77

0

«حين تهتز الدولة بجرس فرد: كيف غيّر مؤثر واحد وجه القرار!»

 

الحاج بن معمر

في زمنٍ صارت فيه الكلمة تُطلق من هاتفٍ فتُحرك الشارع، لم يعد القرار السياسي حكرًا على المكاتب المغلقة ولا على خطابات الوزراء. فاليوم، يكفي أن يؤمن شخصٌ بفكرة، أن يملك الجرأة ليعبّر عنها، وأن يضعها في فضاء رقمي نابض بالحياة، حتى تتحول إلى موجةٍ تُعيد توجيه بوصلة الدولة. هكذا بدأت قصة حملة التشجير التي تحولت من مبادرةٍ فردية إلى مشروعٍ وطنيٍّ واسع، أعاد للمجتمع ثقته في قوته، وللإدارة قدرتها على الإصغاء.

لقد اعتدنا أن نقيس وزن الدولة بعدد قوانينها، وأن نختبر قوتها بصرامة أجهزتها، لكن ما غاب عنا أن المجتمع نفسه قد يملك من طاقة المبادرة ما يضاهي قرارات الوزارات. مؤثر واحد، بإحساسه العميق بالمسؤولية، استطاع أن يوقظ وعياً بيئياً نائماً في ضمير الجماعة. لم يكن يملك منصبًا ولا ميزانية، فقط إيمانٌ بأن الأرض التي تتنفسنا تستحق أن نتنفسها من جديد.

رفع صوته في الفضاء الرقمي داعيًا إلى يومٍ وطني للتشجير، وسرعان ما تحولت الفكرة إلى تيارٍ عارم، تتناقلها القنوات، وتتبناها البلديات، وتُصدر بشأنها الوزارات بيانات دعم.

من فيديو بسيط انتشر على وسائل التواصل، إلى اجتماعاتٍ حكومية تبحث سبل التنفيذ، أثبتت التجربة أن سلطة الفكرة قد تتفوق على سلطة القرار.

لم يعد المؤثر مجرد صانع محتوى أو وجه إعلامي؛ صار محفّزًا للسياسات العامة، وواجهةً جديدة للمواطنة الفاعلة. لقد علّمنا هذا النموذج أن الدولة ليست كيانًا جامدًا، بل كائنٌ حيٌّ يستجيب لنبض الناس حين يكون الصوت صادقًا والنية خالصة.

حملة التشجير لم تكن مجرد غرس شتلات في الأرض، بل غرسًا لفكرة الانتماء والمسؤولية المشتركة. لقد أزاحت الحواجز بين المواطن والإدارة، وأعادت الثقة في أن الوطن لا يُبنى بالأوامر من فوق، بل بالمبادرات التي تصعد من القاعدة إلى القمة.

فحين يرى صانع القرار أن الشارع يسبقُه بالعمل، يصبح التبنّي الرسمي للفكرة مجرد لحظة اعترافٍ بذكاء المجتمع، لا منّةً من الدولة.

ولعلّ الأجمل في هذه التجربة أن التحرك الرسمي لم يكن استجابةً خوفًا من الضغط، بل إدراكًا لقيمة الشراكة الجديدة بين المواطن وصاحب القرار، لقد دخلنا مرحلة “الديمقراطية الرقمية” حيث تتكوّن الأفكار في مواقع التواصل، وتنتقل إلى الميدان بأيدي الشباب، ثم تتجسد في سياسات عامة. ولأول مرة، وجدنا أن الدولة يمكن أن تتأثر إيجابًا بموجة شعبية لا تهتف ضدها، بل تعمل معها.

إنّ كل شجرة غُرست في تلك الحملة كانت بمثابة توقيعٍ جديدٍ على عقدٍ اجتماعيٍّ غير مكتوب، بين الفرد والدولة، بين الكلمة والفعل. لقد أثبتت التجربة أن التأثير الحقيقي لا يُقاس بعدد المتابعين، بل بقدرة الفكرة على أن تُصبح شأنًا عامًا. فالتاريخ لا يخلّد من صرخ، بل من غيّر.

والمؤثر الذي أشعل شرارة الغرس، كان في الواقع يغرس معنى جديدًا للمواطنة: أن تكون مسؤولًا عن الأرض كما لو كانت بيتك، وأن تحمي البيئة كما تحمي اسمك.

اليوم، ونحن نرى تلك الشتلات الصغيرة تكبر على سفوح الجبال وفي ضواحي المدن، ندرك أن القرار يمكن أن يولد من تغريدة، وأن الدولة القوية هي التي تملك شجاعة الإصغاء. لم تعد السلطة وحدها تصنع السياسات، بل الإرادة الجماعية حين تلتقي بفكرة صادقة، من هنا، تتأكد القاعدة الجديدة  ليس المهم من يملك القرار، بل من يوقظ ضمير القرار.

إن حملة التشجير ستُذكر بوصفها لحظة رمزية أدرك فيها الجميع أن “المؤثر الحقيقي” ليس من يُشعل الجدل، بل من يُشعل الأمل. وأن الدولة لا تفقد هيبتها حين تتفاعل مع صوتٍ فردي، بل تكتسب شرعيتها حين تترجم تلك الأصوات إلى فعل ، بين الشجرة الأولى التي زُرعت والفكرة الأولى التي نُشرت، ولدت قصة وطنٍ تعلم أن الإصلاح يبدأ بغرس... ولو بيدٍ واحدة.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services