1826

0

دماء لا تجف: جرائم فرنسا في الجزائر... سردية الإبادة التي لا تعترف بها باريس

 

بقلم الحاج بن معمر 
في صباح الثامن من مايو 1945، بينما كان العالم يَلُفُّ نفسه بوشاح النصر على النازية، كانت الرصاصات الفرنسية تُنهي حياة 45 ألف جزائري في سطيف وقالمة خلال 48 ساعة فقط، وفق تقديرات المؤرخ بنجامين ستورا.

لم تكن المجزرة سوى حلقة في مسلسل دموي بدأ عام 1830 عندما حوّل الجنرال دي بورمون الجزائر إلى "مختبر للعنف الاستعماري"، حيث أحرق المزارع وأباد القبائل بذريعة "تمدين البرابرة".

الأرقام المُفزعة تكشف حجم الكارثة: انخفض عدد السكان من 5 ملايين عام 1830 إلى 2.3 مليون بعد خمسين عامًا، وفق إحصائيات الأرشيف العسكري الفرنسي، بينما صادرت السلطات 27 مليون هكتار من الأراضي الخصبة لصالح 900 ألف مستوطن أوروبي، محوّلة السكان الأصليين إلى "أشباح" في وطنهم.  

القرن العشرون شهد تحوّل القمع إلى آلة مُمنهجة: في حرب التحرير (1954-1962)، حوّل الجنرال ماسو الجزائر إلى "مدرسة للتعذيب" حيث ابتكرت القوات الفرنسية تقنيات مثل "الشنق المقلوب" و"الكهرباء في الأعضاء التناسلية" و"الإعدام الوهمي"، كما كشفت مذكرات الجنرال أوساريس.

الأرشيف السري للشرطة الفرنسية يوثق 300 ألف حالة تعذيب، منها 24 ألف امرأة تعرضن للاغتصاب المنظم كـ"سلاح حرب"، بينما دمّرت الطائرات الحربية 8 آلاف قرية باستخدام قنابل النابالم المحرمة دوليًا.

المفارقة الأكثر قتامة تكمن في التجارب النووية الفرنسية بصحراء رقان (1960-1966)، حيث أُجبر 40 ألف جزائري على البقاء في مناطق التفجيرات لدراسة تأثير الإشعاع على البشر، وفق تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2009، مما أدى إلى تشوهات جينية لا تزال تُلاحق الأجيال حتى اليوم.  

الإنكار الفرنسي يبدو كجزء من استراتيجية ثقافية عميقة: رغم اعتراف الرئيس ماكرون عام 2021 باغتيال المناضل علي بومنجل، إلا أن الأرشيف العسكري ما زال مُصنفًا تحت بند "أسرار الدولة" حتى 2080، فيما تُخفي متاحف باريس 18 ألف جمجمة لمقاومين جزائريين، 500 منها معروضة خلف زجاج متحف الإنسان كـ"تحف أنثروبولوجية".

الصحافة الفرنسية نفسها لعبت دورًا في تشويه الذاكرة: صحيفة "لوموند" نشرت عام 1957 تقريرًا وصف مجازر قسنطينة بأنها "أعمال شغب عفوية"، بينما روجت وسائل الإعلام لأسطورة "الجزائر الفرنسية" التي حاولت محو الهوية العربية والإسلامية عبر حظر التعليم باللغة العربية حتى 1947، وتغيير أسماء الشوارع إلى رموز استعمارية مثل "شارع نابليون".  

اليوم، بينما تُطالب الجزائر بتعويضات مادية وأخلاقية، تصر الدبلوماسية الفرنسية على منطق "الصفح دون نسيان"، لكن الأرشيف الجزائري يكشف أن 70% من الاقتصاد الوطني دُمّر عند الاستقلال، حيث أحرقت القوات الفرنسية 80% من المدارس والمستشفيات، وتركت 10 ملايين لغم أرضي قتلت 6 آلاف مدني منذ 1962.

السؤال الذي يخترق الزمن: كم من الدماء يجب أن تجف قبل أن تتحول الذاكرة إلى عدالة؟ الجواب يكمُن في صرخات أطفال رقان الذين ما زالوا يولدون بتشوهات، وفي صمت المتاحف الفرنسية التي ترفض إعادة رفات الأجداد، وفي تلك الصور الأرشيفية لنساء قالمة وهن يلفظن أنفاسهن الأخيرة بينما كان جنود الاحتلال يتبادلون النكات فوق جثثهن... إنها جرائم لا تُغتفر لأنها لم تتوقف عن الحدوث، بل تحوّلت من عنف جسدي إلى إبادة ثقافية تُمارس عبر إنكار التاريخ نفسه.

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services