592
0
ذكرى أول نوفمبر ..محطة ساطعة لاستلهام روح الوحدة وبناء الوطن

ذكرى أول نوفمبر ..محطة ساطعة لاستلهام روح الوحدة وبناء الوطن
نحتفل بذكرى اندلاع الثورة المجيدة، وروح نوفمبر لا تزال تسري وتملا قلوب الأجيال الجديدة التي أكدت في مواقف عدة أنها على خطى الأباء والأجداد. وأن الجزائر خط أحمر لا يمكن تجاوزه مهما بلغت التحديات، تاريخ صار مرجعية وفخرا للكثير من الشعوب ومثالا للتحرر من الاستعمار الذي دام لعقود من الزمن،قدم فيه الجزائريين ملايين الشهداء.
نزيهة سعودي
تواصلت “بركة نيوز” مع وجوه بارزة من مجاهدين وباحثين في التاريخ وأساتذة، محاولة استرجاع الذكرى والوقوف على أهم الدروس المستخلصة من ثورة نوفمبر المجيدة.
المجاهد عبد القادر بخوش الذي أحرق منصة ديغول وأرهب العدو
المجاهد عبد القادر بخوش من مواليد 4 افريل 1938 “بالذرعان” ولاية الطارف من منطقة ثورية تجند أبنائها في الثورة فور اندلاعها، لقب في الثورة ب”عيسى” درس في مدرسة فرنسية و توقف في السنة الأولى ثانوي، بعد ذلك التحق بالثورة في عام 1954 بعد وفي ديسمبر 1955 ذهب الى فرنسا في مهمة، ليكون أحد أبطال الثورة في الولاية السابعة.
لما وصل الى مرسيليا كلف بمهمة وانتقل إلى ليون ثم باريس بعدها إلى روان أين كان الجزائريون متواجدون بكثرة، وفي 1957 اختير ليذهب للتدريب في فرقة الكومندونس.
بشجاعة نادرة قاد عدة عمليات فدائية منها تصفية الخونة الذين حاربوا الثورة في فرنسا، ووصل أن شارك في عملية اغتيال وزير فرنسي، وخرق المنصة التي كان ديغول سيلقي عليها خطابه.
حكم عليه بالإعدام ثلاث مرات من طرف السلطات الفرنسية ، وتعرض لأقصى تعذيب في سجون فرنسا وفي هذا يستذكر الأحداث قائلا:” تعرضنا للتعذيب بشتى أنواعه، ولكننا لم نخون الثورة، ولم نبلغ عن أي أحد، وتغلبنا على المستعمر بشجاعتنا”.
اعتراف بخصوصية الثورة
في موقف يعتز به كل جزائري يروي لنا المجاهد بخوش لقائه مع الجنرال جياب بطل موقعة بيان ديان فو في الفيتنام والتي كانت أول موقعة تنهزم فيه فرنسا الإستعمارية، ” ناداني الجنرال جياب بعد أن دعاه الرئيس الراحل هواري بومدين إلى الجزائر قال لي عيسى ..ثوركم من أكبر و أجمل الثورات في العالم لأنكم حاربتم المستعمر في بلده”.
وفي سؤالنا عن لقائه ببعض الوجوه الثورية قال: ” شرف لي أنني التقي احمد بطالب ابراهيمي وأحمد الدوم وبوصوف عبد الحفيظ المدعو مبروك”.
كما وجه المجاهد بخوش كلمته الأخيرة للشباب الجزائري بالقول: “شبابنا اليوم مثقف و مدرك لتاريخه أفضل من قبل والحقائق بين أيديهم اليوم لهم القدرة لبناء الجزائر التي ضحى بها مليون ونصف شهيد. فوجب عليهم أن يرفعوا سواعدهم لخدمة بلادهم ويحافظوا على دماء الشهداء و تضحية المجاهدين”.
مواجهة المؤامرات
يؤكد الباحث والمؤرخ رابح لونيس قائلا: “ففي ثورة نوفمبر دفعنا ثمنا باهظا لتحرير الجزائر وإنشاء دولتنا الوطنية، مما يتطلب الحفاظ عليها، وذلك ببذل الجهد لبناء جزائر قوية في كل المجالات، مما يجعلها رادعة لكل من يحاول الإقتراب منها أو المساس بسيادتها ووحدتها، فكما دفع أجدادنا وأباءنا ضريبة الدم لتحرير الجزائر، فما علينا نحن اليوم إلا دفع ضريبة العرق كي لانظطر مرة أخرى لدفع ضريبة الدم، كما كان يقع في ماضينا، فعلى أجيال اليوم والمستقبل أن تعي مدى التضحيات والثمن الذي دفعناه لإقامة دولتنا، كما عليها أيضا أن تستلهم من نوفمبر روح الوحدة في جبهة واحدة وهي نفس الوحدة والتكاتف الذي نحتاجه اليوم لمواجهة كل المناورات والمؤامرات التي تتعرض لها الجزائر من أعدائها، وكذلك لمواجهة عدو آخر، وهو التخلف، فالجزائر في حاجة إلى جبهة وطنية تجمع كل القوى لمواجهة التخلف.
ومن جانب آخر يضيف لونيسي”، علينا أيضا أن نحول ثورتنا إلى قوة ناعمة مؤثرة عالميا وإقليميا، وذلك بتخليد مآثرها وبطولات شعبنا، ويمكن أن نوظف في ذلك الكثير من الأدوات التي تنشيء القوة الناعمة- حسب الأمريكي جوزيف ناي-، وهي الإعلام والآداب والفكر والفنون، وعلى رأسها السنيما وغيرها، ونعتقد أن قرار إنشاء فرع الفنون في الثانويات يدخل في هذا المجال، ويستهدف تكوين فنانين وسنيمائيين ومخرجين وممثلين من طراز عال جديد، مما يسمح لهم بإنتاج أفلام ومسلسلات حول تاريخ شعبنا وبطولاته وإنجازاته ومآثر ثورتنا كي تصل إلى كل أنحاء العالم، فلا تعود لنا فقط بالفائدة المادية من تسويقها بصفتها صناعة، بل أيضا إنشاء قوة ناعمة جزائرية.
ثورة نوفمبر قمة الصبر والشجاعة
و من جهته أوضح الأستاذ “فوزي مصمودي”، باحث في التاريخ بأن ثورة نوفمبر المجيدة كلها دروس و عبر للإحتلال و الأجيال. بالنسبة للإحتلال فهو “تلميذ غبي” على حد تعبير قائد الثورة الفيتنامية الجنرال جياب، كما أن الشعوب مهما طال الزمن ستفتك إستقلالها و تستعيد كرامتها التي سلبت منها بكل الطرق و الوسائل التي من شأنها إعادة الاعتبار لهذا الوطن.
ويضيف محدثنا “بالنسبة للشعب الجزائري، هي دروس عديدة فقد أدرك شعبنا أن الحرية تأخذ ولا تعطى، و ثورة نوفمبر هي قمة الصبر والتضحية والشجاعة، من اجل استقلال الجزائر التي كانت لها معاهدات عديدة مع الدول الأوروبية ودول المحيط بما فيها فرنسا، ومن الدروس التي نستخلصها من نوفمبر ضرورة المحافظة على إنجازات الرجال من الشهداء والمجاهدين والمحافظة على الاستقلال الذي كان ثمنه باهض جدا.
و بهدف حماية الذاكرة وإيصالها بأمانة يقول الأستاذ مصمودي، “حماية الذاكرة مسؤولية الجميع و على رأسها وزارة المجاهدين التي قامت بالعديد من الإنجازات في سبيل ربط الصلة بين الشباب والتاريخ، من خلال انتاج العديد من الأفلام السينمائية التاريخية الضخمة التي شكلت أيقونة لثورة نوفمبر المجيدة من خلال عشرات الأشرطة الوثائقية التي توثق تاريخنا من تجارب نووية. اليوم الوطني للشهيد. مجازر 8ماي 1945 وغيرها من الأعياد الوطنية التي نعتز بها و برصيد مجاهديها على غرار الكتب و المجلات الخاصة بشهداء الجزائر، حفاظا على إرث نوفمبر و تراث الشهداء و المجاهدين.
فالدور يقع على الجميع يقول الأستاذ مصمودي “على غرار دور وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، ووسائل الاعلام السمعية البصرية والمكتوبة ، عليها أن تخدم التاريخ وتوصله للأجيال التي تبقى متعطشة للتعرف على ما قام به الأجداد.
للمجتمع المدني دور أساسي في ترسيخ الذاكرة
وعن دور المجتمع المدني في المحافظة على الذاكرة، أكد “السعيد تريعة” أستاذ جامعي وباحث في التراث والمكلف بالإعلام على مستوى جمعية تراث الأجيال، بأن ذكرى أول نوفمبر، تعتبر تتويج لمسار تاريخي تجاوز القرن والنصف، فبعد الإحتلال الفرنسي للجزائر، كانت هناك ردود أفعال عن مقاومات شعبية وسياسية وثقافية، فاجتمعت المقاومات بمختلف أنواعها.
فما ميز ثورة أول نوفمبر، أنها جاءت كفعل مفاجئ للاستعمار الفرنسي، في وقت لم يكن يتوقعه، جمعت كل أطراف الشعب ونجحت في هزم أكبر قوة استعمارية في تلك الفترة، متحالفة مع الحلف الأطلسي، وبالتالي قدمت درس بأن الشعب عندما يتوحد ويكون هناك التفات حول قضية وطنية تفوق كل اعتبار، ستتحقق الأهداف، لهذا سميت ثورة وليست مقاومة، والتي تعني التغيير الجذري في مختلف النواحي، فكانت أسطورة استفادت منها شعوب العالم وأصبحت بعدها تسمى “قبلة الثوار”، لأنها أثبتت أن لا شيء مستحيل، إذا الشعب قرر ذلك والتف حول وطنه وتبنى قضيته خاصة وأنها تتعلق بالحرية والاستقلال وإعادة الكرامة لهذا الشعب.
فدور المجتمع المدني في المحافظة على الذاكرة، قال الأستاذ تريعة”، هام كونه مؤطر الذاكرة وقائد الشباب، وهو يعمل على ترسيخ الذاكرة، من خلال عدة وسائل، مثل المعارض والملتقيات والندوات، وهو الفضاء الذي يجمع بين النخبة وعامة المجتمع، من خلال مختلف الوسائل، كما له دور في جمع الشهادات والتعريف بالذاكرة من خلال نقلها من جيل الى آخر. كما أن الذين عايشوا الأحداث نستفيد منهم في تسجيلها وجمعها ثم توثيقها ووضعها بين أيادي مختصين لنقلها الى أجيال مختلفة، إضافة إلى طباعة كل ما يفيد الذاكرة الوطنية بمفهومها الواسع والمرتبط بالتراث المادي واللامادي، كالاحداث والشواهد وأماكن تاريخية لازالت الى يومنا هذا عبارة عن فضاء ناطق بحد ذاته لأحداث تاريخية.
فالمجتمع المدني له دور في المساهمة الفعلية والربط بين الأكاديميين والمجتمع للتحسيس بأهمية الأماكن والموروث ونقله ومحاولة الربط بمختلف الأطراف المتعلقة بالذاكرة الوطنية لأنها تجسد من عايشوا هذه الاحداث، و لجمع هذه الأطراف ونقل المعلومات لا بد من تضافر الجهود التي تعتمد على المجتمع المدني كرابط للمساهمة في الحفاظ على هذه الذاكرة.