47

0

اللباس التقليدي الجزائري...أصالة تعكس الثراء الثقافي وتنوع يبرز العمق الحضاري

تزخر الجزائر بثقافة غنية وتقاليد عريقة تتجلّى بوضوح في أزيائها التقليدية التي تختلف من منطقة إلى أخرى، حاملة في طياتها رموزا ومعاني تاريخية عميقة فمن غرداية إلى سطيف، ومن مستغانم إلى عنابة، تتمايز هذه الألبسة في تفاصيلها الدقيقة، وخاماتها، وألوانها، لتعكس الهوية والخصوصية الثقافية لكل منطقة. 


نسرين بوزيان 

وفي هذا السياق، يسلط موقع " بركة نيوز " الضوء على مجموعة من الألبسة التقليدية التي قدّمها الحرفيون والمهتمون بالتراث، خلال فعاليات الطبعة السابعة من المهرجان الثقافي الوطني للزي التقليدي الجزائري، الذي احتضنه مركز الفنون بقصر رياس البحر في العاصمة.

لباس العروس والعريس بين أصالة التقاليد

    


في هذا المعرض، مثل ولاية غرداية رئيس جمعية "تغاوصة للمنسوجات والحرف التقليدية"، حسين نجار، الذي تحدث عن تفاصيل مميزة تتعلق بلباس العروس والعريس وفق التقاليد المتوارثة في المنطقة، فالعروس ترتدي لباسا منسوجا باللون الأحمر، وتزين رقبتها بشال تقليدي، بينما يوضع حزام خاص على جبهتها كرمز جمالي وثقافي، إلى جانب المجوهرات التقليدية و"السخاب" الذي يعد جزءا اساسياً من زينة المرأة المزابية.
أما العريس، فيرتدي اللباس الفلكلوري المزابي المكون من سروال يعرف بـ "الميزابي" أو "المدور"، وقندورة مزينة برموز تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وتحمل دلالات رمزية عميقة. 
كما يبرز في هذا السياق وشاح العروسة المعروف بـ "الخمري"، المنسوج من الصوف والمطرز بخيوط الحرير، ما يمنحه مظهرا فخما ومتميزا.
ولا يقتصر هذا الإرث على الكبار فقط، بل يشمل الأطفال والشباب كذلك، إذ يحتفى بمن يتم حفظ القرآن الكريم بارتداء زي خاص يعرف بـ "أحلي نيروان".
كما تحافظ المنطقة على عادة ارتداء لباس يعرف بـ "تملحاف" خلال موسم يسمى "رحلة الشتاء والصيف"، حيث تسافر العائلات في الصيف وتعود في أوائل الخريف، فتستقبل الفتيات العائدات بلباس خاص يرتدى في احتفالات جماعية .

قماش سطايفي أصيل لا  ينسج إلا في موطنه

 

من غرداية إلى سطيف، ينقلنا الفنان والمهتم بالتراث، الخير عشاش، إلى تفاصيل اللباس التقليدي السطايفي، حيث يعرف "البرنوس السطايفي" بلونه الأبيض الذي يرتدى غالبا من قبل الأئمة، ونسخته الأخرى بلون "الدرع"التي تستعمل للتدفئة، نظرا لطبيعة المناخ البارد في المنطقة. 
كما يلبس البرنوس عادة فوق سروال عربي ومعطف تقليدي، بينما يفضل البعض استبداله بعباءة "القندورة"، ويوضع على الرأس "الشاش"، وهو غطاء تقليدي يشبه القبعة.
المرأة السطايفية بدورها ترتدي "الملايا"، التي تعتبر رمزا للوقار والأصالة، أما العروس قديما، فكانت ترتدي "شرب الزدف" بأي لون تختاره، تحت البرنوس، وتلف رأسها بقطعة قماش خضراء ترمز إلى الخير والبركة في الموروث المحلي. أما في ليلة الحناء، ترتدي اللون الأبيض وتزين بحلي تقليدية مثل "المقياس" و"كرافاج بولحية" إلى جانب مجموعة من الإكسسوارات الأخرى.
وما تزال المرأة السطايفية محافظة على هذا اللباس من خلال اقتناء "بينوار شرب الزدف"، الذي يصنع حصريا في سطيف و بأسعار مرتفعة نظرا لقيمته الرمزية وجودته العالية.

 

القفطان الجبادوري المستغانمي بين التراث والحداثة

     

 

أما في الغرب الجزائري، فقد قدم الطبيب والمصمم نذير بلهواري رؤيته حول اللباس التقليدي المستغانمي، الذي يجمع بين الأصالة والحداثة، ومن أبرز مكوناته "العصابة"، و"الزير"، و"الخباية"، و"بلوزة الزعيم"، إضافة إلى "القفطان الجبادوري" الذي يرافقه غطاء الرأس المعروف بـ "التڨريفة"،
وأوضح بلهواري أن هذا اللباس ينحدر من عائلة العياشي، وتم تحديثه بلمسات عصرية مع الحفاظ على روحه التراثية، كما يتميز القفطان المستغانمي بكونه مفتوحا من الأعلى وقصير الطول، ما يجعله مختلفا عن قفطان تلمسان الطويل، أو  الغليلة العاصمية القصيرة التي تتوقف عند الخصر. 
 اذ يعد اللباس المستغانمي - حسب المتحدث- نقطة التقاء بين الطابع التلمساني والعاصمي، ويرتدى مع بلوزة الزعيم أو بلوزة منسوجة حديثا.
كما يشتهر القفطان المستغانمي بتفاصيل زخرفية تعرف بـ "العقيدات"، تصنع يدويا بدقة متناهية، ما يعكس مهارة الحرفيين وحرصهم على إبراز جمالية الصناعة التقليدية. 
وتكمل التڨريفةالمستغانمية طقم اللباس بمجموعة من الإكسسوارات ذات الرمزية الخاصة، مثل "شاشيات السلطاني"، و"الرعاشات"، "العصفور"، "المقافل" اأقراط الأذن)، إلى جانب الوردة الحمراء والصفراء. 
وفقا للتقاليد، يرمز العصفور إلى الزوج، بينما ترمز الرعاشات إلى الأطفال، وتمثل الوردة الحمراء عفة الفتاة، في حين تشير الوردة الذهبية إلى الغنى والثروة التي ستجلبها العروس إلى بيت الزوج.
وفي حديثه عن القطع التراثية، أشار بلهواري إلى "الفرميلة"التي تعود إلى سنة 1890، والمحفوظة لدى عائلة مرطازة، وتعتبر من القطع النادرة بفضل زخارفها المعروفة بـ "بنونيشات".
كما أوضح أن طريقة ارتداء هذه القطعة تختلف من منطقة لأخرى، ففي العاصمة ترتدى الفرميلة مع سروال "المدور"، وتزين بأكمام من الحرير و"محريزات" ، بينما في مستغانم تلبس مع بلوزة وأكمام وشدة. 
وهناك نماذج أخرى من الفرميلة تستخدم في المناسبات البسيطة، مثل استقبال الحجاج.


القفطان الجزائري تراث متواصل عبر العصور

   

 

 

وفي الجانب الأكاديمي، قدمت الأستاذة بمعهد الآثار بجامعة الجزائر 2،  عائشة حنفي،  خلفية تاريخية حول القفطان، موضحة أن الكلمة ذات أصل فارسي "خفتان"، ثم تحولت إلى "قفطان"، مؤكدة أن القفطان الجزائري يعد جزءا أصيلا من التراث الوطني، وذكر في مصادر عربية وأوروبية عديدة، مشيرة إلى حضوره في مختلف الحقب التاريخية، منها الفاطمية، والرستمية، والزيانية، وصولا إلى العهد العثماني، ما يؤكد أن القفطان رافق المجتمع الجزائري على امتداد العصور.

دقة الصناعة التقليدية في عنابة

     

 

أما في الشرق الجزائري، وتحديدا في عنابة، فقد قدمت الحرفية أمينة شامي لمحة حية عن حرفة صناعة الملابس التقليدية، التي تعتمد على تقنيات دقيقة وأدوات تقليدية. 
من بين أبرز عناصر الزينة المستخدمة " الفتيل" "العدس" و"الكنتيل"، وهما عبارة عن دوائر ذهبية صغيرة وأسلاك معدنية رفيعة ملتوية تستخدم في التطريز. وتشمل أدوات الحرفة "القرقاف"، وقماش القطيفة، والقلم، والرسومات اليدوية التي تحدد نماذج الزخرفة، ما يبرز دقة الصناعة التقليدية وأصالتها في مدينة عنابة.

 

غادرنا المعرض ونحن فخورون بهذا التنوع وبهذه الأصالة التي تجسدها الألبسة التقليدية الجزائرية، حيث تعكس كل قطعة من هذه الأزياء روح المنطقة التي تنتمي إليها، كما لا يسعنا إلا أن نثمن جهود الحرفيين الذين يبذلون قصارى جهدهم للحفاظ على هذا الموروث الثقافي والترويج له.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services