1106
0
كيف نستعين بتقنيات الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على التراث الثقافي

بينما تستمر التكنولوجيا في التقدم، يمثل تقاطع الذكاء الاصطناعي مع التراث الثقافي والآثار قفزة كبيرة نحو الحفاظ عليه وزيادة إمكانية الوصول إليه.
نسرين بوزيان
إذ تُعد هذه التقنية من الأدوات التي يمكن أن تلعب دورًا بارزًا في حفظ التراث وتعزيز التفاعل الثقافي بين الشعوب والثقافات المختلفة، من خلال مزيج من التكنولوجيا والإبداع البشري، حيث يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة لاستكشاف التراث وفهمه وتوثيقه، مما يجعل تجربة الإنسان مع تاريخه وثقافته أكثر إثراء.
وتتجسد هذه التطبيقات في العديد من المجالات المرتبطة بالحفاظ على التراث الثقافي، حيث يتم توثيق التراث باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال ترميم الأعمال الفنية والمعالم الأثرية والتاريخية، ومحاكاتها عبر عرضها في فيديوهات افتراضية تسهم في التعريف بالمواقع والآثار، بالإضافة إلى رقمنة الذاكرة الثقافية.
علاوة على ذلك، تتيح نماذج التعلم العميق في الذكاء الاصطناعي إنشاء مستودعات معرفية ذكية، مما يحدث تحولًا جذريًا في إدارة المعلومات التاريخية والثقافية.
كما أن هذه التقنيات تساهم في بناء مكتبات رقمية مترابطة تساعد المؤسسات الثقافية على التكيف مع احتياجات المستخدمين المختلفة.
فأنظمة التعلم الآلي قادرة على تصنيف القطع الأثرية والوثائق وربطها ببعضها تلقائيًا، مما يسهم في تسهيل عمل الباحثين والطلاب في اكتشاف الروابط المخفية بين البيانات الثقافية.
من جهة أخرى، تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي الحفاظ على الفروق الثقافية ودقة المحتوى الأكاديمي، مما يعزز من التبادل العالمي للمعرفة، وتظهر هذه الفائدة بشكل خاص في دعم الباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية والفنون، حيث تساهم في تعزيز الحوار بين الثقافات والحفاظ على التنوع الثقافي في مواجهة التحديات الحديثة، وفي نفس السياق، تساعد هذه التقنيات في تطوير تجارب تفاعلية تسهل الوصول إلى مجموعات الفن الرقمي.
إلى جانب ذلك، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في تحسين التجارب السياحية في المواقع الثقافية والتراثية، عبر أتمتة العديد من المهام في المؤسسات المتحفية، والذي يسهم في تحسين جودة الخدمات وجذب الزوار، والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية، مما يسهم في تنظيم العروض الثقافية بناءً على البيانات المستخلصة.
لا تقتصر أهمية الذكاء الاصطناعي على تسهيل الوصول للمحتوى الثقافي فحسب، بل يشمل أيضًا تسهيل زيارة المتاحف للأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال توفير الأوصاف الصوتية والنصوص التوضيحية، مما يعزز من تفاعلهم مع التراث الثقافي بشكل مبتكر.
دور الجزائر في دمج الذكاء الاصطناعي مع التراث الثقافي
في الجزائر، بناءً على المادة 76 من الدستور التي تنص على حماية التراث الثقافي، تولي الدولة أهمية بالغة لحمايته، خاصة في ظل التحولات التكنولوجية التي جعلت من الذكاء الاصطناعي ضرورة حتمية وليس خيار.
وتلتزم وزارة الثقافة و الفنون تحت قيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بتطبيق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي من خلال مشاريع متعددة تهدف إلى التحول الرقمي ودمقرطة الثقافة، مما يضمن وصولها لكافة فئات المجتمع.
في إطار المخطط الوطني للرقمنة، ادرجت وزارة الثقافة 12 مشروعًا لدعم البحث العلمي وتشجيع المؤسسات الناشئة، بما في ذلك الخريطة الأثرية ونظام معلومات جغرافي تفاعلي يساعد في اتخاذ قرارات ثقافية.
ويأتي شهر التراث لهذا العام تحت شعار "التراث الثقافي في عصر الذكاء الاصطناعي"، مما يعكس التكامل بين الماضي والتكنولوجيا الحديثة، مبرزًا دور الذكاء الاصطناعي في حفظ وتوثيق التراث الثقافي، كما يسهم في تحسين عملية جمع البيانات وتخزينها، مما يضمن الحفاظ على التراث للأجيال القادمة.
خلال افتتاحه ملتقى علمي حول التراث الثقافي والذكاء الاصطناعي، كشف وزير الثقافة والفنون ، زهير بللو عن مقاربة اقتصادية جديدة تركز على تثمين التراث كمورد استراتيجي للتنمية الوطنية، من خلال دعم الشباب، ومرافقة المؤسسات الناشئة، وتوفير بيئة محفّزة لمبادراتهم داخل المتاحف والمواقع الأثرية.
كما أعلن عن إطلاق أول تحدٍّ وطني موجه للطلبة في مجال الذكاء الاصطناعي بهدف حماية التراث الثقافي، يشرف عليه قطاع التعليم العالي عبر منصته الحاضنة، ويُختتم بتكريم الفائزين من أصحاب الأفكار والمشاريع في نهاية شهر التراث،وأكد الوزير التزام القطاع بتطوير الكفاءات وتسخير الذكاء الاصطناعي في حماية حقوق المؤلف والملكية.
استخدام تقنية “الهولوغرام” في رقمنة المتاحف
يشهد المتحف الوطني للمجاهد بالجزائر العاصمة تحولاً نوعيًا في عملية عصرنة الخدمات المتحفية والعرض المتحفي، حيث تم استحداث طرق وأساليب جديدة لتوثيق وتقديم تاريخ الجزائر للشباب والناشئة عبر رقمنة المعلومات التاريخية واستخدام الوسائط التكنولوجية الحديثة في قاعات العرض، مثل خلق فضاءات افتراضية لتمثيل أحداث تاريخية باستخدام نظارات ثلاثية الأبعاد بصورة واقعية.
و يعرف" الهولوغرام" بتقنية تسمح بإنشاء صور ثلاثية الأبعاد باستخدام أشعة الليزر، بحيث تطفو الصورة في الهواء بشكل هلامي ومشبع بالألوان لتجسد الشكل المراد عرضه باستخدام جهاز ليزر ومقسم للأشعة وعدسات ومرايا، إضافة إلى فيلم هولوغرافي.
الذكاء الاصطناعي كمرشد سياحي
كما أظهرت مؤسسة "إسراء للإعلام " تجربتها في دمج الذكاء الاصطناعي مع التراث الثقافي، من خلال تطوير تطبيقات مخصصة لتمثيل شخصيات تاريخية مثل مصطفى باشا، عبر تطبيق على الهواتف الذكية لمرافقة الزوار افتراضيًا خلال جولتهم في المتحف.
وقامت المؤسسة أيضا باستخدام الذكاء الاصطناعي بتجربة أخرى تمثلت بتحريك اللوحات الفنية مثل تحريك لوحات تمثل نساء جالسات في وسط الدار ويطوف عليهن طاووس، كما تمت محاكاة أصحاب اللوحات الفنية ليشرحوا مضمون أعمالهم.
وفيما يتعلق بالمعالم الأثرية، مثل المواقع الرومانية، تم إعادة بناء ما ضاع منها باستخدام الذكاء الاصطناعي، استنادًا إلى المصادر التاريخية، لتجسيدها افتراضيًا كما كانت عليه في الماضي ، وإعادة بناء المعالم الأثرية باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما يعزز من دور التقنية كمرشد سياحي وتاريخي. هذه المشاريع تدعم السياحة الثقافية وتساهم في بناء قاعدة بيانات غنية بالتراث.
المتحف الافتراضي للقصبة
كما أنشأت مؤسسة "إسراء"، تحت اسم "احكي لي القصبة" معرضًا رقميًا يفتح نافذة على التراث العمراني والثقافي، ويعد مشروعًا سينمائيًا مصغرًا يعرض عروضًا ثلاثية الأبعاد، ينقل خلالها المشاهدين في رحلة افتراضية إلى حي القصبة العريق باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي تبرز التجارب التاريخية الغنية عن القصبة وعمرانها وأزقتها وساحاتها.
المتاحف محورًا رئيسيًا في الترويج الثقافي
وفي هذا السياق ، أكد مدير المتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية، عز الدين عنتري، ل " بركة نيوز " أن التقنيات الرقمية الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، قادرة على حفظ التراث بطريقة غير مسبوقة، فقد بدأ التراث بالحفظ الشفوي، ثم انتقل إلى التدوين في المخطوطات، ثم إلى الكتب مع اختراع الطباعة، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي اليوم الذي يوفر إمكانيات هائلة لحفظ وتوثيق التراث بكل أشكاله.وأوضح عنتري أن الذكاء الاصطناعي يوفر للمتحف طرقًا متطورة للحفاظ على التراث وتوثيقه، كما يقدم صورًا رقمية أفضل لهذا التراث لتعريفه والترويج له.
وأضاف أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تساهم في تحسين تجربة الزائرين للمتاحف عبر توفير معلومات تعريفية سريعة وواضحة، بالإضافة إلى تحسين الوصول إلى المتاحف من خلال تطبيق نظام معلومات جغرافي يعالج البيانات الوصفية والمكانية للمواقع التراثية، مما يساعد في ضمان استدامة هذه المواقع وتمريريها للأجيال المقبلة.
كما أشار عنتري إلى أن الرقمنة تُعتبر خطوة استراتيجية نحو إعادة إحياء التراث وتوسيع نطاق الاستفادة منه، مما يعزز السياحة ويجعل المتاحف محورًا رئيسيًا في الترويج الثقافي والسياحي.