39

0

مدير المعهد التقني لتنمية الزراعة الصحراوية يؤكد لـ"بركة نيوز" الزراعة الصحراوية في الجزائر "خزان الأمن الغذائي وآفاق التنمية المستدامة"

 في إطار الاهتمام المتزايد بالقطاع الزراعي كأحد الركائز الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي في الجزائر، أجرت جريدة بركة نيوز حوارًا خاصًا مع مدير المعهد التقني لتنمية الزراعة الصحراوية، الذي أكد خلاله على الدور المحوري الذي تلعبه الزراعة الصحراوية في النهوض بالإقتصاد الوطني.

حاورته: بثينة ناصري 

وقد تطرق الحوار إلى أهمية استثمار الإمكانيات الهائلة التي تزخر بها المناطق الصحراوية، واستغلال التقنيات الحديثة لتحقيق إنتاج مستدام يواكب تطلعات البلاد نحو الاكتفاء الذاتي..

في ظل الجهود الكبيرة المبذولة لتطوير الزراعة الصحراوية من خلال تحديث تقنيات الري، ودعم التكوين والتأهيل، وتشجيع الاستثمار في هذا المجال الحيوي، برزت نتائج ومؤشرات تستحق التقييم، ربما ما هو تقييمكم للأداء الزراعي في الصحراء؟

خلال السنوات الأخيرة، تبنّت الجزائر إستراتيجية طموحة لتطوير الزراعات الصحراوية كخيار استراتيجي لمواجهة التحديات المناخية، وتحقيق الأمن الغذائي و الاكتفاء الذاتي، وتنويع الاقتصاد الوطني وكل ذلك بعيدًا عن المحروقات، وقد لاحظنا جليا خلال هذه الفترة الوجيزة من الزمن توسيع المساحات المزروعة في الجنوب خاصة في ولايات مثل أدرار، الوادي، ورقلة، غرداية، المنيعة، تيميمون و القائمة طويلة لولايات الجنوب التي تشهد هذا الحدث.

وكتقييم أولي لهذه الاستراتيجية المنتهجة من طرف الدولة، ان الساحة الوطنية تشهد تحقيق اكتفاء جزئي إلى كلي في بعض المحاصيل كالقمح، البطاطا، التمور، والخضر المبكرة، وأيضا أصبحنا نشاهد استعمال تقنيات حديثة في الري (الري بالتنقيط، الري المحوري، الأمطار الصناعية)، الزراعات المحمية، و استعمال الطاقة الشمسية وهذه كلها مؤشرات على نجاح هذه المنظومة الجديدة التي تهدف إلى تطوير الزراعات في المناطق الصحراوية.

ونستطيع من خلال ما نشاهده في الميدان إبراز بعض الإيجابيات التي هي نتيجة هذه الإستراتيجية مثل "تشجيع المستثمرين والفلاحين الشباب من خلال الدعم المالي والعقاري، وتكوين وإرشاد الفلاحين بالتعاون مع معاهد متخصصة مثل ITDAS, ITGC, ITCMI, ITAFV) وكذا المساهمة في خلق مناصب شغل محلية مما يؤدي إلى تقليص الهجرة نحو المدن إنتاج زراعي متنوع".

وعلى العموم فإن الأداء الزراعي في صحراء الجزائر مقبول إلى حد كبير، بالنظر إلى الظروف الطبيعية القاسية، غير أنه يتطلب مزيدًا من التخطيط المستدام، خاصة فيما يخص إدارة الموارد المائية، دعم البحث الزراعي، وتطوير سلاسل التوزيع والتسويق. 

ماهو الدور الذي يلعبه المعهد التقني لتنمية الزراعة الصحراوية في تطوير الزراعة ؟

يلعب المعهد التقني لتنمية الزراعة الصحراوية (ITDAS)، والذي تتواجد  إدارته العامة بمدينة بسكرة مع خمس مزارع لإنتاج البذور متمركزة على التوالي في بسكرة، المغير، ورقلة، أدرار و بشار، دورًا محوريًا في دعم وتطوير الزراعة بالمناطق الصحراوية، من خلال البحث العلمي، التكوين التقني، والإرشاد الفلاحي، وساهم هذا المعهد في تحسين الأداء الزراعي في المناطق الجافة وشبه الجافة، بطرق علمية وعملية.

في حين يقوم المعهد بدور علمي وتقني من خلال إجراء دراسات وتجارب ميدانية لتحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية الملائمة للظروف الصحراوية، مثل التمور، البطاطا، النباتات الزيتية، الطماطم، الحبوب، الأعلاف و حتى بالنسبة لتربية المواشي كالأغنام و الماعز.

بالإضافة إلى تطوير واختبار تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط  والري المحوري، الري عن طريق الأمطار الصناعية، لترشيد استهلاك المياه الجوفية، والمساهمة في إدخال أصناف نباتية مقاومة للجفاف والحرارة، وتحسين المردودية الزراعية، وكذا دعم الزراعة داخل البيوت البلاستيكية، وتحسين تقنيات الزراعة المحمية.

ومن جهة أخرى يقوم المعهد بدور تكويني وإرشادي عبر تكوين الفلاحين والتقنيين الزراعيين من خلال دورات تدريبية وورشات تطبيقية ميدانية، لتعزيز مهاراتهم في التعامل مع التربة والمناخ الصحراوي، ونشر الوعي البيئي والفلاحي حول أهمية الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، بالإضافة إلى إصدار مطويات، نشرات، وأدلة تقنية تسهل على الفلاحين تطبيق الممارسات الصحيحة، ودعم التنمية المحلية، ومرافقة المستثمرين الفلاحيين، خاصة في إطار سياسة تشجيع الفلاحة في الجنوب، ودعم مشاريع الزراعة الصحراوية المستدامة، التي توازن بين الإنتاج الفلاحي والحفاظ على البيئة.

ما مدى مساهمة الفلاحة الصحراوية في تحقيق التنمية الزراعية المستدامة في الجزائر؟

تُعتبر الفلاحة الصحراوية من الرهانات الكبرى التي تبنتها الجزائر لمواجهة التحديات المرتبطة بالأمن الغذائي، محدودية الأراضي الزراعية في الشمال، وتغير المناخ، وقد بدأت هذه الفلاحة تُظهر إشارات إيجابية من حيث المردودية، لكنها ما تزال تواجه تحديات بيئية واقتصادية تهدد استدامتها.

وتحتاج المساهمة في التنمية المستدامة إلى مظاهر عديدة تمثلت في توسيع المساحات الفلاحية، باعتبار أن الجزائر أتاحت التوسع الزراعي خارج الشريط الساحلي المزدحم، مما خفّف الضغط على الأراضي الخصبة الشمالية، وساهمت الفلاحة الصحراوية في إنتاج محاصيل استراتيجية مثل الحبوب (القمح، الشعير)، البطاطا (الجنوب يزوّد الشمال بكميات كبيرة)، الطماطم، البصل، التمور (الجزائر من بين أكبر المنتجين عالميًا).

وتوفر الزراعة الصحراوية فرص عمل محلية، من خلال خلق مشاريع الاستصلاح والعمل الزراعي في الجنوب.

 ومن جهة أخرى دفعَت ظروف الصحراء القاسية إلى تبني تقنيات حديثة كالري بالتنقيط، الأمطار الصناعية، الرش المحوري، الزراعة بدون تربة (هيدروبونيك)، الطاقة الشمسية في تشغيل المضخات الزراعية.

تعوّل الدّولة على التنمية الزراعة في ولايات الجنوب كخيار استراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي وتطوير الاقتصاد الوطني، في ظل التحديات المناخية والجغرافية التي تفرض نفسها بقوة على هذا القطاع الحيوي، ما هو تعليقكم على ذلك؟ 

في ظل التغيرات المناخية العالمية، والضغوط المتزايدة على الأراضي الزراعية في الشمال، أصبحت تنمية الزراعة في ولايات الجنوب خيارًا استراتيجيًا تبنته الدولة الجزائرية، بهدف تحقيق الأمن الغذائي وتنويع الاقتصاد الوطني بعيدًا عن التبعية للمحروقات.

ورغم التحديات الطبيعية التي تواجه هذه المناطق مثل ندرة المياه (الأمطار)، ارتفاع درجات الحرارة، وضعف التربة إلا إن الجنوب الجزائري يمتلك مؤهلات كبيرة يمكن استغلالها بطريقة عقلانية ومستدامة، منها وفرة المساحات الشاسعة القابلة للاستصلاح، توفير مخزون مهم من المياه الجوفية (رغم طابعه غير المتجدد)، إشعاع شمسي قوي يُتيح الاعتماد على الطاقة الشمسية في الفلاحة.

وقد شهدت السنوات الأخيرة نموًا ملحوظًا في المشاريع الفلاحية بالجنوب، خصوصًا في إنتاج التمور، البطاطا، الحبوب، والخضر تحت البيوت البلاستيكية، كما تم إدخال تقنيات حديثة كأنظمة الري بالتنقيط والزراعة الذكية، بدعم من المعاهد التقنية والمراكز البحثية.

غير أن نجاح هذا التوجه يفرض اعتماد سياسات مائية رشيدة تحفظ الموارد غير المتجددة، ومواصلة تكوين للفلاحين وتأطير تقني مستمر يتماشى مع البيئة الصحراوية، وتعزيز البنية التحتية والنقل والتسويق وتعزيز الصناعات التحويلية الزراعية لضمان القيمة المضافة.

فيما تعول الجزائر على الزراعة الصحراوية ليس مجرد خيار بديل، بل هو خيار استراتيجي ضروري أمام التحديات الحالية نجاحه يتطلب رؤية شاملة، استثمار ذكي، وتخطيط طويل المدى يوازن بين الإنتاج والاستدامة البيئية.

بالنظر لما تم تحقيقه في الآونة الأخيرة من عمليات حصاد كبرى في ولايات الجنوب، خاصة في زراعة الحبوب والقمح، ربما ها هي الاستراتيجية التي انتهجتها الدولة للنهوض بالفلاحة الصحراوية وتوسيعها؟

إن ما نشهده مؤخرًا من عمليات حصاد كبرى لمحاصيل استراتيجية، خصوصًا القمح والشعير في ولايات الجنوب، يعكس ثمرة رؤية استراتيجية تبنتها الدولة الجزائرية للنهوض بالفلاحة الصحراوية كأحد حلول تحقيق الأمن الغذائي الوطني.

ومن أبرز ملامح هذه الاستراتيجية استصلاح الأراضي الصحراوية أين تم فتح الآلاف من الهكتارات للاستثمار الزراعي، خصوصًا في ولايات الجنوب، مع تسهيل الحصول على العقار الفلاحي، وكذا تشجيع المستثمرين والفلاحين الشباب على إطلاق برامج لدعم المستثمرين، من خلال التسهيلات البنكية، والمرافقة التقنية عبر أجهزة مثل ANADE، CNAC، وتبني الزراعة الصناعية الكبرى من خلال التركيز على إنشاء مزارع كبرى حديثة تعتمد على الآلات والمكننة والرقمنة، واستعمال تقنيات الري الحديثة مثل الري المحوري والري بالتنقيط و الري باستعمال الأمطار الصناعية ، الري الذكي للحد من التبذير واستغلال المياه الجوفية بشكل أكثر عقلانية.

فالتحول في الجنوب من زراعة التمور والخضر إلى زراعة الحبوب على نطاق واسع، ليس حدثًا عابرًا، بل هو دليل على أن الدولة الجزائرية تراهن بجدية على الفلاحة الصحراوية كمحرّك رئيسي لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، وكبديل اقتصادي حيوي في مرحلة ما بعد البترول.

باعتبار أن الماء يمثل “العمود الفقري” للزراعة الصحراوية، التي قطعت أشواطً كبيرة في عملية الري وإدارة المياه بشكل عقلاني، ماهي أهم التقنيات الملائمة للري في هذا المسعى؟

تُعد تقنيات الري الحديثة من أهم الحلول لمواجهة شح المياه وتحقيق مردودية عالية في الزراعة الصحراوية، حيث يُعتبر الري بالتنقيط (Irrigation goutte-à-goutte) من أنجعها وأكثرها انتشارًا، إذ يسمح بإيصال الماء مباشرة إلى جذور النبات بكميات دقيقة، مما يقلل من التبخر ويحد من الضياع، ويُستعمل بكثرة في زراعة الخضر والفواكه تحت البيوت البلاستيكية أو في الحقول المفتوحة، إضافة إلى الأشجار المثمرة فيما يُعرف بالري الموضعي. أما الري المحوري (Irrigation par pivot) فيُستخدم أساسًا في المزارع الكبرى لزراعة الحبوب والزراعات الصناعية والأعلاف، ويعتمد على جهاز ري دائري يغطي مساحات واسعة بتوزيع منتظم للماء، ويمكن برمجته حسب الحاجة رغم استهلاكه الأكبر للمياه مقارنة بالتنقيط.

 وتبرز كذلك تقنية الري بالتحت السطحي (Irrigation sub-irrigation) التي توصل الماء مباشرة أسفل سطح التربة، مما يقلل بشكل كبير من التبخر ويمنع نمو الأعشاب الضارة، وهو أسلوب مثالي للمناطق شديدة الحرارة بفضل حفاظه على رطوبة العمق،  كما يساهم استخدام أنظمة المراقبة الذكية المزودة بحساسات تقيس رطوبة التربة ودرجة الحرارة واحتياجات النبات الدقيقة، في إدارة الري بكفاءة عالية وتفادي هدر المياه.

وبالنظر لكل هذه المساعي والاستراتيجيات، تظهر ضرورة تكوين الفلاحين على هذا النوع من الزراعة، كيف عملتم على تحقيق ذلك؟ 

بالنظر إلى المساعي والاستراتيجيات الرامية إلى تطوير الزراعة الصحراوية وتحقيق الأمن الغذائي، أولت الدولة اهتمامًا بالغًا بجانب التكويني للفلاحين والمستثمرين في هذا المجال، نظرًا لخصوصيته التقنية والبيئية، وقد تم العمل على ذلك من خلال مجموعة من الآليات والبرامج الميدانية والتعليمية المتكاملة التي تستهدف رفع كفاءة الموارد البشرية وضمان نجاح المشاريع الفلاحية في الجنوب.

في هذا الإطار، تم إنشاء مؤسسات تكوين متخصصة على غرار المعهد التقني لتنمية الزراعة الصحراوية (ITDAS) ببسكرة، إلى جانب المعاهد الفلاحية ومراكز التكوين المهني المتخصصة في ولايات الجنوب، حيث تقدم هذه الهياكل تكوينًا نظريًا وتطبيقيًا للفلاحين والمستثمرين الجدد، كما تم استحداث المدارس العليا للفلاحة الصحراوية لتعزيز التكوين المتخصص وتخريج كفاءات قادرة على مواكبة خصوصيات هذا النمط من الزراعة.

كما نُظمت دورات تكوينية وورشات ميدانية قصيرة ومكثفة لفائدة حاملي المشاريع والفلاحين، بإشراف مهندسين وتقنيين مختصين في الفلاحة الصحراوية، وشملت هذه الدورات مواضيع متعددة منها اتباع المسار التقني الصحيح للنباتات في البيئة الصحراوية، واستخدام تقنيات الري الحديثة كالتنقيط والري المحوري، وترشيد استهلاك المياه في البيئات الجافة، واختيار البذور المقاومة للحرارة والجفاف، بالإضافة إلى تحسين خصوبة التربة الرملية والفقيرة بالمواد العضوية.

ولتعزيز تطبيق المعارف على أرض الواقع، تم دعم شبكة الإرشاد الفلاحي الجواري من خلال إرسال فرق تقنية إلى المزارع لمرافقة الفلاحين ومساعدتهم على تنفيذ التقنيات الحديثة، خاصة في المراحل الأولى من المشاريع. 

كما تمت برمجة دورات تدريبية متخصصة للمزارعين والمستثمرين وبعض إطارات الفلاحة حول المسار التقني لمحاصيل متنوعة، منها النباتات الزيتية كدوار الشمس والذرة الحبية، والحبوب، والأشجار المثمرة كالزيتون والأرقان والنخيل.

ولمواكبة التطور التكنولوجي، اعتمدت الدولة على الرقمنة والتعليم عن بُعد لتوسيع قاعدة المستفيدين من التكوين، وذلك عبر إنتاج فيديوهات تعليمية على المنصات الإلكترونية، وتطوير تطبيقات إرشادية موجهة للفلاحين الشباب، فضلًا عن نشر مطويات ومجلات تقنية بلغة مبسطة تسهل استيعاب المعلومات.

كما تم دعم الفلاحين الجدد وتشجيع المبادرات المحلية من خلال أجهزة الدعم مثل ANADE وCNAC، مع ربط الحصول على الدعم بضرورة اجتياز تكوين مسبق في كيفية تسيير المشاريع الفلاحية بفعالية، وتم أيضًا تشجيع التجارب المحلية الناجحة كنماذج يحتذى بها عبر تعزيز تبادل الخبرات بين الفلاحين أنفسهم، مما أسهم في خلق بيئة محفزة على الابتكار والتطور.

ومن خلال هذه الجهود المتعددة الأبعاد، استطاعت الدولة أن تضع التكوين والتأهيل البشري في قلب إستراتيجيتها لتنمية الزراعة الصحراوية، وهو ما انعكس إيجابًا على تحسين الإنتاجية، وترشيد الموارد، وتقليل نسبة فشل المشاريع، وجعل التكوين عنصرًا محوريًا في نجاح الإستراتيجية الفلاحية في الجنوب.

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services