508

0

بينما تشن إسرائيل حرب الإبادة الجماعية على أهلنا في غزة و لبنان :

ارتفاع ملحوظ للتبادل " التجاري" بين تل أبيب والدول العربية المطبعة !؟

حصاد التيه و الغرور بعد مرور أربع سنوات، على "  اتفاقيات أبرهام " !!

مصطفى محمد حابس : جينيف / سويسرا.

يكاد يتفق الجميع أن أهم ما أنجزه طوفان الأقصى - إلى الآن- هو نسف صورة العدو الذهنية التي صورها عن نفسه، وتعريته أمام العالمين. لكن مع نسف الطوفان لهذه الصورة، نسف أيضاً جبالاً من اليأس والإحباط بعدما أحاطت بالمصلحين طوال عقد مضى (2013-2023)، وأزاح حمولة كثيفة من المفاهيم البراقة المستوردة من خلف البحار، أو تلك التي رسخها المنافقون العرب ( والمطبعون في القلب منهم)، ثم ضاقت هذه المفاهيم عن أن تشمل أهل غزة المحاصرة رغم زعمهم أنها أخلاق كونية (حقوق الإنسان، التعايش العالمي، الديانة الإبراهيمية، التطبيع الكامل، عدالة المجتمع الدولي…).

ولأن الفراغ لا يبقى فراغاً، ولابد من تمدد يشغله، فما إن تتوالى أيام معركة الطوفان، حتى نجد أنفسنا أمام سؤال: من يملأ فراغ هذه الحمولة من المفاهيم التي نُسفت؟ وكيف يمكن أن يُستثمر هذا المناخ المهيأ بخطاب فكري وعقدي ومفاهيمي جديد ينتظره المصلحون منذ زمن؟

 

أهمية فهم المعارك الفاصلة في صناعة الوعي وتشكيله لدى أجيال الأمة:

 

من طبيعة النفس الإنسانية أن ثمة معانٍ لا يمكن فهمها إلا في سياق ساخن من الأحداث التي يُوجدها الله فيها. ويُنبئنا الخطاب القرآني بأن أفضل وقت لتغيير القناعات الكبرى، وترسيخ القيم الأساسية لهذا الدين، وإحداث الوعي بحقيقة الإسلام، هو وقت المعارك الفاصلة، لما لها من أهمية كبيرة في صناعة الوعي وتشكيله بصورة لا تقل عن إعادتها تشكيل الجغرافيا وكتابة التاريخ. بل إن التأريخ للطفرات النوعية في تاريخ الأمم والمجتمعات، إنما هو تاريخ هذه الأحداث الفاصلة. والقرآن ما خلّد بدر (وهي معركة نصر) وأحد (وهي معركة هزيمة) والأحزاب وبقية المشاهد في آيات طوال، إلا لحاجة المؤمنين لهذه المعاني التي لا تتأتّى إلا في هذه الأجواء التي تتوحد فيها الغاية، وينعقد فيها العزم في سبيل الله تبارك وتعالى، ويعرف المؤمن فيها سبيله، بل إن بعض المعاني الإيمانية لا تتكشف إلا في هذا السياق التدافعي؛ قال تعالى:

"وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" [آل عمران 122].

 

الغزاويون عنوان النضال العالمي بأسره من أجل الحرية و الكرامة، وفلسطين قضية العدالة الإنسانية الأولى..

 

 

هناك كثير مما كتب وسيُكتب ويُقال على أعتاب الذكرى السنوية الأولى للسابع من أكتوبر وحرب الإبادة لشعب فلسطين الأعزل، غير أن معظمه لن يقترب من تقديم الصورة الكاملة لبطولة وصمود شعب مسالم أعزل صار أيقونة القيم الإنسانية والصمود لكل الشعوب المضطهدة ونضالها - لا سابق لها في تاريخنا المعاصر- ، لأن نضال الشعب الفلسطيني كنضال استقلال شقيقه الأكبر شعب الجزائر، وكما توقع  ذلك نيلسون مانديلا، فقد صار الغزاويون عنوان النضال العالمي بأسره من أجل الحرية والكرامة. وغدت فلسطين قضية العدالة الإنسانية الأولى في عصرنا، وهي التي تستنهض اليوم قوى وطاقات شبابية على امتداد العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة و أوروبا، ليس فقط ضد الاحتلال الإسرائيلي وجريمة الإبادة الجماعية، بل ومن أجل العدالة الإنسانية والاجتماعية في العالم بأسره!!

و بذات المناسبة خصصت لها الاسبوع الماضي جريدة " البصائر" الموقرة، عددا خاصا و مميزا، حيث جزم بشكل قطعي كاتب هذه السطور في مقال سابق له في ذات الملف؛ أن أكبر ضحايا هذا العدوان الصهيوني الفاشي بعد الشعبين الفلسطيني و اللبناني ، هي الأمم المتحدة، والقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، لا لشيء الا لأنه بعد السابع من أكتوبر 2023، اجتمعت المؤسسات الأممية عشرات المرات، سواء في الأمم المتحدة أو في مجلس الأمن، وكانت النتيجة الإجمالية بعد عام من العدوان فشل المجتمع الدولي فشلًا ذريعًا في فرض إرادته على العدو الصهيوني، وكانت الإدارة الأميركية هي العامل الأساس في إفشال الإرادة الدولية من خلال استخدامها حق النقض الفيتو 4 مرات في مجلس الأمن، واحتكار العملية التفاوضية، المنحازة!!

 

ولم تكن سببا. إذ هي نتيجة 76 عاما من تطهير عرقي لـ 70% من الشعب الفلسطيني و57 عاما من أطول احتلال في التاريخ الحديث، و لمنظومة أبارتهايد عنصرية فاقت في وحشيتها  كل ما سبقها، ولحصارٍ ظالم خنق قطاع غزة 17 عاماً من دون أن يلتفت العالم إلى معاناة أهله !!

 

 

- أن قيم المجتمع الغربي وادعاءاته حول القانون الدولي وحقوق الإنسان والديمقراطية، انهارت على رمال غزة وشواطئها، وانكشف حجم النفاق الغربي، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، ربيبة الغرب الاستعماري، و فُضحت ازدواجية المعايير الغربية عند المقارنة بين المواقف في أوكرانيا وفلسطين.

-  أن الولايات المتحدة، لم تكن يوما ولن تكون، وسيطا أو طرفا محايدا، ولو نسبيا، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فانحيازها مطلق، ولولا دعمها العسكري والمالي والسياسي غير المحدود لإسرائيل، لما صمدت الأخيرة شهراً في حرب الدمار التي تشنها اليوم في لبنان و فلسطين و العراق و اليمن !!

 

- أن خيبة الأمل الأكبر لشعوبنا المسلمة والتي تفوق خيبة الأمل من المجتمع الدولي، هي ضعف الأنظمة العربية والإسلامية وعجزها أمام الغطرسة العدوانية الإسرائيلية، و تقاعسها عن القيام بواجبها تجاه شعوبها على الأقل، وتجاه مقدّساتها.

 

-  أن إسرائيل، بحكومتها ومعارضتها، ليس لها  أي استعداد للسلام، أو للحلول الوسط مع الشعب الفلسطيني، ولا يوجد لديها إلا مشروع واحد، الاحتلال الدائم والاستيطان والضمّ والتهويد. وأثبتت إسرائيل، غير ما مرة  أنها لا تفهم إلا لغة القوة.

 

- أنه رغم همجية حرب اسرائيل الدموية في تحقيق أهدافها، فقد فشلت وستفشل بحول الله، لم ولن تستطيع اقتلاع المقاومة الفلسطينية، ولم ولن تنجح في إحداث التطهير العرقي، ولم ولن تنجح في بسط هيمنتها وسيطرتها أو كسر إرادة الشعب الفلسطيني المصمّم على نيل الحرية!!

- وفي ختام التظاهرات يذكر منظموها أنه من الواجب مواصلة التظاهرات السلمية، داعين الجمعيات و منظمات المجتمع المدني الضغط بشكل مستمر عبر دولهم و مؤسساتهم على محكمتي العدل والجنايات الدوليتين لإصدار أحكامهما، إذ من المنتظر أن الدول الغربية التي دعمت إسرائيل بالسلاح والمال ستفاجئ شعوبها بأخبار غير سارة، عندما تُصدر محكمة العدل الدولية حكمها بأن ما جرى في غزّة حرب إبادة جماعية، تحاسب عليها كل الأطراف، المانحة و المساعدة و المشاركة و النافخة في الكير من دول الغرب، و حتى "المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وَمَآ أَكَلَ السبع" من دول الجوار العربية !! 

و نحن في هذه التظاهرة، اقترب مني سويسري من معتنقي الاسلام الجدد معلقا على سياسة الحياد التي تنتهجها بلاده في بعض القضايا الدولية، قائلا لي :

" من بعد إذنكم أستاذنا أنا أعتقد أن الدعاء: أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين دعاء الكسالى المسترخين !!

في علم السياسة أسوأ قرار غياب القرار. أسوأ موقف غياب الموقف.. و الله المستعان" !!

 

 

تاريخ السابع من أكتوبر آخر مسمار في نعش " اتفاقيات أبراهام" ..

 

هناك ذكرى اخرى قبل السابع من أكتوبر لها علاقة بالصراع في الشرق الأوسط مرت منذ أسابيع مرور الكرام، و لم يتحدث عنها إلا في دوائر ضيقة، إنها " الذكرى الرابعة لاتفاقيات أبراهام"، وهي اتفاقيات لتطبيع العلاقات علنا جهارا نهارا بين إسرائيل وعدد من الدول العربية المتصهينة وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وُقعت في النصف الأخير من عام 2020، تعتبر أول تطبيع عربي إسرائيلي علني بالقرن الـ21، سماها مهندسوها بهذا الاسم للتعبير- في رأيهم- عن الارتباط بين اليهود والعرب لاشتراكهم في الجد الأكبر نبي الله إبراهيم عليه السلام. و بالتالي سميت اتفاقيات أبراهام (إبراهيم) بهذا الاسم نسبة إلى النبي إبراهيم عليه السلام الذي تنتسب إليه الديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية.

ويعتبر مهندسو هذه الاتفاقيات أنها بهذه التسمية تحيل إلى الأصل المشترك بين اليهود و المسلمين، و أن كليهما له ديانة تتبنى عبادة التوحيد التي نادى وجاء بها نبي الله إبراهيم عليه السلام.

وقد يلاحظ اليوم أن العلاقات الاسرائيلية مع البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة لم تعد ظاهرة بنفس القدر منذ هجمات حماس في السابع من أكتوبر، لكن شركاء إسرائيل العرب الجدد ما زالوا ملتزمين بالقرار " الاستراتيجي"، كما يحلو لهم تسميته، كما لا ينكر المسؤولون المطلعون على القضية التوتر الذي فرضته الحرب ضد حماس على علاقات إسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب، وحتى قبل الحرب، كانت اتفاقيات إبراهيم قد أصبحت أقل شعبية في شوارع حلفاء إسرائيل الجدد.

 

والإمارات العربية المتحدة إلى إسرائيل، والجدير بالذكر أنه على الرغم من التغيير في طبيعة العلاقات، فقد نمت التجارة الثنائية بشكل كبير بين إسرائيل مع الدول الثلاث، وبالمقارنة مع نفس الفترة من عام 2023، ارتفعت التجارة الثنائية مع البحرين في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024 بنسبة تزيد عن 900٪، ومع الإمارات العربية المتحدة بنسبة 4٪ ومع المغرب بنسبة 56٪، وفقًا لما نشره موقع معهد اتفاقيات إبراهيم للسلام.

 

في الواقع، في تقريره الأخير، الذي تم نشره قبل بضعة أيام، قام معهد اتفاقات إبراهيم للسلام بفحص وتحليل الإحصاءات الرسمية المرتبطة بالتجارة مع دول مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بين سبتمبر 2023 وديسمبر 2020، بالإضافة للأردن ومصر كدولتين شريكتين قبل اتفاقات أبراهم، ها هي  كوسوفو، الدولة ذات الأغلبية المسلمة أقامت علاقات مع إسرائيل في الفترة الاخيرة.

وبناء على بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي، كشف المعهد أنه "على الرغم من التوترات الجيوسياسية، فقد نجت اتفاقيات إبراهيم، واستمرت العلاقات الدبلوماسية والتجارية"، مؤكدا أنه تم الوصول إلى "آفاق جديدة" خلال النصف الأول من العام الحالي مع بحجم يقدر بـ 10 مليارات دولار..

 فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى:

 " سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا "

وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

" وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا"،

 وتعريف " العسر " في آيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير " اليسر " يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين !!  

لاحظ قول الله سبحانه  العليم  الخبير :" مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً " ولم يقل بعد العسر يسرا، للإشعار بأن هذا اليسر، ليس بعد العسر بزمن طويل، وإنما هو سيأتى في أعقابه بدون مهلة طويلة، متى وطن الإنسان نفسه على الصبر والأمل في فرج الله !!

إن الطوفان وما بعده، إنما هو بداية التشمير عن ساعد الجد، والصبر على ما هو آت، وتجاوز ساحة اليأس والإحباط إلى ميدان العمل الفسيح. فاللحظة مؤهلة للبذل، والساحة عطشى لمن يقوم لله فيها بما يستطيع، والنفوس متعطشة لمن يُذكّرها باسم الله في هذه الحياة، والطوفان برهان عملي على إمكانية الوصول. و نحن في مرحلة حرجة إلى أبعد مدى، ما قبلها ليس كالذي بعدها في ميزاني الأرض والسماء. فإذا كان محللو السياسة يستشرفون "ميلاد" نظام عالمي جديد، فحُق لنا أن نعمل نحن أيضاً - كلٌ بما يستطيع- لميلاد بعث إسلامي رباني جديد، يكون لاسم الإسلام فيه الموقع والمكانة التي ما وُجد الإسلام إلا ليشغلها على الأرض، وتكون موصلة الصلة بالسماء.

 ولو نظرنا لتلك القوى التي تتحكم بنا اليوم كيف كان حالها قبل أقل من قرن وكيف طحنتها الحروب المستعرة يوما حتى كادت أن تفنيها، لازداد يقيننا بقول ربنا

“إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (– آل عمران : 140 )”

 و بأهمية أن يبقى الخير (وإن كان ضعيفا واهيًا) على بذله، حريصًا على موقعه، مصرًا على منازلة الشر كلما تحين له الفرصة  !! ..

غير أننا لن نفعل ذلك لنكف طائر الموت عنا أو لنهنأ ببعض وسائل عيش - الدنيا غرورا - فحسب،  بل لأن لنا دينًا يحرضنا نربط على القروح وأن نمسح الجراح ونمضى لاستكمال عدتنا بأفراح الروح،  ونحن نتمثل - بصبر و يقين – قول ربنا تعالى:

 وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (– آل عمران : 139).

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services