507
0
في شهر النصر والشهداء ذكريات خالدة ومواقف لاتنسى
.jpg)
بقلم مسعود قادري
عندما يحل شهر مارس من كل سنة، يعيد إلى نفوس الجزائريين عامة والأجيال التي عايشت يوم توقيف القتال 19 مارس 1962 والأيام التي تلته وجو الفرحة العارمة التي لايمكن وصفها ولا تصورها في الخيال ، لأنها شعور لاأظن أن أي شعب في العالم عاشها وتلذذ بنتائج ثورته وتضحياته وانتصاره كما كان حال الشعب الجزائري المنتشي بالنصر المبين الذي دفع ثمنه غاليا من خيرة أبنائه وبناته، دون الاعتبار لما الحق بالوطن من دمار وخراب ونهب وسرقة من لصوص ادعوا نقلهم لحضارة ، حضارة همجية لاتفرق بين البشر والحجر ولا بين الحيوان والشجر ، قوامها التقتيل والتنكيل والإبادة لكل حي في هذه الأرض ليخلو لأهلها جو التمتع بما فيها من خيرات ..
لكن إرادة الله وإيمان الشعب بالنصر قلب عليهم الطاولة وحرمهم من حلم طويل حوله المجاهدون والشهداء إلى كابوس مزعج لم يستفق منه المدمرون وخلفهم إلى اليوم ..؟! ..
أسبوع كامل وأكثر، من أيام مارس 1962، لم نعرف فيه طعما للنوم والراحة ونحن كأطفال بالخصوص نجوب القرى والشوارع حاملين الرايات مرددين للأناشيد الوطنية غيرمبالين بالبرد والجوع والعطش .
لم نكن ندخل الديار إلا عند الضرورة القصوى .. بالمناسبة حتى الأولياء لم يكونوا يمنعوننا السهرالطويل ليلا والغياب كثيرا عن البيت لأنهم كانوا أكثر فرحا منا فهم كانوا يقدرون مدى الحرمان الذي عانيناه جميعا من تسلط الفرنسيس ونظام حجر التجول الذي استمر طيلة سنوات الثورة المباركة ..
الكبار كانوا يحسون أكثرمن أبنائهم بحجم الحرمان والمعاناة ،الاعتداءات والقهر وما لاقوه من إهانات في كل وقت وبدون أي سببب. ؟!.
وعندما انتهى الكابوس واسيقظ الجميع من سبات قاهر طال أمده ، أحس الناس بقيمة النصر والعودة إلى الحياة الطبيعية كما تعيشها بقية الأمم والشعوب يفرقون فيها بين الليل والنهار بين الضياء والظلام . فقيمة النعمة لايحس بها إلا من فقدها !؟..
خرجنا من ظلام دامس وقهر لايعلم مداه إلا الله.. سبع سنوات ونصف لم نكن نعرف فيها معنى الليل إلا عندما تريد قوات العدو أن تقتحم البيوت وتخرج من فيها لحاجة في نفسها .. كدنا أن ننسى شكل القمر والنجوم والسماء ليلا عندما تكون صافية أو ملبدة أوماطرة ..
سبع سنوات ونصف كنا فيها ـ خاصة سكان الريف والمناطق التي كبلها الاستدمار بالسياج وأحاطها من كل جانب بالأبراج ـ قلت كنا نبيت كالدجاج صيفا وشتاء وربيعا لانفرق بين الفصول إلا بالحساب أو في طبيعة الفصل وحالة الجو فيه وخصوصياته الزراعية التي يعرفها الكبار والصغار لارتباطها بحياتهم ..
شهر مارس مناسبة عظيمة تحيي فينا قيمة الجهاد والتضحية من أجل الوطن وحريته وتطوره ،وتبعث فينا نخوة الاقتداء بمن قدموا حياتهم قربانا له وفضلوا الدار الباقية والشهادة إعلاء لكلمة الله وطرد لعدو غاشم أراد مسخ الشعب وتنصيره وانتزاعه من جذوره، فلم يمكنه الله من ذلك وسخر له رجالا قاوموه على مدى زمن تواجده في الوطن ولم يتركوا له فرصة ليستقر في البلاد التي أرادها الله أن تبقى شامخة بعز الإسلام والمسلمين ومنارة للحرية في العالم ..
في هذا الشهر المبارك من سنتنا الحالية، تتعرض البلاد لهجمات شرسة من بقايا المدمرين السابقين وأبنائهم ، الهدف منها إيقاف زحف البلاد وتطورها لتكون بين الدول المعتمدة على الله وما وهبه لها من خيرات متنوعة وخلف يحمل رسالة الشهداء ولم يعد يقبل التدخل الأجنبي في شؤونه مهما كانت مبرراته وأسبابه السياسية والإعلامية الضالة والمضللة ..
فلن يتمكن لا اليمين الفرنسي ولا غيره من بلوغ مراميه الساذجة والعنصرية ضد وطننا مادمنا متمسكين بوحدتنا الدينية والثورية وملتفين حول القيم التي حررتنا من سلفه وفي مقدمتها تشبع شبابنا وقواتنا الحية المدنية والعسكرية بالإيمان الراسخ بالله وحب الشهادة من أجل الوطن بعيدا عن كل إيحاءات الغرب والشرق التي تريد إبعاد شعوبنا عن قيمها وتغريب أبنائها بما تلقنه لهم مدارس الغرب الليبرالي والشرق الشيوعي من أفكار الحادية، تبعدهم عن العقيدة التي مكنت سلفهم الصالح عبر التاريخ القديم والحديث من تحقيق الانتصار على أعتى القوى المواجهة لها .
فالنصر لمن سبقنا من جيوش الإسلام عبر العصور كان دائما حليف أهل الحق والإيمان الصادق مهما قل عددهم وكثرعدوهم عددا وعدة. !؟
صور لاتمحى من الذاكرة ...
لست هنا بصدد التوعية والتوجيه ، لكنني طفل من أطفال الثورة عانينا ماعانينا ونحن صغار من فرنسا وويلاتها وكتب الله لنا أن نعيش أياما خالدة يوم توقيف القتال والاستقلال بصور ومواقف لايمكن أن تزول من الذاكرة لأنها أيام نصر عزيز مؤزر أعقب ليلا طويلا وحرمانا مريرا ومعيشة ضنكة لاتتصورها أجيال اليوم مهما بالغت الكاميرات والروايات في وصفها..
فالعلم بالشيء ليس كمعايشته .. .." وما يحس بالجمرة غير الي عفس عليها ... " كما يقول مثلنا الشعبي. وهل يمكن لطفل قضى أياما عديدة يجوب الجبال مع أترابه ومجاهدي الصورة التحريية يجوبوا جبال بوطالب الشامخة لجمع رفات الشهداء والوقوف على آثار المعارك الحية التي خاضها الأبطال وأسقطوا فيها طائرات وحطموا دبابات ، وهل يمكن أن ينسى طفل شاهد بأم عينية مجاهديين تفحمت أجسادهم والتصلقت بالأشجار التي كانوا يختفون به من قصف طيران العدو بالنابالم ليحرق كل حي في منطقة المعركة. ,هل يمكن أن تزول من ذاكرتي صورة شهيد القي حيا في حمام معدني ـ درجة حرارته قريبة من الغليان ـ وعندما استخرج من مقبرة العائلة بعد أكثر من سنة من دفنه وجدجثمانه كما دفن وكفنه مازال أبيض ناصع إلا من ذرات تراب علقت به عن الحفر ,, سبحان الله .. صور لاتمحى من الذاكرة إلا بذهابنا أصحابه من هذا العالم .. .. إنها ثورتنا وفخرنا وعزتنا ولا يمكن أن ننساها أبدا ..
رحم الله الشهداء وطيب ثراهم