في ظلّ أجواء مفعمة بالشفافية والانفتاح، كأن لنا لقاء برئيس المجلس الشعبي الولائي السيد عمراوي الفضل في لقاء حواري استثنائي، كشف خلاله عن رؤية متكاملة لمعالجة الملفات الشائكة التي تشغل بال سكّان ولاية الجلفة.
الحاج بن معمر
لم يكن اللقاء مجرد نقاش رسمي تقليدي، بل تحوّل إلى فضاءٍ حقيقيّ للحوار التشاركي، حيث تبادلنا الآراء حول جملة من القضايا الحارقة، بدءًا من التهيئة العمرانية إلى إشكالية النظافة والدخول المدرسي، و المناطق الصناعية وواقع العديد من القطاعات مرورًا بوضعية القطب الحضري وإصلاح الأداء الإداري، دون إغفال دور المجتمع المدني والإعلام كشريكين أساسيين في صنع التغيير.
منذ اللحظة الأولى، أظهر السيد عمراوي الفضل انخراطًا واضحًا في تفاصيل الملفات المطروحة، معبرًا عن إدراكه العميق لطبيعة التحديات التي تواجهها ولاية الجلفة خاصة البلديات النائية.... ومناطق الظل لما تتمتع به من مساحة شائعة موقع جغرافي إستراتيجي كما تطرقنا لواقع بلدية الجلفة، خاصة في مجال التهيئة العمرانية التي وصفها بـ"الرهان الأكبر لتحقيق تنمية مستدامة".
ميزانية معتبرة لإعادة تهيئة المنطقة
وأكد أن مشاريع التهيئة لن تكون حبرًا على ورق، بل ستُبنى على دراسات ميدانية تلامس حاجات السكان، مع التركيز على توسيع البنى التحتية وتوزيع الخدمات بشكل عادل بين الأحياء.
وفي هذا السياق، كشف عن رصد ميزانية معتبرة لإعادة تهيئة البنية التحتية لبلدية الجلفة وفق أسس حديثة تراعي المعايير البيئية وتستند إلى مشاركة كل الفاعلين المحليين، قائلًا: "لا مكان للمقاربات الفردية في مشاريع بهذا الحجم، فالتنمية الحقيقية تُبنى بتضافر الجهود وتوافق الرؤى".
كما شدد على تعزيز الرقابة على أداء بعض المديريات التنفيذية، وعلى رأسها مديرية التعمير والأشغال العمومية، مؤكدًا أن "تقارير الأداء ستكون علنية، وسنتعامل بصرامة مع أي تقصير"، مُحذرًا من أن "المتلكئين من مقاولين ومكاتب دراسات لن يجدوا مكانًا لهم في مرحلة البناء الجديدة".
خطة لإعادة بعث مؤسسة تازقا
وفي سياق متصل، طُرحت قضية "التازفا" التي لطالما شكلت مصدرًا للتذمر الشعبي، حيث كشف رئيس المجلس عن خطة متكاملة بالتعاون مع السلطات النفيذية والمنتخبة من اجل إعادة بعث هذه المؤسسة وفق إستراتيجية ديناميكية مع إعادة النظر من حيث المهام و الصلاحيات المنوطة بهذه المؤسسة اللغز مع معالجة العديد من الملفات العالقة في العديد من القطاعات الحيوية... على غرار .. الصحة..السكن ..الري ...الصناعة..النقل، مؤكدًا أن الحلول لن تكون ترقيعية، بل ستستهدف الجذور الاجتماعية والاقتصادية للمشكلة.
وأضاف: "نعمل على تفعيل آليات التكفل الفعلي والميداني وخلق فرص عمل تتناسب مع طاقات الشباب لاسيما مع متطلبات سوق الشغل بالتنسيق مع مديرية التكوين و المؤسسات الإقتصادية وتفعيل ألية الإستثمار الإقتصادي الذي يراعي خصوصية المنطقة مع أرساء لغة الحوار من أجل القضاء على لغة التشكيك و اليأس". كما أعلن عن إعادة النظر جذريًّا في أداء مؤسسة التازفا وهيكلتها الإدارية، بهدف تحسين خدماتها وضمان توافق عملها مع الصالح العام، قائلًا: "المؤسسات العامة يجب أن تكون خادمة للشعب، لا عبئًا عليه".
إطلاق أستراتيجية جديدة في مجال النظافة
أما ملف النظافة، الذي يُعتبر من أبرز نقاط الاحتقان في المدينة، فقد خصص له عمراوي جزءًا كبيرًا من الحديث، معترفًا بأن الوضع الحالي "لا يُرضي الطموحات"، لكنه استدرك بالإشارة إلى حملة تشاورية جارية مع الخبراء والجمعيات لإطلاق استراتيجية جديدة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة وتوعية المواطنين.
وقال: "النظافة ليست مسؤولية البلدية وحدها، بل هي ثقافة مجتمعية تحتاج إلى تعاون الجميع"، مُلمحًا إلى إمكانية إشراك القطاع الخاص في إدارة النفايات بما يضمن الكفاءة والاستدامة.
وعند التطرق إلى واقع التمدرس، عبّر المسؤول عن تفاؤله بتجاوز الإشكالات التي ميّعت السنوات السابقة، خاصة في ما يتعلق بالاكتظاظ ونقص المؤسسات التعليمية، مشيرًا إلى أن الولاية تشهد حاليًا تنفيذ برنامج طموح لبناء مدارس جديدة وتوسيع القائمة منها، مع التركيز على المناطق النائية.
كما أكد على أهمية تكثيف الجهود لضمان تكافؤ الفرص بين التلاميذ، داعيًا الأسر إلى "التعاون مع المدرسة كشريك في العملية التربوية".
إعادة هيكلة القطب الحضري
ولم يكن حديث عمراوي الفضل بعيدًا عن ملف إعادة هيكلة القطب الحضري، الذي وصفه بـ"القلب النابض لاقتصاد الولاية"، حيث كشف عن مشاريع نوعية قيد الإنجاز تهدف إلى تحويل المنطقة إلى وجهة جاذبة للاستثمارات، مع الحفاظ على الهوية المحلية.
وتطرق إلى ضرورة مراجعة آليات عمل المديريات التنفيذية، قائلًا: "الرقابة ليست عقابًا، بل أداة لتحسين الأداء"، مؤكدًا أن تعزيز الشفافية سيكون محورًا رئيسيًا في المرحلة المقبلة، مع إشراك المجتمع المدني في مراقبة تنفيذ المشاريع. في الجانب المتعلق بالمجتمع المدني، أبدى رئيس المجلس تفهمًا لانتقادات بعض الجمعيات، معتبرًا إياها "دليل صحة"، واعدًا بإزالة العوائق التي تحول دون تفعيل دورها التنموي.
الإعلام شريك في التنمية
كما أشاد بالإعلام المحلي، داعيًا إياه إلى "الابتعاد عن الإثارة واعتماد المهنية في نقل الصورة"، مع التأكيد على أن أبواب المجلس ستظل مفتوحة لكل الآراء البناءة.
ختامًا، كان اللقاء مع عمراوي الفضل بمثابة رسالة طمأنة لسكّان الجلفة، تؤكد أن الحوار الهادئ والرصين قادر على صنع الأمل حتى في أكثر الملفات تعقيدًا، لمسنا خلاله إرادة سياسية حقيقية لتبني مقاربة تشاركية تجعل المواطن في صلب المشروع التنموي، مع وعيٍ واضح بأن الطريق طويل، لكنّ الخطوات الأولى، وإن كانت متأنية، تبدو واعدة بشهادة الجميع.
فالعمل الجاد لتحسين البنية التحتية، وفرض رقابة صارمة على الأداء الحكومي، ومواجهة الفساد الإداري، وإصلاح المؤسسات الخدمية، كلها عناصر تشكّل خريطة طريق واضحة لولاية ترفع شعار "المواطن أولًا"، في زمنٍ لم يعد فيه مكان للصمت عن المطالب المشروعة.