252

0

غزة: «طل سلاحي من جراحي» ... والسلام الأبدي

بقلم :كمال برحايل 

غزة طل سلاحي من جراحي والسلام الأبدي

في الثمانينات دأبت على الاستماع لبرنامج عالم الظهيرة من القسم العربي ، لهيئة الإذاعة البريطانية بعدها أدير مؤشر المذياع لضبط الموجة،  على صوت فلسطين صوت الثورة الفلسطينية من الجزائر ، وغالبا كان النشيد المبث هو "طل سلاحي من جراحي يا ثورتنا طل سلاحي لا يمكن لقوة في الدنيا تنزع مني سلاحي دربي مر دربك مر ادعس فوق ضلوعي ومر " . 
وقد استذكرت هذا النشيد المدوي ، بسبب المسعى الدولي المكثف لاعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ، بواجهة الأسس الاقتصادية وهو ما يعكس ، مضمون الوثيقة الأمريكية عن السلام في الشرق الأوسط ، المستوحاة من خطة لإنهاء الحرب على غزة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، والذي خطب قائلا " ان الخطة لانهاء الحرب في غزة ، قد تمثل يوم واحد من اعظم الأيام في تاريخ الحضارة ، بل وتجلب السلام الأبدي " .
وبعد القراءة التاريخية للحدث  وجدت أن التجارب تتجدد، ولكن في مكان أخر قياساً على النتائج عندما اقدام الحلفاء المنتصرون ، في نهاية الحرب العالمية الثانية على دول المحور ، لتنفيذ بنود إعلان بوتسدام وهذا بإجبار اليابان على الاستسلام بدون أو شرط ، وتحولت بموجبه الإمبراطورية إلى دولة اليابان المهزومة وتمخض عن عدالة المنتصر ، بوضع اليابان تحت الحماية الأمريكية ، وعين الرئيس هاري ترومان الجنرال الأمريكي دوغلاس ماكارثر حاكماً على اليابان وبدأ المهمة بمحاولة ، التغيير الفوقي بصيغة الأمر الذي لا يناقش بل يطبق، وتكفل باعادة تشكيل نموذج جديد للشخصية اليابانية على النمط الغربي، التي ستتكيف تدريجيا مع حقائق العالم ، ثم أرفقه بجملة من المستتبعات المطمئنة بإقامة الحكم البرلماني ، و المبادرة بإلغاء النزعة العسكرية في المجتمع والدولة، وإقامة محاكمة طوكيو لمجرمي الحرب مبقياً على الطابع الرمزي للإمبراطور كموحد للامة وقلص من صلاحياته ، وامتدت حركة الإصلاح لغاية صياغة الدستور الجديد ، الذي ينص بالتخلى عن شن الحرب ثم أطلق خطط التحديث الزراعي والاقتصادي ، لتكون بدايةً لعهد جديد بمعنى الاستبعاد الكلي لاحتمال عودة الساموراي مستقبلا الذي قد يرفض ويعارض ويلغي الاتفاقات الموقعة سابقا بحجة صيغت بدون استشارته ، فهي لا تلزمه بشيء لان القومية اليابانية ، تسعى للاستقلال والاحترام .
وفي السياق التاريخي يتكرر التساؤل المطروح في الأفق المنظور ، وكحامل لنظرة تشاؤمية حيال مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، هو التقاطع الشكلي لهذه الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب ، والمكونة من عشرين نقطة مع مقاربة أمريكية، اثناء إدارة الرئيس جون كينيدي والمرتبطة بفكرة وزير الدفاع روبرت مكنمارا في كتاب "جوهر الأمن " والذي يربط الاستقرار والأمن من خلال المشاريع التنموية،  ويعرف الأمن " يعني التطور والتنمية منها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، في ظل حماية مضمونة " وفي ضوء هذا الطرح يغدو خيار الضرورة التنموية، دلالة للقياس على مدى التكامل العضوي بين عملية التنمية والاستقرار ، ليصبح قاعدة عرفية مقبولة لحل النزاعات المسلحة وبسط الأمن وسلطة الدولة .
وهذا الطرح سبق الحديث عنه ، منذ عقدين بشعار السلام الاقتصادي غداة اتفاق غزة اريحا اولاً، كمحور مكمل يواكب مسار التسوية السلمية للقضية الفلسطينية .
ويستطرد الذي اقترن اسمه بحرب الفيتنام " ان الأمن الحقيقي للدول ينبع من معرفتها العميقة لمصادر التهديد ، لمختلف القدرات لإعطاء فرصة لتنمية كافة القدرات تنمية حقيقية ، في كافة المجالات سواء الحاضر أو المستقبل ".
وسأحاول إسقاط هذا النموذج على غزة ، وقداعتمدت حماس، اثناء عملية التفاوض بتوظيف أوراق رابحة وقوية،  وهي اعتبار البيئة أو الحاضنة الشعبية كعمق استراتيجي ، للدعم بالصمود والاستبسال وكشفت الحماهير الشعبية عن الوفاء للمقاومة،  بالتأكيد على البقاء وعدم مغادرة القطاع،  ولم تنتقد اطلاقاً هجوم السابع من اكتوبر، رغم القصف الهمجي المفرط وسياسة التجويع ، وتم إسقاط الحاجز النفسي للجيش الذي لا يقهر في الشرق الأوسط ، واضعاف المناعة الأمنية والسياسية للمجتمع الإسرائيلي ، وأصبح امن الآخر مرتبط بامن المستوطنيين .
وهذا المسعى يذكرنا بالتجربة الثورية في الجزائر والفيتنام بسياسة التهدئة
بمحاولة لفصل الثورة عن الجماهير .
لان الخطة يتداخل فيها الشق الأمني والسياسي والاقتصادي ،وتتضمن فترة انتقالية ، تدار بواسطة مجلس السلام يهدف لتحويل غزة ،خلال عشر سنوات إلى قطب سياحي واقتصادي بواسطة صندوق إعمار غزة وتسريعها وتحويلها ، والمعضلة تكمن في الربط بين اعادة الإعمار وتفكيك القدرات والبنية التحتية لحماس ، وهل سيتم إبعاد الحركة في الفترة الانتقالية من الحكم ، ولعل المفاجىء هو تصريح الرئيس دونالد ترامب، بقوله تحدثت إلى حماس ولا نجزم أو نتسرع في الحكم ، على طريقةً الحديث سواء مباشر أم عبر وسطاء بين حماس مع ارفع المسؤولين في الإدارة الأمريكية ، وأعتقد ان هذه بادرة جيدة وقناة اتصال متقدمة الاتصال ، ترجح ان تكون عبر صهره ومستشاره جيرد كوشنر،  اللذان يتقاسما فن إبرام الصفقات من مبدأ ، المزج بين السياسة والمال للحصول على الموافقة ثم تفاوض على التفاصيل ، وستيف ويتكوف والمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط وأرجح شخصيا ، صحة الاتصال المتزامن اثناء تواجدهم ضمن الوفد الأمريكي ، في ذات التوقيت في إسرائيل لترتيب قمة شرم الشيخ في مصر ، وهذه تعتبر  الخطوة الثانية لحماس ، لتضاف لسابقة أخرى مع الإدارة الأمريكية واقصد هنا صفقة الجندي الإسرائيلي حامل الجنسية ، الأمريكية ألكسندر غيدان الذي أطلقته حماس بطلب رسمي أمريكي .
في تحليلي الخطة حمالة أوجه تحوي ، اسرار وغموض والبداية تبدو ،بمحاولة تجاوز حماس الطرف المباشر في المعادلة الفلسطينية ، لان المقاومة حق مشروع في القانون الدولي ويستحيل الحديث ، عن نزع السلاح دون حل للمسببات الدافعة له وطوفان الأقصى، مجرد جولة أصيب فيها المقاتل بجرح سيندمل .
ان القدرة على إعادة صياغة شخصية مخترقة قابلة للتصدع ومستعدة للتخلي عن الانتماء الحضاري والانسلاخ من الإرث التاريخي تبقى مجرد افكار نظرية متأرجحة بين الفكر والممارسة وبالنتيجة هذا الرهان سيتساقط بمرور الزمن وليس هو الحل الممكن استدامته سيتهاوى في لحظة الصدق مع الذات المتجذرة .
 
آخر الكلام: نشيد فلسطيني 

صور يا عالم والدم يسيل
فلسطيني ما يقبل يحيا ذليل
جبينه عالي ما يطوي لو غيره يميل
ميل على الأقصى قول كيف بنهواك

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services