64
0
في الذكرى الـ 71 لثورة نوفمبر الرائدة

بقلم: مسعود قادري
ذكرى ثورة أول نوفمبر المجيدة هي مناسبة سنوية من أعز الأعياد والذكريات التي تفتخر بها الجزائر، لأنه ليس لغيرها مثلها، فهي البلد الذي لم ولن يساوم في حريته وتاريخه وقيمه ولم يتنازل يوما عن شبر واحد من أرضه الطاهرة..
الجزائر هي أغلى بلد في العالم، رأيتها تمثل مجدا وعزا لا تضاهيه فيها راية أخرى لأنها استعيدت بأنهار من الدماء وجبال من الجثامين لقائمة طويلة جدا من الشهداء الذين لم يبخلوا بأرواحهم الزكية الطاهرة على وطنهم، ليس لأنهم من شعب عريق في التضحية والإباء منذ فجر التاريخ، وليس لأنه شعب يأبى الظلم والعدوان ولا يتأخر عن دعم المظلومين والمقهورين في العالم، ليس من أجل هذه المظاهر التي يبحث عنها البعض بالرشاوي والتنازلات المذلة، بل بكل بساطة هي مبادي تجري في العروق مرسخة بالأرواح منذ صدور بيان الثورة المجيدة، وهي أيضا اعترافا وتقديرا للمساندة التي تلقتها من الشعوب الحرة في فترة الثورة المجيدة ..
التزامها بهذا الموقف إثابت إزاء كل القضايا العادلة، جعل منها في حقبة الستينيات والسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي قبلة للثوار والباحثين عن الأمن والأمان.
وعندما حيكت ضدها مؤامرة مدبرة من أطراف داخلية وخارجية جعل البعض من أعدائها يراهن على سقوطها ونهاية حلم من كانوا ينتظرون منها الدعم والمساندة لمواصلة كفاحهم التحرري.
واجهت الواقع الأليم وحدها ببسالة ودفعت الثمن غاليا لكنها خرجت بفضل الله ووحدة شعبها منتصرة على الإرهاب بعد عقد مظلم.
لتسترجع مكانتها الدولية تدريجيا، دون التنازل عن مواقفها وقيمها الثابتة المساندة لحق الشعوب في التحرر والاستقلال، وتبقى منارة وعبرة لكل الدول المحبة للسلام والأمن في العالم.
ثباتها على المواقف الثورية فرضت من خلاله احترام كل الدول فلا تناقشها في مواقفها الثابتة لأنها لا تستطيع أن تخضعها لأي ضغط أو مساومة مقابل امتيازات مادية أغناها الله عنها بفضل ما وهبها من خيرات باطنية وظاهرية، مكنتها من مسح كل مديونيتها الخارجية لتحرر قراراتها السياسية والسيادية، وتباشر مهمة بناء ماخرب في العشرية السوداء بالاعتماد على طاقات شبابية قادرة على رفع كل التحديات، حفاظا على سمعة البلد والتزاما بما جاء في بيان أول نوفمبر 1954 المحددة بوضوح لمعالم الدولة المستقلة بعد استعادة السيادة على التراب الجزائري برمته والتي لا يمكن لأجيال اليوم الحياد عنها بالتخلي عن سلوك وأخلاق دينها ولا عن لغتها وجذورها العرقية ..
كما تسعى بعض الغربان التي لا تريد الخير للبلاد والعباد وتتستر وراء أفكار تتخذ من العصرنة والحداثة عباءة لتضرب القيم والثوابت التي تراها معرقلة للتطور الذي يبدأ في نظرهم من التنازل عن الأخلاق، وكل ماله علاقة بالتراث المعنوي والروحي للمجتمع ليندمج مع المجتمعات الإلحادية الموجهة من جهات يهودية ـ نصرانية، والتي تركز في مساعيها على ضرب القيم الإسلامية بالدرجة الأولى ليتساوى البشر في معصية الله والكفر والجحود بنعمه التي لا تعد ولا تحصى ..
هذا الجحود والكفر الذين حولا العالم إلى غابة، الغلبة فيها للأقوياء والعيش فيها لمن يجيد التحايل والنط على الحبال التي تسهل طريق الثراء بالمكر والغش والسرقة والمبالغة في استخدام السلطة ممن سلطوا على رقاب البشر ... وما إلى ذلك من السلوكات التي يحرمها الدين وتمقتها النفوس النقية الطاهرة، وتتنافس عليها النفوس الخبيثة ..
ثورتنا كانت ثورة أخلاق وقيم ..
الثورة التحريرية الجزائرية التي يريد الاستدمار وأهله شمال المتوسط، وحتى بعض بقايا أذنابه ممن كانوا عونا وعينا له على إخوانهم، ثم اندسوا في الصفوف بعيدا عن مواقع نشاطهم الخياني ضد الوطن، فنالوا مناصب وامتيازات من الدولة حرم منها الكثير من المجاهدين والمسبلين والمناضلين في الجزائر العميقة خاصة من الذين لا يحسنون العوم في المياه العكرة لأنهم لم يمروا على المدارس الفرنسية ولا الجزائرية التي واصلت تلقين نفس المحتوى..
لقد انطلقت ثورتنا برصيد تاريخي إسلامي قوامه نشر الأخلاق الحميدة بين صفوف المجاهدين والمناضلين ليكونوا قدوة عند الشعب فيلتف حولهم، مع محاربة القيم السلبية التي اجتهد المستدمر في بثها في المجتمع أملا في تنصيره، كما حلم بذالك قساوسة فرنسا ورهبانها، من لا فيجري إلى آخر "ياسورة " الياسورات هم الأخوات البيض" ـ كما يعرفهن المجتمع الجزائري، اللواتي مثلن الجيش النصراني الأبيض المسلط على شعبنا، المختفي وراء قيم إنسانية وخدمات اجتماعية، تقدم للمعوزين والضعفاء إغراء لهم ماديا لضمهم ّإلى الصفوف ..؟!.
لكن الثورة تفطنت لكل ما دبره ويدبره العدو، فواجهت كل مخططاته بأخلاق قادتها وجنودها، فكسبت قلوب الأعداء قبل الأصدقاء لأنها انطلقت من مبدأ محمدي في مواجهة أعدائها :" لا تقتلوا طفلا ولا امرأة ولا شيخا مواطنا لا يحمل ضدكم السلاح ولا يساعد عليكم العدو.." فخصمك هو من يحاربك ويقتل شعبك دون تمييز بين الضعيف والكبير المرأة والرجل الحي والجماد.. وهو سلوك جيوش النصارى منذ القديم ومنها الجيش الفرنسي " المتحضر.. !؟" الذي لا يفرق بين البشر والشجر والحجر والأغنام والبقر، فكل ما في الجزائر التي رفعت شأن بلاده بخيراتها ونعيمها قابل للحرق والتدمير والتلف والتخريب نكاية في من يعارضها ويريد إخراجها من البلاد وحرمانها من خير كبير تمتعوا بع مدة قرن وثلث القرن ـ وهي نفس السياسة التي نقلها الصهاينة في غزة حرفيا، وطبقوها على الفلسطينيين، تأسيا بما فعله جنرالات فرنسا وساستها الذين حاولوا التستر على جرائمهم الشنيعة في الجزائر بتشريع نص قانوني يصنف الثورة الجزائرية كحرب حتى لا تطالهم القوانين الدولية بمتابعة ضباطهم وساستهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ومجازر جماعية رهيبة ضد تجمعات سكانية كبيرة في البلاد على مدى 132سنة كاملة ..
أبرز هذه المجازر، حوادث الثامن ماي 1945 التي أبيد فيها 45 ألف مواطن في يوم واحد، ناهيك عن عمليات الإبادة الجماعية التي مورست ضد أبناء الشعب في كل ربوع الجزائر طيلة فترة الثورة التحريرية المباركة ( سبع سنوات ونصف ) وحتى توقيف القتال في 19 مارس 1962.
ومن أكبر جرائمها التجارب النووية في الصحراء الجزائرية التي جربت باستعمال المواطنين الجزائريين كجرذان تجارب ودروع ومازالت مخلفاتها حية وناطقة بما يعانيه الذين تعرضوا لإشعاعاتها، من إعاقات بدنية وعقلية وسلوكية إلى اليوم وإلى أجيال قادمة، دون أن تحرج فرنسا التي سلمت ثمار تجاربها في الجزائر للكيان الصهيوني، ليكون قوة نووية ترهب العرب والمسلمين في الشرق عامة انتقاما أيضا من الجزائريين لأنهم جزء لا يتجزأ من الأمة العربية الإسلامية..
أما نقل صور الأخلاق النبيلة للثورة الجزائرية إلى شعوب العالم فدعمه تعاملها الإنساني مع أسرى الحرب الفرنسيين وأسرهم الذين اعترفوا بأنهم لم يتعرضوا للإساءة من أي كان بل عوملوا معاملة الضيوف من الجميع، فكانت هذه الاعترافات خير سند لنضال الجبهة الدبلوماسي والسياسي الذي كسب المزيد من الدعم المعنوي والمادي للثورة، التي كسبت قلوب الملايين في العالم وكانت سببا في تحرير العديد من الشعوب الإفريقية والآسيوية من براثن الاستعمار الفرنسي اللعين الذي لم يكن عساكره يعترفون لا بالقيم الإنسانية ولا بقوانين الحرب التي نصت عليها معاهدات جنيف، حيث كان المجاهدون والمناضلون عامة يتعرضون لأبشع صور التعذيب والإهانة بأبشع الصور التي لم تعرفها البشرية ولا يمكن لأي إنسان أن يتحملها ..
فهذا السلوك البربري الاستدماري زاد بدوره في عزل المستعمر الفرنسي دوليا، وانضمام الكثير من الدول والشعوب التي كانت مغالطة من الإعلام الفرنسي إلى صفوف مساندي الثورة الجزائرية.
وللحديث بقية إن شاء الله ...

