5600
7
بلقاسم بوميدونة... صوت الجلفة الذي حُوصر بالصمت

بقلم الحاج بن معمر
رحل الصحفي بلقاسم بوميدونة، ابن مدينة مسعد، بعد مسيرة امتدت 18 عاماً في إذاعة الجلفة، تاركاً وراءه أسئلةً عن إرث إعلامي وُصف بالجريء والطموح، لكنه ظلّ يعاني من التهميش وتصفية الحسابات في عالمٍ يُفترض أن يكون منبراً للحقيقة.
غيابه لم يُخيّم فقط على أسرته وزملائه، بل على جمهور عرفه صوتاً مُلهماً، وصديقاً عرفته عبر الهاتف شاركته هموم المدينة وإشكالات الإعلام والرياضة.
مسيرةٌ بين العطاء والتهميش
انطلق بوميدونة في عالم الإعلام عام 2005، حاملاً معه حُلم تغيير الواقع عبر الكلمة، لم يكن مجرد مُذيعٍ عابر، بل تحوّل إلى صوتٍ للمجتمع، يناقش قضايا الجلفة الرياضية بجرأة، ويُسلط الضوء على ملفاتٍ وتاريخ الرياضة طواها النسيان.
لكن مسيرته، رغم حيويّتها، واجهت عواصفَ داخلية، اتُهم مراراً بأن "بعض الأصوات" داخل المؤسسة الإعلامية حوّلت المنصة إلى ساحةٍ لصراعاتٍ شخصية، ما جعله ضحيةً لسياسات التهميش والإقصاء، يقول أحد زملائه: "كان بلقاسم يؤمن بالإعلام كرسالة، لكنّ البعض رأى فيه منافساً يجب إسكاته".
صداقة عبر الهاتف... وهمومٌ مشتركة
على الرغم من عدم التقائه وجهًا لوجه مع الكاتب، نسج بوميدونة صداقةً فريدة عبر الهاتف، تحوّلت إلى جلسات نقاشٍ عن واقع الإعلام المُعاش، وتحديات الرياضة المحلية، وآمال المجتمع في التغيير. "كنا نتكلم على الفرح والحزن ونتقاسم الهموم ..وأحلام لا تنتهي، ينتقد بحدّة، لكنه كان يختم دائماً بعبارة *'ياخالي، هذا هو قاشينا... نعمل بما نملك'*"، تلك العبارة لم تكن مجرد تلطيف للجو، بل تعكس فلسفته في التعامل مع التحديات: الإصرار على الاستمرار رغم كل شيء.
طموحٌ لم ينتهِ عند الصعوبات
لم تكن الصعوبات المهنية حاجزاً أمام طموح بوميدونة، كان يحلم بتطوير إذاعة الجلفة والإعلام الرياضي لتصبح منصةً وطنية مؤثرة، ويسعى إلى إنتاج برامج تُعلي صوت الشباب وتؤرخ لتاريخ الرياضة المحلية بفضل ثقافته الواسعة وشغفه الدائم في متابعة الأحداث،
لكن الموارد المحدودة، والبيروقراطية، والصراعات الداخلية، أحبطت الكثير من أفكاره، يقول أحد معارفه: "كان يؤمن بأن الإعلام سلطةٌ رابعة، لكنه اكتشف أن السلطة أحياناً تُكمّم الأفواه قبل أن تُنصت".
رحيلٌ يفتح جراح التساؤلات
يبقى رحيل بوميدونة مُحمّلاً بدلالاتٍ أكبر من مجرد فقدان شخص، إنه إشارةٌ إلى أزمة الإعلام المحلي في الجزائر، حيث تتحوّل المنصات أحياناً إلى ساحاتٍ لمعارك ضيقة، بدلاً من أن تكون جسراً للحوار.
يتساءل الكثيرون اليوم: هل سيُكرّم باسم "الفقيد" بعد أن نُسي حيّاً؟ وهل ستُحفظ مسيرته في أرشيف الإذاعة، أم ستُدفن معه؟
الوداع الأخير... وكلمة "ياخالي"
في شوارع مسعد، حيث وُلد وتربّى، شيّع عشرات الأهالي رجلًا لم يعرفوه إلا من خلال صوته. لكنّ تلك الكلمة التي طالما ردّدها - *"ياخالي"* - ستظلّ شاهدةً على إنسانيته وقدرته على تحويل النقاشات الساخنة إلى جسور تواصل.
اليوم، تُغلق الإذاعة ملفّ أحد أبرز وجوهها، بينما يبقى سؤال العدالة في الإعلام مفتوحاً.
رحم الله بلقاسم بوميدونة... صوتاً لم يُسكتهُ الموت، بل أطلق صرخته الأخيرة في وجه الصمت.