715
0
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، بركان الأقصى المبارك...
.07 أكتوبر2023 وبعد 52 أسبوع و365 يومأ
بقلم : محمد بوكريطة الحسني
إنه عام كامل مر على إخوننا وأهلنا في فلسطين الجريحة وبالتحديد في قطاع غزة، مثقل بالفقد والمعاناة، حيث عاشوا مشاهد من القهر والتهجير القسري والتدمير الواسع، وتواصلت الإبادة الصهيونية الجماعية، لتطال أيضا أهل الضفة الغربية، ورغم كل ذلك، برزت عزائم لا تلين، وبطولات تتجلى في كل زاوية، منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث تواصلت الملاحم في التصدي للعدوان والتوغل مبرهنة على قوة الإرادة الفلسطينية الفولاذية التي لا تعرف الاستسلام في مواجهة تحديات جسيمة وعدو لا يعرف إلا لغة القوة.
لقد امتحن الله تعالى الكثير من البشر منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا فكان الصبر بمثابة البلسم الذي يداوي جراح الإنسان وكان الصمود أمام هول هذه المصائب هو العلاج الذي يخفف بالأمل هذه الابتلاءات، وكانت هذه الابتلاءات تحمل صورا كثيرة كما ذكر القرآن الكريم تتمثل بالخوف والموت والجوع والفقر والمرض وكذلك اختبر فيها الأنبياء والرسل والصالحين والكثير من الناس لاسيما المؤمنين منهم على مدار التاريخ، ولعل ما نشاهده في قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي في السابع من اكتوبر الماضي وحتى يومنا هذا على يد هذا الاحتلال من مجازر وقتل وتجويع وتعطيش وقطع للكهرباء ومنع للوقود والمستلزمات الطبية والأدوية والاغذية وجرائم التطهير العرقي والابادة الجماعية لعائلات بأكملها واستهداف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ وكذلك قصف المساجد والمستشفيات والمدارس والمنازل بلا رحمة ولا شفقة.
ان صور الصمود المختلفة والمتنوعة للغزيين أمام كل هذا البطش والصلف والحقد الاسرائيلي الأعمى الفاقد للأخلاق والانسانية والرحمة ورغم كل ما أحدثته آلة الحرب الإسرائيلية من مآسي إنسانية واجتماعية وتدميرية والتي لا نقلل منها أبدا ستجعل الكف ان شاء الله ينتصر على المخرز واللحم يهزم السيف لقد ثبت أن ما يشهده قطاع غزة هو أمر غير مسبوق ، إذ تعد هذه أطول حرب يخوضها الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948، حيث حشد الكيان الإسرائيلي نحو 360 ألف جندي احتياطي، في أكبر تعبئة منذ حرب أكتوبر عام1973،وقد كشفت هذه الفترة عن أبعاد إنسانية كارثية لم يسبق لها مثيل، فالمدن والقرى تعرضت لتدمير شامل، مما أدى إلى تدهور حاد في الأوضاع المعيشية، وضغط هائلا على المنظمات الإنسانية التي تحاول تقديم الدعم في ظل هذه الظروف القاسية جدا.
لا شك أنه بعد مرور عام على العدوان الإسرائيلي على غزة، لم تعد هناك حياة في القطاع بفعل ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من عمليات تدمير طالت كل حقوقه في الصحة والتعليم والحياة والكرامة الإنسانية، لنجد أن الفلسطينيين في غزة يواجهون حرب إبادة جماعية بمعنى الكلمة و بعد مضي عام ما زال يتجاهل كل الأعراف الدولية والقوانين التي تحرم وتجرم استهداف المواطنين الفلسطينيين وحياتهم، خاصة الأبرياء الذين ليس لهم علاقة بالصراع، والذين اعتمدهم الاحتلال هدفا رئيسيا في الحرب ووسيلة ضغط يمارسها لتحقيق أهدافه.
لا نخفي سرا إذا قلنا أن بعد هذا العدوان الهمجي فإن معدل البطالة في غزة وصل إلى نحو 80 بالمئة، ما يرفع متوسط البطالة في أنحاء الأراضي الفلسطينية إلى أكثر من 50 بالمئة، مقارنة مع 23 بالمئة عشية 7 أكتوبر 2023، كما ذكرت المنظمة التابعة للأمم المتحدة، في تقييمها الرابع لتأثير الإبادة الإسرائيلية على التوظيف، أن معدل البطالة وصل إلى 79.1 بالمئة بقطاع غزة، وإلى حوالي 32 بالمئة بالضفة الغربية المحتلة، ليصل المعدل الإجمالي إلى 50.8 بالمئة، أضف إلى ذلك أن ثلثي إجمالي المباني بقطاع غزة لحقت به أضرار، تمثل 71 بالمئة من المباني المتضررة في قطاع غزة والبالغة 163 ألفا و778 مبنى، وتشمل الأضرار الآن وفقا للأرقام الرسمية المعلنة، حوالي 52564 مبنى دمرت، و18913 مبنى تضررت بشدة، و35591 مبنى تضررت هياكلها، و56710 مبان لحقت بها أضرار متوسطة موضحا أنه حتى منتصف أغسطس الماضي، خلفت الغارات الإسرائيلية أكثر من 42 مليون طن من الحطام في مختلف أنحاء القطاع، بحسب بيانات حديثة صادرة عن الأمم المتحدة.
بكل تحدي لا تجد صور الصمود والصبر الأيوبي إلا في هذه البقعة الطاهرة من أمتنا الإسلامية حيث لن تجد في اي مكان بالعالم امرأة تودع ابنها وهي تزغرد وتقول في سبيل الله والبلد ، ولن تجد مسنا يودع احفاده وهو يوصيهم دون دموع أو حزن بأن يسلموا على من سبقوهم من شهداء، ولن تجد أيضا طفلا صغير يلقن أخاه الشهادة قبل الموت وهو مصاب، ولن تجد أطفال يغنون معا والقذائف والصواريخ تتناثر من حولهم "شدو بعضكم يا أهل فلسطين شدو بعضكم".
بكل فخر واعتزاز لم ولن تجد ذلك الا في الأساطير والروايات المقتبسة من الخيال ، ولن تجد أيضا في هذا الزمان اولادا وشبابا ورجالا يحفرون بأيديهم الخشنة بين البيوت المهدومة للبحث عن ناجين لانقاذهم ، ولن تجد أطباء وممرضين يعملون بالمستشفيات المختلفة بغزة أربع وعشرين ساعة وصدفة يستقبلون أولادهم وبناتهم وامهاتهم وابائهم وزوجاتهم اما مصابين ليعالجنهم أو شهداء ليدفنوهم وسط تكبيرات مليئة بقناطير من الايمان بقضاء الله وقدره ، ولن تجد صحفيا وهو على الهواء مباشرة ينقل للعالم أسماء الشهداء والجرحى بقصف طائرات الموت للأبرياء يتلقى خبرا عاجلا باستشهاد كافة أفراد أسرته ويكمل التغطية والعمل وكأنه جبل لم يخشع ويحزن ويتصدع من هول هذا الحدث.
ورغم كل ما ذكر أعلاه فلا بد أن يعلم الاحتلال الصهيوني ويدرك جيدا أنه السبب الرئيس في كل هذه الكوارث الإنسانية والصحية والاجتماعية والنفسية والتي حلت بالقطاع وأهله المحاصرين والمكلومين والمهجرين من بيوتهم قصرا والذين يعانون من ويلات الاحتلال منذ عام 1948حتى الآن ، وبالتالي هو من صنع جبروتهم وقسوتهم وعنادهم ليقاوموه ويكسروه ويهزموه ويلقنوه الدروس التي كان أولها عملية طوفان الاقصى ضد مستوطنات الاحتلال في غلاف غزة العام الماضي.
رغم كل ما حل بها من أهات وألم ومعاناة غير مسبوقة في أرض فلسطين العزة وخاصة غزة الصمود والكرامة لم تحدث في الحروب السابقة التي شنها الكيان الصهيوني والأهم من كل ذلك أن هذا الصبر وهذا الصمود الاسطوري "المعجزة" للغزيين سيبقى يلاحق هذا الاحتلال على مدار الزمان والتاريخ وسيولد جيلا لا يهمه الا الانتقام والثأر للأطفال والخدج والاجنة الصغار الذين قتلوا بالبارود والقنابل والقذائف والصواريخ والفسفور الأبيض والرصاص الصهيوني دون ذنب أو سبب الا انهم ولدوا في هذه البقعة المتمردة والرافضة للاحتلال وأعوانه ومن لف لفيفهم من العجم والعربان ..... إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا -وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.