265

1

هل الروضة ضرورة اجتماعية ام فائدة بيداغوجية لتطوير مهارات الطفل؟

المعروف عن الروضة أنها فضاء آمن يلجأ إليه الأولياء لاحتواء أبنائهم  خلال فترات انشغالهم، خاصة مع تزايد مشاركة المرأة في سوق العمل خلال السنوات الأخيرة. 

 

شروق طالب 

 

ومع أن الحاجة العملية كانت الدافع الرئيسي لانتشار الروضات، إلا أن دورها لم يعد يقتصر على الرعاية فقط، بل تحول إلى دور تربوي وتعليمي محوري، يساهم في تنمية شخصية الطفل، وتأهيله للمرحلة المدرسية في بيئة متوازنة تراعي احتياجاته النفسية والذهنية.

الروضة من منظور نفسي

في هذا السياق، أوضح البروفيسور ربيع العبزوزي، أستاذ مختص في علم النفس الاجتماعي والإرشاد الأسري بجامعة البليدة 2، أن الروضة تعتبر بديلا مؤقتة للأسرة، حيث توفر للأطفال الرعاية المادية والمعرفية والترفيهية خلال ساعات محددة من اليوم.

وأضاف أن الروضة أصبحت، في الآونة الأخيرة، أشبه بـ"موضة اجتماعية"، إذ بدأت العديد من الأسر بإدخال أبنائها إلى الروضات في سن مبكرة جدًا، ليس فقط من عمر سنتين ونصف، بل حتى من عمر ثلاثة أشهر، خاصة في الحالات التي تضطر فيها الأم للعودة إلى العمل أو لظروف أخرى.

وعن أساسيات تنشئة الطفل، أشار العبزوزي إلى أن جوانب نمو الطفل تبدأ منذ الطفولة المبكرة، وتشمل الجوانب النفسية، الاجتماعية، الانفعالية، والتواصلية، وهي مهارات من المفترض أن يتلقاها الطفل أولا من الأسرة، سواء الصغيرة أو الممتدة.

كما نوه على أهمية توفير الاحتياجات المادية والعاطفية للطفل، مثل الحنان، التعاطف، والحب، مؤكدا أن هذه العناصر تشكل أساسًا لتكوين شخصية الطفل، بالإضافة إلى اكتسابه التعليمات والقواعد الاجتماعية الأولى من خلال التفاعل اليومي مع أفراد أسرته.

ويضيف العبزوزي أنه في حال عدم قدرة الأسرة على مرافقة الطفل بشكل كامل خلال هذه المراحل، فإن الروضة تعد خيارا مناسبا، حيث توفر بيئة تمكن الطفل من التفاعل مع أقرانه، وتلبي احتياجاته الاجتماعية والنفسية من خلال الرعاية التي تقدمها المربية المتخصصة.

معايير اختيار الروضة 

وعن معايير اختيار الروضة المناسبة، أوضح العبزوزي أن أهم معيارين يجب على الأسرة التركيز عليهما هما البرامج والنشاطات المعتمدة في الروضة، بحيث ينبغي أن تكون هذه البرامج متماشية مع القيم الدينية للأسرة، وقريبة من بيئتها الثقافية والاجتماعية، وألا تتضمن أي مضامين دخيلة أو غير مناسبة، مشيرا بأنه من المهم أن يشعر الطفل بالاستمرارية بين ما يتعلمه في الروضة وما يتلقاه في بيته.

اما المعيار الثاني حسبه، هو المربية أو الطاقم المشرف على الطفل، لان وجود مربية مؤهلة هذا يعد أمر أساسي في نجاح تجربة الطفل داخل الروضة، ولهذا لابد ان تكون المربية ذات تكوين علمي وتربوي جيد، وتمتلك الخبرة والقدرة على التواصل مع الطفل، ليس فقط لتقديم المعرفة، بل أيضا لمساعدته على اكتساب المهارات السلوكية، اللغوية، والاجتماعية.

وأكد العبزوزي أنه في حال توفرت الشروط الأساسية في الروضة، تصبح الروضة اضافة حقيقية في مسار تنشئة الطفل، إذ تسهم في تنمية كل ما هو إيجابي لديه، وتعزز قدراته، بل وحتى اكتشاف مواهبه مبكرا.

الروضة كضرورة اجتماعية 

وفي هذا الجانب، أكد تكفاوي أحمد صاحب روضة بيت الأبطال بولاية وهران، على أهمية الروضة من الناحية الاجتماعية، كونها تعتبر عالم للأطفال يستوعب ويفهم مختلف احتياجاته، في مقدمتها الاحتياجات الاجتماعية.

وأشار تكفاوي إلى أنه في الماضي، كان الطفل يجد في الشارع فضاء مفتوح للعب مع أقرانه، واكتساب المهارات الاجتماعية المختلفة مثل روح الفريق، المشاركة، والتواصل، فضلا عن تفاعله مع أفراد الأسرة الممتدة. 

أما اليوم فقد أصبح الشارع يشكل خطرا على سلامة الأطفال، وهو ما دفع الكثير من الأمهات إلى إبقاء أبنائهن داخل حدود الأسرة الصغيرة.

وأضاف أن هذا التغير أدى إلى تقييد رغبة الطفل في اللعب والاستكشاف، لا سيما في ظل انشغال الأم بأعمالها المنزلية أو المهنية، وافتقارها أحيانا للمعرفة التربوية الكافية للتعامل مع ردود فعل الطفل الناتجة عن الضغط النفسي بسبب العزلة في المنزل.

ونتيجة لذلك، تلجأ بعض الأمهات إلى إلهاء الطفل بالتلفاز أو الهاتف الذكي، ما يدفعه تدريجيا إلى الانعزال الاجتماعي والعيش في عالم افتراضي مغلق.

وفي هذه الحالة، يرى تكفاوي أن الروضة يمكن أن تلعب دورا جوهريا، عن طريق توفير بيئة آمنة ومحفزة للطفل، حيث يجد مساحة للعب والتحرك، خاصة عبر الألعاب الذكية والحركية التي تساهم في نموه السليم وتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي، مما يؤدي إلى تطوير مهاراته بشكل طبيعي.

كما أشار إلى أن الطفل داخل الروضة يبدأ كذلك بالتخلي عن تفضيلاته الغذائية الضارة كالإكثار من السكريات، بسبب اندماجه مع المجموعة، حيث يتناول طعاما صحيا ومتوازنا، يساعده على النمو البدني والعقلي.

كما تسهم الروضة أيضا حسبه، في تعزيز التربية الإسلامية والوطنية من خلال إحياء المناسبات الدينية والوطنية، وتنمية روح المواطنة لدى الطفل، بالإضافة إلى إشراكه في الأعمال اليدوية والأنشطة الجماعية، التي تنمي مهاراته ويُعزز ثقته بنفسه.

ماذا يتعلم الطفل في الروضة 

وفي هذا الصدد، أوضحت كهينة حدادي مديرة روضة "ثافرارا شروق الشمس" بولاية تيزي وزو، أنه في ظل التحولات التربوية الحديثة، لم تعد مهمة مؤسسات الطفولة المبكرة تقتصر على الحضانة والرعاية، بل أصبحت تشكل حجر الأساس في بناء شخصية الطفل، وتشكيل مداركه الأولى، وتعزيز استقلاليته، وثقته بنفسه. 

ومن هذا المنطلق، تسعى روضة "ثافرارا شروق الشمس" برؤيتها الطموحة، تحت شعار "مشروع طفل سعيد"، الى تقديم تجربة تربوية متكاملة، تراعي حاجات الطفل النفسية، الجسدية، والذهنية، ضمن بيئة آمنة، دافئة، ومحفزة على التعلم، بفضل فريق تربوي مؤهل، يتلقى تكوينا مستمرا، ويشرف عليه مختصون في التربية الحديثة.

في الجانب البيداغوجي، ذكرت حدادي ان الروضة تعتمد على أساليب تربوية حديثة تجمع بين البيداغوجيا الكلاسيكية والمقاربات الحديثة كمنهج مونتيسوري، التعلم النشط، واللعب الموجه، باستخدام التكنولوجيا التربوية خاصة الروبوتيك، حيث يتعرف الأطفال تدريجيا على أدوات مثل Bee-Bot، WeDo، Scratch وغيرها، ما ينمي التفكير المنطقي والتعاون الجماعي لديهم.

كما توفر الروضة برنامجا في الحساب الذهني "السوروبان"، ومهارات التفكير، بالإضافة إلى أنشطة تعلمية عبر اللعب، لتنمية الذكاء اللغوي، الحركي، والاجتماعي لدى الطفل.

وأشارت ذات المتحدثة بان الروضة تقدم أنشطة أسبوعية متنوعة تشمل السباحة، المسرح والتمثيل، الرسم والفنون التشكيلية، الورشات العلمية المصغرة، والطبخ، فضلا عن خرجات التربوية والبيئية.

وعن الأهداف التربوية التي تريد الروضة تحقيقها حسب الفئة العمرية، كشفت حدادي عن مؤشرات تطور كل فئة، بحيث تسعى تحقيق تنمية الاستجابة الحسية والشعور بالأمان لفئة من 3 أشهر إلى 1 سنة، أما من 1 إلى 2 سنة تعزيز اللغة المبكرة والحركة الدقيقة.

وفي 3 سنوات يتعلم الطفل الحياة الجماعية وبداية الاستقلالية، أما 4 سنوات التحضير الأولي للكتابة والعد والتفكير المنطقي، وفي 5 سنوات والذي يعتبر القسم التحضيري، يكتسب فيه الطفل مختلف المهارات المهارات الأكاديمية والسلوكية التي يحتاج في المدرسة.

ماذا عن تعميم نظام المونتيسوري في الروضة

نظام مونتيسوري هو منهج تربوي علمي وضعته الطبيبة والمربية الإيطالية ماريا مونتيسوري في أوائل القرن العشرين، يعتمد على ملاحظة تطور الطفل الطبيعي واستجابته للبيئة.

يرتكز هذا النظام على التمكين الذاتي للطفل، حيث يمنح حرية الاختيار ضمن بيئة تعليمية معدة بعناية، تحفز النشاط الذاتي، الاكتشاف، وتنمية القدرات العقلية والحسية والحركية، وفق مراحل نمو محددة.

وفي هذا الشأن، أوضح السيد حبي محمد، مسير روضة "الفنك الذهبي" بزرالدة، أن اعتماد نظام مونتيسوري داخل الروضة لا يعد مجرد خيار تربوي، بل هو حجر أساس في بناء شخصية الطفل منذ سنواته الأولى.

وأضاف أن هذا المنهج يكمن الطفل من تنمية استقلاليته، وبناء ثقته بنفسه، من خلال بيئة غنية بالأنشطة العملية والتفاعلية، تسمح له بالتعلم الذاتي والتجربة. 

وأكد أن الروضة الفعالة هي التي تدمج بين القيم التربوية لمنهج مونتيسوري وبين حياة الطفل اليومية، بتوفير فصول مجهزة، كفاءات تربوية مدرّبة، وتواصل مستمر مع الأولياء، مما يثمر في النهاية عن طفل متوازن، قادر على التفكير النقدي، محب للتعلم، ومُهيأ لمواجهة تحديات المستقبل بثقة وإبداع.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services