193

0

مجازر 17 أكتوبر 1961... وصمة عار تلاحق فرنسا إلى اليوم

نظمت إذاعة الجزائر الدولية، اليوم الأربعاء، ندوة تاريخية بعنوان "مجازر 17 أكتوبر... وصمة عار تلاحق فرنسا إلى اليوم"، وذلك بالنادي الثقافي عيسى مسعودي بمقر الإذاعة الجزائرية. 

شروق طالب 

وجاءت الندوة في إطار إحياء الذكرى الـ64 لهذه الجريمة البشعة التي ارتكبت في قلب العاصمة الفرنسية باريس، بحق مهاجرين جزائريين خرجوا في مظاهرات سلمية للمطالبة باستقلال بلادهم.

وقد شهدت الندوة مشاركة نخبة من الباحثين والمختصين في التاريخ والقانون، من بينهم الدكتور جمال يحياوي، الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية.

 

مجازر 17 أكتوبر... أكبر جريمة شهدتها أوروبا الغربية في العصر الحديث

 

استهل الدكتور يحياوي مداخلته بالتأكيد على أن مجازر 17 أكتوبر 1961 تمثل أكبر جريمة شهدتها أوروبا الغربية في العصر الحديث، وقد نفذتها الشرطة الفرنسية ضد مظاهرات جزائرية سلمية. 

واستشهد في هذا السياق بمؤلف أجنبي بعنوان: "الجزائريون وعنف الجمهورية", الذي اعطى التوصيف القانوني الدقيق لهذه المجازر.

وأوضح أن هذه المجازر جاءت في سياق متوتر سياسيا، حيث كانت الثورة الجزائرية قد بلغت مراحلها الأخيرة نحو الاستقلال، تزامنا مع مفاوضات عسيرة بين الوفدين الجزائري والفرنسي. 

وأضاف أن الوفد الجزائري تمسك آنذاك بمبدأي الوحدة الترابية والسيادة الوطنية الكاملة، ما زاد من حدة التوتر بين الطرفين.

مظاهرات من أجل الاستقلال

وفي حديثه عن طبيعة المظاهرات، أشار يحياوي إلى أن مثل هذه التحركات توجد في العديد من الدول، حيث يطالب المهاجرون عادةً بحقوق مدنية أو اجتماعية، لكن ما ميّز مظاهرات الجزائريين يوم 17 أكتوبر 1961 هو أنها لم تكن مطلبية أو اجتماعية، بل كانت امتدادا لصوت الثورة خارج الحدود الإقليمية للجزائر، وكانت تطالب بمطلب وحيد، وهو الاستقلال التام.

وأضاف أن هذه المظاهرات جاءت ردا مباشرا على سياسة القمع والعنصرية التي انتهجتها السلطات الفرنسية آنذاك، خاصة بعد فرض حظر تجول عنصري استهدف الجزائريين فقط، من السابعة مساءً إلى الخامسة صباحًا، وهو التوقيت الذي يصادف خروجهم للعمل وعودتهم منه.

تحضيرات سرية وممنهجة

وأشار المتحدث إلى أن التحضيرات للمظاهرات نظمت في اجتماعات سرية لقادة الثورة بالخارج، خاصة في ألمانيا، كرد على تصعيد السلطات الفرنسية وتعيين محافظ شرطة باريس المعروف بسجله الإجرامي في الجزائر. وقد جند آلاف من عناصر الشرطة الفرنسية خصيصا لملاحقة الجزائريين وقمعهم.

وبين الدكتور يحياوي أن الشرطة الفرنسية حولت المظاهرات السلمية إلى مجزرة مرعبة، حيث تم إلقاء متظاهرين جزائريين أحياء في نهر السين، فيما عُلقت جثث آخرين في غابات باريس، وتم إحراق بعضهم أحياء في الدائرة السابعة عشرة. 

وأكد أن القمع الوحشي استمر لعدة أشهر لاحقة، واستهدف فئات واسعة من الطلبة، والعمال، والنساء من الجالية الجزائرية بفرنسا.

امتداد للسياسة الاستعمارية... وليس حادثا معزولا

وشدد الدكتور يحياوي على أن هذه الجريمة لا يمكن فصلها عن السياق العام للاستعمار الفرنسي في الجزائر، فهي امتداد مباشر لسياسة الإبادة التي مارستها فرنسا منذ القرن التاسع عشر، مضيفا أن المجازر تجسد "العقلية الاستعمارية الفرنسية التي لم تكن ترى في الجزائريين سوى سكان من درجة ثانية".

وأكد في هذا السياق أن الذاكرة الجماعية الجزائرية ستظل متمسكة بحقها في الاعتراف الكامل، والاعتذار الرسمي من الدولة الفرنسية، مشيرا إلى أن الاعتراف ليس شعار سياسي عابر، بل يمثل خطوة ضرورية نحو تصحيح التاريخ واسترجاع الأرشيف المنهوب وحتى القطع الأثرية المحجوزة في المتاحف الفرنسية.

مجازر 17 أكتوبر من المنظور القانوني 

ومن جانبه، أكد الباحث والخبير في القانون الدولي، مهدي العايدي، أن محاولات فرنسا للتبرؤ من مسؤوليتها عن الجرائم الاستعمارية، من خلال الادعاء بأن مجازر 17 أكتوبر 1961، كان نتيجة "تصرفات فردية" من بعض الضباط، لا تستند إلى أي أساس قانوني دولي. 

وأوضح أن القانون الدولي يحمل الدول المسؤولية عن الأفعال غير المشروعة التي تصدر عن موظفيها أو مؤسساتها الرسمية، حتى وإن كانت تلك الأفعال مخالفة للتشريعات الوطنية.

وأشار العايدي إلى أن المادة السابعة من مواد المسؤولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة، التي اعتمدتها لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، تنص صراحة على أن الدولة تظل مسؤولة عن أفعال موظفيها، ولو تجاوزوا سلطاتهم أو خالفوا القوانين الداخلية. 

وهو ما يثبت قانونيا، أن الجرائم المرتكبة خلال الحقبة الاستعمارية تنسب مباشرة إلى الدولة الفرنسية، ولا يمكن اختزالها في سلوكيات فردية معزولة.

وأضاف العايدي: "من منظور القانون الدولي الإنساني، لا تكاد توجد جريمة منصوص عليها إلا وقد ارتكبها الاستعمار الفرنسي بحق الشعب الجزائري."

وفي هذا السياق، دعا إلى تبني مقاربة وطنية شاملة لتوثيق الجرائم الاستعمارية، عبر البحث الأكاديمي والتوثيق التاريخي، بهدف ترسيخ الذاكرة الوطنية ونقلها للأجيال القادمة.

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services