261

0

حين يرتبط النجاح الدراسي بحصن كتاب الله ... إنجازات ترسم ملامح مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم

في زمن تتسارع فيه الخطى نحو الماديات وتغيب فيه القيم الروحية عن كثير من جوانب الحياة، تظل بيوت القرآن منارات مضيئة تهدي القلوب وتزكي النفوس، ومن بين هذه المنارات المشرقة، تبرز مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم كصرح رائد يجمع بين أصالة رسالة القرآن وعصرية الوسائل في تبليغها. 

بثينة ناصري 

وتعتبر مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل مشروع حضاري متكامل يسعى لغرس حب كتاب الله في القلوب، وصياغة جيلٍ واعٍ قادر على الجمع بين العلم والعمل، بين الإيمان والبناء، ليكون القرآن الكريم منهج حياة ونبراس مستقبل.

أمثال عديدة لنجاحات وتفوقات رسمتها أجيال تمكنت من ختم القرآن الكريم في وقت وجيز على مستوى المؤسسة، جعلت من "بركة نيوز" تزور مقر المدرسة القرآنية النموذجية في مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم للتعرف على أسرار هذا التميز، والوقوف على الجهود المبذولة من قِبل القائمين على تعليم وتحفيظ كتاب الله.

 من البذرة إلى المنارة...قصة تأسيس مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم

 مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم هي مؤسسة قرآنية شبابية تُعنى بتعليم القرآن الكريم وعلومه، تأسست سنة 2013 وأخذت اعتمادها الرسمي سنة 2022 من وزارة الداخلية، وتغير إسمها من مشروع النهضة بالقرآن الكريم إلى مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم.

وبالحديث أكثر عن تفاصيلها أبرز محمد بن الحاج جلول المكلف بالمدارس القرآنية النموذجية بمؤسسة النهضة بالقرآن الكريم، أن انطلاقة المؤسسة كانت عن طريق مخيمات الحفظ المكثف التي يجتمع فيها الطلبة في مكان واحد مدة 12 يوما يحفظون القرآن الكريم، منذ صلاة الصبح إلى غاية صلاة المغرب في العديد الولايات وهذا في أيام العطل، مؤكداً أن هذه المخيمات لاقت نتائج جيدة جداً ورواجا لدى الطلبة وهذا بالنظر إلى العدد الكبير المتواجد في هذه المخيمات. 

وتابع قوله "واستمرت المؤسسة في تنظيم المخيمات إلى غاية سنة 2019 بعد أن جاءت جائحة كورونا، واضطرت المؤسسة إلى توقيف المخيمات الحضورية بحكم تواجد العديد من الأشخاص فيها تفاديا لانتقال المرض وانتشاره، وتم في تلك الفترة اللجوء إلى فكرة المشاركة في هذه المخيمات عن بعد عن طريق منصة الرقمية".

مشاريع قرآنية رائدة تعكس رؤية متجددة

فيما كانت زيارة "بركة نيوز" فرصة للاطلاع عن قرب على بيئة تعليمية متكاملة، تنبض بروح الإيمان والانضباط، حيث يجتمع المعلمون والطلاب على مائدة القرآن، يتدارسونه آيةً آية، ويحفظونه عن ظهر قلب، في أجواء يختلط فيها صوت التلاوة العذب بعبق الإخلاص وحب العلم.

وبهذا الشأن، أوضح أن المؤسسة لها أربعة مشاريع استراتيجية تركز عليها وفي مستهلها مشروع مخيمات الحفظ المكثف على مختلف ولايات الوطن، والذي تعرف اقبال مكثف جدا خلال فترة الصيف في شهري جويلية وأوت، متطرقا أيضاً إلى المشروع الثاني المتمثل في المقرآت الالكترونية لتحفيظ القرآن الكريم عن بعد بمعدل حصتين الاسبوعياً، وهي مفتوحة لجميع الفئات تحوي على برنامج سنوي، وامتحان نصف سنوي، مؤكداً أنه بإمكان أي شخص المشاركة في هذه المقرآة بداية من سن 14 سنة، باعتبار ان هذه المقرآة متواجدة ومخصصة لمن لا يستطيع حفظ القرآن الكريم في المدارس والمخيمات وهذا الأمر مفيد جدا -حسب محدثنا- خاصة بالنسبة للعمال والنساء الماكثات في البيت. 

أما المشروع الثالث متعلق بفضاء أكاديمية النهضة بالقرآن الكريم، حيث أفادنا بن الحاج جلول أنها مخصصة للأشخاص الذين يريدون ختم القرآن الكريم في مدة ثلاث سنوات، ويحوي على برنامج مفصل ومكثف وحلقات قرآنية ونشاطات حضورية، مشيراً إلى أن البرنامج عبر هذا الفضاء يتم عن طريق الانتقال من مرحلة الحفظ إلى مرحله الإجازة ثم مرحلة التفسير والتدبر، معتبراً هذه الاكاديمية تزاوج بين الميداني والالكتروني. 

وفيما يتعلق بالمشروع الرابع وهو المدارس القرآنية النموذجية، قال محدثنا في هذا الصدد "نريد من خلالها صناعة نموذج متميز في تعليم القرآن والذي تستقبل جميع الفئات والاعمار من أربع سنوات إلى غاية 50 و60 سنة، وتعمل هذه المدارس على مدار السنة يومياً من خلال تنظيمها عبر أفواج خاصة بالنساء والرجال وعبر كل الأطوار الدراسية، والتي تريد المؤسسة من خلالها الخروج بحفظة ومعلمين والانتقال من الحفظ المجرد إلى التدبر للخروج بأجيال وأشخاص مثقفين وواعين ذو قيم تخدم الأمة والوطن. 

وكشف الحاج بن جلول أن المؤسسة تحوي على 25 مدرسة متواجدة عبر 16 ولاية والمنتسبون في المدارس القرآنية حوالي 4000 طالب، مشيراً أن العدد في المخيمات يختلف في كل سنة وفي كل مخيم وهذا بقدرة استيعاب من 50 إلى 70 طالب ونفس الشيء بخصوص الاكاديمية والمقرآت الالكترونية.

واستبشر المكلف بالمدارس القرآنية النموذجية على مستوى مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم، بالاقبال الكبير الذي تعرفه المؤسسة من طلبة طموحين يريدون ختم القرآن الكريم في وقت وجيز، منوهاً بذلك إلى مجهودات كل من الاداريين والأساتذة الذين يسعون إلى خدمة القرآن الكريم وتلقينه للأجيال الصاعدة.

ثمار النجاح… قصص تلهم الأجيال وأهداف سامية تنسج خريطة الطريق نحو النهضة

وبنظرة ممزوجة بالافتخار والاعتزاز تقاسم محمد بن الحاج جلول فرحة مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم حين تم تكريم 500 حافظ وحافظة للقرآن الكريم من مختلف ولايات الوطن ضمن الطبعة الثامنة لمشروع تحفيظ كتاب الله تعالى في حفل بهيج بجامع الجزائر.

وأفاد أن المؤسسة تصبو إلى العديد من الأهداف المستقبلية الرامية إلى تخرج طلبة حفاظ لكتاب الله تعالى متقنين، سواء من حيث أحكام التلاوة أو من حيث الضبط، متطرقا إلى مسابقة نخبة الحفاظ لسنة 2025 والتي جاءت فكرتها من غزة، موضحاً أنه يتم عرض 60 حزب من القرآن الكريم في جلسة واحدة وبدأت هذه المسابقة عبر مراحل المرحلة الأولى تمثلت في عرض ربع القرآن (15 حزبا) ثم المرحلة الثانية يتم عرض فيها 30 حزب في جلسة واحدة، أما الثالثة 45 حزباً إلى أن يتم الوصول إلى المرحلة الأخيرة.

وتابع حديثه أن المسابقة بدأت بـ 1100 مسجل على المستوى الوطني فيما وصل الى المرحلة النهائية الذين اتموا 60 حزب كاملا 500 طالب، منهم 12 طالبة سردت القرآن من دون أي خطا، مفصلاً أنه تم تنظيم المرحلة النهائية في 07 ولايات وتم سرد القرآن الكريم كاملا بداية من 04 صباحاً من دون توقف إلا أوقات الصلاة والاستراحة.

وأشار إلى أن المؤسسة تهدف إلى اخراج معلمين أكفاء بمعايير عالمية لتدريس القرآن بجودة عالية وكذا إداريين يشرفون على مشاريع المؤسسة بالاضافة إلى العمل في مجال التدبر والتفسير لأنه يجب على الحفظة العمل بما تم حفظه من القرآن الكريم، مبرزا إلى أن المؤسسة تسعى لإنشاء معاهد لتكوين المعلمين والاداريين وزيادة الانتشار والتوسع لهذه المدارس ووضع بصمة للتعليم الالكتروني.

 وأكد محدثنا أن المعلمين والاداريين على مستوى المؤسسة يتم تأطيرهم إما على مستوى الولاية المتواجد أو عن طريق الملتقيات الوطنية التي تجمع المعلمين والمعلمات في برامج تكوينية مسطرة قصد الارتقاء بكفاءة التعليم القرآني لديهم. 

النهضة بالقرآن الكريم تسلط الضوء على الجالية الجزائرية في المهجر 

وحسب ما أدلى به المكلف بالمدارس القرآنية النموذجية بمؤسسة النهضة بالقرآن الكريم، أن برنامج رمضان يتم إعداد عدة نشاطات ومسابقات لحفظ القرآن الكريم، باعتبار أن عطلة الربيع تزامنت مع شهر رمضان هذه السنة فكان مجالاً لإقامة المخيمات الصيفية في هذا الشهر الفضيل، مشيراً إلى برنامج "حكاية خاتم" التي تعرض على إحدى القنوات الجزائرية الذي يسلط الضوء على حفظة القرآن الكريم، ويتم بثه في شهر رمضان وهي في طبعتها الخامسة. 

ومن جهه أخرى، سطرت مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم برنامجا خاصاً بالجالية المتواجدة في المهجر لحفظ القران الكريم، أين تم إطلاق "أكاديمية أبناء المهجر" ويتم التسجيل فيها عبر منصة المؤسسة في المدرسة القرآنية ومختلف المخيمات، عن طريق ملئ الاستمارة إلكترونيا، وفق ما أكده محمد بن الحاج جلول.

وصرح أن المؤسسة واجهت  العديد من التحديات في بدايتها كتحدي المقرآت القرآنية، وكذا الدعم المادي باعتبار أنها مؤسسة تطوعية غير ربحية، بالإضافة إلى تحدي الموارد البشرية لتأطير مختلف برامج المؤسسة بحيث أن مخيم الحفظ المكثف يحتاج على الأقل حوالي 15 مؤطر، مؤكداً أنه بالنظر إلى مختلف التحديات والصعوبات تبقى مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم تبدل جهودها للخروج بنتائج إيجابية في تحفيظ وتلقين القرآن لمختلف الفئات العمرية في الوطن وخارجه.

 نداء القلوب... دعوة مفتوحة للانضمام إلى مسيرة النور

وفي الأخير، قال ذات المتحدث "ان المعنى من اسم المؤسسة يوحي بأن النهضة لا تكون إلا بالقرآن في أي دولة أو أي بلد عن طريق تلقين الأبناء والأجيال القرآن الكريم، وهذا جاء من خلال العديد من الأمثلة لنجاحات وتفوقات، ودائما نقول من أراد النجاح ومن أراد التفوق فعليه بحفظ كتاب الله تعالى لتكوين أفراد صالحين وسويين يخدمون الأمة والوطن، وتبقى المؤسسة مفتوحة للجميع لتكون بوابة لفتح الآفاق وختم كتاب الله".

وفي جولة لـ"بركة نيوز" عبر أقسام مدارس النهضة بالقرآن الكريم، لتواكب عن قرب مشاهد يومية لصفوف مرتبة وأصوات عذبة تتلو آيات الله، كان الأطفال يجلسون في حلقات منتظمة، يرددون معلماتهم بترتيل متقن، بينما يتوقف الشرح بين الحين والآخر لبيان معاني الآيات وتدبرها بأسلوب مبسط يناسب أعمارهم، وهنا، لا يقتصر الأمر على الحفظ فحسب، بل يمتد ليغرس في القلوب حب القرآن والعمل به، في بيئة تربوية تجمع بين الانضباط والرحمة، وبين العلم والمتعة، لتصنع جيلاً يعي رسالته ويحمل مشعل النور إلى المستقبل.

وهكذا، تمضي مؤسسة النهضة بالقرآن الكريم بخطى ثابتة نحو تحقيق رسالتها، حاملة مشعل النور في دروب الحياة، ومؤمنة بأن الأمة التي يتصدر القرآن حياتها هي أمة لا تعرف الانكسار، فمن بين صفحات المصحف تنبثق القيم، وتُبنى العقول، وتسمو الأرواح، لتصنع "نهضة حقيقية" أساسها الإيمان والعمل الصالح، وبقدر ما تزرع المؤسسة من بذور الخير في نفوس الناشئة والشباب، بقدر ما تجني الأمة ثمار العزة والرفعة، مصداقًا لقوله تعالى: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ".

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services