204

0

"جاليتنا المسلمة في كندا .. صراع إنجازات رغم المعيقات و الاكراهات الغربية" ..سوريا في القلب!!

في حوار مقتضب، مع الدكتور أيمن أبو غدة على نهج والده العلامة الموسوعي عبد الفتاح أبوغدة.

 

 

 

مصطفى محمد حابس: جينيف / سويسرا.

 

 

 أهمية موضوع هذا الحوار تتمثل فيما يلي عموما:

 أولا أن الرجل مقيم في كندا منذ عقود و من المشرفين على العمل التربوي و الدعوي في صفوف جاليتنا المسلمة هناك، و ثاني شيء أنه سوري الأصل ليحدثنا عن الوضع الجديد في سوريا، علما أنه غادر سوريا منذ عقود و هو يحن اليها ، و لسان حاله يردد : " سورية في القلب!!"، و الأهم من ذلك كله، شهادته من خلال هذا الحوار، على والده ووالدنا وأستاذنا العلامة الشيخ أبوغدة، كأحد رواد العمل الاسلامي ، شهادة عن رجل يجسد العالمية الاسلامية المتوازنة، من خلال ما قدمه  في حياته للأمة الإسلامية خاصة والوجود الإسلامي في الغرب والشرق عامة، لذلك فهو ليس محليا يخص المسلمين بسوريا أو السعودية التي درس بها فحسب، إنه نموذج للإنسان الرسالي الذي أينما وقع نفع !!  

وإنه لمن حق أجيال الصحوة علينا أن نعرفهم بهذه الشخصية المتميزة  في معرفتها وتاريخها ومنهجها ومساهماتها المتميزة، من خلال انتمائه لهذه الحركة التنويرية في مسيرة البناء والترشيد؟ لتستفيد منه الاجيال، وتعتز به، وتدافع عنه، وتدعوا 

بالخير للمساهمين فيه أمثال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، رحمه الله.

 

نص الحوار :

 

أخي الكريم دكتور  أيمن ، كما يكون قد أخبركم أستاذنا  العزيز سي خالد بوزرتيط، حفظه الله ..  هذا بعض ما جال في خاطري من أسئلة، و كما تذكر فقد  تكلمنا عن والدكم شيخنا العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله منذ سنوات خلت و قلت لكم أننا لسنا فقط من تتلمذ على كتبه النفيسة و تدارسنا بعضها، بل التقيته شخصيا مرتين أو ثلاث في ملتقيات الفكر الاسلامي بالجزائر ، التي يزخر بها تاريخ عالمنا الإسلامي و الدولة الجزائرية أيامها،  و أذكر  أننا التقينا في مدينة قسنطينة و نحن طلبة رفقة أساتذتنا و مشايخنا الكبار  أمثال الدكاترة العربي كشاط و الطيب برغوث والهادي الحسني و عمار طالبي، شفاهم الله و عفاهم، و كان من ضيوف الملتقى الشيخ محمد الغزالي و الشيخ أحمد حماني و الشيخ البوطي و الشيخ الترابي و الشيخ الغنوشي و الدكتور محمد عمارة و جمال الدين عطية و طه جابر  العلواني و غيرهم، في عهد الوزير عبد الرحمان شيبان و أمينه العام أستاذنا الكبير عبد الوهاب حمودة، جزاهم الله و إياكم خيرا، و نفع بهم..  

قبل الخوض في تفاصيل حوارنا المتشعب، و الذي يحتاج حلقات و حلقات!!
ـ  كيف يقدم الأستاذ الدكتور أيمن أبوغدة نفسه للقراء ؟ من هو؟  و أين هو ، وماذا يشتغل حاليا ؟ وأين ؟

الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم المرسلين، أنا إسمي أيمن عبد الفتاح أبو غدة الابن الثاني للوالد الشيخ عبد الفتاح رحمه الله، وأخي الأكبر محمد زاهد وهو في أصله مهندس مدني ثم بدء بأعمال البزنس. وهو حاليا مثلي مقيم في كندا.

نشأت وولدت في حلب، ثم قضيت سنوات الدراسة الابتدائية في حلب، ثم ذهبت مع الوالد إلى السعودية، وكنت في السنة الرابعة ابتدائي، ولما عدنا في السنة الخامسة اعتقل الوالد في تدمر في سوريا لمدة قرابة السنة ثم أفرج عنه، ثم عاد إلى السعودية مرة أخرى، بقيت هناك حتى أخذت الثانوية العامة، ثم عدت إلى مدينة حلب للدراسة في كلية الطب، فقضيت حوالي خمسة سنوات، ثم اندلعت الأحداث في سوريا في الثمانينات (1979)، فغادرت بعد فترة قصيرة تجاه السعودية، ثم أكملت دراسة الطب في بغداد بالعراق. بعد ذلك عدت إلى السعودية مرة أخرى.

 

ـ ما الأقدار التي ساقتكم  أنتم دكتور أيمن الى الغرب، الى كندا تحديدا بالقارة الامريكية، و هل من تعريف و إحصاء للجالية المسلمة هناك؟؟

الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

عدد المسلمين في كندا، وفقًا للتعداد السكاني لعام 2021، يُقدّر  بحوالي 1.8 مليون شخص، مما يمثل حوالي 3.7% من إجمالي السكان وتتواجد الجالية المسلمة بشكل رئيسي في المدن الكبرى، حيث تتركز أعداد كبيرة منهم في تورونتو التي تُعتبر أكبر مدينة في كندا، وتحتوي على أكبر عدد من المسلمين، و كذا مدينتي فانكوفر ومونتريال تُعتبران مراكز ثقافيًة مهمة للجالية المسلمة، أما أوتاوا العاصمة الكندية بها عدد ملحوظ من المسلمين من أصول عربية وآسيوية.


 ـ
و ما هي الأقدار التي القت بكم  كطبيب -مختص في الطب الباطني و القلب- على رأس هيئة إسلامية "مدرسة الهدى"، التي أسستموها رفقة بعض الاخوة الجزائريين أمثال الأستاذ المرحوم داود خليفة والأستاذ خالد بوزرتيط و جنسيات أخرى ؟ كمؤسسة وواجهة تربوية في صرح عالم الدعوة الفسيح في الغرب ؟.. وما الأعمال و الأنشطة التي قامت  بها هذه المؤسسة و لا زالت ؟

الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

 طبعا بعد إنهاء دراستي هناك في البلاد العربية، رتبت أمري، وجئت إلى كندا فأكملت الاختصاص في الطب الباطني، ثم أمراض القلب، وأنا أعيش في مدينة ريجينا منذ عام 1992 بفضل الله سبحانه وتعالى، والآن أنا مسؤول المدرسة الإسلامية هناك التي أنشئت في عام 1999 .

المدرسة الاسلامية بمدينة ريجينا التي أعيش فيها في محافظة إسمها البراري الكندية، هي مشهورة بزراعة القمح، ومشهورة بجوها شديد البرودة. وعدد الجالية في البداية كان قليل، واليوم تعدادها قرابة  25 ألف، وبفضل الله سبحانه ومساعدة الطاقم المدرسي من جنسيات عديدة، كان لمدرسة الهدى فضل كبير في جلب الناس من الجالية المسلمة إلى منطقتنا، فبدأنا بـ 20 طالبا، والمدرسة الآن بها 720 طالبا، بدء من التمهيدي إلى التوجيهي أو الثانوية العامة.

الحقيقة أن المدرسة هي صرح أكاديمي كبير، تركز برامجها على الأخلاق الإسلامية، والتفوق والتميز الأكاديمي، وأعتقد أننا سددنا ثغرة كبيرة في هذا الجانب مع الأساتذة الافاضل، وشهادتي مجروحة في المدرسة لأني المدير، لكن، هذا ما يذكره الأحباب والناس هنا عموما، فإن لم تكن مدرستنا من أفضل المدارس، فهي أفضل المدارس إدارة، وأيضا من ناحية النظرة والفلسفة، فعلى سبيل المثال نحن يهمنا جدا في التربية والتعليم "السلوك"، سلوك الطلبة والمعلمين والادارة!!

وأنا أخذ هذا الموضوع شخصيا بحد و حزم، إضافة إلى الأمر العام، وأيضا التفوق الأكاديمي، وهذا موجود ومشهود له في المنطقة عندنا، وطلابنا لما يذهبون إلى أية جامعة يدخلونها بكل سهولة ويسر بسبب علاماتهم وتفوقهم بفضل الله سبحانه وتعالى.

 ـ العمل الاسلامي مع جاليتنا المسلمة  في مجتمع غربي موحش أحيانا، مختلف من بلد لأخر، حسب سياسة البلد المضياف، كيف تتعاملون منذ عقود مع هذا الوضع في كندا؟

 ـ وما هي المعيقات و الاكراهات التي تجابهكم كجالية  في الميدان ؟  و هل هناك اختلاف في العمل  الإسلامي من جهة لأخرى في القارة الامريكية؟

الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

أما من ناحية العمل الإسلامي في شمال أمريكا، فنعتقد أننا في كندا، أفضل حالا من ناحية الارتياح من ناحية العلاقة مع السلطات. ومن ناحية، الهجمات المباشرة المتطرفة على الإسلام أو المسلمين، فنحن أفضل حالا مما قد يكون عليه الحال لدى جيراننا في أمريكا، لأن الولايات المتحدة  الامريكية فيها عدوانية  على الآخر والأسلحة مسموحة في متناول الجميع، فهذا الجو العام من ناحية التسلح والرعونة الاجتماعية إلى آخره ينعكس سلبا على كل شيء.  و بالتالي يمكنني القول أن الوضع أحسن في كندا بشكل عام، لكن هناك قوة الولايات المتحدة الأميركية بحيث سكانها عشرة أضعاف ما بكندا، وللجالية المسلمة هناك فيها قوة، بفضل الله سبحانه وتعالى ومنتشرة في كل مكان، كما أن لاسم الولايات المتحدة الأميركية بريق خاص، فتوجهت إليها قوافل الهجرة من فترة طويلة ، وهناك مؤسسات يشار إليها بالبنان التي تحمي حقوق المسلمين هناك وما إلى ذلك، فالحقيقة إنه هناك اختلاف بين الدولتين لكن في النهاية هناك عمل جيد، وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "من استوى يوماه فهم مغبون"، دائما نحتاج إلى التحسين والتطوير في هذا الجانب.

 

ـ و حتى داخل كندا هل هناك فروقات بين  الجهات الناطقة بالفرنسية و الناطقة بالإنكليزية؟   و هل فيهم من تأثر بالثقافة الفرنسية أو الاوروبية  سلبا او ايجابا ؟

 

الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

 بالنسبة لموضوع كندا تحديدا، هناك في شرق كندا بكبيك، الناطقة الفرنسية، ومعلوماتي هنا ليست وفيرة عنها، لكن الغالبية العظمى ليست في المنطقة الفرنسية، لأن فيهم عدوانية العلمانية الفرنسية ، أهل الكيباك يريدون أن يكونوا كأبناء فرنسا وهم في كندا وقد منعوا على سبيل المثال الرموز الإسلامية. وقد منعوا حتى الرموز الدينية الاخرى ، فلا يستطيع أحد أن يضع الطالب صليبا كبيرا على صدره ، أما بداخل قميص، ما عندهم مشكلة!! لكن أن تكون سيدة مسلمة تضع مثلا سلسلة عنق فيها مصحف أو وحدة يهودية تضع نجمة داوود إلى آخره، هم عموما يمنعون ذلك وأيضا موضوع الحجاب منعوه على التلميذات رسميا في بعض المدارس ... يعني يحاولون أن يكونوا كفرنسا مستغلين ومبتزين، بقية سكان كندا بقضية الانفصال.. يبدوا أنهم  يهددون بالانفصال، مرددين بقولهم ثقافتنا  فرنسية كذا و كذا. .فهي بين أخذ ورد ومد وجزر.

 

ـ كمراقبين من أوروبا نلاحظ أنه من الوجوه السياسية و المسيرة للدولة الكندية، نلاحظ وجود أسماء اسلامية  و عربية، كما ان هناك أسماء إطارات في البحث و الطب و أمور أخرى..  ما هي أنواع الجاليات المتواجدة في كندا.. ؟ و أيهم أكبر عددا و تنظيما، أو أكبر نفوذا التي يمكنها فرض أصواتها أو بعض  قناعاتها  الاسلامية على برامج ما في الانتخابات المحلية و الفدرالية مثلا ؟؟

 

الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

في البرلمان الكندي، هناك أسماء إسلامية، نعم موجودة، لكن يجب أن نحذر من شيء. إنهم إخواننا أو الناس من شبه القارة الهندية قاديانيين أحمديين، وأيضا هناك حتى من أفريقيا، من كينيا، أسمائهم إسلامية، لكنهم ليسوا بالضرورة ممن يشاركنا عقيدتنا أو آلامنا وأوجاعنا، ومع ذلك يتم التغاضي عن ذلك، ونذهب إليهم، كأننا مجتمع واحد، وهم يتفاوتون فيما بينهم، فمنهم النبيل الذي يساعد، ومنهم من لا يكترث، وكذلك الناس من غير ديننا، فكل إنسان يذهب إلى مندوب البرلمان الذي انتخب في منطقته أو دائرته، و يطالبه بما يريد، سواء كان أمر شخصي أو باتخاذ موقف من قضايا المسلمين، سواء في داخل كندا أو خارجها. طبعا عندما يحين موعد الانتخابات، يتهافت السياسيون على الجاليات، والجالية المسلمة تساعد في أكثر من إنتخاب في كندا، وهذا ليس تطيبا لخاطرنا أو إرضاء لأنفسنا بأنفسنا، لكن حقيقة قد تتفق مع السياسيين في قضية ما أو أمر جزئي ما. وهذا بالضرورة أجبر الجاليات وبشكل طبيعي على تكوين جمعيات إسلامية عديدة، فبعضها يهتم بالدعوة الإسلامية لغير مسلمين، وبعضنا يهتم بالفعل بالمدارس والمراكز الإسلامية التي تهتم بأعمال أساسية كالزواج، والطلاق والوفيات، وهكذا، مع اجتماعات الجالية بالمدارس الإسلامية نهاية الأسبوع، سواء كانت لتحفيظ القرآن الكريم أو تدريس اللغة العربية ، فهناك حرص، لكن مهما حاولت النسبة ليست كبيرة جدا، ولكل جالية تميزها، وإن كانت الجالية العربية أكثر اهتماما بقضايا المسلمين خارج كندا، وتفاعلا مع السياسيين ولكن ليسوا بمفردهم، فهم أيضا يسحبون ويجرون معهم المسلمين!!


ـ أنت  دكتور أيمن أحببت أم كرهت، بحكم الاصل و الفصل، والدكم  من مجددي هذا القرن بعلمه و فقه و كتبه، بالتالي أنت نتاج هذا العلم وهذه الاخلاق  و تلك التربية الاسلامية، كيف تعرف لنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة الأب المربي ، والمعلم القدوة ،و الامام العالم و ..؟؟

 

 الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

 أما بالنسبة للشيخ عبد الفتاح أبو غدة الاب المربي، بلا ريب، هو يربي بالمثال ، حازم في موضوع الأمر، كما أنه أيضا قابل للأخذ والعطاء بالمساومة بالأصح، إلا في أمور الشرع، فهي ليس فيها تنازل، و لكن هناك فيه شرح و توضيح و تعليم ، لكن ليس فيها تنازل، هو يقود ويعلم ، لعلك قرأت كتابه من أدب الإسلام، فعندما يقول لك إذا كان هناك وسخ في حذائك تنظفه قبل أن تدخل عند بيت أحد !! كل ما ذكره هناك في كتبه أنا نشأت عليها، فلما قرأت الكتاب ما أتاني بجديد، يعني هذه حياة عشناها دقيقة بدقيقة، وهذا انعكس على كل من احتكَ به، وتربى على يديه او اقترب منه، سواء تعلمًا، دراسةً، وكل من سافر معه يعتبر سفره تربوي في طريقته في الحديث أو في طريقته في إكرام إخوانه و الإهتمام بشؤونهم، إن لم يستطع بنفسه، يسأل عنهم وهكذا، وهذا ما جعل كلماته ذات جدوى وأثر في نفوس الناس.

في بلده، حلب، كان والدي محبوبا من أساتذة الجامعة إلى العامل البسيط، الذي قد يكون أميا، فيه تواضع العلماء، ويعتقد بأنه لا يضيع وقتا، وقد ألف كتابا في وصف قيمة الوقت عند العلماء، وحقيقة أنه لا يضيع ثانية من وقته إن استطاع، فهو قدوة في هذا الجانب، ومعلم مفهم ميسر للمادة، وشرح لمادته إذا كان يدرس، أكاديميا، و بنفس الوقت، يعني إذا أردت أن توغل يستمر ما بعد ذلك.

وقد شهد له الناس من الشرق والغرب، لكن في علمه في هناك يعني فارق إضافة إلى الصفات الشخصية والمحبوبة إلى آخره، واعتبره الناس قدوة لهم بغض النظر عن مشاربهم، فإن ذهبت إلى جماعة الدعوة و التبليغ، الآن أنا في كندا يأتي شخص يقول لي ابن الشيخ عبد الفتاح هنا .. والله يتصلون ويهرعون إلي للبركة، إنه ابن الشيخ، وما إلى ذلك. والوالد رحمه الله، يستحق بفضل الله سبحانه وتعالى ذلك و لست أنا،  فله قبول من الناس، سواء كانوا إخوان مسلمين أو كانوا من السلفيين، معتدلين أو الناس الصوفيين، فهو عندهم شخصية لا تمس، هذا عالم!!. أمر كبير بحد ذاته !!

أضف إلى ذلك بأنه في علمه واهتمامه بالحديث الشريف، ربط ما بين علماء شبه القارة الهندية، و بين بقية العالم في الشرق الإسلامي، أعني الدول العربية و الإسلامية في المنطقة، فهذه كان لها أثر كبير على الطرفين ربط هذا بذاك، رحمه الله.

 

ـ و ما كان دور الوالدة و الاولاد في ذلك، لأن المثل يقول "وراء كل رجل عظيم إمرأة "  

ـ وكيف استطاعت الوالدة أن تثبت معه مدة هذا المسار الطويل الشاق المنعرج ..و أكيد الممتع في سبيل الله؟.  

ـ كيف كانت معاملة الشيخ مع والدتكم، و كيف كانت هي تتحمل معه مشاق الدعوة و تنقلاته من بلد لآخر؟  

 الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

 حول دور الوالدة في ذلك، الحقيقة سؤال عظيم جدا، الوالدة رحمها الله أغنته بحيث وفرت له الطمأنينة والسكينة في البيت، حملت عنه كثير من انشغالات الأولاد، وإلا لما استطاع أن يصل إلى ما وصل إليه، وكنت أسمعها دائما تقول له " ما دمت أنت تخدم حديث رسول الله صلى الله " لن يضيعك الله ولن يضيع أولادك" والحمد لله على ذلك. طبعا حياة الوالدة فيها تعب ومشقة وسفر وابتلاءات وإعتقال وما إلى ذلك، فكانت هي متحملة معه، رحمهما الله رحمة واسعة.

ـ هل فيه من العائلة أو أبناء الشيخ أبوغدة،  من يحمل اليوم مشعل الشيخ في التأليف و الدعوة  و ..؟؟

 الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

أما الأولاد، أخي الكبير محمد زاهد قارئ نهم و شاعر وإن كان لا ينشر شعره، وخلال السنوات الأخيرة، وأستطيع أن أقول خلال 15 سنة الأخيرة، ليس عنده شهادة شرعية رسمية ؟ عندما يقال له الشيخ محمد زاهد في الحقيقة هو ليس متجاوزا حدوده ، هو في تورنتو يقوم بهذا الغرض، إضافة إلى عمله. أما أخي الشيخ سلمان فهو شيخ ودرس العلوم الشرعية ويتابع كتب الوالد و يضيف عليها، يصلح ويصحح طباعتها، وما إلى ذلك، وهو مقيم الآن في السعودية، وعندي ابني أمير، وهو يحمل شهادة في العلوم السياسية، ثم في القانون من كندا، عمل سنة بالقانون بعد ذلك، درس على بعض العلماء في تركيا، الآن بصدد تحضير الدكتوراه في العلوم الإسلامية من أمريكا، أدعو الله لهم أن يكونوا خير خلف لخير سلف إن شاء الله.

ـ و أنت تستعد للعودة الى بلدك سوريا، يرى بعض الساسة، أنه بعد سقوط آل الأسد .. اليوم كل ما نخشاه هو ما بعد الثورة، تجتمع في البداية ضد رأس واحد.. وبمجرد إسقاط الهدف المشترك تبدأ الفتنة بين الفصائل وما أكثرها وما أكثر تناقضاتها. متمنين السلامة لسورية و لشعبها من أعماقنا، كيف تقرأ هذا الانطباع ؟.

 

الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

لاشكّ أن سقوط النظام الطائفي في سوريا لم يكن أمرا مفاجئا بمعايير السنن الحضارية للمجتمع الإنساني، بالنظر إلى الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها عائلة سياسية استبدادية من 1963، تمثّل أقلية محدودة جدا ضمن النسيج الاجتماعي والسياسي، لكنها احتكرت السلطة بالحديد والنار أكثر من نصف قرن، مستندة إلى تحالفات طائفية وأخرى دوليّة ضمن موازين لعبة صراع الأمم في المنطقة، لم يكن نظام الأسد، وكل نظام عربي شبيه له من قبل، يستحق البقاء جاثما على صدر شعبه المقهور، يقطع أنفاسه وأشواقه على طريق التحرر من نير الظلم، وهو يتطلع إلى عصر جديد من الحرية والازدهار، غير أن ذلك لا يعفي المراقب الموضوعي من فتح عينيه على حقائق أخرى مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحدث الكبير، تتصل خاصة بالتوقيت وطريقة الانهيار ودور الفاعلين الدوليين والإقليميين والتزامن مع “طوفان الأقصى” وانسحاب روسيا وإيران و ”حزب الله” من المعركة، وغيرها من المؤشّرات التي تطرح علامات استفهام بارزة، تحيل المتابع إلى مساحات رمادية واسعة، يصعب ملؤها في الوقت الحالي عن ناظر من بعد مثلنا، بل تبقى في حاجة إلى أخذ مسافة زمنية لقراءة المشهد بشكل سليم، مثلما عرفته التجارب التاريخية والجغرافية في كل الوقائع المفصلية من هذا النوع  من الصراع.

 

ـ هناك قراءة تقول " أن الخطابات الأولية - بعد عصر الأسد- تطمئن المهموم بمآل سوريا على نهاية آمنة لمسار ثوري هو الأطول عربيا والأكثر تعقيدا في الساحة الإقليمية، لكن الواقع قد يكون مختلفا نوعا ما، لذلك، ستكون المسؤولية التاريخية ثقيلة في أعناق زعماء الفصائل وكل أطياف النخبة السورية اليوم، أما الأطراف الأجنبية الدولية، فلا يرتجى منها خير يخالف مصالحها الاستراتيجية في المنطقة"، ما تعليقك على هذه القراءة ؟؟.

الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

لأجل ذلك، من الواجب العقلاني الآني، ومسؤولية الشعب السوري وفصائل المعارضة  في السلطة وكل المتحمسين لمشروعها والمتبنين لها، تحقيق التوازن الإلزامي بين كره نظام  الأسد وحبّ سوريا، لأنّ شعرة الميزان بينهما دقيقة جدا، والتجارب العربية المريرة التي رافقت الثورات والانتفاضات الإقليمية تبعث الهواجس المشروعة، وقد لا تكون أرض الشام استثناء معجزا في ذلك، بالنظر إلى مؤشرات ميدانية متعاضدة، و بالله التوفيق.

 

ـ اليوم صار الأسد ونظامه جزءا من ذاكرة المعاناة السورية، ورحيله من حيث المبدأ، مبتغى كل الأحرار في العالم ناهيك عن السوريين، لكن السؤال المشروع: إلى أين تتجه سوريا بعدهما؟

الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

طرح السؤال الصريح ليس نوعا من الاعتراض المبطَّن على سقوط حاكم أذاق شعبه سوء العذاب، طيلة عقود،أن المعركة مع نظام البعث والأسد بدأت منذ عام  1963وقدمت التضحيات الباهظة سنوات 1964، 1972، 1978 الى يوم التحرير . هناك عشرات الالاف من الضحايا التي أبقت الجذوة مشتعلة حتى عام 2011.

و اليوم لاستشراف مصير بلد محوريّ كسوريا ضمن كيان الأمة العربية، يظلّ، في الآن نفسه، محل استهداف وأطماع فواعل مركزية كبرى في العالم والإقليم.. نحن لا نريد لشعبنا في سوريا أن يدفع ثمن صراع الثيران ومصالح الدول الإقليمية المتطاحنة خارج أراضيها، لتتحوّل سوريا إلى بؤرة نزاع مفتوح ودولة فاشلة، على غرار  ليبيا واليمن وقبلهما العراق وأفغانستان، لا قدر الله.

ـ الآن المرحلة الأصعب في مسار  الشأن السوري، وهو إعادة بناء الدولة وتنظيم الحكم المؤسّساتي والانتقال السّلس للسلطة على أسس ديمقراطية، في بلد يضمّ تركيبة مجتمعيّة ملغمة، من ناحية المكونات الطائفية والعرقية والدينية، ناهيك عن ترسّبات نفسية عميقة موروثة عن عهد القمع والاستبداد منذ ستينيات القرن العشرين؟

الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

صحيح، الاستحقاق خطير جدا أمام الفصائل السورية في الحفاظ على ممتلكات الدولة السورية أوّلا، خلال الأسابيع والأشهر الأولى من سقوط النظام، ثم استئناف إعادة البناء الوطني على قواعد القانون والمواطنة والعدالة والحرية والتعدّدية، مع مراعاة شروط المراحل الانتقاليّة ومقتضيات المصالحة الوطنية الجامعة والتنازلات والمفاوضات السياسية، بعيدا عن منطق القوّة وروح الهيمنة أو الثأر والانتقام التي لا تليق بقادة الدولة الجدد، كما يفرضه الاسلام السمح في مثل هكذا مراحل، و الله المستعان.

ـ صحيح نحن هنا لا نقدّم دروسا في الوطنية لأهلنا في الشام، و لا شك أن النخب السورية واعية ومدركة تماما لمستوى الرهانات المقبلة عليها، لكننا لا نذيع سرّا إن قلنا إن بعض الفصائل كانت ترعاها دول إقليمية وتموّلها ؟

 

الدكتور أيمن عبد الفتاح أبو غدة:

 

هذا هو المحك والامتحان الذي سيثبت انتصار  السوريين على قائمة ثورات الحرية والديمقراطية والكرامة مستقبلا،  وهي المعادلة الحرجة التي ظلّت  بعض الأطراف تتقاذف بشأنها الاتهامات والتحليلات منذ 13 سنة، وكل فريق يدفع بحججه الدامغة على صواب موقفه، ولا ندري يقينا إلى أين تتجه الأمور الآن، لكن بحول الله الى خير و أمان ، و ما ذلك على الله بعزيز؟

من جهتنا نرفع أكف الضراعة لله سبحانه، أن يحفظ الشام لأهلها و للمسلمين جميعا، فاللهمّ انصر أهل  سوريا، وارفع عنهم طّغيان الغرب و الأعداء، و ارحم موتاهم وتقبّلهم شهداءً، اللهمّ اشف جرحاهم. اللهم اربط على قلوب من فقدوا آباهم وأبناءهم وكلّ عزيزٍ  لديهم، رحماك يا ربّ بشعبٍ هبّ لنصرة المستضعفين في سوريا، اللهمّ ولّي على بلاد المسلمين الأخيار، وادحر  زمرة الأشرار، يا قويّ يا عزيز يا غفّار، ارحم إخواننا وأهَلْنا في سوريا وفكّ همّهم ويسّر أمرهم، اللهمّ انصرهم على من ظلمهم، اللهمّ اكشف عنهم البلاء، واجعل لهم مخرجاً، اللهمّ أطعم جائعهم، وأمّن خائفهم. اللهمّ تقبّل موتاهم في الشهداء الأبرار، اللهمّ ألهم أهلهم الصّبر والتوفيق،  الهم قادتها بطانة خير تأمرهم بالخير وتحثهم عليه، برحمتك يا من وسعت رحمته كلّ شيء... و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services