1801
1
’’ كريبع النبهاني’’…الفيلسوف الجزائري الذي طاله النسيان
تزخر الجزائر عبر صفحات تاريخها الطويل بأسماء لامعة ونجوم ساطعة في مختلف المجالات العلمية والفكرية وغيرها لكننا نجد بعض الحقيقة في قول أحدهم’’ مقبرة العلماء’ الجزائر “نظرا لعدم الاهتمام بكثير من تراث علمائها ومفكريها في مختلف التخصصات وهذا ما يجعل رياح النسيان تهب على كثير من رجالات العلم والفكر الذين قدموا الكثير ولم ينالوا ولو القسط القليل من الذكر والاعتبار.
عبد النور بصحراوي
ومن الأسماء التي بين أيدينا اليوم أحد فلاسفة الجزائر الذين نالوا الاعتراف والتقدير خارج الجزائر وعانوا التهميش وقلة الاهتمام داخلها وهو الدكتور ’’ كريبع النبهاني’’ ابن بسكرة الذي صال وجال في أرقى الجامعات الأوروبية مع أساطين الفلسفة والفكر في تلك البلاد مخلفا تراثا علميا كبيرا ينتظر التعريف والتقدير وبذل المزيد من الجهود لإخراجه إلى العلن.
ميلاده وسيرته العلمية
ولد’’ كريبع النبهاني’’ سنة 1917 بمدينة أولاد جلال ببسكرة تلقى تعليمه الأول في كتاتيبها قبل أن يواصل دراسته الثانوية بثانوية المقراني بالجزائر العاصمة قبل أن يتحصل على شهادة الثانوية العامة بباريس أواخر الثلاثينات ثم الليسانس منتصف الأربعينيات ثم الماجيستر في الخمسينات.
وخلال مرحلة تحصيله العلمي بباريس احتك بالكثير من الأسماء الكبيرة في عالم الفكر والفلسفة على غرار ’’ جون بول سارتر’’ و ’’ أندريه جيد’’ بالإضافة إلى أنه كان طالبا لدى ’’ غاستون باشلار’’ و’’ لويس ماسينيون’’.
توجت دراسته الجامعية بحصوله على الدكتوراه من جامعة السوربون سنة 1966 عن أطروحته ’’ فلسفة الجمال’’ والتي أبان خلال مناقشتها عن تمكن كبير وإلمام منقطع النظير باللغة الفرنسية ما جعل لجنة المناقشة تنبهر لثقافته الموسوعية التي جمعت في طياتها الفلسفة والأدب والشعر.
تراثه العلمي
كان الفيلسوف ’’ كريبع النبهاني’’ سيال الفكر والقلم فترك عدة مؤلفات قيمة جديرة بتسليط الضوء وإعطائها المكانة التي تستحقها بالنظر لما تكتنزه من تراث علمي وفكري متفرد ومنها:
’’ أشعار صبي’’ سنة 1935، ’’شكاوى العربي’’ سنة 1954، الأفارقة يتساءلون’’ صدر في باريس عام 1955 بالاشتراك مع الجنرال ’’ جان شاربونو’’، ’’ الخير والشر في القرآن’’ سنة 1968 ، الإسلام والاشتراكية سنة 1972، ’’ دفاعا عن النبي’’ سنة 1978 , ’’ فلاسفة الإسلام’’ سنة 1980 ’ ’’الغزالي’’ سنة 1985، ’’ عمر الخيام رسول إيران العالمي’’ سنة 1988 ، ’’ الإنسان الشامل: فلسفة الجمال’’ سنة 1989 ’ ’’الخوارج ديمقراطيو الإسلام’’ سنة 1991 ، ’’فلاسفة الإنسانية’’ سنة 1995 ، ’’ الإنسان في الإسلام تاريخية وانفتاح’’ سنة 2001 .
هذا بالإضافة إلى العديد من المقالات في الصحف الفرنسية والحضور في الحصص التلفزيونية إلى جانب المشاركة في العديد من الملتقيات وكذا مزاولته للتدريس بجامعة الجزائر إلى غاية وفاته سنة 2004.
حصل النبهاني على جوائز عدّة من بينها “جائزة المثقّفين الفرنسيّين” عام 1952، وجائزة الأكاديمية الفرنسية في الشعر عام 1954، و”الجائزة الأولى للتعليم العالي” في الجزائر عام 1991.
أسلوبه ورؤيته
عرف عن ’’ كريبع النبهاني’’ أنه كان نموذجا للمثقف المعتز بهويته العربية والإسلامية وكذا تفتحه على الثقافات الأخرى مشرقا ومغربا لتتشكل بذلك لديه مقومات العالم ذو الاطلاع الموسوعي.
ناقش النبهاني من خلال مساره قضايا الأمة وأبرز من خلالها رؤيته للخروج من المآزق التي تقبع فيها من خلال التمسك بمعالم الدين الإسلامي الصافي مع فتح باب الاجتهاد وإعمال العقل بما تقتضيه علوم العصر فكان في كل مرة يشخص الداء ويصف الدواء وهي أعلى مقامات المثقف العضوي الذي يعيش هموم مجتمعه وأمته.
وفاته
انتقل ’’ كريبع النبهاني’’ إلى الرفيق الأعلى في ال 9 من نوفمبر سنة 2004 مخلفا وراءه إرثا علميا وفكريا ضخما ينتظر الالتفات والتثمين والاستغلال ليكون جسرا يربط الجزائريين بعلمائهم ومفكريهم.