481
0
باتنة: قرار ولائي ينهي فوضى "الفرز العشوائي" للنفايات
التراخيص شرط لممارسة النشاط

بعد أشهر من تفاقم الظاهرة التي حولت شوارع باتنة إلى ما يشبه "مكبات مفتوحة"، وما تسببت فيه من أضرار بيئية وصحية وإقتصادية، أعلنت السلطات الولائية رسميًا عن قرار جديد يقضي بتنظيم نشاط جمع وتخزين النفايات القابلة للإسترجاع وفي مقدمتها المواد البلاستيكية.
ضياء الدين سعداوي
والي باتنة محمد بن مالك أصدر قرارًا تنظيميًا يلزم جميع الأشخاص والجهات الناشطة في هذا المجال بالحصول على ترخيص مسبق من مديرية البيئة، بإعتباره الوثيقة القانونية الوحيدة المعترف بها أمام مصالح الأمن، نقاط المراقبة والمصالح التفتيشية.
القرار جاء ـ حسب البيان ـ ردًّا على الإنتشار العشوائي للمسترجعين غير المرخصين وما نتج عنه من تشويه للنسيج العمراني، عرقلة عمل أعوان النظافة، إزعاج داخل الأحياء السكنية إضافة إلى الآثار السلبية على الصحة العمومية والبيئة.
وكان الموقع الإخباري "بركة نيوز " قد تطرقت في تحقيق سابق إلى هذه الظاهرة، مسلطة الضوء على معاناة عمال النظافة الذين يشتكون من تقطيع الأكياس البلاستيكية ونثر القمامة، فضلًا عن المخاطر الصحية التي يتعرضون لها يوميًا ، التحقيق نفسه أبرز أيضًا حجم الخسائر التي تكبدتها المؤسسات العمومية بسبب تسرب آلاف الأطنان من المواد القابلة للتدوير إلى قنوات غير رسمية، فضلًا عن توسع تجارة غير شرعية للمعادن والبلاستيك دون أي عائد ضريبي على الخزينة العمومية.
إجراءات ردعية صارمة
البيان الولائي أوضح أن أي مخالفة لأحكام القرار ستقابل بإجراءات صارمة، تشمل الحجز الفوري لوسائل الجمع والنقل وتحويلها إلى المحشر البلدي لمدة عشرة أيام، إضافة إلى إمكانية المتابعة القضائية، كما أُلزمت مصالح البلديات بإتخاذ كافة الإجراءات القانونية بالتنسيق مع الجهات الأمنية والرقابية لضمان تنفيذ القرار ميدانيًا.
*بين التنظيم والاستفادة الاقتصادية*
ويرى متابعون أن القرار الجديد يفتح الباب أمام إدماج هذا النشاط ضمن الاقتصاد المنظم، بدل تركه في خانة الفوضى التي أنهكت المحيط و الفوائد على الخزينة العمومية. فالتنظيم القانوني إذا طبق بصرامة سيمكن من استغلال النفايات القابلة لإعادة التدوير ضمن مسارات رسمية توفر حماية للعاملين وتدر عائدات ضريبية معتبرة على خزينة الدولة.
غير أن التحدي الأكبر يبقى في كيفية تحويل هذا النشاط من مصدر إزعاج وتشويه للمشهد الحضري إلى قطاع منظم يساهم في التنمية المستدامة، خاصة وأن مئات العائلات باتت تعتمد على جمع البلاستيك والخردة و الحديد كمورد رزق رئيسي.
ضرورة إدماج حماية الأطفال في هذا القرار
من أبرز ما يثير الإنتباه في هذا النشاط غير المنظم انخراط عدد كبير من التلاميذ المتمدرسين في عملية جمع وفرز النفايات. هؤلاء بعضهم لم يتجاوز الثانية عشرة من العمر يستدرجون إلى عربات يدوية أو شاحنات صغيرة يجرونها في أزقة المدينة، بدل أن يحملوا حقائب مدرسية.
يؤكد أحد الأساتذة أن "ظاهرة تسرب التلاميذ من الأقسام بطريق حملة تفاقمت، إذ يجد الكثيرون في جمع البلاستيك والحديد دخلاً يوميًا يفوق ما قد يحلم به والدهم العامل البسيط. لكن النتيجة كارثية على المدى الطويل، أطفال يضيعون بين القمامة ويحرمون من حقهم في التعليم".
ويتحدث سكان آخرون " أطفال يشاهدون وهم يفتشون في الحاويات بعد انتهاء الدوام المدرسي، ما يكشف عن عمالة قصر تتم في العلن، وسط غياب تام للرقابة أو تدخل السلطات المعنية."
تحديات قد تواجه تطبيق القرار
قرار الوالي بباتنة يبدو خطوة أولى لوضع حد لفوضى الفرز العشوائي، لكنه يطرح في الوقت ذاته أسئلة جوهرية حول قدرة السلطات على تطبيقه بصرامة، وضمان موازنة دقيقة بين حق المواطن في العمل، وحق المدينة في بيئة نظيفة وصحية.