بقلم الكاتب سعد بلخيرات
هذا البحث عن انتفاضة أولاد أم الإخوة هو الفصل المأساوي بأتم معنى الكلمة لأنهم خدعوا فيه على يد المحتل وأعوانه بل كانوا أيضا ضحية الصراعات بين قادة المقاومة الشعبية الجزائريين في تونس ... وفي هذا المقال لن نتحدث عن اندلاع الإنتفاضة وسير أطوارها لأنه سبق الحديث عنها في مقالات ودراسات سالفة وليس هذا المقام لتكرار ماهو معروف ... بل المقام هو تقديم الإضافة والجديد في البحث التاريخي وهو ديدننا اليوم في تناول موضوع تهجير ومطاردة أولاد أم الإخوة ومكوثهم في إيالة تونس ... وسنعتمد مجموعة من الشهادات المتواترة والوثائق والمراسلات التي تعطينا بُعدا جديدا عن بطولة هذه القبيلة وتضحياتها الجسام ...
المرحلة الأولى (دائرة بوسعادة): وهي المرحلة الأشد قَمعا والأكثر إجراما والأكبر من حيث عدد الشهداء وهي الأثرى بالمصادر التاريخية إذ يوجد بشأنها تقرير الحاكم العام بالنيابة "الماريشال بيليسيي" والذي نُشر في العشرات من الصحف الفرنسية.
كما كتب عنها العديد من الضباط في مذكراتهم على غرار مانجان ودي باراي وفيلبير وسيروكا وأيضا المترجم العسكري أنطوان آرنو وصحيفة "المبشّر" ... وجميع معارك ومناوشات وتحركات هذه المرحلة وقعت بتراب بلدية عين الريش حاليا كما سيأتي بيانه. ترك لنا الشيخ الإمام الراوية "العقون سي سعد"، (1947- 2015)، رواية شفوية مكتوبة متواترة من سنة 1958 عن أبيه "قويدر بن عمارة بن محمد بن العقون".
وهنا يوثق الشيخ سي سعد السيرة الجهادية لوالد جده المقاوم "محمد بن العقون" شهيد معركة تينجيخت يوم 17 أكتوبر 1854، كما ذكر فيها مجموعة من الأبطال الآخرين من أولاد أم الإخوة وهُم المقاوم الشهيد "قويدر بن عمارة" وأخاه "عيسى بن عمارة" الذي فقد ابنته الصغيرة في جريمة شنعاء اقترفها جندي فرنسي وقت الإنتفاضة حين قتل الصبية بسيف وقال فرحا "قتلتُ وروارة" بمعنى "زغرادة" وهو ما يدل على أن الفرنسيين قد سمعوا زغاريد نساء أولاد أم الإخوة على شهداء القبيلة، وموضع هذه الجريمة الشنعاء هو "المهرات".
كما أشار الراوي الى المقاوم "الحطاب بلخيرات" وهو ابن عمة الشهيد قويدر بن عمارة، ولا ندري هنا إن كان الراوي قد اختلط عليه الأمر بين موضع "المهرات" الواقع شمال غرب فيض البطمة وهو ما نستبعده، بل الأصح هو موضع "ذيل المهرة" المحاذي لموقع "تينجيخت".
وحول الحشود الفرنسية لمعركة تينيجخت يعطينا الملازم مانجان تفاصيل عن تحركات طوابير العدو وفقا لخط سير مطاردة القبيلة ... ويتعلق الأمر بحملة سداسية قادمة من الأغواط بقيادة الملازم كاروس ومن الأغواط بقيادة الرائد ديباراي ومن مسعد بقيادة كولونا دورنانو ومن بوسعادة بقيادة الرائد "ثيودور بان" إضافة الى قوة احتياطية بالجلفة بقيادة الجنرال غاستو Gastu وكذلك فرقة استطلاع بقيادة النقيب فيلبير من مكتب العرب ببوسعادة. وقد سبق لنا الحديث عن معركة تينجيخت... لكن لا بأس من التذكير بأنها أول معركة مباشرة يخوضها أولاد أم الإخوة خارج إقليم دائرة الجلفة وبالتالي فهي النقطة المحورية في مسلسل المطاردة والتهجير باعتبارها الأكثر دموية في تاريخ الإنتفاضة ككل إذ استشهدا فيها ثمانون مقاوما وصُودرت ممتلكاتهم ومواشيهم، وقد جاء عنصر المباغتة فيها بعد انقسام الحملات الفرنسية لمحاصرة القبيلة في شعاب تينجيخت عن طريق "واد العلڨ" بقيادة ثيودور بان، و"واد بزّرڨين" بقيادة ديباراي ... وهنا يروي لنا الإمام سعد العقون أن المطاردة وصلت الى منطقة "الكاف لحمر" ودامت المعركة 04 أيام أسفرت عن مقبرة معروفة هنا باسم مقبرة "تينجيخت" وهي اليوم بتراب بلدية عين الريش.
ويعطينا "الحاج بوطيبة سعد"، حفظه الله، تفصيلا مهما عن معركة تينجيخت نقلا عن أبيه المُعمّر "بلقاسم بن بن هاشم 1865- 1975" عن جدّه "أحمد بن جاب الله" الذي حضر جميع أحداث انتفاضة أولاد أم الإخوة وهو أيضا من نفس الفرقة التي ينتمي إليها قائد الإنتفاضة "بن هاشم بن خلف الله" وهي "فرقة أولاد ناصر".
يقول الراوي إنه قد بقي 21 فارسا من أولاد أم الإخوة بأرض معركة تينجيخت لصدّ المحتل الفرنسي وإفساح المجال لانسحاب القبيلة من ساحة المعركة بعد سقوط 59 شهيدا من أبنائها، وتعطينا الروايات الشفوية عن سير معركة تينجيخت وبطولة المقاومين فرضية عن أن هناك أسرى قد بقوا على قيد الحياة فيما بعد ... وهكذا لم تخرج القبيلة من دائرة بوسعادة إلا وقد أيقنت أن فرنسا عازمة على تكرار سيناريو الزعاطشة بسبب الحشود التي جُمعت ضدهم ... ولعل القبيلة قد قررت من هنا الهجرة إلى تونس.
المرحلة الثانية (دائرة بسكرة): هاهم الآن أولاد أم الإخوة يشُقّون طريقهم إلى تونس وهاهُم يدخلون ناحية قسنطينة عبر دائرة بسكرة بنهاية أكتوبر 1854.
يقول الرائد جوزيف سيروكا، قائد مكتب العرب ببسكرة، إن معلومات قد وصلت دائرة بسكرة مفادها تحركات قبيلة أولاد أم الإخوة باتجاه دائرة تقرت فأرسلت فرنسا على إثرهم القايد الجديد لأولاد زكري المدعو "سي بوزيد بن حرز الله 1839-1937" الذي أدرك أولاد أم الإخوة بموضع "واد الرتم" فهاجمهم وقمعهم وقتل منهم 07 رجال ... وفي هذه الموقعة عُثر على ملابس ووثائق ضابط العتاد دوبوا غيلبير الذي قتله أولاد أم الإخوة في بداية انتفاضتهم يوم 12 أكتوبر ... ونشير هنا إلى اختلاف في الرواية إذ يقول المترجم العسكري أنطوان آرنو أن الألبسة قد عُثر عليها في معركة تينجيخت.
المرحلة الثالثة (دائرة تقرت "واد سوف"): هذه هي المرحلة الأخيرة قبل دخول التراب التونسي حيث وصلت قبيلة أولاد أم الإخوة الى منطقة واد سوف التابعة آنذاك لدائرة تقرت، ولا نملك عن هذه المرحلة أي وثائق سوى بيتين شعريين وثقهما الأستاذ حامدي مختار. نجع لَجواد ڤالوا ڤبّل * يا خاوتي غْدا غضبان ذكْروه ڤبلة سوف يريب * مخدوع ما عطى لَمَان يستهل الشاعر البيت الأول بمصطلح "نجع" وهو قطيع الإبل ما يجعلنا نستنتج أن القبيلة قد استطاعت أن تكسر حصار تينجيخت وتنجو بقطيع من الإبل أو ربما هو قطيع يتبع الفريق الثاني من أولاد أم الإخوة الذي كُلف بتظليل وتمويه ديباراي ودورنانو، ثم يمدح الشاعر القبيلة بصفة “لجواد/ الأجواد” وهو مصطلح عن القبيلة التي تجود بالفرسان ثم يتحدث عن حالتهم الغاضبة أثناء المطاردة ... وبعد ذلك يشير الى أنهم قد "خدعوا" ولعله يقصد الهجومين المباغتين في تينجيخت وواد الرتم ... ثم يعطينا الشاعر هنا معلومة عن موضع القبيلة والنقطة التي دخلت منها الى تونس وهي شرق "واد سوف" وأن النجع "ما عطى لمان" أي لم يعط "الأمان" ولم يستسلم ولم يأمن أي جهة.
ويدل إصرار أولاد أم الإخوة على الهجرة إلى تونس على أنهم قد مروا بمرحلة الإرهاب بأتم معنى الكلمة إذ لا تفسير غير ذلك لتحملهم عناء الهجرة ومكابدة الرحيل بصغارهم وكبارهم وعجزتهم ...
خطة أولاد أم الإخوة للجوء إلى تونس !!
تتجلى لنا إشكالية التخطيط لهجرة أولاد أم الإخوة وهي اشكالية لم يسبق لأي كان أن ناقشها أو بحث فيها أو قدم فرضيات بشأنها ... وتتجزأ هذه الإشكالية الى تساؤلات وهي: كيف استطاع أولاد أم الإخوة النجاة من الحملات الفرنسية خلال الفترة من 12 أكتوبر (بعد معركة عين الناقة) الى يوم 17 أكتوبر (قبيل اندلاع معركة تينجيخت)؟ وكيف تمكنت قبيلة أولاد أم الإخوة من التسلل إلى تونس؟ ومتى بالضبط تقررت الهجرة الى تونس؟ ترتكز مشروعية هذه التساؤلات على 04 نقاط ... الأولى هي الصفعة الكبرى التي تلقتها فرنسا من أولاد أم الإخوة في انتفاضتهم وتصميمها على جعلهم عبرة لمن حولهم. والنقطة الثانية هي ضخامة القبيلة من حيث أفرادها من كبار وصغار وثرواتهم المنقولة والمحمولة ... والنقطة الثالثة هي أن خط الهجرة سيمر عبر أقاليم يسيطر عليها الفرنسيون (دوائر بوسعادة وبسكرة وتقرت) وهو ما يعتبر تحديا كبيرا ويحتاج تخطيطا محكما وتمويها وتضحية وإيجاد متعاونين ... والنقطة الأخيرة هي انقسام القبيلة في خطين للهجرة على أن يلتقوا في واد الرتم حسب ما نرجحه.
ولكي نناقش خطة هجرة أولاد أم الإخوة لابد لنا من التركيز على مجموعة من المعطيات الجغرافية والبناء على ما جادت به الوثائق والروايات الشفوية.
ــ الممرات نحو صحراء مسعد: المنطق يقول بأن أولاد أم الإخوة بعد انتفاضة 12 أكتوبر يجب أن يلجأوا الى صحراء مسعد لا سيما المناطق الوعرة مثل الجرّ ووادي جدي عبر الممرين القريبين وهُما "خنق أم ناصر" أو "حاسي زيان" ... وبالفعل هذا ما تم بلجوئهم الى عمق الجر وهناك حاول الفرنسيون إدراكهم في لفطح والنخلة والطريفية ثم تفطن العدو الى أن الأمر هو خدعة وتمويه وهو ما أشار إليها آرنو حين قال بأن دورنانو رفض طلب أولاد أم الإخوة منحهم الأمان لأن الأمر، حسب تقرير أرشيفي، لا يعدو كونه ربحا للوقت.
ولعل الغاية هي تسهيل تسلل القبيلة إلى تونس، وحسب التقرير الأرشيفي فإن مبعوث القبيلة هو "محاد بن عمارة" جد القايد "لعبيدي بن عمارة".
ــ ما بعد معركة تينجيخت: يبدو أن خطة التمويه بالتوجه الى صحراء مسعد قد أتت أكلها إذ أعطت القبيلة هامشا من الحركة خلال الفترة من 12 إلى 17 أكتوبر، فاتخذت القبيلة طريقا ضمن "جرّ" قبيلة أولاد امحمد المبارك، وهي منطقة صعبة المسالك اضطرت حملتي "ديباراي" و"ثيودور بان" الى التخلي عن الخيالة والإعتماد على المشاة فقط ... وقد نجح الفرنسيون في مباغتة القبيلة التي استشهد منها 80 مقاوما لكن تمكن أغلب الأفراد من الخروج من الكمين ومواصلة الطريق.
ويبدو أنه قد كانت هناك خطة تمويهية ثانية حسب الروايات الشفوية، وتم ذلك بانضمام بعض فرسان أولاد أم الإخوة في الجهاد شمالا أي بنواحي الزيبان وجنوب الأوراس وهذا لتمكين قبيلة أولاد أم الإخوة من مواصلة طريقها نحو واد سوف ومنها دخول تونس.
وقد حفظ لنا التاريخ هناك اسمي مقاومين من القبيلة هما "قويدر بن عمارة" المدعو "قويدر الغربي" شهيد جبل "احمر خدو"، ولاية باتنة حاليا، و"السيار محمد" الذي استشهد في نواحي جبل الدخان ولعل ذلك يتزامن مع انتفاضات الزيبان التي تلت الزعاطشة وبقيت جذوتها مشتعلة الى سنة 1861 تاريخ وفاة الشيخ سي الصادق بن الحاج.
ــ الإلتقاء في واد الرتم: من خلال متابعة مسار الإنقسام نُرجّح أن نقطة التقاء أولاد أم الإخوة جنوبا هي "واد الرتم" باستغلال انشغال الفرنسيين جنوبا بدائرة تقرت أين يتواجد المقاومون الشريف بن عبد الله والناصر بن شهرة وسليمان بن جلاب. وهكذا نخلص إلى أن فكرة الهجرة الى خارج الوطن قد تبلورت مُبكرا لأن أولاد أم الإخوة أدركوا أن اللجوء الى صحراء مسعد صعب بسبب التضاريس الوعرة وأن الأسهل هو المخاطرة بالهجرة الى تونس التي نجحت لكن بتضحيات ومعارك ضد فرنسا وأعوانها في دوائر بوسعادة وبسكرة ...
المرحلة الرابعة (المكوث في تونس): إن مكوث أولاد أم الإخوة في التراب التونسي راسخ في الذاكرة الجماعية وله وثائق ومصادر ومراجع ومظاهر ما تزال ماثلة إلى اليوم، وعلى سبيل المثال وجود ألقاب في قبيلة أولاد أم الإخوة مثل لقب بن التونسي ونفطي ... كما نجد بها أماكن مثل "فرشة التونسي" بنواحي قرية بن داود، و"ركبة التونسية" و"ضاية التونسية" في تراب بلدية فيض البطمة اليوم على الحدود مع بلدية المليليحة، و"واد التونسي" بأقصى الجنوب الشرق لوادي جدي بتراب بلدية أم العظام حاليا.
إن هناك اختلافا كبير جدا بين الوثائق والروايات حول مدة مكوث أولاد أم الإخوة بالتراب التونسي بعد تاريخ انتفاضتهم 1854 ... وتفسير ذلك هو أن القبيلة لم ترجع في رحلة واحدة بل عبر موجات هجرة متفرقة ... والمصادر والروايات التي بين أيدينا تعطينا مدة تتراوح بين 11 شهرا إلى 17 سنة ... وحتى فترة 11 شهرا هي مدة طويلة نسبيا لأننا عهدنا في الدراسات التاريخية بانتفاضات متقطعة لفترة شهر وشهرين وحتى بضعة أشهر قبل استسلام أهلها ... لكن الأمر هنا مختلف مع أولاد أم الإخوة ووصل الى سنة تقريبا وهذا دليل تضحية وبرهان بطولة.
فترة 11 شهرا: أشار إليها ضمنيا كل من "الرائد سيروكا" في المجلة أفريقية و"قايد تقرت وواد سوف" القايد علي بن فرحات "ت 1882"، الذي نملك له رسالتين محررتين في شهر ذي الحجة 1271هـ/ أوت 1855، موجهتين الى حاكم الأغواط الرائد مارغريت وقائد مكتب العرب بالأغواط النقيب كاروس، كما سيأتي تفصيله لاحقا.
فترة 18 شهرا: حسب الجريدة الرسمية لسنة 1932 التي ذكرت أن جميع أفراد قبيلة أولاد أم الإخوة قد رحلوا إلى تونس بعد الإنتفاضة ما عدا بعض أصحاب الخيم الفقيرة، وتضيف الجريدة بأن العودة لم تكن سوى بعد 18 شهرا أي في بداية ربيع سنة 1856.
فترة 07 سنوات: مذكورة ضمن عريضة لبعض أعيان قبيلة أولاد أم الإخوة بمناسبة زيارة الرئيس الراحل هواري بومدين الى مسعد سنة 1968 ونفس العريضة تم تقديمها بمناسبة زيارة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الى الجلفة، وفي هذه العريضة تقول الرواية الشفوية عن أولاد أم افخوة قد تغربواعن أهلهم ومضاربهم لمدة 07 سنوات وتم دعوة الرئيس الى تشكيل لجنة تاريخية حول انتفاضة أولاد أم الإخوة، كما ذكرت العريضة اشتباكا سنة 1859 أسفر عن استشهاد 05 من أفراد القبيلة.
وتتوافق هذه الشهادة المكتوبة مع الروايات الشفوية المتواترة عن ارتباط عودة أولاد أم افخوة بالقايد بن عياش بن السلمي الذي لعب دور الوساطة لدى سلطة الاحتلال الفرنسي، والمعروف أن القايد بن عياش بن السلمي قد أنهى خدمته في صفوف السبايس بتاريخ 29 ماي 1862 وصار قايد على أولاد أم الإخوة الى غاية تحويله بتاريخ 18 جوان 1864 كقايد على قبيلته أولاد عيفة، هذه الأخيرة تكفل أفرادها بإيواء أولاد أم الإخوة المكلومين نتيجة الضربات التي فقدوا فيها الرجال والمال والعيال ...
فكانت أروع صورة للتضامن وأبهى مظهر للتلاحم تقاسموا فيه الخيم مع أخوانهم الذين رجعوا منهكين من المطاردات والمناوشات والمعارك والسلب والنهب ... ويروى مثلا عن أحد شيوخ فرقة أولاد عبد الله بن أحمد أنه قد آوى 21 فردا من أولاد أم الإخوة ... فترة 09 سنوات: رواية الشيخ "سي سعد العقون" تتحدث عن فترة مدة مكوث أطول في تونس قدّرها بـ "أكثر من سبع سنوات" ويتفق في ذلك مع رواية الباحث حامدي المختار. وقال سي سعد إن رجوع القبيلة كان سنة 1863 بعد اتفاق.
فترة أكثر من 17 سنة: يروي لنا الشيخ "بوطيبة سعد" أن هناك من مكث لفترة تفوق 17 سنة حسبما هو متواتر، وهو ما يفتح الباب للحديث عن مساهمات مقاومي أولاد أم الإخوة في انتفاضات الصحراء والجنوب الشرقي عموما، المرحلة الخامسة (الرجوع من تونس): العودة من تونس هي قصة مآسي لوحدها ومصدرها فيها شهادة الرائد الفرنسي سيروكا ورسالتي قايد واد سوف وروايتان شفويتان مُحكمتان تتلاءمان وسيرورة الأحداث، يقول سيروكا إنه بنواحي نفزاوة، منطقة بني زيد، بالجنوب التونسي في منتصف أوت 1855 قد وقع انشقاق على مستوى القيادة بين الناصر بن شهرة ومعه أولاد أم الإخوة و50 خيمة من الحرازلية من جهة.
ومن جهة ثانية الشريف محمد بن عبد الله ومحمد بن بوعلاق ومن معهم، فاتجه الناصر بن شهرة غربا بنية الإستسلام لفرنسا، غير أنه لما وصل الى منطقة المرازيق على الحدود التونسية الجزائرية قرر المكوث هناك لينشق عنه مرة أخرى أولاد أم الإخوة والحرازلية ويقرروا مواصلة الطريق الى الجزائر، وقد تعرض أولاد أم الإخوة والحرازلية لهجوم من طرف الشريف وبن بوعلاق ووقعت معركة استطاع فيها أولاد أم الإخوة أن يصدوا الهجوم لكن وقع منهم 03 قتلى و17 جريحا، كما خسروا جميع مواشيهم ما عدا الإبل.
أما مراسلتا قايد واد سوف فتتضمنان معلومات الى قادة دائرة الأغواط بوضعية رعاياهم المهاجرين، ويقول القايد علي بن فرحات، شهر ذي الحجة 1271هـ/ أوت 1855، إنه قد وفد الى اقليمه "90 بيتا من أولاد أم الإخوة قادمين من نفزاوة. وأنه قد لحقهم قوم محمد بن بوعلاق وبن الناصر وقوم الشريف والحرازلية وقت الليل فتقاتلوا معهم حتى طلوع الشمس وزادوا تقاتلوا حتى أن حميت القايلة فمات من أم الإخوة نحو أربعة "04" رجال والمجاريح نحو 20 بين رجال ونسوة وذراري، وضربت منهم نحو 30 بعيرا منهم من مات ومنهم من قعد مجروح، وماتت زوج زوامل وجرحت فرس بن هاشم، ومنع النجع ثم لما فروا عنهم لحقوهم واخذوا 22 من الغنم ومنعت 03 أغنام" ...
وتعطينا الرسالتان معلومة عن استمرار الدور القيادي للشيخ بن هاشم وأنه كان ما يزال مطلوبا ومعروفا لدى الفرنسيين. ويبدو أن عودة الأفواج الأولى من القبيلة قد تمت فعلا وفقا لتدبير إداري مع المحتل الفرنسي إذ تم تعيين قايد جديد على القبيلة وهو "القماري بن ساعد" وقد نشرت صحيفة "المبشر" قرار تعيينه بتاريخ 15 جويلية 1855.
من خلال ما سبق ذكره يظهر لنا أن قرار أولاد أم الإخوة بالعودة الى الوطن قد كان مفاجئا وارتبط بصراع قيادي ما جعل القبيلة تقرر مصيرها لوحدها وأن تمضي فيه مهما كلفها الثمن ...
ويتزامن ذلك مع مع سياق سياسي تميزت به إيالة تونس إذ نجد مثلا الباي أحمد باشا، المتوفى في ماي 1855، يؤكد للقنصل الفرنسي أنه قد أمر بطرد شريف ورقلة محمد بن عبد الله، في الرسالة الموجهة الى القنصل الفرنسي في جوان 1854ونفس السياسة اتبعها محمد باشا حسب الرسائل التي نشرها يحيى بوعزيز.
وفي الرواية الشعبية المتصلة برحلة العودة يعطينا "الحاج مصطفى بن رزيق" قصة الشاعر الذي أشفق على قبيلة أولاد أم الإخوة بتونس فقصدهم خلسة يدعوهم إلى تعجيل الرحيل ومغادرة التراب التونسي لأن "محمد" (ربما يقصد محمد بن عبد الله أو محمد بن بوعلاق) يريد مهاجمتهم ... ولهول ما كان ينتظرهم فإن الرسول قد أنذرهم شِعرا: يا عْريب نْورّيكم كلمة * والكلام ليكم تخراجو خوضوا على طرف الخلة * وعربي ما يرجع بن عاجو.
يتضح أن الأبيات نظمت في الجنوب التونسي إذ يعطينا الشاعر مسار عودتهم في صدر البيت الثاني بمصطلح "الخلة" التضاريسي والذي يعني في المعاجم العربية "الطريق في الرمل" أو "الطريق النافذ بين الرمال المتراكمة" وهذا مايتفق مع مسارهم وطبيعة تضاريس بلاد الجريد وسوف.
لكن سرعان ما تسرب خبر هذه الأبيات الشعرية فاستُدعي ناظمها فخاف على نفسه وغيّر نظمه وحوّره من تحذير إلى مدح وثناء على "سي محمد" ودعوة أولاد أم الإخوة الى الطاعة والصبرعلى حكمه ، كما حافظ الشاعر على الوزن والقافية حيث قال يا عريب طيعوا واذبالوا * وتراضاو بالكلمة العوجة حتى يتفش غيظو وهبالو * سي محمد بحر الموجة أما رواية "الحاج سعد بوطيبة" فيحكي لنا فيها قصة الحداد الجزائري اللاجىء بتونس إذ وصله خبر هجوم وشيك ضد القبيلة فحذّرهم وأخبرهم بما ينتظرهم ... فبدأ فرسان أولاد أم الإخوة الإستعداد للحرب مجددا وشرعوا يدقون البارود وعقلوا الإبل خلفهم لمتطلبات دفاعية ولضمان تحصين موقعهم وعدم شرودها من دوي البارود والكر والفرّ ...
كما يخبرنا الراوي بقصة العجوز "التالية بنت النايبة"، من فرقة أولاد ناصر، والتي أدركت ان معركة العودة مصيرية فحملت قِدرا به طلاء الفليج "المُقرة" وصارت توسم به ظهر كل رجل يتردد أو ينسحب من ساحة القتال.
وهكذا أبلى الفرسان البلاء الحسن وقاتلوا ببطولة منقطعة النظير ذودا عن أهاليهم وثرواتهم كما نقله سيروكا.
نخلص مما سبق إلى أن هجرة أولاد أم الإخوة كانت على مراحل طويلة لكن في النهاية رجعت القبيلة إذ تكاد تكون القبيلة الوحيدة هناك، مع الحرازلية، التي تحمل جميع أفرادها عبئ المقاومة كبارا وصغارا وهذا ما لا يمكن أن يستمر في ظل العيش في بلاد مغايرة تحكمها سلطة تعتبرهم غير مقبولين بها
. قائمة ببعض أسماء أبطال انتفاضة أولاد أم الإخوة (ترتيب أبجدي)
: ــ أحمد بن جاب الله، فرقة أولاد ناصر، حسب الرواية المتواترة لدى أحفاده من عائلة بوطيبة.
ــ أحمد ذوابة، من فرقة أولاد سيدي ناجي، استشهد في المعركة الأولى وقبره موجود الى اليوم بالقرب من عين الناقة ولمعرفة سيرته لجأنا الى السيد "ذوابة العيد"، من مواليد 1953، حفظه الله، الذي أعطانا شجرة نسبه وهي "العيد بن محمد (1911-1985) بن عطية بن أحمد (ت 1854) بن الذوابة".
وقال محدثنا إن جدهم "سي أحمد" كان معلم قرآن في إحدى "نزلات" العرش ويقال له "الطالب سي أحمد بن الذوابة" وقد استشهد في الويصال ودفن بمقبرة بالقرب من عين الناقة، تقع جنوب شرق الموقع الأثري. وأخبرنا بأنه قد زار المقبرة في صغره مع والده.
ــ امحمد بن سعد (الحاج) ، من فرقة أولاد الشنة، وهو شيخ أولاد عيسى في عهد دولة الأمير عبد القادر، وحسبما يُروى فإنه قد كان ضمن الإنتفاضة وقد نزل تونس على إثر المطاردة.
ــ بن هاشم بن خلف الله، فرقة أولاد ناصر، قايد عرش أولاد أم الإخوة، كان في الهجرة بتونس ورجع الى مضارب أهله وعاش في بوكحيل على الصيد حسب توثيقات آرنو، وكان على قيد الحياة سنة 1862.
ــ بوزيدي قعمز، من فرقة العويسات، استشهد مع نارة جامد بن سعد في معركة تينجيخت، وقد أصابتهما قذيفة مدفعية بعدما ربطا جسديهما معا حتى تجمعهما الشهادة.
ــ جامد بن سعد، من فرقة أولاد الشنة، من شهداء تينجيخت. ــ الحطاب بن عيسى بلخيرات، من فرقة أولاد بوخلط، توفي بعد العودة ودفن في مقبرة المغايث.
ــ رحمون، من فرقة أولاد سيدي سعد، استشهد في معركة تينجيخت (رواية الشيخ بوطيبة). ــ سالم بن بوذينة، من أولاد أحمد الشنة، استشهد في معركة تينجيخت (رواية الشيخ بوطيبة).
ــ العربي بن جاب الله من أولاد ناصر، استشهد في معركة تينجيخت (رواية الشيخ بوطيبة).
ــ عكاشة، من أولاد ناصر، استشهد في معركة تينجيخت (رواية الشيخ بوطيبة). وثق اسمه الأستاذ "عبد الرحمان غربي" على أنه كان طاعنا في السن بعمر80 سنة وقد نفذت ذخيرته وباتت الجيوش الفرنسية معتقدة أنها تحارب أكثر من رجل وفي الصباح وجدوه شيخا كبيرا فقتلوه ونكلوا بجثمانه ووضعوا حجرا في بطنه.
ــ عيسى بن عمارة، من فرقة أولاد بوخلط، فقد ابنته في موقعة المهرات، حسب الشهادة المكتوبة للشيخ الإمام سي سعد العقون، رحمه الله ــ قويدر بن عمارة، من فرقة أولاد بوخلط، حسب الشهادة المكتوبة للشيخ الإمام سي سعد العقون، رحمه الله ــ محمد السيّار، فرقة أولاد جاب الله، يروي الحاج موفق الدراجي أن هناك منطقة باسم هذا المقاوم تقع بولاية خنشلة في جبال بودخان تحت اسم "ثنية السيار".
ــ محمد بن العقون، من فرقة أولاد بوخلط، حسب الشهادة المكتوبة للشيخ الإمام سي سعد العقون، رحمه الله روايات متفرقة ــ "كيّالة البارود" الخاصة بالضابط دوبوا غيلبير هي ملكية خاصة الآن لأحد أعيان مدينة مسعد، ونفس الأمر بالنسبة لحذائه "البست".
ــ يروي الحاج سعد بوطيبة، حفظه الله، عن أبيه، تفاصيل حادثة تجنيد أحد أبناء فرقة الكواكي وهو الوحيد عند أبويه، فتوسط القايد بن هاشم للإعفاء فقتل الشاب على يد فرنسي فانتقم القايد بن هاشم له وقتل الفرنسي.
ونعتقد أن هذه الحادثة تكون ضمن وقائع بداية سنة 1853 التي انتهت باستسلام أولاد أم الإخوة بعد قمع أولاد سيدي زيان على يد الرائد بان.
ــ بالجمع بين الروايتين الشفويتين للحاج علي بلخيرات (82 سنة) والحاج بوطيبة سعد فإن جميع فرقات قبيلة أولاد أم الإخوة قد شاركت في هذه الإنتفاضة وهو ما يتطابق مع ما نقلته الجريدة الرسمية الفرنسية بالحديث عن هجرة كل القبيلة الى تونس عدا بعض الخيم التي لا حول لها ولا طاقة.
ــ يروي الحاج علي بلخيرات أنه في المعركة الأولى، عين الناقة، كانت أكثر الفرق تضررا هي فرقة أولاد قويسم، أما في معركة تينجيخت فأكثر شهدائها من فرقة أولاد ناصر.
ــ نرحب بكل من يملك رواية شفوية أو وثيقة أو أشعار أو قصص متواترة أو أسماء مقاومين من أجل الإلمام بهذا الموضوع من كل جوانبه.