الحديث عن فيروس العوز المناعي البشري يمثل مشكلة صحية عامة عالمية رئيسية، تفتك بالمنضمة الصحية للدول و المؤسسات التابعة لها ، خاصة في السنوات الأخيرة التي كشفت مدى عمق وحدة الإصابة بهذا الداء الذي أودى بحياة ما يزيد عن 40.4 مليون شخص مع استمرار انتقال العدوى في كل بقاع العالم دون تحديد دقيق لأساليب العلاج الذي لا تزال فرضياته معلقة تنتظر الفصل و الجزم فيها .

شيماء منصور بوناب

فيروس العوز المناعي البشري (HIV) هو عدوى تهاجم جهاز المناعة في الجسم عن طريق استهداف خلايا الدم البيضاء ، بما يضعف الجهاز المناعي الذي يصبح محور الإصابة بعدة امراض معقدة العلاج كالسل و الالتهابات الحادة و بعض من أنواع السرطانات .

الايدز...طرق الإنتقال وانتشار العدوى

وباعتبار أن متلازمة العوز المناعي المكتسب (الإيدز) هي المرحلة الأكثر تقدماً من المرض،الذي يحدث نتيجة انتقال سوائل جسم الشخص المصاب كالدم وحليب الأم أو السائل المنوي والسوائل المهبلية، إلى الشخص الآخر دون دراية حقيقية إلا بعد سنوات أو مراحل عدة تجعل من فيروس العوز المناعي البشري يتطور تدريجيا إلى إيدز.

وحسب ما جاء في تعريف منظمة الصحة العالمية فإن العدوى بفيروس الإيدز في مراحله المتقدمة، هي تلك الحالة التي يقل فيها تعداد خلايا عنقود التمايز عن 200 خلية/مم3 أو المرحلة 3 أو 4 التي حددتها المنظمة لدى البالغين والمراهقين. ويعتبر جميع الأطفال الحاملين لفيروس العوز المناعي البشري والذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات مصابين بفيروس الإيدز في مراحله المتقدمة.

من المعروف عن داء الايدز أنه سريع الانتشار و مباشر الإصابة التي تظهر بعد أشهر قليلة فقط من الاحتكاك بالمريض(عبر اختلاط السوائل)، غير أن ادراك الامر لا يظهر إلا بعد مراحل متأخرة في شكل أعراض مشابهة للأنفلونزا، كالحمى و الصداع أو الطفح الجلدي و التهاب الحلق، لتتفاقم بعدها على النحو الذي يهلك مقومات الجهاز المناعي الذي يصبح في حالة منفتحة على امراض أخرى تعزز من قابلية تورم الغدد الليمفاوية و سهولة فقدان الوزن و الحمى الشديدة المرفقة بالإسهال و السعال الحاد .

ولعل ذلك ما يحفز نقاط الإصابة بأمراض أخرى كالتهاب السحايا بالمستخفيات أو الالتهابات البكتيرية الوخيمة وبعض أنواع السرطان مثل الأورام اللمفاوية و حتى التهاب الكبد C والتهاب الكبد B وجدري القردة.

أما في سياق الوقاية والتقليل من الإصابة بهذا المرض ، ينصح المختصين استخدام الواقي الذكري أو الأنثوي أثناء ممارسة العلاقة الجنسية التي تعتبر بؤرة الإصابة لارتفاع مؤشراتها ،التي تفرض  اجراء اختبارات الكشف عن الإصابة بعدوى الأمراض المنقولة جنسياً، يضاف إليه إتاحة خدمات الحدّ من المخاطر لمتعاطي المخدّرات عن طريق الحقن التي تكون سببا لانتقال عدة امراض معقدة ناهيك عن خطورة تعاطي المخدرات التي تعتبر في حدها مشكلة عويصة .

 مؤشرات تدق ناقوس الخطر

وفي حديثنا مع المختصة في العلاج النفسي و الأسري و الكوتشينج بوصبيعات سهام ،تفيد بأن داء نقص المناعة المكتسبة "الأيدز " من أهم أسباب الوفاة والعجز، لاسيما في البلدان المنخفضة و المتوسطة في الدخا الفردي الذي تقل فيها الرعاية الصحية .

فالإصابة بهذا الداء الخبيث في تزايد كبير عبر العالم ،فحسب تقارير منظمة الصحة العالمية فإن مجموع الأشخاص المصابين حول العالم قد بلغ في إحصاءاته الأخيرة إصابة ما يقارب 84.2 مليونا شخص، فيما توفي ما يقارب من 38.4 مليونا مصاب بالأمراض الناجمة عن هذا الداء .

وإذا خص الحديث عن من هم الأكثر عرضة لهذا الداء ، توضح المختصة بأنه في عام 2021 تبين ان 54 ٪ من جميع المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية كانوا من النساء والفتيات ، لأسباب و عوامل لا تزال مبهمة لدى الأطباء و المختصين .

وتابعت مشيرة لواقع هذا الداء في الجزائر التي توضح تقارير وزارة الصحة و السكان و اصلاح المستشفيات انه قد تم إحصاء 22.000 شخصا مصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة/الإيدز، إذ أصيب حوالي 2.100 شخص منذ عام 2019،إلى غاية اليوم و توفي منهم 150 شخصا.

وبالرجوع للتوقعات المحتملة في معدل الإصابة بداء الايدز ، تشير بوصبيعات لتوقع السيد زدام عادل مدير برنامج الامم المتحدة المشترك المعني بالسيدا بالجزائر (أونيسيدا)،الذي يؤكد بأن عدد الإصابات الجديدة وعدد الوفيات المرتبطة بالإيدز بين عامي 2020 و 2022 سيكون بين 000 123 و 000 293 حالة من حالات العدوى وبين 69000 و 148000 حالة من الوفيات.

العقد النفسية مشد ذاتي يضيق على حياة المصابين

ومن الجانب النفسي الاجتماعي تشدد محدثتنا على تأويلات هذا الداء الذي بات يهدد مسار حياة الانسان والدولة ومختلف مؤسسات الاستشفاء وحتى الاقتصاد ، ليشمل أيضا الجانب الذاتي للفرد المصاب و محيطه العائلي و الاجتماعي ، باعتبار أن هذا البلاء يحمل وصمة لا يمكن أن ينكرها الشخص و هذا ما يزيد المعاناة لدى المصاب او المصابة كونه محور التركيز في محيطه الذي يجعله في حالة ضياع وخوف من التهميش و العزلة .

وهنا ما وجب الحديث عن الحياة النفسية القاسية التي يمر بها الفرد من الناحية الجسمانية و المعاناة النفسانية بسبب الاثر السيء على نفسيته و مشاعره من ناحية و بسبب نظرة المجتمع اليه من ناحية اخرى، فالمصاب يدخل في دوامة متشعبة تزيده سوءا و ألما لإحساسه أنه أمل في الحياة من جهة ومن جهة اخرى لإحساسه أنه منبوذ .

وبذلك تركز المختصة النفسية الاجتماعية ، على حتمية التكفل النفسي بغية التخفيف من هذه الآلام المركبة و التي يتولد عنها اضطرابات نفسية مثل القلق و الوسواس و نوبات الذعر التي تصاحب المصاب من المراحل الاولى لاكتشاف الإصابة و تزداد وتيرتها في كل مرحلة يخطو بها نحو التقبل و الصمود امام هذا الابتلاء.

كما لا يخفى على أحد أن هذه الاضطرابات تشكل عبئاً نفـسياً ثقـيلاً على المصاب و أسرته على حد سواء، خاصة حينما تصادفه صعوبة التعايش مع مرض مزمن يهـدد حيـاته ويعرقل مسلكه في النجاة و العيش طبيعيا مثله مثل غيره ،ومـن أمثلـة هـذه الـصعوبات التي تشاع وسط المصابين نجد قصر متوسط العمر المأمول و نُظم العلاج المعقدة وفقدان المساندة الاجتماعيـة من الأسـرة و الأصدقاء التي تجعل الفرد يشعر بالنقص و العلة .

 بالإضافة للآلام الجسدية و الاضطرابات النفسية، فإن داء نقص المنـاعة المكتسبة يرتبط بارتفـاع مخـاطر الانتحـار خاصة مع ضعف الوازع الديني او انعدامه لأن المصاب لا يرى الامل في الحياة بسبب ازدراء المحيطين به منه و تجنبهم اياه و واعتباره وصمة مشوهة ، تزيد من آلامه خاصة حينما يكون هذا الازدراء من اقرب الناس اليه، وبذلك يصبح من الضروري اخضاع المصاب الى تكفل نفسي اسنادي يخفف عليه المعاناة و يضفي عليه السلام الداخلي و يزوده بآلية التقبل و المرونة في التعامل مع هذا البلاء.

ومن الجانب العقائدي الديني تنطلق سهام بوصبيعات من قوله تعالى« لا يُصِيبنا إلا ما كَتَبَ اللَّه لنَا » ،باعتبار أن عوامل الاسناد تكون انجع في مجتمعاتنا المسلمة حيث ان عامل القبول بالقضاء و القدر من اساسيات عقيدة المسلم مما يدخل عليه الطمأنينة و يخفف من مشاعر الاحساس بالذنب لأنه سيترسخ عنده معنى الآية الكريمة"مغفرة اللَّه وَسِعَتْ كُل شيء."