198

0

في كلمة قوية بيوم إفريقيا: عطاف يرسم ملامح سياسة جزائرية "تاريخية" ومنتصرة للقارة

بقلم ضياء الدين سعداوي

في خطاب وُصف بالحازم والشامل، ألقى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف كلمة بمناسبة يوم إفريقيا، شكّلت مرآة تعكس التوجهات الكبرى للدبلوماسية الجزائرية في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، وأبرزت مكانة الجزائر كفاعل مركزي في القارة السمراء، الحريص على استعادة روح الوحدة والتحرر في زمن الأزمات العالمية.
 إفريقيا.. من إرث التحرر إلى رهانات العصر

منذ مستهل كلمته، حرص عطاف على تأطير المناسبة ضمن بعدها الرمزي والتاريخي، مؤكداً أن يوم إفريقيا ليس مجرد ذكرى لولادة منظمة، بل هو محطة تَستنهض الإرث النضالي الذي يجمع شعوب القارة، وتفتح الآفاق أمام مشروع حضاري جامع. وصف الوزير هذا المشروع بـ"الطموح والواعد"، مسلّطًا الضوء على البُعد الإنساني الذي يتجاوز الانتماء الجغرافي ليعكس نموذجًا قيميًا قائمًا على "العدالة والمساواة وكرامة الإنسان".

تثمين المكتسبات وتحذير من الانتكاسات

في خطابه، لم يُخف عطاف فخره بما حققته إفريقيا منذ الاستقلال: من تكريس السيادة الوطنية إلى بناء المؤسسات القارية، ومن كسر التبعية إلى استعادة الصوت الإفريقي في المحافل الدولية.

غير أن الوزير لم يغفل الإشارة إلى التحديات الكبرى التي تعصف بالقارة: صراعات لا تهدأ، إرهاب يتمدد، وأجندة اقتصادية تتقاطع مع سباق عالمي محموم على التكنولوجيا والطاقة والذكاء الاصطناعي.

وقد جاءت الإشارة الصريحة إلى النزاع في الصحراء الغربية لتؤكد أن الجزائر ماضية في دعمها "للشعوب التي لا تزال محرومة من حقها في تقرير المصير"، في امتداد واضح لموقفها التاريخي من القضايا التحررية، لا سيما في فلسطين.

تحذير من تهميش القارة في معادلات العالم الجديد

في نبرة تحذيرية، عبّر عطاف عن خشيته من أن تكون إفريقيا "أولى ضحايا" الاضطراب الدولي الراهن، وأن يُعاد تشكيل العالم من دونها، كما حدث في محطات تاريخية مفصلية. إلا أن الوزير قابل هذا القلق بإيمان راسخ بقدرات القارة وثرواتها، داعيًا إلى تحويل "الزخم الإفريقي" إلى رافعة نحو تمثيل أكثر عدالة في مؤسسات الحوكمة العالمية، على غرار مجلس الأمن ومجموعة العشرين.

الجزائر: التزام قاري لا يتزعزع

أبرز ما طبع الكلمة هو تجديد التأكيد على الانتماء الإفريقي "الراسخ والمتجذر" للجزائر، ورفضها القاطع لأي عبث بأمن واستقرار الساحل. الوزير شدّد على أن الجزائر لم تُدر ظهرها يومًا لجيرانها، وستبقى "داعمة ومناصرة لكل جهد يستهدف مقارعة التحديات".

هذا التوجه لم يأتِ كموقف عابر، بل كـ"قناعة متجذرة في هوية الجزائر"، بحسب تعبير الوزير، مشيرًا إلى أن انتخاب الجزائر في مواقع قيادية داخل الاتحاد الإفريقي (كنائب رئيس المفوضية وعضو مجلس السلم والأمن) هو "رسالة ثقة" تعزز دورها في توحيد الصف الإفريقي والدفاع عن مصالح القارة.

مسار العدالة التاريخية.. نحو تجريم الاستعمار واسترداد الحقوق

في ختام كلمته، خاض عطاف في ملف "الذاكرة الإفريقية" داعمًا بقوة مطالبة إفريقيا بتجريم الاستعمار، والاعتراف الرسمي بجرائمه، والتعويض عن آثاره واستعادة الممتلكات المنهوبة. موقف اعتبره الوزير ليس نداءً عاطفيًا بل "حقًا شرعيًا تُمليه العدالة التاريخية ويفرضه الواجب الأخلاقي".

وقد بدا لافتًا التقاطع بين هذا الطرح والموقف الجزائري من ملف الذاكرة الوطنية مع فرنسا، في تجلٍّ لرؤية دبلوماسية تنطلق من الماضي لتؤسس لمستقبل أكثر إنصافًا وندية.

في الخلاصة: سياسة خارجية بنَفَس تاريخي

تُظهر كلمة أحمد عطاف أن الجزائر تُعيد ترسيخ مكانتها في إفريقيا ليس فقط كشريك سياسي أو اقتصادي، بل كمرجعية نضالية وتاريخية. الخطاب قدّم خريطة طريق تعكس سياسة خارجية مبنية على المبادئ، غير غافلة عن التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المتغيرة.

هي دعوة لبعث مشروع وحدة جديدة، تكون فيه إفريقيا صاحبة المبادرة لا متلقية للسياسات، وصانعة للتاريخ لا مجرد شاهدة عليه.

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services