364
0
"حيـــــــــاتنا والنّــــص ..."
.jpeg)
بقلم حسين عبروس
يتعدّد النّص في مفهومه وتفاصيله وأنواعه التي تمكن القارئ على فكّ تفاصيله الـتأويلية التي تحيل القارئ على محطات معرفية يشتمل عليها النّص، تلك المحطات التي تؤسس محموله المعرفي الثقافي والأدبي والعلمي والتاريخي والفنّي ،ويلاحظ المتتبع لكلمة "نص" في المعاجم العربية أنّها تحيل القارئ على معنى الظهور والوضوح والارتفاع وغاية الشيء ومنتهاه.
فقد ذكر "ابن منظـور" في معجم "لســان العرب" على أن "النص: رفْعُك الشَّيْءَ. نَصَّ الْحَــدِيثَ يَنُــصُّه نَصًّـا: رفَعَه. وَكُلُّ مَا أُظْهـرَ، فَقَـــدْ نُصَّ.. " - إنّني في هذه الوقفة المتواضعة مع النّص لا أريد الغوص في أعماق تفاصيل النّص وتشعباته بقدر ما أريد التركيز على أهمية النّص في حياة القارئ عموما الذي تشكّل حياته مادة القراءة، وتصنع شخصيته المتميّزة كما تنمي موهبته الإبداعية والفكرية ،وتصقلها بطريقة فنيّة تتجاوز حدود الحياة التقليدية العادية التي عرفتها المجتمعات الأولى منذ ظهورمفهوم النّص على مختلف أنواعه ،النص الأدبي والديني والعلمي والثقافي والتاريخي والفلسفي والفكري،وفي هذا المجال يقول الكاتـــب الروائي" جراهــــام جـــــرين *: "أحيانا أفكرأنّ حياة الفرد تشكلـت بواسطة الكتب أكثر ممّا ساهم البشرأنفسهم في تشكيل هذه الحياة".
إنّ المتأمل في هذه المقولة يدرك جيدا حقيقة تلك النصوص التي حوتها الكتب من بدء الخليقة سواء تعلّق الأمر بتلك الكتب السماوية التي أوحى بها الله إلى الأنبياء والرسل، أو تلك التي ساهم في تأليفها الكتّاب والأدباء والشعراء والفلاسفة، وأصحاب الفكر والرأي من الآراء الحرّة في شتّى مجالات الحياة، وشتى أنواع المعرفة الإنسانية.
إنّ ما نتعلّمه ونعلّمه للناشئة الصغارفي مجال التربية هو فيض ما جادت به تلك الكتب التي تنوّعت نصوصها، ونوعية المعارف التي تنطوي عليها لتكون القاعدة الأساسية في حياتنا ،ونتعلّم منها كيف نخطو الخطوة الأولى بعد سنة الفطام نحو دنيا العلوم والأفكار، فإنّ الكثير منّا لايعرف سرّما يقرأ إلا بعد فوات الأوان، أوبعد تجربة يعيشها الفردالمتعلّم ،ويحاول نقلها إلى الأجيال المتعاقبة وليس ثمّة عاقل يتنكّرفي حياته لما تعلّمه من تلك الكتب من نصوص داخل قاعات الدرس أو خارجها، وليس ثمّة فرد ينسى معلّمه الأول الذي أمدّه بيد العون والمساعدة في حياته الدراسية.
- إنّ أغلب النّصوص التي بقيت راسخة في أذهاننا هي تلك النصوص الأدبية التي صنعت شخصيتنا المعرفية والثقافية والتربوية والإجتماعية والإنسانية ، ولكن في عصرنا هذا ندرك تلك الجفوة الصارخة بين القارئ والنّص، وبين المتعلّم والكتاب، وذلك مع ظهورتلك الوسائط التكنولوجية المتطوّرة في مجال التواصل والإتصال في العالم،إنّها جفوة شبيهة بالعدوى المرضية إذا حلّت بوسط معيّن جلعت نفوس أصحابها خرابا ودمارا، وهي شبيهة بالحروب نتيجة الجهل بما سيحلّ بالبشرية في المستقبل القريب أو بالأحرى داخل كلّ بيت من بيوت المعمورة، ولعلّ ذلك ماسيقودنا إلى التسليم بحقيقة النّص التي صنعها قبلنا أولئك العباقرة من الفلاسفة والأدباء والشعراء والعلماء،هي حقيقة مصدرها القراءة وحدهاـ،ومصدرها الفهم الحاصل على مستوى تلك النصوص المقروءة في الكتب والمجلات والجرائد، والمواقع والوسائط الإلكترونية الحديثة،ويظلّ النّص فينا يتواصل بكلّ أبعاده النفسية والإجتماعية ليترك بصمته القوية عبر مراحل العمر التي نعبرها نحو المستقبل.
***
هامش 1- جراهام جرين : أديب انجليزي ولد عام 1904 وتوفي عام1991،ويعدّ من أشهرالكتاب صدرت له أربع روايات آخرهارواية "قطاراسطنبول"،وقد حاز على جائزة القدس لحرية الفرد في المجتمع.