123

0

لبنان والحروب الظالمة على شعبه وأرضه، في أدبيات و أقلام بعض علمائنا

رغم الجروح و القروح و النزوح، يبقى الأمل في الله عطر يفوح

وثيقة تاريخية تنشر لأول مرة حول حروب لبنان و مساهمات رجال جمعية العلماء (*)

مصطفى محمد حابس : جينيف / سويسرا

الاحتلال الإسرائيلي بعد أن دمرت غزة ماديا و حياتيا، بمساعدة كبرى القوى الدولية و بتشجيع من عروش عربية عميلة غبية، اقتنعت أنها خاسرة للحرب لأنها لم تستطع تركيع شعب غزة الأعزل بل ألهبت مشاعر شعوب العالم الإسلامي والإنساني للوقوف مع غزة وشعب غزة وثكالى غزة وأطفال غزة، بما تيسر حتى بالدموع والشموع!!  

ها هو يستيقظ لبنان الجريح هذا الأسبوع على وقع الهجوم الوحشي، الذي شنته إسرائيل من يوم الاثنين الماضي وكأن الزمن يعود بنا إلى تلك اللحظات القاسية التي عاشتها غزة قبل سنوات، حينما ادعى قادة الاحتلال أن حربهم ليست على الشعب الفلسطينيّ، بل على حركة «حماس»!!

واليوم يتكرر السيناريو الدموي المرير نفسه، شكلا ومضمونا، ليكون العنوان الذي تسوقه لنا إسرائيل و زبانيتها في الشرق و أبواقها في الغرب، مفاده «حربنا ليست على الشعب اللبناني، ولكن ضد «حزب الله» ، فقط !!

كم هو مخز و تافه هذا الإسقاط الهزيل، وتتجرعه شعوبنا بمرارة .. !!

رغم ذلك في نهاية المطاف، ستبقى الحقيقة واضحة كالشمس: إسرائيل تقتل، تدمر، وتعيد المسرحية الدموية ذاتها، والعالم يشاهد بصمت لا يحرك ساكنا، ربما لأنه لم يعد يملك ذاكرةً تذكره بأن للدماء صوتًا، وللأرواح ثمنًا و للتاريخ أياما و محطات!!

كم هو مؤلم أن نشهد تكرار هذا المشهد الجارح، حيث يتحول قتل الأبرياء إلى حقيقة دائمة، إلى قدر لا مفر منه!!

كم هو قاس أن يصبح الزمن هو زمن المحتل وحده، والتعذيب والتهجير وتيتيم الأطفال هي هوايته المفضلة.

تمزيق نسيج لبنان السياسيّ، الممزّق أصلاً قديما بفعل الحرب الأهليّة:

أيام الحرب الأهلية اللبنانية متعددة الأوجه في أرض الكرز، والتي استمرت من عام 1975 إلى عام 1990، وأسفرت عن مقتل ما يقدر بـ 120 ألف شخص، وما يقرب من 76 ألف شخص لا يزالون مشردين داخل لبنان، حتى العقود الأخيرة. كما كان هناك أيضا نزوح لما يقرب من مليون شخص من لبنان نتيجة للحرب، التي خاضتها إسرائيل على لبنان سنة 1982، الذي هدفت منه إلى إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية عسكريّاً وسياسيّاً وتحويل الحرب الأهلية اللبنانية لصالح حلفائها من اليمين اللبناني، صراعاً امتد لثلاثة أشهر أُقحمت فيه قوى عسكريّة أخرى في قلب بيروت ، من بينها القوات السورية ومختلف الميليشيات اللبنانية، وفي نهاية المطاف قوة متعدّدة الجنسيّات لحفظ السلام. كانت الحرب مدمّرة بشكل هائل، سواء من حيث الضحايا في الأرواح أو الخسائر في الممتلكات أو من حيث تمزيق نسيج لبنان السياسيّ، الممزّق أصلاً بفعل الحرب الأهليّة

أسفرت الحرب عن احتلال إسرائيليّ أجزاء من جنوب لبنان استمر حتى سنة 2000، محقّقة نكسة كبرى لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة. ومن بين لحظات الحرب الأكثر بروزاً وتميّزاً مجزرة صبرا وشاتيلا المشينة، التي قام خلالها مقاتلو قوات الكتائب اللبنانية ("القوات اللبنانية ")، تدعمهم إسرائيل، بقتل ما يزيد على ثلاثة آلاف من المدنيّين الفلسطينيّي.

سيأتي اليوم الذي يحاسب فيه وحوش القرن على كل دمعة سكبت، وعلى كل روح أزهقت، بل وعلى كل بسمة طفولة بريئة صودرت !!.

إن الإسرائيليين هم وحوش القرن، هؤلاء الذين أعدموا غزة واليوم يغتصبون لبنان، والعالم يقف متفرجاً، وكأنه عقد اتفاقاً أزلياً مع الظلم والظالمين !!

أما الخونة من حكام العرب، وما اكثركم !! نذكرهم بأن للتاريخ أيام، كما جاء في قوله تعالى {إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (آل عمران : 140)، يا قومنا يا عرب، ها هي حليمة تعود لعادتها القديمة، أيها المطبعون المطبلون استيقظوا من سباتكم !!

 رغم الرزية الكبرى نقولها بإيمان صادق لا يزعزعه شك: " للبيت رب يحميها !!"، أما نحن كأفراد وشعوب مغلوبة على أمرها لا نملك إلا أن نرفع أصواتنا عالياً، أن نكتب بدموعنا ونصيح بقلب ينبض بالحزن والغضب والأمل. إن هذا الواقع المرير لأهلنا في المشرق، الذي يُعاش تحت ظل الاحتلال الصهيوني أو الحكام المتصهينين من بني قومنا، يفرض علينا أن نكون أقوى بثقتنا في الله وحده، أن نتمسك بحقنا في الحياة، بحق شعوبنا في العيش بسلام على أراضيها. لن ننسى، لن نغفر، لن نتسامح، وسنبقى دائماً على يقين بأن يوماً ما سيأتي عاجلا غير أجل، يوم يحاسب فيه الظالمون على كل دمعة سكبت، وعلى كل روح أزهقت، بل وعلى كل بسمة طفولة بريئة صودرت !!.

لا يستطيع اللبنانيون اليوم، حتى لو أرادوا، أن يلغوا ذاكرتهم فيسقطوا منها التشابه بين مشاهد دموية موجعة لأحداث عاشوها فعلاً طوال الحرب الإسرائيلية على لبنان وفلسطين ودول الجوار مرات ومرات، علما أن لبنان - تاريخيا - كان أول بلد عربي يشير إلى رغبته بتوقيع معاهدة هدنة مع إسرائيل عام 1949، بتوجيه من فرنسا اللعينة، التي لازالت لحد اليوم هي التي تدير مقود وجهتها !!.

هذا شبل جمعية العلماء( بوزوزو) من ذاك الأسد (ابن باديس):

دماء لبنان وجراح لبنان وشهداء لبنان، كانت عبر التاريخ المعاصر، مربط فرص قضايانا واهتمام مشايخنا، نكتفي في هذه السانحة بذكر فضل بعضهم علينا ومن عقر بيت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، العلامة سيدي محمود بوزوزو، رحمه الله، ماذا يقول عن لبنان تحديدا، ناهيك عن ما يقوله عن علمائها وقد عاصر وخالط العديد منهم كفتحي يكن وفيصل مولوي وعفيف طبارة وخليل الميس وصبحي الصالح، وأريد هنا تقديم نبذة مختصرة لأهلنا في لبنان عن حياة هذا الرجل لقرائنا المحترمين هناك، علها تعطي لهم صورة مغايرة لأشقائهم في عالمنا العربي والإسلامي، صورة تبين حقيقة ما أنجبت الجزائر من رجال قدموا الكثير للإسلام وللأمة وللإنسانية ولو كانوا في غربتهم الموحشة من أرض الله الواسعة. فالشيخ بوزوزو من رواد الحركة الإصلاحية الجزائرية وقد عاصر رموزها كالإمام عبد الحميد بن باديس والشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ فضيل الورثلاني والشيخ العربي التبسي والشيخ مبارك الميلي والشيخ أحمد سحنون وغيرهم - رحمهم الله جميعا.

كما أن الشيخ محمود بوزوزو، رحمة الله عليه، من رواد الحركة الوطنية في الجزائر، الداعين إلى وحدة صفوفها ومن مجاهدي ثورة 1954 التحريرية. كما هو من مؤسسي حركة الكشافة الإسلامية في الجزائر. تتلمذ على يده آلاف الطلبة في الجزائر وفي أوروبا، كان خطيبًا بالمسجد الكبير بجنيف وأستاذًا بمدرسة الترجمة التحريرية والفورية، التابعة لجامعة جنيف ولدى الأمم المتحدة إلى حين تقاعده، وتخرّج على يديه أجيال من المترجمين العرب الكبار من جميع البلدان العربية، والذين يحتلون اليوم مواقع هامة داخل المنظمات الدولية والأممية في جنيف ونيويورك وغيرها.

"المنار" الجزائرية الإصلاحية، و شقيقتها مجلة "المنار" الشهيرة في الشرق، التي كان يصدرها رشيد رضا (اللبناني)

وإلى جانب ذلك، الشيخ بوزوزو (1918- 2007 )، كان فارس قلَـم ومحاور فطن وسياسي لبق وإعلامي متمرس من الطِّـراز الأول باللّغتين العربية والفرنسية، حيث كان يكتب، أيام شبابه افتتاحية البصائر مع الشيخ أحمد سحنون (1907- 2003 )، عند غياب الشيخ الإبراهيمي في أربعينات القرن الماضي، وأصدر أيام الاستعمار الفرنسي وخلال ثلاث سنوات (1951- 1954 )، مجلة "المنار"، وهو عنوان لا تخفى دلالاته الإصلاحية، إذ يرجع بِـنا مباشرة إلى مجلة "المنار" الشهيرة، التي كان يصدرها في الشرق رشيد رضا (اللبناني) (1865- 1935 )، تلميذ محمد عبده في أواخر القرن التاسع عشر. علما أن العلامة محمود بوزوزو لما سؤل عن تسمية مجلته في ذلك الوقت كتب في افتتاحية عددها الأول بتاريخ: الجمعة 21 جمادى الثانية 1370، 29 مارس 1951، قوله:

(( وقد سميتها "المنار" تفاؤلا ورجاء أن يؤتيها الله نورا من لدنه تنقشع به الظلمات الحالكة التي تخيم على أمتنا في جميع الميادين. وسيرسل "المنار" أشعته تطارد الظلام أينما حل، وتنير السبل للمارين، أنى كانت وجهتهم، السياسة أو الثقافة أو الدين أو الحرية )).

ومن أهداف جريدة "المنار" المطالبة بالاستقلال البلدان ومنها الجزائر و كان شعارها

عش للجـزائر كوكبا * يجلي الريـاح تـرى

عش للعروبة صارما * لحمى حماها مشهرا

ولتعدْ للإسلام حجته * إذا اشتـــــــد المـرا

لم يعد محمود بوزوزو، وهو من أقدم اللاجئين العرب في سويسرا إلى بلده، الذي غادره سنة 1957، مطاردا من السلطات الاستعمارية الفرنسية، برغم مرور حوالي نصف قرن عن إعلان استقلال بلاده، ويقول معلِّـلا اختياره، لمجلة الوفاق السويسرية :

 "بعد استقلال الجزائر، بقيت أتابع تطورات الأوضاع، وكان هناك في تلك المرحلة ثورات كثيرة على الاستعمار، وفي الحقيقة، أنا لم أكن أناضل من أجل استقلال الجزائر فحسب، بل من أجل استقلال كل أرض مستعمرة". 

العلامة بوزوزو إضافة لحفظه للقرآن والأحاديث والكتابة والخطابة، كان شاعرا مفوها !!

وتواصلت تجربته الإعلامية، وهو في سويسرا، إذ كان عضوا في هيئة تحرير مجلة "المسلمون" المصرية التي أعاد الدكتور سعيد رمضان إصدارها من جنيف في بداية الستينات من القرن الماضي، كان من مؤسسي التقريب بين المذاهب و الأديان في الشرق كما في الغرب، وكان الشيخ إضافة لحفظه للقرآن والأحاديث يحفظ الأشعار القديمة والحديثة وكان يقرض الشعر أيضا، ابتداءً من إعلان الحرب العالمية الثانية سنة 1939م حين طلب الفرنسيون من المسلمين الجزائريين أن يتطوعوا في الجيش الفرنسي، كان مطلع قصيدة له في هذا الشأن، قوله :

رأيت جنود المسلمين تأهبـــوا * إلى غزوة ليســـت إلى الله تنســب

فقلت لجنديّ مررت به ضحى * بعيشك اخبرنـــي إلى أين تذهـــب

أأنت امرئ مثل الأحرار مدافع * عن المثل العليــــا إذن لك مذهـــب

و إن لم تكن من هؤلاء آدميــة * بها الغرب يلهو كيف شاء ويلعـب   

كما كتب العديد من الأناشيد الوطنية، والتي نحفظها من زمان في المدارس الجزائرية، منها نشيد " أرض الجزائر" الذي كتبه أثناء الاستعمار البغيض ولحنه المرحوم عبد الرحمن عزيز، مع أناشيد وطنية أخرى أشرف على إعدادها في المدة الأخيرة، المتحف الوطني للمجاهد، التابع لوزارة المجاهدين، وطبعت عام2002 يقول فيه:

أأرضَ الجزائر يا أمَّنا

علوُّك للمجد كل المُنى

فحبّك يلهج في دمِنا

أحقُّ بأرواحنا أمُّنا

نعاهدْ على دفعِ كلِّ بَلا

عن الأمّ بالمُهَج الغالية

حياة الشعوب بشُبّانها

ونحن لشعبنا شُبّانه

لنا همّةٌ سوف نعلو بها

إلى أن يعمّ الورى شأنه

ويجني العُلا من أراد العُلا

كذا قضت الهمّة العالية

فعُقْبَةُ في المجد كمْ ضربا

مثال الوفا، والفدا، والإبا

وطارق نحو العُلا وثبا

بإجدادنا أسدًا أغلبا

وفي عروقنا دم أجدادِنا

يهيب بهمّتنا العالية 

هُمُ زيّنوا الذكر بالشرف

وزانوا جبينهم بالذهب

ونحن نُشيد ولا نكتفي

بكان جُدودي، وكان أبي

لنا همّة سوف نعلو بها

كذا قضت الهمّة العالية

 

وثيقة تاريخية تنشر لأول مرة حول حرب لبنان و مساهمات رجال الجمعية:

 " أوجه التشابه بين الرسالة القرآنية ومبادئ اتفاقيات جنيف"

كان الاجتياح الإسرائيلي بداية من السبعينيات واستمرار احتلال جنوب لبنان مثار جدلٍ كبير، سواء في إسرائيل أو في الخارج، وشكّل نقطة تحوّل في ما يتعلّق بالتصوّرات العالميّة لإسرائيل المغتصبة للأرض والعرض ليس فقط الفلسطيني، بل السوري واللبناني والأردني، وما خفى أعظم.

في تلك الفترة كان للشيخ بوزوزو بصماته السلمية التوافقية البارزة عبر لقاءاته في مكتبة الزيتونة بجنيف بوجوه لبنانية وفلسطينية متعددة مسيحية ومسلمة، ولقاءاته في مجلس حوار الأديان، وتدخلاته في الإذاعة السويسرية، وفي إطار هذا النهج التقريبي بين وجهات النظر، نشرت اللجنة الدولية للهلال والصليب الأحمر الدولية ومقرها في جنيف المعلومات التالية، قائلة، ما ترجمته :

" في استشارتنا للعديد من الدكاترة والقانونيين والعلماء المسلمين، وفي عام 1966، أنتج إبراهيم زريقات برنامجًا عن الفكر الإنساني في القرآن الكريم، وقدم بعض الآيات التي تناولت حماية المدنيين في زمن الحرب وكذلك معاملة الأسرى. وفي عام 1977، تحدث عالم الأديان الجزائري الشيخ محمود بوزوزو لميكروفون اللجنة الدولية عن أوجه التشابه بين الرسالة القرآنية ومبادئ اتفاقيات جنيف، ... ".

أَقَمْتُ بِلُبْنَانَ زَمَانًا حَسِبْتُهُ ... نَعِيمًا، كَذَا فِي جَنَّةِ الخُلْدِ نَنْعَمُ

 ومنها أيضا لما دعي، لإلقاء كلمة، قصد رص صفوف الشعب اللبناني الواحد، على اختلاف طوائفه ومشاكله، وتضميد جراحه، في وثيقة كتبت بالفرنسية في سبعينات أوثمانينات القرن الماضي، من أرشيف الشيخ بوزوزو في الأمم المتحدة، تنشر لأول مرة نقتطف منها ما يلي، وتحت عنوان:

من أجل سلامة و سلام لبنان

كتب شيخنا العلامة محمود بوزوزو رحمه الله يقول :

عندما أسمع أو أقرأ كلمة لبنان، أتذكر على الفور قصيدة لحليم دموس ( الشاعر الكبير المسيحي المؤمن (1306-1377 هـ / 1888-1957))، وسأقرأ منها مقطعاً باللغة العربية، و أترجمه بعد ذلك، وأنشد يقول:

أَقَمْتُ بِلُبْنَانَ زَمَانًا حَسِبْتُهُ ... نَعِيمًا، كَذَا فِي جَنَّةِ الخُلْدِ نَنْعَمُ...

هُنَا كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ مِنْ شَقَائِهِ ... لَهُ الحُبُّ سُورٌ وَالسَّلَامَةُ مِعْصَمُ

وَلَا حَسَدٌ فِيهَا وَلَا حَرْبَ حَوْلَهَا ... وَلَيْسَ بِهَا لَوْلَا احْمِرَارُ المَسَادَمُ

شارحا ومترجما الأبيات بتوسع، منها قوله، تقريبا :

" خلال إقامتي في لبنان، اعتقدت أنني في الجنة حيث ننعم بالسعادة الأبدية؛

ليس هناك علامة حزن، ولا أثر لسوء الحظ، ولا شيء يزعج نقاء الرفاهية التي تسود كل مكان، إنه سوار من الحب يطوق معصم السلام؛

لا غيرة هنا، ولا حرب حولها، لا شيء - باستثناء احمرار الأفق عند شفق المساء - يذكّر بلون الدم !!

ويضيف الشيخ محمود بوزوزو قائلا بفرنسيته الراقية :

هكذا كان لبنان حين كُتبت هذه الأبيات: أرض السلام والمحبة والأمن والرفاهية والهدوء والسكينة، الأرض الرائعة التي ألهمت العديد من الشعراء روائع العبارات .."

ثم يسترسل في سردياته الماتعة حول براءة شعب لبنان و طيبة أهله :

" حدث آخر تظهر أمامي الأن صورته التي لا تمحى من ذاكرتي، عند استحضار هذا البلد الجميل، تستحق أن أرويها لكم يا سادة يا كرام : في إحدى رحلاتي إلى لبنان، و أنا في العاصمة بيروت، جالس على حافة بستان مليء بالأشجار المتنوعة. كنت معجبا بالمناظر الطبيعية الجميلة وأفكر في طبيعتها الخلابة، وفجأة دنت مني فتاة صغيرة مبتسمة بيدها سلة مليئة بالفواكه ؛ فأخذت قطعة من الفاكهة ووضعت يدي في جيبي لأدفع لها الثمن؛ وفي لمح البصر تختفي الفتاة خلف الأغصان المتشابكة، تاركةً إيّايّ بقلبٍ مُنشرح أسبح بحمد ربي !! ".

لبنان: أرض الترحيب، والضيافة بالتقاليد العربية الأصيلة :

وتحت عنوان هذا هو لبنان أردف يقول :" لبنان: أرض الترحيب، والضيافة الطبيعية، والكرم العفوي، في التقاليد العربية الأصيلة، في عمومه ..

وعلى المستوى الاجتماعي، قدم هذا البلد للعالم بشكل واضح مثال المجتمع المتحضر، الذي يعيش التسامح في تنوع المعتقدات، مجتمع سلام بامتياز !!

هذا السلام الذي يتردد صداه بين الكائنات التي تحب خير البشرية جمعاء وأمنها، هذا السلام الذي يدعو إليه المصلون في كل مكان بكل أمانيهم، متضرعين إلى الله أن ينشر رحمته على العالم الذي كثيرا ما يتنساه.

هذا السلام الذي يتكرر في لغة المسلمين في التحيات المعتادة، في الصلاة وبعدها، بالتعبير الشائع "السلام عليكم". وهذا يعني أن المسلم الواعي لمعنى التزامه الروحي مطلوب منه أن يستجيب للدعوة الصادقة للسلام ولو من خلال الحقيقة البسيطة وهي أن كلمة "الإسلام" مشتقة أصلا من فعل يعني: الخلاص، الأمن، السلام !!

مستخلصا بقوله: " بكل هذه القيم يحتل لبنان مكانة خاصة في قلوب الكثيرين. أنا شخصياً لا أستطيع أن أتخيل أن هذا البلد المسالم والهادئ سيغرق في يوم من الأيام في الفوضى وانعدام الأمن. إن المأساة التي يعيشها اليوم لبنان تحطم قلوبنا لأنه بلد عزيز علينا !!"

مختتما متسائلا :" فهل هناك ضرورة لوضع المسؤوليات في المأساة التي تمزق لبنان؟ لهذا علينا أن نذهب بعيدا جدا. وعلينا أن نتذكر أن الإنسان قد نسي دعوته الحقيقية، بانحرافه عن القيم الأخلاقية والروحية المعلنة، وسمح لنفسه بأن يضلل بأهوائه. ومن خلال استعادة هذه القيم يمكن أن يتغير الوضع المأساوي في لبنان وأماكن أخرى. أما أصحاب النوايا الحسنة الذين يظلون متمسكين بشدة بهذه القيم، والذين يجدون أنفسهم غير قادرين على التأثير بشكل مباشر على الأحداث، فكل ما عليهم فعله هو الدعاء (الصلاة )على أمل أن يفسح ضجيج الأسلحة المروع المجال لنداء الفترة الواهبة للحياة.. سلام !!

 ( الجزء 2/1).. يتبع إن شاء الله

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services