666

0

حرائر الأوراس يكتبن فصلًا جديدًا من التضامن مع غزة

نصف مليار سنتيم وذاكرة عطاء تعود إلى زمن الكورونا

 

في ولاية باتنة  وبين جبال الأوراس التي ما زالت تروي قصص الثورة والمقاومة، تفتحت خلال خمسة أيام فقط قصة جديدة من قصص العطاء الإنساني حين أطلقت صفحة "على الخير تلمينا" حملة تبرع بعنوان: *"قليل من مالك… لتبرئة ذمتك".

استطلاع:ضياء الدين سعداوي

الهدف كان واضحًا ، جمع تبرعات لتنفيذ "مشروع سقيا الماء" لفائدة أكثر من 300 عائلة في غزة حيث يحاصر الناس ويجوعون ويعطشون في صمت قاس و النتيجة فاقت كل التوقعات ، فأزيد من 500 مليون سنتيم جمعت في خمسة أيام لكن ما جعل الحملة إستثنائية لم يكن الرقم بل وجوه المتبرعين وحكايات التضحيات وفي قلبها حرائر الأوراس.

الذهب على طاولة العطاء

من وادي الماء إلى علي النمر ومروانة، حضرت نساء الأوراس ومعهن ما يملكن من ذهب ومصوغات، بعضه يحتفظن به منذ سنوات الإستقلال وبعضه كان هدية غالية أو ذكرى عائلية، لكن أمام صور أطفال غزة العطشى، الجوعى والمحاصرين تلاشت الحسابات الشخصية.

إحدى السيدات من وادي الماء وضعت أمام المنظمين سوارًا ذهبيًا بلغت قيمته حوالي 58 مليون سنتيم و أخرى جاءت برفقة زوجها وقدما 20 مليون سنتيم نقدًا إضافة إلى سلسلة وخاتم من ذهب و في يوم آخر سيدة سلمت خواتم وسوارًا وسلسلة ذهبية بقيمة تقارب 64 مليون سنتيم ، لم يكن المشهد جديدًا على الأوراس فهذه الأرض اعتادت أن ترى نساءها يقدمن الذهب فداءً لقضية أكبر.

ذاكرة الكورونا… حين كان الذهب يشتري بالأكسجين

قبل نحو أربع سنوات خلال جائحة كورونا التي شلت العالم كانت صفحة "على الخير تلمينا" في قلب معركة أخرى، كانت حينها لإنقاذ الأرواح في المستشفيات.

آنذاك، أطلقت الصفحة حملة لجمع التبرعات بهدف شراء مولدات أكسجين لصالح مرضى كوفيد-19 في وقت كانت فيه الأجهزة الطبية نادرة والطلب على الأكسجين يفوق قدرة المستشفيات ، ففي غضون أسابيع جمع قرابة

 خمس ملايير سنتيم و اقتناء مولد اوكسجين لمستشفى زيزة مسيكة بمراوانة ، ليصبح بعدها هذا المولد مصدرا للأكسجين الطبي لكل المناطق المجاورة.

وكان لحرائر الأوراس دور حاسم في ذلك الإنجاز ، نساء قدمن حليهن الذهبية ومن بينهن من تبرعت بما كانت تدخره منذ استقلال الجزائر  قطعة بعد قطعة كأنها تعيد لحظة تاريخية، حين أفرغت النساء الجزائريات صناديق مجوهراتهن لدعم خزينة الدولة في بدايات الإستقلال ، يومها كان الذهب يترجم إلى أسطوانات أكسجين واليوم يترجم إلى قطرات ماء تسقي أطفال غزة.

أنس… درس في القوة و البطولة

من بين الصور التي علقت بذاكرة المشاركين في الحملة الأخيرة، حين قدم إليهم الطفل أنس الذي يعاني من مرض جلدي نادر و الألم حليفه الدائم لكن إرادته كانت أقوى من المرض، جاء أنس ممسكا بما استطاع جمعه من مال ووضعه في الصندوق المخصص للتبرعات و كأنه يقول إن التضامن لا يعرف سنًا أو حجة .
"عن نفسي كلما رأيته، يتقطع قلبي عليه  لكنه علمني اليوم أن العطاء أكبر من المعاناة." – يروي أحد المتطوعين.

همسة وجنان… براءة العطاء

في اليوم الختامي دخلت القاعة البرعمتان همسة وجنان ، شقيقتان لم تتجاوزا العاشرة من العمر تحملان حصالة حديدية كانتا تدخران فيها منذ شهور ،حين فتحت الحصالة وجد بداخلهما 684 ألف سنتيم ادخرته أياد صغيرة من مصروف الجيب لينتهي بين يدي أطفال غزة.

خمسة أيام وملحمة متجددة

على مدار الأيام الخمسة كان المشهد يتكرر  رجال ونساء، شيوخ وأطفال يأتون بما استطاعوا ، أحيانا كان التبرع مبلغًا ماليًا بسيطًا وأحيانا كان قطعة ذهبية وفي أحيان أخرى كان مزيجًا من الإثنين.

حين أعلن في اليوم الخامس أن الحصيلة تجاوزت نصف مليار سنتيم سادت لحظة صمت تلاها تصفيق طويل ، لم يكن التصفيق فرحًا بالرقم بل بالوحدة التي جمعته.

من الذهب إلى الماء

أعلن الناشط حمزة حساني مؤسس صفحة "على الخير تلمينا" أن تحويل التبرعات إلى مشاريع فعلية بدأ فور انتهاء الحملة ،المرحلة الأولى هي توفير مياه الشرب لأكثر من 300 عائلة في غزة عبر شراكات ميدانية مع جهات محلية و دولية، المشاريع الأخرى ستأتي تباعًا بحسب ما يتوفر من مواد غذائية ولوجستية في القطاع.

"الأهم بالنسبة لنا أن يشعر أهل غزة أنهم ليسوا وحدهم... أن يعرفوا أن هناك في أقصى شرق الجزائر  من يفكر فيهم ويضحي من أجلهم." – يقول حساني.

الأوراس ذاكرة المقاومة وقلب التضامن

هذه الحملة لم تكن مجرد نشاط خيري بل امتدادًا لروح الأوراس التاريخية، قبل عقود كانت هذه الجبال تطلق الرصاص على المحتل الفرنسي واليوم تطلق رسائل تضامن إلى فلسطين، الأسلوب تغير لكن الهدف واحد : "الإنتصار للكرامة الإنسانية."

عطاء حرائر الأوراس في زمن الكورونا،حين تحول الذهب إلى أوكسجين وعطاؤهن اليوم حين تحول الذهب إلى ماء، ليسا إلا فصلين من القصة نفسها ،قصة شعب يرى في التضحية واجبًا وفي العطاء شرفًا.

أصداء تتجاوز الحدود

انتشرت صور وفيديوهات الحملة على مواقع التواصل وتناقلها نشطاء من فلسطين شكرًا وامتنانًا كتب أحدهم: "من الأوراس إلى غزة ،أنتم أقرب إلينا من أي حدود."
تاريخ الشعب الجزائري التضامني مع الشعب الفلسطيني يعود جذوره إلى ماقبل استقلال الجزائر ، حينها كان الشعب الجزائري تحت وطأة المستعمر الغاشم و لم يبخل للتبرع على الشعب الفلسطيني الشقيق و جمع الأموال لصالحه.

ملحمة تحتاج أن تروى

قد ينسى الناس الأخبار اليومية، لكن هناك أحداثًا تعيش طويلًا في الذاكرة الجمعية، هذه الحملة بما حملته من قصص نساء تبرعن بما يملكن وأطفال أفرغوا حصالاتهم ورجال جاءوا بما استطاعوا، تستحق أن تحكى وأن تضاف إلى سجل الأفعال النبيلة التي يتوارثها الجزائريون جيلاً بعد جيل.

من جائحة كورونا إلى حصار غزة ومن الذهب إلى الأكسجين والماء، حرائر الأوراس ورجالها يثبتون أن التضامن ليس فعلًا عابرًا بل ثقافة متجذرة ، نصف مليار سنتيم في خمسة أيام ليست سوى رقم لكن ما وراء الرقم حكاية عن قلوب سخية و أياد لا تتردد في العطاء وأرض لم تتوقف يومًا عن إنتاج قصص الكرامة.

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services