1275
0
قمر عبد الرحمن تتحدث عن الوطن وكيف تأثرت بفن الهايكو الياباني
الشاعرة الفلسطينية في الجزء الثاني من حوارها لبركة نيوز

في الجزء الثاني من حوارنا مع الشاعرة الفلسطينية قمر عبد الرحمن، أفضت عن الكثير من الأحاسيس الجياشة التي حركت موهبتها الشعرية وجعلتها تتميز في عالم الأدب، عن الهوية والوطن كان لنا حديث.
حاورها الحاج بن معمر
كيف يعكس شعر قمر عبد الرحمن الهوية الفلسطينية في ظل التغيرات السياسية والإجتماعية؟
كل كتاباتي، أو أغلبها لأكون صادقة عن القضية الفلسطينية، استمراري في الكتابة عن قضايا شعبي يعكس قضيتي بشتى الطرق، ويمكنني مشاركة مثال على ذلك بنص شعري يصف تداخل وتأثر الهوية الفلسطينية مع التغيرات السياسية والاجتماعية..
رسالةٌ إلى الحزن المعتّق
أكتب
كي أفجّرَ الحزنَ.. وبعض الكتابةِ تهمة
أكتب كي ينتصرَ النّهارُ على سرّ العَتمة
كي تصافحنَي السّنابلُ كلّما ارتعشت غيمة
أكتب كي تعانقَني الورودُ على حين ضمّة
أكتب
حتّى أنقذَ البلادَ من أضراسِ الجنون
حتّى أنقذَ المرأةَ من نفسِها، جرّاء الظّنون
أُخرِج النّص كحمامةٍ من قبعةٍ سّاحرة
أخترع القصيدة من جيوب الذّاكرة
أنتزع الكتابة من الحروف المعاصرة
أجرح كثافة المعنى بنصوصٍ مغامرة
أرتكب ذنب الكتابة
كي تبقى المرأة مرأةً.. كي يبقى الرّجل رجلًا
وكي يعودَ الإنسانُ إلى طبيعة الإنسان
أرتكب ذنب الثّقافة.. كي يدرك السّكان
الفرقَ بين صباح القرنفلة وصباح المقصلة
والفرقَ بين مساءٍ مع رمانة ومساءٍ في زنزانة
كي يسقطَ الطّغاة، ويذوبَ الطّغيان
أرتكب ذنب الإبداع
كي أبقى طفلةً في يقين عيني..
كي يسقطَ غرور المثقفين..
وكي أكون صوتًا لمن لا يملكون اللّسان
أتعطّر باللّغة، كما تتعطّر ربّةُ البيت بشجرة اللّيمون
أتنهد بين الصّفحات..
وأشتاق لها، كاشتياق أسيرٍ لحاسّة اللّمس ولغة العيون
أكتب
كي أحوّلَ دموعَ الشّعوب إلى دروب
كي أقلّدَ الأطفالَ في الخطايا والذّنوب
أكتب دون موعدٍ، كسطوع جبينه في كلّ مرّة
وهل هناك شمسٌ أبهى من جبين المحبوب
يا أصدقائي.. أنا أكتب كي أصل لأعماق نفسي
فأنا الصّوت الذي يمشي.. بحريةٍ بين عنابر السّجون
أنا أحلم.. أحلم أن أحطّم القضبان والحكّام والقانون
كيف تتعاملين مع موضوع الألم والذاكرة ؟ وهل تعتقدين أن الشعر يمكن أن يكون وسيلة للتعافي؟
الألم والذاكرة توأمان لا يفترقان، حيث لا يوجد ألم بلا ذاكرة، ولا يوجد ذاكرة بلا ألم، في أغلب نصوصي الشعرية هناك مسحة ألم، لأني أكتب عن فكرة، وأغلب الأفكار في بلادي حزينة لأنها مهاجَمة من قبل المجتمع أو الأفراد أو العدو للأسف طبعًا، مثلًا فكرة إثبات الحق في الأرض وهو حق، يبعث على الألم، وفكرة إثبات حق المرأة في اختيار شريكها محزنة جدًا لأنه ببساطة حق مشروع لها كإنسانة. لكن هذا واقعنا حتى حقوقنا الطبيعية ننتزعها بصعوبة بالغة.
نعم، لا شك أن الشعر وسيلة فاعلة للاستشفاء، والكتابة بشكل عام تداويني ولطالما نجحت في إخراجي من حالات نفسية كنت أحلم أن أتخطاها، ولم أفلح بذلك إلا من خلال الكتابة، لذلك أنصح أي متألم بالكتابة.
كيف ترين دور المرأة في تشكيل الأدب الفلسطيني، وهل هناك أصوات نسائية تعتبيرينها محورية؟
دور المرأة عظيم في الأدب الفلسطيني لأنها تضفي الرهافة والإحساس على الأدب، مهما كانت المعاناة تستطيع المرأة أن تبسّط الحدث بلغتها، لديها أسلوب تعرف به من قبل أن تقرأ أن كاتب النص امرأة.
نعم.. هناك أصوات نسائية أعتبرها محورية في الأدب الفلسطيني، وهن الأديبات الأسيرات اللواتي كتبن داخل السجن أو خارجه أمثال الأديبة عايشة عودة، ومي الغصين، وغيرهن لأنهن يملكن تجربة عميقة وزاخرة، واستطاعن رؤية المشهد من الداخل والخارج، ولديهن فلسفة خاصة بعيدة عن فلسفتنا نحن.
هل تعتقدين أن اللغة آداة للمقاومة وكيف تعكس كتاباتك هذا المفهوم؟
نعم اللغة أداة المقاومة، والعدو يخشى القلم كما يخشى البندقية، ولو لم يكن كذلك لما اغتيل غسان كنفاني، وناجي العلي، وباسل الأعرج، العدو يخشى حاملي الفكرة لأنها أشد تأثيرًا على أجيال كاملة، وليس على جيل واحد، وكتاباتي المستمرة عن القضية أنا وأصدقائي يعتبر مقاومة.
هل هناك أساليب أو أشكال شعرية جديدة تأثرت بها في كتاباتك؟ وكيف تتناولين القضايا المعاصرة في قصائدك مثل حقوق الإنسان و العدالة الاجتماعية.؟
أحاول دائمًا اكتشاف جديد ما في الأدب والكتابة فيه، جربت قبل ذلك كتابة فن الهايكو المكثف الرمزي، وتعرضت لهجوم بصفته فنًا يابانيًا، لكني كتبت كثيرًا فيه وأصدرت ديوانين فيه، وشرفني الأديب جميل السلحوت بقراءة لديوان الهايكو خاصتي "صلاة الدموع".
تأثرت بالهايكو ، وكتبت فيه بما يتوافق مع القضايا العربية.. كما تأثرت بأشعار شكسبير وأميل جدًا لأسلوبه في الكتابة، فكل سطر شعري له يمنحني إلهامًا كبيرًا.
بصراحة كنت أؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان لكن بعد حرب الإبادة على غزة، لم أعد أؤمن بهذه الشعارات لأنها تطبق في كل العالم على النحو الصحيح إلا في بلادي تطبق على نحو معاكس.
هل تعتقدين أن الأدب يمكن أن يساهم في إحداث تغيير إجتماعي أو سياسي، كيف ترين ذلك في ياق الأدب الفلسطيني؟
يساهم الأدب في إحداث تغيير على المستوى الشخصي، فمن المؤكد أنه سيحدث تغييرًا على المستوى الاجتماعي والسياسي، وأجيال كاملة تأثرت وثارت من قصائد محمود درويش مثل سجل أنا عربي، وقصائد سميح القاسم مثل تقدموا.. تقدموا، وقصائد راشد حسين وتوفيق زياد وغيرهم من الادباء والشعراء.
كيف تصفين عملية الكتابة وهل لديك طقوس معينة أوعادت تساعدك على الإبداع؟
سؤال جميل جدًّا، أنا أصف الكتابة هي دمج مزيج من المشاعر وإسقاطها على الورق لتنسيق نصٍ جميل ومبدع لا علاقة له بما تشعر!
لا يوجد لدي طقوس معينة أنا أكتب في كل الأوقات وفي أغلب الظروف، لكن هناك أمرٌ أهم من الكتابة لا أستطيع الكتابة خلاله أو الإبداع وهو انشغالي بمهمة عائلية، فعائلتي لها حق الأولوية في كل شيء، يمكن أن أمحص الفكرة في رأسي خلال انشغالي، لكن لا أكتب قبل الانتهاء من واجبي العائلي.
كيف تتعاملين مع الضغوط النفسية التي قد تواجيهينها ككاتبة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني؟
أتخلص من الضغوط النفسية بالروحانيات، الصلاة والدعاء وقراءة القرآن، وتفريغ الطاقة السلبية عن طريق ممارسة الرياضة بأشكالها المتعددة، الزومبا، والتنفس العميق، والسباحة، وركوب الخيل، والاستيقاظ باكرًا والتأمل، وابتكار الضحك، والتحدث مع الأطفال، وغيرها حتى أعود للكتابة بعقلٍ وقلبٍ سليم.
هل تشعرين أن لديك مسؤولية معينة اتجاه جمهورك، وكيف ينعكس ذلك على كتاباتك؟
نعم.. أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه المتابعين واهتماماتهم، ولا يمكنني أن أنشر شيئًا لا يتوافق مع الأحداث.
أهتم للاستماع لمن يكبروني في العمر والثقافة، وأهتم أيضًا برأي الكتاب الجدد، أستفيد من الجهتين، أشعر أني بالمنتصف مرةً أميل للفئة الشّابة وتمردها، ومرةً أميل لوقار وهدوء ذوي الخبرة.
كيف ترين تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الإجتماعي على الأدب، وهل ساهمت في نشر شعرك بشكل أكبر؟
بالنسبة لي كان تأثير مواقع التواصل الاجتماعي علي ككاتبة، تأثيرًا ممتازًا، لقد وصلت لأغلب ما أحلم به من خلال العالم الافتراضي، ففي وجهة نظري الافتراضي يؤدي للواقعي، وأغلب الأصدقاء والصديقات التي تعرفت عليهم وما زلت أعتز بهم، عرفتهم خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وقلة جدًّا من التقيت بهم حتى الآن. ولقد ساهمت بشكل فعال بوصول صوتي للمتابعين بالوطن العربي والعالم.
هل لديك تجارب في التعاون مع كتاب آخرين؟ وكيف يمكن أن يسهم التعاون في تعزيز الأدب الفلسطيني؟
نعم لي تعاونات أدبية مع أدباء العرب، في ديوان العرب في مصر، وتم طباعة كتاب مشترك وعرض في معرض القاهرة قبل سنوات، ومشاركة أخرى ضمن موسوعة مع الأستاذ محمود الشبول وعرض خلالها قصتي "القاتل البريء" ومشاركات في كتب هايكو مع الأستاذ محمود الرجبي، وآخرها كتاب مشترك مع الأستاذ زياد جيوسي "رسائل قمر عبد الرحمن" وهو قيد الإعداد.
كيف تحاظين على التوازن بين حياتك الشخصية، وحياتك الإبداعية، وكيف تواجهين مختلف التحديات؟
هناك تحديات وضعوطات عديدة، تدربت صراحة على تجاوزها بنفسي، كالجلوس وحدي، والخروج من المشكلة والنظر إليها من بعيد ليسهل حلها، والرياضة ساعدتني كثيرًا في تجاوز كل صعوبة، كما أن الحديث مع من نحب يحجم أغلب المشكلات التي نعتقد أنها معقدة، وبين تحدٍ وآخر أكتب كثيرًا فيصير الأمر أسهل مما أتوقع.
بصراحة الإبداع عملية معقدة؛ لأنها إسقاط المعاناة الشخصية أو معاناة الآخرين على الورق، ثم تنسيق النص بما يليق مع الفكرة والمتلقي، لتكتشف فيما بعد أن النص مبدع ولامس القراء، لكنه لم يعبر عنك كما يجب، فتعود لابتكار نصًا وإبداعًا جديدًا، وهكذا حتى يصير الإبداع عادة، ثم تصل لمرحلة الاحتراف، وتصبح تتقن الإبداع حتى في أحلك الظروف صعوبة، وربما تستغل كل لحظة ألم لإبداعٍ جديد.
كلمة أخيرة ؟
أشكر الصحافة الجزائرية التي فتحت لنا فضاءا للتعبير عن قضيتنا ونشر أفكارنا ونتمنى أن يكون موقع بركة نيوز جسرا للثقافة والأدب بين الجزائر وفلسطين يضاف إلى الروابط القوية التي تجمع بين الشعبين.