزء الأول

العلامة محمد الصالح الصديق ..أحد رجال الفكر والعلم في الجزائر..لا يزال وهو على مشارف القرن.. ينهل من العلم ويقدم زبدة وعصارة تجاربه في157 كتاب احتوت نفائس الأفكار وجواهر الحكم ، عالم من طراز عالي وشخصية لا تزال تجاهد بالكلمة والفكر.

علامة جليل تصعب محاورته وهو بحر كلما اقتربت منه جذبنك أمواج علمه وكنوز أفكاره….حاولنا في جلسة راقية مع عالما أن نعرج على أهم محطات تاريخه بين العلم والثورة والجهاد…كان لنا حديث مع العالم محمد الصالح الصديق.

حاورته زهور بن عياد

محمد الصالح الصديق…عدة شخصيات اجتمعت في شخص واحد..ماهي أهم  المحطات التي يمكننا التوقف عندها؟

إن تحدثت عن نفسي وما يتعلق بحياتي، فأصلي يعود إلى قريتين بولاية تيزي وزو، أحداهما أعود إليها أصالة والأخرى ولادة ونشأة وقراءة للقرآن، بالأولى قرية أبسكريين على بعد 7 كليموترات من مدينة العزازقة، أنجبت علماء أجلاء وأبطال كتبوا صفحات خالدة في سجل الثورة التحريرية.

من بين العلماء أذكر منهم الشيخ السعيد بن زكري الذي تولى الإفتاء في الجزائر من 1907 إلى سنة 1927 وألف كتابا حول الزوايا سماه إصلاح الزوايا في منطقة زواوة، كما أنجبت هذه القرية شيخا آخر يقال له الصديق بن زكري  الذي تولى الإفتاء في تيزي وزو 30 سنة، وعالم جليل آخر أحمد بن زكري الذي تولى إدارة المدرسة الثعالبية في القصبة 30 سنة.

كما أنجبت هذه القرية أبطالا لهم تاريخهم على رأسهم مراد ديدوش.

عاش والدي في هذه القرية ثم انتقل إلى القرية الأخرى”أبيزار”  وشغل إماما لمدة 42 سنة، فيها تزوج بأمي وفيها ولدت وفيها حفظت القرآن.

بالحديث عن حفظكم لكتاب الله في سن جد مبكر، هل يمكنك إطلاعنا على مختلف الظروف المتعلقة بهذه المرحلة؟

والدي رحمه الله تخرج من أحد الزوايا وكان له ولوع وعشق مميز للعلم، وفي بداية شبابه شد الرحال لجامع الزيتونة للدراسة فيه مشيا على الأقدام، وكان يضن أن الدراسة بلا ثمن، اعتقادا منه أنه جامع وليس جامعة،ولم يكن له المال لينفقه على الكتب والأكل بسبب فقره، لذا شقي شقاءا عسيرا في قطعه هذه المسافة بين الجزائر وتونس، وبعد شهرين في جامع الزيتونة عاد أدراجه للجزائر بسبب فاقته، مشيا على الأقدام ووصل إلى الجزائر وهو في حالة بين الموت والحياة،وبعدها مرض لمدة سبعة أشهر.

وبعد أن عاد من عتبة الآخرة، قرر في أعماق نفسه أن يعوض ما فاته من علم بولد إذا رزق به في مستقبل الأيام، فتزوج بأمي ، وولدت أختي لي وبعدها ولدت أنا، وانتظر متى أكبر حتى يدخلني لعالم الدراسة والقرآن.

وما إن بلغت الخامسة حتى قرر أن يبدأ تحفيظي للقرآن، وأقولها بكلمة جامعة مختصرة، فقد بلغت مع والدي تعبا لا يتصوره العقل،لأن ارادة  والدي  أن أحفظ القرآن قبل بلوغي للعاشرة،وأنا طفل صغير أحب أن ألعب مع الأولاد وأعيش طفولتي ، ولكن والدي أرادني أن أكون رجلا وأنا طفلا، وهنا أريد أن ألفت نظر القاريء أن والدي عالم فقيه اعتمد في تحفيظي للقرآن على ثلاثة أمور، أولها أن أحفظ وأنا متوضأ، وكنت أتوضأ بين يديه، والأمر الثاني أن أحفظ القرآن وأنا متجه للقبلة،الأمر الثالث هوأمر غريب وهو أن القلم الذي بدأت به القراءة هو الذي ختمت به القرآن، يحافظ عليه، وأتذكرأن هذا القلم حين أكملت حفظ القرآن بقي منه قدر نصف أصبع.

وكان والدي يغريني بحبة حلوى أو ثوب أوشيء أحبه ويقول “هذا من أجل أن تحفظ القرآن قبل العاشرة”، وأمي إذا سلقت لي بيضة تقول نفس الشيء.

“حفظت القرآن حفظا جيدا وأنا في السنة الثامنه و4أشهر، وهذا أمر غريب جدا”

أتذكر أن يوم ختمي لكتاب الله “قال والدي غدا تقرأه علي،من بدايته إلى نهايته وفعلا قرأته عليه من السابعة صباحا إلى العاشرة ليلا، لم أتعثر ولم أخطأ، وقبلني والدي في جبهتي وقال لي “حمرت وجهي” ودعا لي بالتوفيق ودمعت عيناه، وعن أمي فقد كان يضرب بها المثل في الجمال، وكان والدي شديد الغيره عليها ولا يدعها ترفع صوتها أبدا ولكن أتذكر ذاك اليوم ناداها  وقال لها “زغردي” ووقفت في دهشة وأردف قائلا “زغردي فإن إبنك قد حفظ القرآن كاملا”.

ولا أزال أسمع تلك الزغردة كلما أتحدث عن ذلك، وأمرها أن تعد لنا طعاما بالمناسبة، فذبحت لنا ديكا وأعدت لنا طعاما،وتناولنا العشاء في فرح وابتهاج في ضوء القرآن الكريم.

مرحلة حفظ القرآن رغم صعوبتها فقد أثمرت بحفظ كتاب الله حفظا جيدا،وأنت دون العاشرة…وتحقق بذلك حلم الوالد  ليكون مقدمة لمرحلة أخرى؟

بعد حفظي للقرآن أراد الوالد مكافئتي،  خيرني إما أن يشتري لي لعبة سيارة ألعب بها، أم أن يصطحبني للعاصمة لنتفسح، فقلت له أصاحبك للعاصمة، وبعد ثلاثة أيام جئنا إلى العاصمة،ففي اليوم الأول نادى لصديق له وأعطاه مبلغ”70 ديرو”وقال له “خذ ابني فسحه ولا تعود به إلا في المساء، وإذا احتاج لشئ فاشتريه له”، فتجولت معه في أماكن مختلفة، وفي حدود الثانية بعد الضهر، تذكر أن له موعد في مدينة “”القبة”،مررنا بفيلا صغيرة وقلت له أن هذه الفيلا أعجبتني سألته من يسكنها، فقال “الفرنسيين”،وقلت حينما أكبر سأسكن في هذه الناحية، وشاء القدر أن لا يموت ذاك الرجل حتى أسكن فيلا في القبة.

وأذكر حين زارني وهو في 97 وبكى حين رآني وقال أبكي لتخطيط الله، وروى لي قصة مجيئي لمدينة القبة أول مرة وأنا ذو ثماني سنوات.

وبعد انتهاء يومي الأول، قالي لي الوالد غدا سأتنزه معه ولكن في قرارة نفسي لم أكن أريد مصاحبته لأنه كان يقيدني،وأتذكر أنني تجولت معه بساحة الشهداء وأخذني لنادي الترقي،وهناك سمعت صوت قوي ناصح وسألت أبي لمن هذا الصوت، فقال هذا صوت “لطيب العقبي”، وكانت القاعة غاصة بالحضور ولم نجد كرسي نجلس عليها، كان حينها الشيخ العقبي يلبس لباسا سعوديا ويحمل مروحة،وله لحية كثيفة سوداء وكان يتحدث عن هذه الآية الكريمة”إن يمسسك الله بضر فلاكاشف له إلا هو، وإن يردك بخيرفلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده”.

وسلم أبي على طيب العقبي والتفت وراءه ضنا منه أني بجانبه فلم يجدني وبعدها غضب علي ووبخني.

وفي المساء ذهبنا للجامع الكبير صلينا العصر وهناك التقينا بخالي وهو عالم ومجاهد استشهد في 1956،وهذا تخطيط رباني آخر وقال لوالدي تعال نتجول ودخلنا شارع باب عزون، وخالي كانت له زاوية وكتب قديمة احتفظ بها وكان الشيخ ابن باديس زاره وقر في بيته ست أيام.

لقاء العلامة ابن باديس

دخلنا شارع باب عزون وانا انظر للفرنسيين والسيارات يمينا ويساراواذا بخالي الشيخ الطاهر يقول لوالدي” هاهو الشيخ ابن باديس”، رأيته قادم من بور سعيد، لم أكن أعرف الشيخ ابن باديس ولكن ملأ رأسي ما كنت اسمعه من الناس في بلاد  القبائل ممن  كانوا أعداء الإصلاح كانو يسمونه ابليس، هم يكرهون العلم فهم متخلفون بدعيون، فقلت في نفسي هذا بقصر قامته وبرانسه من حير العالم ،ملابسه تدل على الكسل والخمول ولكنه شعلة متقدة من الحيوية والنشاط،بعد التحية بين الخال ووالدي وابن باديس كنت اقف أمام سارية وانظرللشيخ ابن باديس وأفكر وهما يتحدثان، انتبه ابن باديس لوجودي وسال ابن من هذا، فقال خالي هذا ابن سي البشير واردف قائلا” قد حفظ القران في الثامنه من عمره” تقدم الي الشيخ ابن باديس في خطوات وئيدة ووضع يده على رأسي وقرأ هذه الآية الكريمة “وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضلا الله عليك عظيما”.

الأمر الغريب الذي لاحظته بمجرد أن نزع ابن باديس يدة من على رأسي، اختفت تلك الصور التي كنت رأيتها في العاصمة السيارات والفرنسيين وبقيت الصورة الوحيدة… صورة ابن باديس.

فهذه المرحلة فيها القرآن وفيها إرادة الله من إرادة والدي أراد الله لي أن يحفظ القرآن لتكون الارضية قوية وصلبة ثم كان السفر إلى العاصمة وهذا توجيه إلهي لألتقي الطيب العقبي وابن باديس.

كانت رحلتكم للعاصمة مرحلة فاصلة في تاريخكم كما أشرتم إلى ذلك،لتبدا مرحلة أخرى أكثر صعوبة، حدثنا عن ذلك’؟

بعد عودتي للقرية أتذكر قول والدي”لقد قضيت ثلاثة أيام في العاصمة، وأمنحك ثلاثة أيام للعب والراحة “.

بعد انتهاء الأيام التي مرت بسرعة كبيرة، قال لي “أنتهت مرحلة الراحة والآن مرحلة الجهاد”، وبالفعل دخلت مرحلة عذاب وتعب لثلاث سنوات لدرجة أني كرهت والدي، مدة حفظت فيها المتون والقصائد العربية التي تصل إلى 500 بيت، حفظت جمع الجوامع و31 متن، حفظت التلخيص للخطيب القزويني، وصلت في فترة لسوء حال من تعب نفسي وجسدي، ولكن حين رآني الله أني وضعت رجلي على عتبة الآخرة فكان له سبحانه وتعالى أن ينقذني.

وهذه قصة تدخل إرادة الله” بلغت اختي سن الزواج، فتقدم لها عالم من المنطقة قضى في الجامع الأزهر 27 سنة،وهو متبحر في العلم،فاستدعى والدي أعيان القرية لحضور مأدبة عشاء مع هذا العالم الشيخ ارزقي، وحين سال عني الضيف وكنت منزوي في الغرفة في حالة يرثى لها سأل والدي عن أمري وراح أبي يتفاخر بحفظي للقرآن والمتون الشعر، ناداني الشيخ ارزقي واختبرني، واندهش لحافظتي القوية واعتبرني آية من آيات الله، ولكن في الوقت ذاته ألقى اللوم على والدي وقال “ماذا يفعل بالعلم وهذا حاله،  هذا هزيل، متعب “وطلب من والدي أن يصطحبني معه للدراسة في المعهد، وقد كانت فرحتي بذلك لا مثيل لها، حين قبل والدي،ودرست على الشيخ ارزقي 6 أعوام وأخذت  نصيبا من علمه وتوجيهاته، وبعدها صرت مدرس لأكثر من 200 طالب  وعمري 16 سنة.

وهنا أذكر أن ما فعله هذا العالم أنه أنار طريقي وجعلني أدرك أن قسوة والدي وصرامته معي في طلب العلم لم ينتفع بها، بل العلم كان لي وهنا تغيرت مشاعري اتجاه والدي ، بعدها توفي هذا الرجل العالم وانطفأ مصباح المعهد،واصبحنا نتخبط في الظلام ولم يكن لنا مرشد ولا هادي وأخذت أفكر في مصيري، وعرضت على والدي الذهاب لجامع الزيتونة واعترض في البداية ولكني اصررت وقلت له “ارض عني ودعني أذهب”.

 

الجزء الثاني

يستمر حوارنا مع العلامة محمد الصالح الصديق لنكتشف معه سر نبوغه وتعلقه وعطائه الذي لا يزال مستمرا، في محطات فاصلة ومواقف رسمت مسيرة رجل العلم والوطن،من جامع الزيتونة ورحلة طلب العلم إلى الإنضمام للثورة المظفرة في أول يوم تندلع فيه.

بين الجهاد بالقلم والسلاح والدروس المستخلصة لتكون رساله يوجهها عالمنا للشباب وهو في ضل ذلك لا يزال يقدم للوطن والأجيال نفائس أفكاره و خلاصة تجاربه في كتب كان آخرها عن وباء كورونا.

 بدأت مرحلة أخرى ،جامع الزيتونة منارة طلاب العلم في شمال إفريقيا، كيف تبلورت الفكرة وتجسدت ووصلتم إلى تونس؟

حاول والدي الحصول على وثيقة لاسافر بشكل قانوني، ولكنه لم ينجح، لعدة اعتبارات منها أن السلطات الإستعمارية كانت تدرك تماما أن عائلتي اشتهرت بثلاثة أشياء العلم والدين والوطنية .

ولكن رغم ذلك لم أتراجع عن قراري، وحين كنت أتهيأ للذهاب لجامع الزيتونة مشيا على الأقدام  جاء صديق يقال له محمد نسيب وقال أنا معك، قلت رحلتي ستكون مغامرة، قال أنا معك.

بدأت رحلتي مع صديقي ، ولدى وصولنا إلى تبسة وقعت وشاية فزج بنا في السجن وقضينا في السجن 19 يوم، وذقنا كل أنواع المرارة الجوع ، البرد، الإهانة بالكلمات القذرة والضرب.

وفي طريق عودتنا إلى منطقتنا جاءتني فكرة أن أعود إلى تبسة، وهناك وجهنا الله سبحانه وتعالى إلى رجل محسن، فدبر لنا طريقا إلى جامع الزيتونة مشيا على الأقدام مع رجل يعمل تاجرا بين الجزائر وتونس في ثلاثة أيام، ولم نكن نأكل في الطريق إلا الحشيش الذي يؤكل.

وصلنا إلى جامع الزيتونة وانخرطنا في سلك الدارسيين، وهناك طلبت أن اتخطى السنتين الأولى والثانية، وادرس السنة الثالثة مباشرة ، وقد نظمت لي لجنة من العلماء، بعد ثلاث ساعات من استجوابي واختباري انبهروا بما كنت أحمله من علم وأعجبوا بي واعطوني المستوى الذي طلبته، بقيت هناك إلى غاية سنة 1951.

في هذه المرحلة تميزت بين الطلبة من خلال عدة أمور منها، أني كنت أكتب في الصحافة وانا مازلت طالبا في  في جريدة “صوت الطالب الزيتوني”، وكنت أكتب مقالات مناهضة للإستعمار.

الأمر الثاني الذي تميزت به، هو أني ألفت كتابا في أربعة أجزاء وعنوانه “أدباء التحصيل”، والأمر الثالث أن الصحافة التونسية كتبت عني وأنا طالب، وشاركت في الامتحان النهائي فنجحت بتفوق وعدت الى الجزائر والتف حولى الطلبة ودرستهم 4 أعوام.

وكنت القي كل خميس محاضرة على 450 طالب،وكنت أعمل شيء لا يمكن لعاقل أن يفعله..أتحدث عن فرنسا الإستعمارية دون أن أتعرض لمضايقات، ولكني اكتشفت في المدة الاخيرة ان هناك وثيقة في فرنسا تحدثت عني كاخطر شاب على فرنسا في تلك الفترة.

بالحديث عن دخولك معترك النضال في سبيل الوطن، حدثنا عن بداية انخراطك في صفوف الثورة التحريرية؟

تزامنا مع هذه الفترة هناك ثلاثة اشحاص كانوا فارين في الجبال حكم عليهم بالإعدام من طرف فرنسا، لوطنيتهم الصادقة: كريم بلقاسم واوعمران وذبيح الشريف، أيام قلائل قبل الثورة وعند سماعهم بأمر الخطب التي كنت ألقيها، ارسل لي كريم بلقاسم  طلبا للقائه وقال لي  “كيف لك أن لا تخاف من فرنسا”ثم سألني بالقول “هل ترى ستستقل الجزائر”، قلت نعم.

التحقت بالثورة في أول يوم لها في أول نوفمبر 1954،فقد أوكلت إلي مهمة، ناضلت في الميدان العسكري بالرشاشة وفي العمل السياسي بالعلم واللسان ، وفي 1956 اكتشف امري وتم ايقافي وذكر كل ما بدر مني ولكني انكرت كل الإتهامات،

بعدها انصرف الضابط الذي استنطقني وقال لي الشخص الذي كان يترجم عنا انه ذهب لاحضار المسدس لقتلك…ولكن تفاجأت بعودته وبيده كتابي “مقاصد القران”،وقال “ساعة وانت تكذب”   من كتب كتابا مثل هذا مستحيل أن يكون بعيد عن الثورة”.

وحين بلغ قادة الثورة الخبر تم ارسالي الي القاهرة ثم تونس اين  شغلت محررا في جريدة “المقاومة “لسان حال جبهة التحرير الوطني، عملت فيها 11 شهر ثم عينت مرشدا سياسيا في الصحراء الجزائرية فقضيت مع المجاهدين أشهرا، ثم عينت مسؤولا عن الإعلام في ليبيا مشرفا على الإذاعة والصحافة حتى نهاية الثورة يوم الإثنيين 19 مارس 1962.

كانت مسيرتكم الثورية لا تخرج من مجال الفكر الذي انطلقتم منه، وبالعودة لمجال التألييف والكتب كيف كانت بدايتكم؟

أول كتاب ألفته “أدباء التحصيل”في تونس في فترة دراستي في جامع الزيتونة،  ولدى رجوعي للجزائر ألفت كتاب “مقاصد القرأن”، وقد نال هذا الكتاب شهرة واسعة،وهنا أتذكر قصة عجيبة كنت مع صديق، تمنى على الله أن يرزقه فيلا في أعالي بوزريعة وأنا في الوقت نفسه تمنيت على الله أن أعيش حتى أبلغ تأليف 100 كتاب.

كتبت في كل شيء، لا أتصور مجال لم أكتب فيه ،…على الأخلاق ، كتبت على الثورة الجزائرية 17 كتابا، ألفت في مجال القرآن والسنة،وحين بلغت 100 كتاب خشيت أن أموت،ودعوت الله أن يزيدني عمرا لأزيد تأليفا، وبالفعل كتبت 57 كتابا آخر ،وكان آخر كتاب كتبته عن “وباء كورونا"  هذا الوباء الذي فقدت بسببه أحد أولادي.

نلت منذ فترة تكريم من طرف وزيرة الثقافة والفنون السيدة صورايا مولوجي حدثنا عن ذلك؟

،كرمتني السيدة الوزيرة في قصر رياس البحر وفي خطابها قالت “أتعهد أمامكم بأنني سأطبع 4 كتب للعالم محمد الصالح الصديق”،

بعد هذا التكريم بأربعة أشهر زارتني الوزيرة هنا في بيتي مرفوقة بالأمين العام لوزارة الدفاع الوطني، تحدثنا في عدة مواضيع كانت تحمل كيسا وضعته جانبا، ثم قالت يا أستاذ طبعت لك 11 كتابا، رغم أنها تعهدت سابقا يطبع أربعة كتب، ولكن الله اجتباها لتطبع 11 كتابا، من 57 كتاب التي لم تطبع بعد.

لو سألك أحدهم عن مقومات النجاح ماذا كنت تقول؟

من أراد النجاح الحقيقي فليمتن علاقته بالله، إذا أردت أن تنجح نجاحا باهرا صحيحا،صادقا فعليك أن تمتن علاقتك بالله لانه هو من يرفع وهو من يخفض،فالله يدير الأمور ، فإذا  كان الإنسان يسير على طريق الله وظاهره كباطنه، فالله لا يتركه،فتجربتي في سجن المستعمر وأنا في طريقي لتونس كان تدخل لإراده الله في توجيهنا، في طريق رجوعنا للجزائر جاءتني فكرة أن ننزل ونعود لتبسة، لم يكن تخطيطي وانما تخطيط الله،كان ينتظرنا محسن كلمة قلتها هزت كيانه من جملة الكلام الذي قيل لنا في السجن ونحن نتعرض للضرب “اتريد الذهاب لجامع الزيتونة لتفعلوا ما فعله بنا ابن باديس”،تأثر ذاك المحسن وقال بمشيئة الله ستذهبون لجامع الزيتونة وتعودون مثل ابن باديس”.

محمد نسيب صديقي الذي اصطحبني إلى تونس لم يقدر له الدراسة هناك، تعرض لحادث فعاد الى الوطن ورجع مرة أخرى فأصيب بمرض وعاد، ولكن أراد الله بي أن استزيد علما حتى تفوقت على 5000 طالب.

تفصلنا أيام على ذكرى 8 ماي 1945 كلمة توجهونها للشباب للإلتفاف حول تاريخ بلدهم؟

من عاش فترة الإستعمار الفرنسي وعاش الحرمان والفقر يستحيل كل الإستحالة ان يتصور النصر للجزائر.

ولكن من عرف وطنية الجزائري وتمسكه بالله وايمانه وحبه للحرية والإستقلال يؤمن بأن الإنتصار سيكون لهذا الشعب، فالشعب الجزائري لم ينتصر برشاشة ،نعم الرشاشة لها دورها ولكنه انتصر بايمانه بالله  وبما يخططه له وانتصر بتمسكه بربه وبكونه على طريقه، ومن هنا كتبت كتابا حمل عنوان ” البعد الروحي للثورة التحريرية “قلت فيه لا يستهان بالمعدات ولكن وراء الرشاشة الروح المعنوية.

قد يندهش القارئ  لما سأقول…هناك فضل كبير يعود للاستعمار الفرنسي في انتصارنا كيف لو أن فرنسا عندما دخلت للجزائر مستعمرة سوت بين الجزائريين والفرنسيين وعاملتهم على حد سواء ولم تحرم الجزائريين من عربيتهم ودينهم وارضهم لما خرجت من الجزائر.

كلمة اخيرة توجوهنا للشباب؟

المجاهد الجزائري حين كان يدخل للمعركة لا يفكر إلا بشيء واحد ، مافعله الإستعمار بأمة وأخته وإخوته مافعله بالجزائر، فالكثيرين لا يفهمون القرآن يقول الله سبحانه وتعالى “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة”، فالفئة القليلة هم المجاهدين ولكن في نفس كل مجاهد ثورة من الغضب من جراء الظلم والإستنكار  لجرائم فرنسا الإستعمارية، تصور أن الكلب الذي كان يملكه الفرنسي كان يتمتع بالحياة أحسن من الجزائر.

أقول للشباب من أصبح يرمي بنفسه في البحر للوصول إلى الضفة الأخرى، عيب أن يفعل الشباب شئ كهذا.

نصيحتي للشباب أولا أن يحبوا الجزائر، ثانيا أن يبرهنوا أنهم جزائريين، ثالثا أن يحافظوا على الأمانة التي تركها المجاهدون والشهداء وهي الحرية التي كلفت هذا الشعب ملايين الشهداء ممن ماتوا في سبيلها أكثر من 7 ملايين في مختلف الثورات من مقاومة الأمير عبد القادر إلى مقاومة المقراني والشيخ الحداد وغيرهم…يضاف اليهم المليون ونصف مليون شهداء الثورة النتحريرية من أجل أن نتمتع بالحرية.

أليس عيب أن يموت هؤلاء من أجل أن ننعم بالحرية ثم نضيعها نحن، على الشباب أن يدرك قيمة الحرية ويدرك قيمة الدماء التي سالت فوق هذه الأرض، ويدرك قيمة الأمانة التي تركوها ، فعيب كبير أن يحرر هؤلاء الجزائر ونحن نضيعها.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services