391

0

قضية الأسرى توحّد الدم، وغزة تفرح لفرح الضفة

 

بقلم/ حلمي أبو طه

في السابع عشر من نيسان/أبريل من كل عام، نقف نحن الفلسطينيون وكل أحرار العالم إجلالًا وإكبارًا لواحدة من أنبل قضايا العصر: قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي. فهذا يوم الأسير الفلسطيني، فهو ليس مجرد مناسبة رمزية تمرّ على الروزنامة، بل هو محطة لتجديد العهد مع أولئك الرجال والنساء الذين دفعوا حريتهم ثمناً لكرامة وطنهم، فصاروا شعلة تنير درب النضال والمقاومة. يتعرض الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال لسلسلة طويلة من الانتهاكات الممنهجة التي تخالف كل مواثيق ومعايير حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وتتمثل أبرز هذه الانتهاكات في: التعذيب الجسدي والنفسي أثناء التحقيقات، وهو ما وثقته منظمات حقوقية دولية مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش. ناهيك عن الإهمال الطبي المتعمد حيث يحرم الأسرى المرضى من العلاج المناسب، مما أدى إلى استشهاد عدد منهم داخل السجون. إضافة إلى العزل الانفرادي الذي يُمارس كوسيلة للعقاب النفسي وكسر إرادة الأسير عبر إبقائه لفترات طويلة في زنازين ضيقة ومظلمة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية. والحرمان من الزيارات، حيث يُمنع الكثير من الأسرى من لقاء ذويهم في انتهاك صارخ للمواثيق الدولية التي تضمن حق التواصل العائلي للأسرى. ويمثل الاعتقال الإداري أبشع صور الاعتقالات التعسفية بلا تهمة أو محاكمة، والذي يُجدد تلقائيًا بناءً على ملفات سرية لا يسمح للأسير أو محاميه بالاطلاع عليها، مما يجعل مصيرهم معلقًا بلا سقف زمني محدد.

 

رغم هذه الانتهاكات الممنهجة يواصل الأسرى الفلسطينيون تقديم دروس خالدة في الصبر والصمود والثبات والعزة، فمن خلال الإضرابات المفتوحة عن الطعام والاحتجاجات المتواصلة داخل المعتقلات، يثبت الأسرى أن إرادتهم عصية على الانكسار، وأن عزيمتهم أقوى من أسوار السجن وقسوة السجّان. فمعركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها الأسرى بأجسادهم العارية في مواجهة آلة القمع الإسرائيلية، تظل واحدة من أعظم صور المقاومة السلمية والتي حققت عبر السنوات انتصارات مهمة رغم التكاليف الباهظة. فيوم الأسير هو تذكير دائم بأن قضية الحرية ليست خيارًا، بل قدرٌ يتجدد مع كل أسير يُعتقل، وكل زنازين تغلق خلفها حلم فلسطيني بالتحرر، وصرخة ضد الصمت الدولي ورسالة أن الأسرى ليسوا مجرد أرقام، بل هم قناديل تضيء درب الحرية. وما أجمل أن نحتفل بيوم الأسير الفلسطيني بخروج آخر أسير من سجون الاحتلال، والاجمل أن نكون عند حسن ظن الله بنا، مدركين يقيناً أننا في كل شبر من أرض فلسطين، سواء في غزة أو الضفة أو أراضي الداخل شعب واحد، مصيرنا واحد، وقضيتنا واحدة. وأن قدرنا أن نكون على هذه الأرض المباركة التي اختارنا الله لنعمرها ونرابط فيها، والطريق أمامنا واضح: فليحرص كلا منا أن يكون قد بيت نية الرباط وأن يجدد هذه النية مع أبناءه وأحفاده.

 

رغم الجراح العميقة التي تنزفها غزة، فإن فرحة الضفة بتحرير الأسرى هي فرحتنا جميعًا. فالأسرى أبناء الوطن الواحد ودمهم يجري في شرايين كل فلسطيني حر. ولتبقى مشاعرنا موحدة تتجاوز الألم وتنتصر للحرية. فغزة لا تحزن لفرح الضفة، بل تزهر بالأمل وتؤمن أن حرية الأسرى بداية لحرية الأرض والإنسان. خاصة في ظل بعض الأقوال التي أُثيرت بقصد الفتنة والمغرضة التي تزعم أن غزة وحدها تدفع الثمن بينما الضفة تحتفل وتوزع الحلوى خلال تنفيذ صفقات التبادل التي تمت في الاشهر السابقة. وهذا قولٌ مبتور لا يخرج إلا من ضعاف النفوس، ممن قصر فعلهم وطال لسانهم. ومن هنا ومن مخيمات النزوح ومن وسط وعمق معاناتنا وآلامنا وآمالنا نقولها بوضوح وليسمع القاصي والداني: الضفة وأهلها جزء أصيل من نسيج شعبنا الفلسطيني، شأنهم شأن أهل غزة وأهل الداخل، يتحملون عبء الاحتلال يوميًا، ويقدمون الشهداء والأسرى والجرحى، ولا يليق بنا إلا أن نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدة أمام هذا المحتل. والله وتالله وكأني من مكاني هذا ومن وسط خيام النازحين أستشعر شعور كل أسرانا في سجون ومعتقلات العدو الإسرائيلي، ولسان حالهم وهم خلف قضبان السجون، يقولون - لو خُيّرونا بين معانقة الحرية وبين وقف حرب الإبادة على غزة - لاخترنا جميعاً دون أن يتخلف منا واحد البقاء في الزنازين، فداءً لغزة وأهلها الصامدين. نعم إن قيدهم أهون عليهم من رؤية شعبهم يباد، وسجنهم أرحم من أن تتحطم أحلام أطفال غزة تحت ركام البيوت. إن أسرانا اليوم يرسلون رسالة وفاء ودم، أن الحرية التي لا تحمل الكرامة لشعبهم ليست حرية، وأن الألم الشخصي يهون أمام آلام وطن بأكمله.

 

في هذه الأيام الحالكة والصعبة، حريٌّ بنا أن نكون على قدر وحجم المسؤولية، أوفياء لعهد أسرانا وتضحياتهم، فدعم الأسرى واجب وطني وأخلاقي، يتطلب حشد الطاقات على كافة المستويات، فحرية الأسرى هي جزء لا يتجزأ من حرية الوطن، وصبرهم خلف القضبان هو وقود الاستمرار في معركة التحرر الوطني. فهم شهداؤنا الأحياء، الذين اصطفاهم الله لحمل أمانة الأسر والرباط، أولئك من نرجو من الله أن يكون شملهم قوله جل في علاه: {ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً}. ثابتين على طريق الحق، فهم من بدأوا المسير نحو الحرية. لهم علينا نصرةً ودعاءً ووفاءً. فمن خذلهم أو قصر في حقهم، فقد عرض نفسه للوعيد الذي جاء في حديث رسولنا الكريم: "من خذل مسلماً في موطنٍ يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته، خذله الله في موطن يحب فيه نصرته". فالتقصير في نصرتهم خذلان لا يليق بشعب صابر مرابط، فلنكن عوناً لهم بالدعاء، والدعم، والعمل الجاد على كل المستويات لنيل حريتهم، ولنجعل من يوم الأسير الفلسطيني هذا العام يوماً للوحدة، وللعهد بأن نواصل طريقهم حتى ينكسر القيد، ويعلو صوت الحرية في كل شبرٍ من أرضنا الحبيبة. حتى يأتي يوم نحتفل فيه جميعًا بخروج آخر أسير من سجون الاحتلال، ونرفع رؤوسنا عاليًا أمام العالم. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services