1739
0
قوافل الهلال الأحمر الوردية تجوب باتنة لمكافحة سرطان الثدي

في سياق الجهود الوطنية لمكافحة سرطان الثدي، شهدت ولاية باتنة خلال شهر أكتوبر الجاري حركية غير مسبوقة ضمن فعاليات “أكتوبر الوردي”، قادها الهلال الأحمر الجزائري.
استطلاع : ضياء الدين سعداوي
و ذلك بالتنسيق مع مديرية الصحة والسكان، وعدد من المؤسسات العمومية الإستشفائية. وقد تحولت الحملة، التي انطلقت منذ مطلع الشهر، إلى نموذج للتعاون بين الهيئات الصحية والمجتمع المدني في سبيل نشر ثقافة الوقاية والكشف المبكر.
تنسيق متعدد الأطراف لخدمة الهدف الصحي
تندرج هذه الحملة في إطار البرنامج الوطني للتحسيس بمخاطر سرطان الثدي، الذي يشرف عليه الهلال الأحمر الجزائري عبر لجانه الولائية.
ففي باتنة، تولت لجنة الصحة للهلال الأحمر الجزائري بالتنسيق مع مديرية الصحة والسكان الإشراف الميداني على القوافل الطبية التحسيسية، تحت إشراف لجنة الصحة بالمجلس الشعبي الولائي، وبمرافقة طبية من بعض المؤسسات العمومية للصحة الجوارية بالولاية ومستشفى الأم والطفل مريم بوعتورة.
وقد أبرز هذا التنسيق الشامل فعالية المقاربة التشاركية بين القطاعات، إذ جمعت بين الخبرة الطبية الرسمية والديناميكية التطوعية للهلال الأحمر، ما أتاح إيصال الخدمة الصحية إلى أبعد مناطق الولاية.

قوافل طبية تجوب المناطق النائية
بلدية أولاد فاضل كانت من بين محطات القافلة ، حيث نظم يوم تحسيسي متكامل شمل حملات توعية وكشوفات طبية مجانية لفائدة النساء من مختلف الفئات العمرية.
القافلة، التي انطلقت اليوم الخميس من منطقة لڨرين ، تزامنا مع إحياء الذكرى 71 لإجتماع لڨرين التاريخي، حيث جابت القافلة مناطق لڤرين ومشتة بومعراف، أين استفادت النساء من فحوص أولية في الطب العام وأمراض النساء، إضافة إلى جلسات شرح حول أهمية الكشف المبكر ودور الفحص الذاتي.

أما الحالات التي أظهرت مؤشرات تستدعي متابعة طبية متخصصة، فقد أحيلت مباشرة لإجراء فحوص الأشعة (ماموغرافيا) على مستوى المركز الاستشفائي الجامعي تهامي بن فليس، مع تكفل كامل من طرف الهلال الأحمر الجزائري، في بادرة تعكس روح التضامن الإجتماعي التي تميز نشاطاته.
الإنتشار الأفقي للحملة عبر البلديات
لم تقتصر المبادرات على بلدية أولاد فاضل، بل امتدت قبل أيام قليلة لتشمل مناطق أخرى من الولاية.
ففي سريانة، نظمت اللجنة المحلية للهلال الأحمر الجزائري بالتنسيق مع المؤسسة الإستشفائية مريم بوعتورة حملة تشخيصية وتحسيسية مكثفة، استهدفت النساء العاملات وربات البيوت على حد سواء.

كما احتضنت بلدية الحاسي قافلة طبية متنقلة أشرفت عليها المؤسسة العمومية للصحة الجوارية بعين جاسر، بالتعاون مع العيادة المتعددة الخدمات بالحاسي، وشملت القافلة منطقتي مشتة أولاد أعيش ومشتة أولاد زريطة.
وخلال هذه الجولة، استفادت 23 امرأة من فحوص طبية مجانية، وتلقين إرشادات عملية حول أهمية الكشف الذاتي والفحص الدوري في الوقاية من سرطان الثدي.
هذا الإنتشار الأفقي للحملة عبر البلديات والمشاتي، أعطى بعداً ميدانياً حقيقياً لشعار “الصحة للجميع”، مؤكداً أن الوقاية ليست ترفاً حضرياً، بل حقاً أساسياً لكل امرأة مهما كان موقعها الجغرافي.

حملة ولائية واسعة وإقبال قياسي
في موازاة القوافل الميدانية، أطلقت اللجنة الولائية للهلال الأحمر الجزائري بباتنة حملة تحسيسية مركزية بقلب عاصمة الولاية استمرت حتى 19 أكتوبر، عرفت مشاركة مكثفة من النساء والمواطنين والمؤسسات الصحية.

وقد تخللت الحملة توزيع بطاقات فحص بالأشعة (ماموغرافيا) للكشف بالمركز الإستشفائي الجامعي تهامي بن فليس، إلى جانب قسائم فحص مجانية لدى الطبيبة المختصة في أمراض النساء والتوليد الدكتورة قورماط.
الإقبال كان لافتاً منذ اليوم الأول، إذ تم تسجيل 843 امرأة زارت نقاط الفحص في يوم واحد، وهو رقم يعكس نجاح الإستراتيجية التحسيسية للحملة، التي اعتمدت على المرافقة الميدانية والتواصل المباشر مع المواطنات.

من التحسيس إلى المرافقة ، نموذج في التكفل الشامل
لم تقتصر الحملة على الجانب التوعوي أو الفحوص الأولية، بل تجاوزت ذلك إلى مبدأ التكفل الكلي بالحالات المشتبه فيها، من خلال شراكة مؤسساتية متكاملة بين الهلال الأحمر ومديرية الصحة.
وقد سمحت هذه المقاربة بخلق مسار صحي واضح من الكشف الميداني إلى التشخيص المتقدم، ثم التوجيه نحو العلاج والمتابعة النفسية والإجتماعية.
يقول زكرياء سلوم رئيس اللجنة الولائية للهلال الأحمر الجزائري بباتنة:“هدفنا أن لا تكون هذه الحملة مجرد نشاط ظرفي، بل لبنة في بناء منظومة مستدامة للوقاية. كل امرأة يتم توعيتها اليوم، يمكن أن تنقل الوعي إلى عشر غيرها.”
الجانب العلمي و الطبي للحملة
من الناحية الطبية، ركزت الحملات على شرح مفهوم الكشف الذاتي المنزلي، والتأكيد على ضرورة إجراء فحوص دورية بعد سن الأربعين أو عند ظهور أي أعراض غير طبيعية.
الأطباء والممرضون المتطوعون قدموا شروحات مبسطة للنساء حول العلامات الأولية للمرض، والعوامل المؤثرة في الوقاية، مثل النظام الغذائي، النشاط البدني، والإبتعاد عن التدخين والدهون المشبعة.
وتشير البيانات الطبية إلى أن سرطان الثدي هو الأكثر شيوعاً بين النساء في ولاية باتنة ، وأن نسبة الشفاء في حال الكشف المبكر تتجاوز 90 بالمائة.
من هذا المنطلق، أكد مسؤولو الحملة أن التحسيس لا يقل أهمية عن العلاج، لأن الوعي هو الخط الدفاعي الأول ضد المرض.
دور الهلال الأحمر الجزائري بين العمل الإنساني والدعم الصحي
أثبتت تجربة أكتوبر الوردي في باتنة الدور المحوري للهلال الأحمر الجزائري كفاعل إنساني وصحي في آن واحد.
فمن خلال لجانه الولائية والمحلية، ينجح الهلال الأحمر في الجمع بين النشاط التطوعي والمرافقة الطبية المنظمة، مقدماً نموذجاً للتكامل بين المجتمع المدني والمؤسسات العمومية.
توضح ذلك ذكرى بن عميرة رئيسة لجنة الصحة بالهلال الأحمر بباتنة أن هذا النجاح يعود إلى “التحضير المسبق والإعتماد على قاعدة بيانات محلية تساعد في تحديد الأولويات والمناطق ذات الحاجة القصوى”، مؤكدة أن الحملة “ستتواصل على مدار السنة من خلال ورشات توعوية دورية داخل المدارس والمصالح الإدارية والفضاءات النسوية”.
التموين واللوجستيك معادلة التضامن والتنظيم
من الناحية التنظيمية، اعتمدت الحملة على إمكانيات لوجستية متعددة، شملت سيارات إسعاف مجهزة، وحدات متنقلة للفحص، وأجهزة تصوير بالأشعة متوفرة عبر اتفاقيات تعاون مع المؤسسات الصحية.

هذا التعاون اللوجستي، يمثل نموذجاً ناجحاً للتكامل بين القطاع العام والمجتمع المدني، يمكن تعميمه على ولايات أخرى لتحقيق العدالة الصحية عبر التراب الوطني.
الوعي الصحي في مناطق الظل و التحدي الدائم
رغم النجاحات المسجلة، لا تزال مناطق الظل في باتنة تواجه تحديات حقيقية في مجال الوعي الصحي، خصوصاً وسط النساء ربات البيوت اللواتي يصعب وصول المعلومات الطبية إليهن.
وتؤكد دراسات ميدانية محلية أن نحو 60% من النساء في المناطق الريفية لم يجرين أي فحص وقائي طيلة حياتهن، وهو ما يفسر ارتفاع معدلات الكشف المتأخر عن المرض.

من هنا، تسعى مديرية الصحة بالتعاون مع الهلال الأحمر إلى إدماج برامج التوعية ضمن الحملات الصحية الدورية، لضمان استمرارية التثقيف الصحي حتى بعد انتهاء أكتوبر الوردي.
نحو استراتيجية دائمة للكشف المبكر
تختتم الحملة نهاية شهر أكتوبر الجاري ، لكن يجب أن تكلل بتوصيات تدعو إلى تحويل شهر أكتوبر إلى نقطة انطلاق لبرنامج سنوي مستمر، يشمل كل ولايات الوطن، مع إنشاء سجل وطني للحالات المشخصة في إطار القوافل الطبية، لتسهيل المتابعة والعلاج.
مع التوصية على إنشاء شبكة دعم نفسي واجتماعي للمصابات، تضم مختصين ومتطوعين، تماشياً مع المقاربة الشاملة للصحة الجسدية والعقلية.

“أكتوبر الوردي ليس مجرد حملة موسمية، بل مشروع وطني لبناء وعي صحي مستدام،”
يقول أحد الأطباء المشاركين في القافلة، مضيفاً أن “ما بدأ في قرية أولاد فاضل يمكن أن يتحول إلى نموذج وطني للوقاية المجتمعية.”
من الوعي الفردي إلى الثقافة المجتمعية
ما ميز تجربة باتنة في أكتوبر الوردي هذا العام هو انتقالها من مرحلة التحسيس الفردي إلى الوعي الجماعي المنظم.
فقد أسهم التنسيق المؤسسي بين الهلال الأحمر ومديرية الصحة والمجالس المنتخبة في بناء نموذج محلي يحتذى به، حيث تحولت الوقاية من سرطان الثدي إلى مسؤولية مشتركة بين المواطن والدولة والمجتمع المدني.
في نهاية المطاف، لم يكن الوردي في باتنة مجرد لون احتفالي، بل رمزاً لوعي يتجذر، وتضامن يتحرك، وصحة تتوسع آفاقها في خدمة الإنسان قبل كل شيء.

