4321

0

في حوار خاص لبركة نيوز .. سفير الجمهورية الصحراوية يكشف مآلات النزاع وتحديات المرحلة

تعد القضية الصحراوية، من أهم قضايا تصفية الاستعمار المدرجة على جدول أعمال الأمم المتحدة، حيث لا تزال محل نزاع دولي رغم وضوح المرجعيات القانونية، في مقدمتها حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.

أجرى الحوار شروق طالب

ولإلقاء الضوء على تطورات هذا الملف، ومستقبل القضية الصحراوية في ظل التغيرات الدولية والإفريقية، كان لنا لقاء مع سفير الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية لدى الجزائر، السيد خطري أدوه خطري.

في حوار خاص، للحديث عن الموقف الرسمي للقيادة الصحراوية، وعن آفاق الحل السياسي، وأوضاع اللاجئين، والدور الدولي المنتظر في المرحلة المقبلة.

برأيكم، أين تقف اليوم القضية الصحراوية على طاولة المجتمع الدولي؟ وهل ما زالت تحظى بالزخم نفسه الذي عرفته في العقود السابقة؟

بالفعل، القضية الصحراوية لا تزال في صميم اهتمام المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، باعتبارها قضية تصفية استعمار لم تستكمل بعد.
فالشعب الصحراوي لا يزال يمتلك حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير، ويجب أن يمارس هذا الحق من أجل وضع حد لمسار تصفية الاستعمار، وتحديد الوضع النهائي للصحراء الغربية.
كما تعتبر هذه المنطقة مصنفة ضمن الأقاليم الـ17 غير المتمتعة بالاستقلال والمسجلة لدى الأمم المتحدة.
القضية الصحراوية ما زالت مطروحة بقوة، وستكون ضمن أجندة اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر، كما ستناقش مجددا في مجلس الأمن الدولي خلال شهر أكتوبر القادم، ضمن مراجعة عمل بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو).

وعلى مستوى المنظمات الدولية الأخرى، تظل القضية الصحراوية حاضرة بقوة،  باعتبار الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية هي دولة مؤسسة للاتحاد الإفريقي وعضو فاعل فيه، ومعترف بها ليس فقط على المستوى الإفريقي، بل حتى خارج القارة.
وفي الآونة الأخيرة، شاركت الدولة الصحراوية في قمة الشراكة بين الاتحاد الإفريقي وبلدان الكاريبي في أديس أبابا، وألقى رئيس الجمهورية، السيد إبراهيم غالي، كلمة باسم الدولة الصحراوية.
كما كانت حاضرة في قمة التعاون بين الاتحاد الإفريقي واليابان، بالإضافة إلى مشاركتها في اجتماعات وزارية بين الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي في العاصمة الأوروبية.

كل هذه المؤشرات تؤكد أن القضية الصحراوية لا تزال حية على مستوى المجتمع الدولي، سواء في إطار الأمم المتحدة أو في المنظمات الإقليمية والدولية الأخرى، وهي مسألة قانونية وسياسية وأخلاقية تتطلب من المجتمع الدولي تنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، ومرافقة الشعب الصحراوي في مختلف ظروفه، سواء تحت الاحتلال المغربي أو في الشتات أو في مخيمات اللاجئين.
كما أن على المجتمع الدولي مسؤولية الضغط على الاحتلال المغربي حتى يتعامل بمسؤولية، من أجل إنهاء هذا النزاع، الذي هو في جوهره نتيجة غزو غير شرعي واحتلال عسكري لتراب غير تابع له.

كيف تقيّمون مواقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟ وهل ترون أنها منحازة أم عاجزة عن فرض قراراتها؟

بشكل عام، لا تزال الأمم المتحدة تعتبر القضية الصحراوية قضية قانون وعدالة، حيث يوجد إقليم مستعمر يخضع لمسار تصفية استعمار لم يكتمل بعد.
انسحاب القوة الاستعمارية السابقة، إسبانيا، واحتلال المغرب للإقليم، لا يغير من طبيعة القضية، تماما كما حدث في تيمور الشرقية، حين انسحبت البرتغال واحتلتها إندونيسيا، لكن ذلك لم يغير من الطبيعة القانونية للمسألة، واستُكملت لاحقا عملية تصفية الاستعمار فيها.

الأمم المتحدة ما زالت تحتفظ بهذا التوصيف القانوني للصحراء الغربية، وهو أمر مهم للغاية. ولكن ما يُؤخذ على المنظمة الدولية هو عجزها عن فرض قراراتها على المغرب، خاصة تلك المتعلقة بتقرير مصير الشعب الصحراوي.

لقد تم التوصل في عام 1991 إلى اتفاق بين جبهة البوليساريو والمغرب، برعاية الأمم المتحدة، لتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وتضمن الاتفاق وقف إطلاق النار ونشر بعثة المينورسو لتهيئة الظروف المناسبة.
لكن المغرب تراجع لاحقا عن التزاماته، ومع ذلك لم تتحرك الأمم المتحدة بالصرامة المطلوبة، ولم تتخذ الإجراءات الضرورية لإلزام المغرب بتنفيذ الاتفاق.
منذ ذلك الحين، يشهد مسار التسوية تراجعا واضحا، وأصبحت الأمم المتحدة مجرد مراقب، بلا فاعلية تذكر،  لا نقول إن الجهود غابت تماما، لكن الجهود التي بذلت منذ 1991 لم ترتقِ إلى مستوى يمكن الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير والاستقلال.
ما نؤكد عليه هو أن الأمم المتحدة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتطبيق قراراتها، واحترام الشرعية الدولية، وتمكين الشعب الصحراوي من حقه المشروع.
هذا العجز يعود إلى مواقف بعض الدول، خاصة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، الذين يدعمون المغرب ويقفون وراء هذا التقاعس الدولي، ويتسامحون مع الانتهاك الصارخ للقانون الدولي من قبل المغرب.
للأسف، هذا ما يسمح للاحتلال المغربي بالإفلات من المحاسبة، ويجعله خارج دائرة الضغط الدولي والعقوبات، رغم خرقه المتواصل لقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، وتحديه لإرادة المجتمع الدولي، والشرعية الدولية ككل.

ما هي انعكاسات الموقف المغربي على استقرار المنطقة المغاربية؟ وهل ترون أن النزاع الصحراوي يعرقل مشروع الاتحاد المغاربي؟

في الحقيقة، السياسات المغربية القائمة على التوسع والطمع في أراضي الغير، ورفض الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعوب، هي من الأسباب الرئيسية التي تقف خلف حالة الاإستقرار التي تعيشها المنطقة المغاربية.
وهذه السياسات لا تقتصر انعكاساتها السلبية على الصحراء الغربية فحسب، بل تمتد لتشمل مجمل المنطقة.

وذلك لان النظام المخزني في المغرب لا يزال أسيرا لعقيدة توسعية قديمة، يتحدث عن "المغرب الكبير" من منطلق يتجاوز المفهوم المغاربي المتعارف عليه، ليشمل الصحراء الغربية، وموريتانيا، وأجزاء من الجزائر، بل وحتى جزء من مالي.
من يتمسك بهذه الأوهام التوسعية لا يمكنه أن يكون عامل استقرار أو شريك موثوق في بناء فضاء مغاربي قائم على التعاون والتفاهم والاحترام المتبادل.
وعلى هذا الأساس، فإن النظام المغربي هو من يعرقل كل جهود الاستقرار، وهو من يحول دون تفعيل مؤسسات الاتحاد المغاربي، الذي لا تزال أبوابه مغلقة منذ عقود بسبب تعنت المغرب ورفضه احترام قرارات الشرعية الدولية بخصوص الصحراء الغربية.

أما الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، فإنها بالعكس، ستكون عامل استقرار وتنمية وتكامل في المنطقة، لأنها تؤمن بعدالة القضية، وتدعو إلى حل سلمي وعادل ينهي أسباب التوتر، ويحترم فيه حق الشعوب في تقرير مصيرها، بعيدا عن منطق الاحتلال والتوسع.

ومن المهم الإشارة إلى أن السياسات المغربية، خاصة في السنوات الأخيرة، لم تعد مجرد سياسات داخلية، بل باتت جزءا من استراتيجية أوسع، تدار من خارج المنطقة، وتهدف إلى فرض الهيمنة عبر أجندات لا تخدم شعوبنا.

هذه السياسات تُدار بعقلية استعمارية، وتخدم مصالح لا علاقة لها بمصالح المنطقة ولا باستقرارها.

كيف تصفون الوضع الإنساني في مخيمات اللاجئين الصحراويين؟ وما هي أبرز التحديات اليومية التي يواجهونها؟

من الناحية السياسية والمعنوية، يمكن القول بكل وضوح إن الوضع جيد جدا،  الشعب الصحراوي، سواء في مخيمات اللاجئين أو في المناطق المحتلة أو في الشتات، يعتز بأنه صمد لما يزيد عن خمسين سنة في وجه آلة حرب كبيرة ومدعومة من قِبل قوى دولية تمتلك السلاح والمال والخبرة.

هذه القوة المعنوية والنفسية العالية هي التي مكنت الصحراويين من الاستمرار في النضال، رغم القصف، والتشريد، ومحاولات الإبادة، والانتهاكات الجسيمة التي تعرضوا لها على مدى عقود.
ولولا هذه الروح القتالية والصمود الجماعي، لما استمرت القضية الصحراوية حتى اليوم، ولما بقي الشعب الصحراوي موحدا ومصمما على الكفاح بكل الوسائل، بما فيها الكفاح المسلح المشروع، من أجل تحقيق حريته واستقلاله.

أما من الناحية المادية، فالوضع يفرض تحديات مستمرة، الشعب الصحراوي في تطور مستمر، سواء من حيث عدد السكان أو من حيث النمو في التعليم والمعرفة والمؤهلات، وهو ما يضاعف من الاحتياجات، خصوصا في مجالات الصحة، والتعليم، والبنية التحتية، والرعاية الاجتماعية.
هناك احتياجات ملحة تتعلق برعاية الفئات الضعيفة، كالأطفال، والمسنين، والنساء، وغيرها من الفئات التي تتأثر بشكل مباشر بالوضع الإنساني الصعب في المخيمات.
لذلك، فإننا نوجه نداءً مستمرا إلى المجتمع الدولي، وإلى كل الأصدقاء والداعمين، لكي يواصلوا مرافقة الشعب الصحراوي في هذه المسيرة النضالية، ويقدموا له الدعم الإنساني اللازم في مختلف الجوانب.
الوضع الإنساني ليس بسيطا، لكنه لا يكسر عزيمة الصحراويين،  إنما يزيدهم إصرارا على انتزاع حقوقهم، وتحقيق تطلعاتهم في العودة إلى وطنهم محررا ومستقلا.

هنالك تقارير تتحدث عن انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية، كيف تتابعون ذلك من موقعكم الدبلوماسي؟

بالتأكيد، ما يحدث في الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية هو انتهاك ممنهج وشامل لحقوق الإنسان، يدخل ضمن سياسة متكاملة من القمع والتضييق الممارسة من طرف النظام المخزني في المغرب.
كل ما يجري هناك ليس أحداث معزولة، بل هو جزء من خطة واضحة تهدف إلى ترهيب الشعب الصحراوي، وكسر إرادته في النضال من أجل حقه المشروع في تقرير المصير والاستقلال.

نرصد يوميا حالات من الاختطافات، والمحاكمات الجائرة، والاعتقالات السياسية، والتعذيب، والملاحقات الأمنية، وصولا إلى سياسة التهجير القسري والعزل الكامل للمدن المحتلة عن العالم الخارجي.
الوضع في مدن مثل العيون، الداخلة، بوجدور والسمارة المحتلة هو أقرب إلى حالة حصار، حيث تمنع سلطات الاحتلال المغربي دخول المراقبين الدوليين، والصحفيين، وحتى ممثلي منظمات الأمم المتحدة.

والأحياء داخل هذه المدن محاصرة، والرقابة الأمنية مكثفة، وتشمل كاميرات المراقبة، والتجسس الرقمي، والتضييق على حركة النشطاء والمواطنين، كما يعانون من البطالة، التهميش، والتمييز العنصري.

أما عائلات المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم مجموعة "أكديم إزيك"، فتعيش مأساة حقيقية، في ظل استمرار توزيع أبنائهم على ستة سجون مغربية، تفصلها عشرات، بل مئات الكيلومترات عن مقرات سكن العائلات، مما يصعب عملية الزيارة والتواصل والرعاية.

ومن موقعنا الدبلوماسي، نتابع كل هذه الانتهاكات، ونعمل مع عدد كبير من النشطاء والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، والقانون الدولي، لتوثيق هذه الجرائم وكشفها أمام العالم.
ونسعى بكل الوسائل الدبلوماسية والقانونية لإبقاء قضية حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة حية في الضمير الدولي، للمطالبة بحماية المدنيين الصحراويين ووضع حد لحالة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الاحتلال المغربي.

الجزائر تعد الداعم التاريخي للقضية الصحراوية، كيف تترجمون طبيعة العلاقات الجزائرية – الصحراوية اليوم؟

الجزائر لم تكن فقط داعما، بل شريكا نضاليا حقيقي. تاريخها الكفاحي، الممتد على أكثر من 130 عاما من مقاومة الاستعمار الفرنسي، جعلها حليف طبيعي لكل الشعوب المكافحة من أجل الحرية والاستقلال في العالم، ومن ضمنها الشعب الصحراوي.
موقف الجزائر تجاه القضية الصحراوية ليس موقف ظرفي أو سياسي مرحلي، بل موقف مبدئي، راسخ، ومتجذر في عقيدتها السياسية ومبادئها الثورية.

الجزائر تقف مع حق الشعوب في تقرير المصير، سواء في فلسطين أو الصحراء الغربية أو في أي مكان من العالم.
الشعب الصحراوي يلتقي مع الشعب الجزائري في المبادئ والهدف، ويشتركان في مقاومة الاحتلال، ورفض الاستغلال والهيمنة.

ومنذ 1975، والجزائر تحتضن عشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين الذين فروا من القصف والاضطهاد المغربي، وقد قدمت لهم كل أشكال الدعم والمساندة، من المأوى والتعليم إلى الدعم السياسي والدبلوماسي والإنساني.
العلاقة بين الجمهورية الصحراوية الديمقراطية والجزائر مبنية على قيم الشهامة، النبل، والأخوة، والقيم الإنسانية الحقيقة، والتي باتت تفتقد في الكثير من مواقع العالم، بما فيها مواقع مجاورة، وهذا هو سبب مأساة الشعب الصحراوي التي عانها ومازال يعانيها.

ما مدى تأثير التحولات الدولية، مثل التقارب المغربي – الإسرائيلي، على مسار القضية الصحراوية؟

بطبيعة الحال، لا توجد قضية منعزلة عن محيطها الدولي والإقليمي، خاصة في ظل الظروف العالمية الحالية التي تشهد تحولات استراتيجية كبيرة.
وما نراه اليوم من تطبيع رسمي بين المغرب والكيان الصهيوني، لم يكن سوى إعلان عما كان قائما في الخفاء منذ عقود.

العلاقات المغربية – الإسرائيلية تعود إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتضمنت التعاون في مجالات التجسس، الأمن، وحتى في قضايا تخص لجنة القدس، التي كانت تستغلها الرباط لتهدئة المواقف العربية، بينما تحافظ في السر على قنوات مفتوحة مع إسرائيل.
اليوم، ومع ترسيم التطبيع، دخل المغرب في شراكة استراتيجية علنية مع الكيان الصهيوني، تشمل التعاون العسكري والأمني والتكنولوجي، وهذا بطبيعة الحال يوظف ضد الشعب الصحراوي، سواء عبر الدعم العسكري أو عبر استخدام تقنيات المراقبة والاختراق ضد النشطاء الصحراويين.
المغرب يحاول من خلال هذا التحالف فرض أمر واقع، وتحقيق مكاسب جيوسياسية على حساب الشعب الصحراوي وحقوقه، مستغلا التحولات الدولية والإقليمية.
لكننا نؤمن أن الحق لا يقهر، وأن إرادة الشعب الصحراوي، المدعومة بعدالة قضيته، قادرة على تجاوز هذه المرحلة كما تجاوزت العديد من المراحل الصعبة سابقا.
خمسون سنة من الصمود والنضال أثبتت أن الشعب الصحراوي، رغم قلة الإمكانيات ومحاولات التهميش والتصفية، قادر على الثبات والتحدي. النظام المغربي ظن في البداية أن بإمكانه القضاء على القضية في وقت قصير، لكنه اليوم، ورغم الأسلحة المتطورة والدعم الخارجي، ما زال يواجه إرادة شعب لا يقبل إلا بالحرية والاستقلال.

هل تعتقدون أن موقف الاتحاد الإفريقي اليوم أكثر قوة أم أكثر هشاشة مقارنة بالماضي تجاه القضية الصحراوية؟

موقف الاتحاد الإفريقي، كمنظمة قارية، لا يزال موقف ثابت وقوي تجاه القضية الصحراوية. فلو أخذنا على سبيل المثال ما حدث مؤخرا من مشاركة الدولة الصحراوية في قمم ومؤتمرات الشراكة، نجد أن الاتحاد الإفريقي حافظ على قراراته الواضحة، والتي تنص على أن جميع الدول الأعضاء في الاتحاد يجب أن تشارك على قدم المساواة في كل القمم مع الشركاء الدوليين.
رغم أن المغرب، منذ انضمامه مجددا إلى الاتحاد سنة 2017، حاول مرارا التأثير على هذه القرارات أو الالتفاف حولها، إلا أن الاتحاد بقي متمسكا بمبادئه، بفضل ما نسميه "النواة الصلبة" داخل الاتحاد، أي تلك الدول والقيادات التي لا تتحرك وفق المصالح الآنية، بل وفق مبادئ العدالة والقانون الدولي، والالتزام الكامل بقرارات المنظمة.
صحيح أن المغرب لا يزال يناور ويحاول التأثير، لكن حتى الآن الاتحاد الإفريقي صمد، وموقفه تجاه الصحراء الغربية لا يزال قوي ومتماسك.
وهذا الموقف يستحق التشجيع والتثمين، ويجب البناء عليه ومرافقته بمزيد من الدعم السياسي والدبلوماسي.

ما هي استراتيجيتكم المستقبلية للدبلوماسية الصحراوية في كسب الدعم العالمي؟

الدبلوماسية الصحراوية تستند إلى قاعدة صلبة، هي قاعدة الحق والقانون،  القضية الصحراوية ليست صراع بين أطراف سياسية، بل قضية تصفية استعمار وحق شعب في تقرير مصيره، وهي مسألة مبدئية معترف بها دوليا، ومحفوظة في ميثاق الأمم المتحدة وكل المواثيق الدولية ذات الصلة.
استراتيجيتنا تقوم على العمل الشامل والمتعدد الجبهات: على المستوى السياسي، القانوني، الإعلامي، الإنساني، والحقوقي.
ونتحرك في المحافل الدولية، وفي العلاقات الثنائية، وفي المنظمات متعددة الأطراف، من أجل فضح الاحتلال، وتثبيت الحق، وكسب مزيد من الاعتراف والدعم.

كما نركز على بناء تحالفات مع الشعوب والحكومات الداعمة للعدالة، دون أن نغلق الباب أمام أي طرف مستعد للعمل معنا في إطار من الاحترام المتبادل، والمبادئ الأممية التي تضمن حق شعبنا في الحرية والاستقلال.
الدبلوماسية الصحراوية، ممثلة في الجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو، منفتحة على الجميع، لا تحمل عداءً لأحد، ولا تسعى إلى الصدام، بل تطمح إلى إقامة علاقات قائمة على السلم والعدالة والاستقرار، في إطار احترام إرادة الشعب الصحراوي، وحقه غير القابل للتصرف في تقرير مصيره.

في ظل المتغيرات الجيوسياسية العالمية، هل ترون أن الصحراء الغربية قد تتحول إلى ورقة صراع دولي بين القوى الكبرى؟

للأسف، هناك محاولات لتحويل القضية الصحراوية إلى ورقة صراع بين قوى دولية، توظف فيها المصالح الأنانية التي لا تراعي لا حق الشعب الصحراوي، ولا استقرار المنطقة، ولا حتى مقتضيات الأمن والسلم في شمال وغرب إفريقيا.
نحن كقيادة صحراوية نسعى إلى إبعاد بلادنا عن دائرة الاستقطاب الجيوسياسي الضيق.
لا نريد أن تكون الصحراء الغربية ساحة لصراعات خارجية لا علاقة لها بطموحات شعبنا ولا بمصلحة شعوب المنطقة.
نحن لسنا من استجلب التدخلات ولا من دفع نحوها، بل الاحتلال المغربي هو من يفتح الأبواب لتلك التدخلات، من خلال سياساته التوسعية، وانتهاكه الصريح للشرعية الدولية، وتمرده على قرارات الأمم المتحدة، وحتى على ميثاق الاتحاد الإفريقي الذي ينص بوضوح على احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار وحق تقرير المصير.

المغرب، بسياساته، لا يهدد فقط الصحراء الغربية، بل يجر المنطقة بأكملها نحو دوامة صراعات لا متناهية، في وقت تحتاج فيه شعوبنا إلى السلام والتنمية والتعاون.
لذلك، نحن نوجه نداءً إلى المجتمع الدولي ليتحمل مسؤوليته، ويقف إلى جانب الحق والعدالة، ويمنع تحويل منطقتنا إلى مسرح جديد لتصفية الحسابات الجيوسياسية.
نحن نؤمن أن مستقبل شمال إفريقيا، من موريتانيا إلى الجزائر وتونس، لا يُبنى إلا على التفاهم، والتكامل، واحترام إرادة الشعوب، وليس على الاحتلال والتوسع وإذكاء الفتن،  والصحراء الغربية، كدولة وشعب، ستكون جزءًا من هذا المستقبل المستقر إذا ما نصف الحق وتم احترام القانون الدولي.

كيف تنظرون إلى ما يُروّج له المغرب من "الحكم الذاتي"؟ وهل ترون فيه أي حل واقعي للقضية الصحراوية؟

الحل في القضية الصحراوية يجب أن يبنى على أساس طبيعتها القانونية، وهي – بكل وضوح – قضية تصفية استعمار.
الصحراء الغربية مدرجة ضمن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي تحت إشراف الأمم المتحدة، وهذا يقتضي تنظيم استفتاء لتقرير المصير، يقرر فيه الشعب الصحراوي مصيره بحرية واختيار.
ما يروج له المغرب تحت مسمى "الحكم الذاتي" ليس حلا واقعيا ولا شرعيا، هو مجرد محاولة لإعادة إنتاج الاحتلال بصيغة أخرى، والشعب الصحراوي لا يطلب من المغرب منحة أو هبة، بل يمارس حقا أصيلا كفلته الشرعية الدولية.
المغرب لا يملك السيادة على الصحراء الغربية حتى يعرض حكم ذاتي، ولا يملك حق تقرير مصير شعب آخر.

لقد اتفقنا مع المغرب في 1991، برعاية الأمم المتحدة، على تنظيم استفتاء يختار فيه الصحراويون بين خيارين: الانضمام إلى المغرب أو الاستقلال.
لكن المغرب، بعد أن أدرك أن إرادة الصحراويين تميل إلى الحرية والكفاح من أجل الاستقلال، ليس لخيار الانضمام، بدأ في عرقلة المسار ورفض تطبيق ما تم الاتفاق عليه.

نحن ناقشنا معهم منذ 2007 حتى 2012 في إطار قرارات مجلس الأمن، وقد قدمنا مقترح واضح تضمن ثلاثة خيارات في الاستفتاء، من بينها الحكم الذاتي كخيار يمكن التصويت عليه.

أما المغرب فقد تمسك فقط بخيار "الحكم الذاتي"، وكأنه المالك الوحيد للسيادة، متعاملا مع السيادة على الإقليم كأمر محسوم، دون الالتفات إلى التساؤل الجوهري: على أي أساس قانوني أو شرعي يُمنح ما لم يُثبت امتلاكه أصلا؟ أو بالأحرى من أين يملك المغرب ما سيعطيه للشعب الصحراوي؟

وما يسمى بالحكم الذاتي المغربي هو في الحقيقة محاولة للهروب إلى الأمام، والخروج عن الشرعية الدولية، والبحث عن غطاء لتفادي المحاسبة الدولية على الاحتلال والانتهاكات الجسيمة.

برأيكم، هل يكفي العمل الدبلوماسي وحده لتحقيق حلم الاستقلال، أم أن خيارات أخرى تظل مطروحة؟

الكفاح الصحراوي هو كفاح شامل، والدبلوماسية هي فقط إحدى أدواته، تعكس ما يتحقق على الأرض من صمود ونضال في مختلف الجبهات. المعركة لم تكن يوما محصورة في القاعات الدبلوماسية، بل هي مستمرة في الخنادق، في السجون، في ساحات النضال، وفي ساحات الإعلام والرأي العام.
الشعب الصحراوي يواصل نضاله على مختلف المستويات: في الميدان العسكري، في العمل السياسي، في التعبئة الجماهيرية، وفي فضح الاحتلال في المحافل الدولية.
هذه ليست معركة جيل فقط، بل معركة أجيال، وسيبقى الشعب الصحراوي متمسك بها حتى انتزاع الاستقلال الكامل.
لدينا محطات تاريخية قادمة تؤكد هذا العزم، أبرزها ذكرى إعلان الجمهورية الصحراوية التي نحتفل بها قريبا، كمناسبة لتجديد العهد بمواصلة المسيرة التحريرية.
الكفاح الشامل، والاشتغال على كل الجبهات، هو الضمانة الحقيقية لتحقيق حلم الشعب الصحراوي بالحرية والاستقلال.

كيف تقيّمون التغطية الإعلامية العربية والعالمية للقضية الصحراوية؟ وهل تشعرون أن الإعلام يقوم بدوره أم يغيب عمدا؟

الإعلام، بلا شك، يلعب دورا محوريا في معارك الشعوب من أجل التحرر،  ونحن نثمن عاليا الجهد الإعلامي الجزائري، الذي يواكب الكفاح الصحراوي بمهنية ومتابعة دقيقة ومستمرة، وينقل صوتنا إلى العالم.

كما نقدر الإعلام التضامني في أوروبا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الإفريقية، الذي يبرز معاناة الصحراويين ويفضح ممارسات الاحتلال.
لكن، للأسف، هناك غياب شبه تام في بعض الساحات، خاصة في الإعلام العربي، وهو في كثير من الأحيان تغييب متعمد، يُدار تحت ضغوط سياسية أو حسابات غير مبدئية.

لا نعفي أنفسنا من المسؤولية، وندرك أننا بحاجة إلى مضاعفة الجهود الإعلامية، خاصة لكسر الحصار المفروض على المناطق المحتلة، وتعرية جرائم الاحتلال.
فالمعاناة التي يعيشها الصحراويون في المدن المحتلة لا تصل بالقدر الكافي إلى الرأي العام الدولي، بسبب التعتيم الممنهج الذي تمارسه سلطات الاحتلال المغربي.
نؤمن أن الإعلام، اليوم أكثر من أي وقت مضى، عليه مسؤولية تاريخية في كشف الحقيقة، والوقوف إلى جانب القضايا العادلة.

ما مدى وعي الجيل الجديد من الشباب العربي والأفريقي بالقضية الصحراوية مقارنة بالأجيال السابقة؟

أشعر أن الأجيال الحالية، في العالم العربي وأفريقيا، بحاجة إلى مزيد من الوعي ليس فقط بالقضية الصحراوية، ولكن بكل قضايا التحرر والعدالة.

هناك نوع من الغياب أو التراجع في الفهم السياسي للقضايا الكبرى، نتيجة التحولات التي طرأت على المجتمعات وسلوك الإعلام.

لذلك، نحتاج إلى مزيد من الملتقيات والندوات، والتفاعل الحقيقي بين الشباب وبين القضايا المصيرية في بلدانهم ومحيطهم.
كمعرض التجارة البينية الإفريقية، المنظم مؤخرا بالجزائر، الحدث الاهم الذي أعطى انطباعا إيجابيا بأن هناك شباب إفريقي بدأ يتحرك، ويحمل هم التحرر والتنمية الاقتصادية والاستقلال الحقيقي للقارة.
الشباب هو المستقبل، ويجب أن يكون في قلب المعركة، لا على هامشها.

لو طلبنا منكم تلخيص القضية الصحراوية في ثلاث كلمات موجّهة للعالم، ماذا ستختارون؟

عدالة، حق، وصمود.

القضية الصحراوية قضية عدالة واضحة، وحق لا يسقط بالتقادم، هي أيضا قصة شعب صمد لنصف قرن، في وجه الاحتلال والقمع والتعتيم، ولا يزال مستعدا للاستمرار في هذا الكفاح حتى ينال حريته واستقلاله.
وفي الأخير، لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر لكل من وقف إلى جانبنا، سواء بكلمة، أو بموقف، أو بمرافعة في محفل دولي.

ما رسالتكم إلى الشباب العربي والأفريقي، خصوصًا في ظل ما يعيشه العالم من نزاعات وحروب؟

رسالتي بسيطة وواضحة: اعرفوا أنفسكم، وتاريخكم، وموقعكم في هذا العالم. لا تسمحوا للآخرين أن يرسموا مستقبلكم بدلا عنكم.
و يعد الوعي ضرورة قصوى في هذا الزمن المتغير، أمامنا تحديات، لكنها أيضا فرص لإعادة تشكيل العالم، ويجب أن يكون للشباب العربي والإفريقي دورا فاعلا فيها، من خلال النضال من أجل الحرية، السيادة، العدالة، والتكامل الإقليمي.
لا يزال هناك الكثير من الأوطان التي لم تتحرر بالكامل، والكثير من الحقوق التي لم تنتزع بعد... فلنكن في مستوى هذه المهمة التاريخية.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services